نهاية دولة الإسلام في الأندلس
عندما أطبق الحصار على المسلمين في مملكة غرناطة لأيام وهددهم الجوع والعطش والموت، لم يعد أمامهم سوى الحرب حتى آخر رجل أو التسليم للصليبيين، فكانوا يخرجون للمواجهة ثم يعودون وقد تساقط منهم الكثير، لكن نفاد المؤونة، ودخول الشتاء وانتشار المرض والجوع أقنع أبا عبد الله بالتفكير في مفاوضة ( فرديناند ) في التسليم غير مرة لولا اعتراض موسى بن أبي الغسان الذي قاد المعارك في جبال البشرات، وعندما تقدم حاكم المدينة أبو القاسم عبد الملك وقرر أن المؤن تكاد تنفد ولا جدوى من المقاومة، قرر أبوعبد الله ومن معه التسليم، فأرسل أبا القاسم لمفاوضة( فرديناند ). أما موسى بن أبي الغسان، فقد امتطى جواده ورحل رافضاً الذل والمهانة، وقيل: إنه أجهز على الصليبيين وفتك بالكثيرين منهم قبل أن يسقط من على ظهر جواده، ورفض الرأفة التي عرضوها عليه ، واستمر يقاتل بصمود حتى خارت قواه، ثم رمى بنفسه في النهر....!!
واتفق الطرفان على شروط التسليم التي وضعها (فرديناند) ووزراؤه.
وهكذا أذعنت غرناطة وسلمت، وانتهت دولة الإسلام بالأندلس في شهر صفر 897هـ ديسمبر 1491م، وطويت تلك الصفحة المجيدة من الدنيا، وقضي على تاريخ الحضارة هناك!! أما الملك التَعِس أبو عبد الله الصغير فقد قضت عليه معاهدة التسليم بأن يغادر غرناطة إلى البشرات.
ولما ذاعت أخبار التسليم وشروطه المذلة المهينة سخط المسلمون عليه، فاستعد للرحيل، وفي نفس اليوم الذي دخل فيه النصارى غرناطة، غادر أبو عبد الله قصره وموطن عزه ومجد آبائه، وتقدم نحو (فرديناند ) ومد إليه مفاتيح الحمراء قائلا له: "إن هذه المفاتيح هي الأثر الأخير لدولة العرب في إسبانيا، وقد أصبحت أيها الملك سيد تراثنا وديارنا وأشخاصنا، هكذا قضى الله، فكن في ظفرك رحيما عادلا"، وتقدم صحبة (فرديناند ) نحو الملكة ( إيزابيلا ) لتحيتها، وغادر المكان، وعندما أشرف في مسيره على منظر غرناطة انهمر دمعه وأجهش بالبكاء، فصاحت به أمه عائشة: "أجل، فلتبك كالنساء ملكاً لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال". وما تزال إحدى الصخور في إسبانيا تحمل اسماً مؤثراً لهذا المكان هو "زفرة العربي الأخيرة". وتقول إحدى الروايات إن أبا عبد الله رجا ( فرديناند ) أن يغلق الباب الذي خرج منه لآخر مرة حتى لا يجوزه من بعده إنسان !!
هذه يا اخواني و الله لدروس و عبر لنا في هذا الزمان فكم من أبي عبدالله الصغير أو الأحمر في هذا الزمان و إني آسف يا إخواني على إطالة الموضوع و لكن كان يجب أن أسرد أهم الأحداث و إني لأرجو الله أن يوفقني و يوفق جميع المسلمين و يعيد لنا فردوسنا الذي فرط فيه من كان قبلنا.
و هذه قصيدة قيلت في أبي عبد الله الصغير:
يبكي كما تبكي النساء حسافة ً *** مُلكا ً حماه من العدو رجالي
فأضاعه مستسلما ً في ضعفه ِ *** في دار أندلس ٍ تصيح جبالـي
غرناطة ً ولّت فما عادت لنا *** في يوم شؤم ٍ سـاده الإذلالـي
غرتهم الدنيا ببعض زخارف ٍ*** قصرا يفوق على القصور جمالي
حمراء يبكي والنقوش يتيمة ً*** لا غالبا ً لله ِ جلّ جلالي
ما فادهم نقشا ًعليه توكّلوا *** فغدا بحـال المسلميـن هوالـي
المفضلات