.
.
.
(باعتبارِ أن الفاصل ربما لا يظهر فسأوضحُ هنا: وضعتُ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
كيفَ حالكم يا أحبة؟
أتمنى من الله ان تكونوا بخيرٍ وعافية..
اممم هذه إطلالةٌ صغيرة ثانية على قسمكم، كنتُ قد وعدتكم بها في الطاولة..
الليلة كتبتُ مقالًا (طويلًا) ^^"، وعادتي في كتابة المقال
هي أن أكتب حتى تفرغ الفكرة من رأسي..
وربما لا تفرغ إذ أتمنى أن أضيف طوال الوقت لذا أتقيد بما كتبته أولًا..
وعدتُ أيضًا فتاة هنا بمقالٍ على مدونتي لكن للاستفادة للجميع، سأعرضه هنا وهناك..
طبعًا يختلفُ أسلوبي في كل نوع، لذا لا أتوقعُ مقارنةً بين أسلوبي في القصة مثلًا وهنا
و بانتظاركم، سواءً برد، بمناقشة، بنقدٍ بناء..
::
::
لنتقدمْ خطوةً..
تقولُ (آن بيما كودرون): " من المهم أن نتعلم أن نكون عطوفين على أنفسنا، ونتعلم أن نحترم ذواتنا، والسبب في أهمية ذلك أننا عندما نبحث داخل قلوبنا فإننا لا نتعرف على أنفسنا فقط! إننا أيضًا نتعرفُ على العالم من حولنا".
ويقولُ (زيج زيجلر): "ليس بالضرورةِ أن تكون عظيمًا حتى تبدأ، لكن يجبُ أن تبدأ إن أردتَ أن تكونَ عظيمًا".
هذه الأقوال تذكرني بموقفٍ ما ، حين دفعتْ إليّ أختٌ نصًا تحثّني على قراءته، لكنها ليستْ كاتبته! أعرضهُ عليكم كما هو لتقرؤوه: عنوانُ النص: صغيرٌ وأمنية..
((حكى لنا وليتهُ لم يحكِ..
ذلك الجنانُ الصغير، يتيمٌ فاقد الحنانِ، وللأمومةِ يحِنُّ..
يلفظُ الاسم، تدافعُهُ عبراتُ الزمن، وتخالطه دموعُ بكائي..
قالَ، وترجمتُ العبارةَ أنها: (جملةُ صغيرٍ فحسب)..
يا صغيرًا جاوز بالأماني سني الكبير، ناطِحْ بها قممَ الجبال..
***
نطقَ الثغرُ: (أودُّ لو أكبرُ وأكبر، وعمري يغدو بعمرِ الجدِّ)..
أريدُ أن أكون كبيرًا، ناهزَ بعمره آلاف السنين..
***
عمره لم يجاوِزْ عدد أصابع كفّي،
(يتقدمُ عمري وأموتُ)!
هكذا قالها، بأسلوبه الطفوليّ البريء، قالها وخنقتني العبرةُ..
(أموتُ.. فأدخلُ الجــنّةَ، ثمّ أرى أحبابي)..
***
آهٍ بعمركَ، تجلّت فيك أماني الفتوّة..
أحبةٌ وآهــاتٌ تلوها –كما وردتْ في النص-، أعلمُ قصده بها! لكن..
ونطق الدمعُ..
أمٌّ وافاها القدرُ، وصغيرٌ ينتظرُ اللقاء.. وجمعُ الأحبة يلتقي هنالك..
في مكانٍ تمنّاهُ الصغير..
***
أمهُ نهش جسدها الغض.. عضالُ المرض، وأذهب بزهرةِ الشباب..
وطفلٌ، رضعَ الألم، وما زال يرقُبُ الأملَ..
وأسْقِي الأماني في رؤى وأحلام..
ستعود، ويعود الحب من جديد..
ستعود الأمومة.. سيعودُ الحب البريء..
حبٌّ طاهرٌ، عفيفٌ، صادقٌ.. ويغرّدُ الثغرُ الصغيرُ: (أمــي)..
ويهنآنِ بجناتِ الخلد..
***
وما زال حيًا، يرشفُ الأماني، وعبق ذكرى الراحلة..
هناك صغيرٌ وأمنيةٌ بحجم الجبال..))
لن أتحدث عن نقدِ النص، وتفاصيلِ البلاغة أو النحو أو غيرها فيه؛ لأن الموقف الذي أودُّ التحدث عنه ليس النص بل عن موقف الكاتبة.. وعرضُ النص كان لذائقتكم وحكمكم على مستوى الكاتبة..
