السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخواني الأعزاء اليوم أقدم لكم شخصية تاريخية بارزة ساهمة في ما نحن فيه اليوم و أظن الكثير يعرفها و لكن لا يعرف الكثير عنها و أرجو بعد قراءة الموضوع ان تقولوا رأيكم في هذه الشخصية التي أعتبرها أنها مغفلة.
إن الناظر لأحداث التاريخ الإسلامي خاصة في فترات الاستضعاف والعدوان الأجنبي يرى أن البلاء الواقع على هذه الأمة يأتي من قبل غفلة كثيرة من أبناء المسلمين عن الطريق المستقيم الذي رسمه المولى عز وجل، ووضحه في كتابه العزيز خاصة فيما يتعلق بعلاقة المسلمين مع أعدائهم من اليهود والنصارى، فأوتي كثير من المسلمين من هذه الغفلة عن السنن الإلهية والغفلة عن مخططات العداء، وما يضمرونه تجاه أمة الإسلام، وهذه قصة واحد من كبار هؤلاء المغفلين إن لم يكن كبيرهم وأميرهم؛ لأنه جلب على نفسه وأمته وتاريخه العار ومن حيث لا يدري مهّد السبيل أمام اليهود لئن يدخلوا ويدنسوا القاع المقدسة، وما زالوا لوقتنا الحالي جاثمين على صدورنا لا نستطيع دفعهم ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الحجاز وحكم الأشراف :
تطلق كلمة الأشراف على آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بفرعيه الحسني والحسيني، وقد أمرنا بحب آل بيت نبينا عليه الصلاة والسلام، ووصانا بذلك الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وكان الأشراف يحكمون منطقة الحجاز [مكة والمدينة وما بينهما] في العصر الثاني للدولة العباسية، بعد سقوط الدولة العبيدية الملعونة والتي كانت تسيطر على الحجاز والشام إضافة لمصر، وكانت أسرة [قتادة] تحكم الحجاز منذ عام 598هـ ، وهي من الفرع الحسني وعمل زعماء تلك الأسرة لكل من يخضع الحجاز لسلطانه إذ عملوا للأيوبيين والمماليك، وعندما دالت دولة المماليك في مصر على يد العثمانيين عام 923 هـ ، أرسل الشريف [بركات الثاني] شريف مكة مفاتيح الحرمين الشريفين إشعارًا بالتبعية واعترافًا بالخضوع له، ومن نسله كان صاحبنا في تلك الصفحة الشريف حسين فهو الحفيد الحادي عشر للشريف [بركات الثاني] .
تولى الشريف حسين شرافة مكة سنة 1326هـ ، وكان قبل ذلك عضوًا في مجلس النواب العثماني أيام السلطان عبد الحميد الثاني، وكان السلطان عبد الحميد يتخوف منه، لذلك عمد على إبقائه في مجلس شورى الدولة في استانبول ليمنعه من العودة إلى مكة، وكان يقول عنه [إن الشريف حسين لا يحبنا إنه الآن هادئ، وساكن، ولكن الله وحده ماذا يمكن أن يفعله الشريف غدًا] لذلك لم يتم تعيين الشريف حسين أميرًا على مكة إلا بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني، وتولي [الاتحاد والترقي الحكم، وعندما علم السلطان عبد الحميد الثاني الخبر قال كلمته الشهيرة [لقد خرجت الحجاز من يدنا، واستقل العرب وتشتت ملك آل عثمان بتعيين الشريف حسين أميرًا على مكة المكرمة ، ويا ليته يقنع بإمارة مكة المكرمة وباستقلال العرب فقط، ولكنه سيعمل إلى أن ينال مقام الخلافة لنفسه] فجاءت هذه الكلمة مطابقة تمامًا لما في نفسية الشريف حسين .
الشريف حسين والاتحاد والترقي :
رغم أن رجال الاتحاد والترقي هم الذين عملوا على إرجاع الشريف حسين لإمرة مكة، ومن ثم الحجاز إلا أنه كان على خلاف دائم معهم فلم يكن معجبًا بهم ولا مقتنعًا بأسلوبهم خاصة أن معظمهم صغار السن وهو شيخ بالنسبة لهم ولشدة الاتحاد والترقي على رجال القومية العربية، وكان جمال باشا من أشدهم، وقد قبض على بعض عملاء الإنجليز من العرب بالشام أيام الحرب العالمة الأولى، وحاول الشريف حسين التوسط في شأنهم بأن أرسل ولده فيصل للقاء جمال باشا الذي أعدم هؤلاء العملاء، وكان أن يقتل فيصلاً لولا أنه هرب مما جعل الشرف حسين شديد البغض للاتحاد والترقي خاصة والدولة العثمانية عامة .