حين نكتبُ نصًا جميلًا كمثلِ هذا النص، نخجلُ –أحيانًا- أن نعرضهُ على من نجدُه أفضل منّا مستوى في الكتابةِ مثلًا، أو أن نبدأ مشوار المشاركةِ فيما نكتب! وكذا فعلتْ كاتبتنا العزيزة، في عمرها ربما لا نجدُ الكثيراتِ ممن تكتبُ بمثلِ هذه الموهبة فهي طالبةُ مدرسة، وفي عمرها تبدأ المشاعر الجميلةُ للكاتب والشاعر بالتفتح تدريجيًا، فتكتبُ في كل شيء، وتعبّر عن كلِّ ما يصادفها غالبًا، تحسُّ أن شحنةً من النشاطِ تغمرها لتكتب وتكتب، لكن تظهر المشكلةُ بعدها، هل ستتخذُ الخطوة التالية وتعرضُ نصوصها على الملأ؟
لا أقصدُ بالنصوص تلك الخصوصية التي تعبّر عن شخصك مباشرةً، بل النصوص الجميلة التي تحوي معاني ما تحس به نحو الحياة و المجتمع، والتي تصوّرُك كإنسانٍ قادرٍ على العطاء والمشاركةِ فيما شعرت به..
لماذا نترددُ في خطوةٍ هامة، كمواصلةِ الكتابة؟ هل لأن أخت (فلانة) كاتبة فهي ترى نفسها أقل شأنًا بحجة أن أختها قطعتْ مشوارًا في هذا الفن؟ أم لأن هدف الكتابة حين كتبتْ هو التعبير للنفس والحديث لها والتنفيس فقط؟
أم لأن قليلًا من الشجاعة تنقصنا لنتقدم قليلًا؟
لا أخفيكم، بدأتُ الكتابة مبكرةً، الكتابة الفعلية لما أريدُ كانت في أواخر المتوسطة، ثم جاء عرضُ نصوصي على أخواتي أولًا ثم أقاربي ثم محاولة خجلى وقفزةً صغيرة للجمهور حوّلت كل الماضي إلى مستقبل، وجعلتْ منه فخرًا لا خجلًا منه.. والفترةُ التي بين عرضي لنصوصي وإخفائها كانت لسنتين تقريبًا، لكنني تمنيتُ لو عرضتُها قبل ذلك..
لأنني، حين أعرضُ نصًا لأحدٍ ما، سأكسرُ حاجزًا في نفسي أوقفني وجعلني في حيرةٍ بين أن أكمل مشوار الكتابة، وأن أتوقف لأن عائلتي تمتلئ بالكتّاب، هذا الحاجزُ كان يهمس لي: ربما لا توجدُ لديّ الموهبة، فلماذا أعرضه على الملأ ثم أواجهُ بالضحك؟ وأكثرُ من كنتُ أتوخّى ألا تشاهد نصوصي كانت أختي الكبرى، أتدرون لمَ؟ لأنها في ذلك الوقتِ كانت الكاتبة رقم 1 في المدرسة، المعلماتُ يشِدن بها، يقرأن نصوصها، وهي تكتبُ بشكلٍ راقٍ جدًا كالمنفلوطي؛ لكثرةِ ما قرأت له.. لذا ولّدتْ لدي حافزًا لأكتب لكن شرط ألا أنشر أو أريه لأحد؛ لأن ما كتبتهُ -وكما كنتُ أرى-: (ليس أهلًا لأن يُعرضَ على كاتبةٍ مجيدةٍ مثلها) ، وربما دفعني تقديري لها وظني هذا أحيانًا إلى خلقِ حيرةٍ شديدة، قطعتُها يومًا بأن جربتُ أن أعرضَ عليها أفضل نصٍ بالنسبة إلي، لا أتذكرُ ردة فعلها الآن، لكنني أتذكرُ الإحساس وقتها، أحسستُ أنني وإياها على صعيدٍ واحد، أعني في كوننا كاتبتان، رغم رقي مستواها وعلوه لكثرةِ الممارسة والقراءة، سأصلُ لهذا المستوى يومًا، وسأستفيدُ من نصائحها الآن..
في ذلك الوقت، كل شكوكي التي دارت في مخيلتي ونسجتُها تبددتْ؛ فكاتبةٌ جيدة تعلّق على نصوصي وتناقش معي اختيار الكلمات، لن أكون مثاليةً فأقول أنني لم أواجه إحباطًا يومًا، واجهتُ الكثير، فبدايةُ مشواري الكتابي كانت محبطةً بحق، وسأذكرها في سيرتي الشخصية.. الشاهدُ أنْ مرت أيامٌ قالت فيها أختي نقدًا لنصوصي أحزنني، كنتُ أظنها ترى فيّ شيئًا عاديًا، لكن ما يغيبُ عن بالنا حين نناقشُ كاتبًا أنه يعتبرُنا كتّابًا فقط بلا مراتب فيعاملنا بجدية، ومنذ ذلك الوقت عقدتُ مصالحةً مع نفسي وذاتي، وأصبحتُ (عطوفة ومحترِمةً) لذاتي كما قالتْ (آن)، قرأ خالي نصًا وأرشدني لتعديل بعض الكلمات، قرأ والدي نصًا وأعجبه، أصبحتْ أمي تلقبني بـ(الكاتبة)، وهكذا بدأتُ..