الشريف حسين والإنجليز :
يرجع اتصال الشريف حسين بالإنجليز إلى فكرة أطلقها الشيخ المشبوه جمال الدين الأفغاني في رسالة أرسلها إلى العميل الإنجليزي [بلفت] وفها خطة لإقصاء الخلافة عن الأتراك [العثمانيين] وإعلان الشريف حسين أمير مكة على المسلمين، وقد قام بلفت بدوره برفعها إلى وزارة الخارجية الإنجليزية التي رأت فيها فرصة سانحة لهدم الخلافة، وكان الشريف حسين وقتها في استانبول، فضغط الإنجليز على حكومة [الاتحاد والترقي] لتعيين الشريف حسين أميرًا على مكة .
ولكن لماذا الشريف حسين بالذات؟ يرجع ذلك لعدة أسباب منها :
1 ـ النسب الشريف الذي يرجع إليه الشريف حسين لأنه من آل البيت مما يعطيه ثقل معنوي عند عموم المسلمين وخصوصًا الشيعة والصوفية [وكانت الطرق الصوفية موالية للسلطان عبد الحميد].
2 ـ طموح الشريف حسين ورغبته الشديدة في الزعامة ليس للحجاز فقط بل للعالم الإسلامي كله .
3 ـ بغض الشريف حسين للعثمانيين عمومًا وللاتحاديين خصوصًا. بعد أن استأثروا لأنفسهم بكل المناصب ونحّوا العرب تمامًا من كافة مناصب الدولة .
4 ـ ظهور تيار القومية العربية كتيار مضاد للقومية التركية وتأثر حسين بتلك التيارات .
المؤامرة الإنجليزية :
عندما شعر الإنجليز أن الشريف حسين هو رجلهم المنشود لفك عرى الخلافة أخذوا في التآمر لاستغلال شخص هذا المغفل الكبير وذلك على النحو الآتي :
1 ـ توثيق العلاقة مع الشريف حسين بتبادل الزيارات والمعونات السخية له .
2 ـ وعود إنجليزية خادعة للشريف حسين بجعله خليفة على دولة عربية مستقلة والعجيب أن انجلترا تستدل على وعودها الكاذبة بنص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم [الأئمة من قريش] .
3 ـ ترسيخ فكرة الخلافة في المراسلات المتبادلة بين الطرفين والتي عرفت [حسين ـ ماكاهون] و'ماكماهون' هو المندوب الإنجليزي في مصر، وكانت هذه الرسائل كلها تملق وتزلف كاذب لخداع الشريف حسين واستغفاله، وفي وسط الكلام تدس كلامًا غامضًا لا يتضح فيه إلا سوء نية الإنجليز وهاكم مثلاً على تلك الرسائل الخادعة يوضح ما قلناه [بسم الله الرحمن الرحيم : إلى ساحة ذلك المقام الرفيع ذي الحسب الطاهر والنسب الفاخر قبلة الإسلام والمسلمين معدن الشرف وطيد المحتد سلالة مهبط الوحي المحمدي الشريف بن الشريف صاحب الدولة السيد الشريف حسين بن علي أمير مكة المعظم زاده الله رفعة وعلاءً .. آمين .. ثم يختم رسالته بقول : [إن جلالة ملكة بريطانيا العظمى ترب باسترداد الخلافة على يد عربي حميم من فرع تلك الدوحة النبوية المباركة] ثم يختم خطابه بالتاريخ الهجري، وهكذا نرى النفاق والمداهنة والخداع في هذا الخطاب الذي كان هو وأمثاله سببًا لوقوع الشريف حسين في تلك المكيدة، وكانت هذه الرسائل تصل من [ماكماهون] إلى حسين عن طريق رجل مصري اسمه [علي حسين روحي] وهو رجل مرتد كافر يدين بالبهائية، وكان أبوه موظفًا في دار المندوب الإنجليزي، والإنجليز دائمًا شديد الثقة بأمثال هؤلاء المرتدين من البهائيين والقاديانيين ويعتمدون عليهم في أعمالهم السرية ببلاد المسلمين ويعلق الدكتور محمد حسين رحمه الله على هذه الرسائل بأن بها ظاهرتين بارزتين: أولهما: أن إدراك الشريف حسين للمسألة العربية هو من وجهة نظر إسلامية خالصة، وثانيهما: إن الإنجليز يمالقونه ويداهنونه ويجارونه في مطامعه وأحلامه، ولكنهم لا يبذلون له وعودًا صريحة ولا يجيبونه إجابة واضحة ويكتفون بالإحاطة إلى رسائل شفوية يبلغها حامل الرسائل فيما لا يريدون أن يتقيدوا فيه بوعد مكتوب].
المفضلات