بعدَ هذا العرضِ سأعود لكاتبتنا الصغيرة، هي جيدةٌ ككاتبة، لديها الموهبةُ وتحتاجُ لصقلها بالقراءةِ والاطلاع، وتحتاجُ لكلمة (شجاعة) و(عطف) تجاه ذاتها.. ذلك العطفُ الذي لا يسيّر النفس كما تريد، بل يحاورها بإنصاف ويخطو بها نحو الآتي، فإما تواصلُ أو تجدُ موهبةً تبرعُ فيها وتمارسها.. هي أُدرِجتْ بهذا النص ضمن موهوبات المدرسة، لكنها لم تجسر أن تتقدم وتعرض النص على من وجدتْها أفضل منها مستوى..
كثيرًا ما تسألني رفيقاتي: ما رأيكِ هل أنشر أم سأتعرضُ للإحراج؟ ولا أستطيعُ الإجابة في كلماتٍ قليلة، الإجابةُ تبدأ من نفسك بأن تكسر/ي حاجزًا ما هناك، أن تكون لديك الشجاعة كي تعطي وتتحملي و تناقشي و تتبصري، ولا يوجد كاتبٌ ولا شاعر جيد وصل لما هو عليه في ليلةٍ وضحاها، لكنه بالتأكيد قال يومًا: (سأطوّر نفسي)..
بالتأكيد جميعنا –منهم الكويتِبة أدناه- كتبنا ورقةً ومزقنا، كتبنا سطرًا وحذفناه، تعرضنا لنقدٍ وتبرمنا أحيانًا، ناقشنا ولا نزالُ نطور من أنفسنا ونصقل، لا لنصل للكمال، فالكمال لله، بل للإجادةِ فيما نكتب، لنصل لـ( إن الله يحبُّ إذا عمِلَ أحدكم عملًا أن يتقنه)، ولنصل لوقتٍ ننظرُ فيه لما مضى فنقولُ: (شكرًا لهذا الوقتِ، ومزيدًا من العطاء)..
كلنا، نبدأ من الصفر، صغارًا وكبارًا، نتمرس ونتعلم، نعطي ونأخذ، نحزنُ حينًا، ونطيرُ فرحًا أحيانًا، لكننا لا نتوقفُ لنقول: (لن أعرضَ ما كتبتُ فلستُ أهلًا للكتابة)..
وفي حياتنا، سنرى أشخاصًا، يعينوننا على الوقوف وتخطّي عثرة التردد، كأختي، وكأستاذٍ أقدّره كثيرًا، وكجميعِ من يساهمون في دفعنا للأمام، بكلمة، باستحسان، أو بابتسامة..
لا يهمُّ أن تكون مجيدًا لكي يتقبلك الكتّاب المجيدون، المهم أن تكون كاتبًا يسعى ليكون أفضل، مع إخلاص النية لله، فخطوة عرض النص على كاتبٍ مجيد ليست أسوأ من عرض النص على جمهورٍ كبير، له ثقافته وخلفيته وذائقته، فإن استطعتَ تقبل نفسك ونقدِ الكاتب لك، ستتمكنُ -بإذن المولى- من العطاء مع جمهورك ومن محاورة كافة القراء، ومن الشعور بالسعادة؛ لأن نصك حي، ولأن هذا يقول رأيه وتلك تعترض وهكذا تستعدُ لنصٍ جديد بنفسٍ أخرى وبحماسٍ آخر..
أخيرًا –وقد أطلتُ الحديث-، أتمنى لتلك الكاتبة مزيدًا من التقدم، ومزيدًا من التطور في هذه الموهبة، ولكم جميعًا، أقول: (لنكن عطوفين على أنفسنا، محترمين لذواتنا، شجعانًا وأكثر إقدامًا، ولنتقدمْ خطوةً نحو البداية الحقيقية)..
- ومضةٌ أخيرة: تحيةٌ لفتيات المتوسطة، لا لتحيزٍ لهن، بل لأن لديهن شجاعةً في تلك الفترة ورغبةً في التحول والقبول من البقية، وهذا يجعلهن –أحيانًا- أكثر تقبلًا لتصحيح النصوص، وتحيةٌ لأختٍ في المتوسطة ابتسمتْ حين أغرقتُ نصها نقدًا.. وإلى الأمام للجميع..
المفضلات