.
.
.
سأبدأ بمثلٍ قاله أستاذٌ لي، وأعجبني جدًا؛ فهو حقًا يصفُ صنفًا من الناس، وهو يُشابه قول الله عن المنافقين: "
قيل: وأوّل من نطق به غنمة أو عثمة بنت مطرود البجلية وكانت امرأة عاقلة ذات رأي مسموع في قومها. وكانت لها أخت
يقال لها خود ذات جمال وكمال. فقدم عليهم ذات مرة خمسة إخوة من غامد بطن من أزد يخطبون أختها خودًا وهم في زي
مونق(مؤنق) لابسو الحلل اليمانية على النجائب المهرية والرحال العلافية مكسوة بالثياب العبقرية.
فأنزلهم أبوها وأكرمهم. ثم غدوا عليه خاطبين معهم الشعثاء كاهنة لهم.
فقال لهم مطرود: أقيموا حتى نرى رأينا. ثم دخل على بنته
فقال: ما ترين؟
فقالت: أنكحني على قدري ولا تشطط في وهري، فإن تخط أحلامهم لا تخط أحسابهم؛ لعلي أصيب ولدًا وأكثر عددًا!
فخرج إليهم..
وقال لهم: أخبروني عن أفضلكم؟
فقالت له الشعثاء: اسمع أخبرك عنهم! هم أخوة كلهم أسوة.
أما الكبير فعمرو بحر غمر، سيد صقر يقصر دونه الفخر.
وأما الذي يليه فعاصم صلد صارم أبي حازم جيشه غانم وجاره سالم.
وأما الذي يليه فوثاب ليث غاب سريع الجواب عتيد الصواب كريم النصاب.
وأما الذي يليه فمدرك بذول لمّا يملك عزوف عما يترك يغني ويهلك.
وأما الذي يليه فجندل مقل لمّا يحمل يعطي ويبذل لا يخيم ولا ينكل.
فأبلغها أبوها ذلك فشاورت أختها غنمة فيهم
فقالت: ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل؟
اسمعي كلمة ناصحة: إنَّ شر الغريبة يعلن وخيرها يدفن فأنكحي في القرباء ولا تغررك أجسام الغرباء!
فلم تقبل منها
وأرسلت إلى أبيها: أنكحني مدركاً.
فأنكحها منه على مائة بعير برعاتها.
فحملها مدرك فلم يلبث معها إلاّ قليلًا حتى أغار على غامد فوارس من بني كنانة فاقتتلوا ساعة ثم انكشف زوجها وقومه
فسباها بنو مالك أبن كنانة فيمن سبوا وجعلت تبكي.
فقيل لها: وما يبكيك؟ أعلى فراق زوجك؟
قالت: قبحه الله!
قالوا: لقد كان جميلًا.
قالت: قبح الله جماله لا منعة معه! إنّما أبكي على عصياني أختي، وأخبرتهم خبرها.
فقال رجل منهم يقال له أبو نواي -وكان أسود أفوه مضطرب الخلق- : أترضين بي على أن أمنعك من ذؤبان العرب؟
فقالت لأصحابه: أنَّ كذلك هو؟
قالوا: نعم! إنه مع ما ترين ليمنع الخليلة وينقب القبيلة.
قالت: هذا أجمل جمالًا وأكمل كمالًا قد رضيت إياه.
وقال الشاعر:
ترى الفتـــــيان كالنخل
... و ما يدريـــك ما الدخلُ؟
وكـــــلٌ فـي الهوى ليــثٌ
... و ما في نـــلبه فـسلُ
وليس الشـأن في الوصل
... و لكن أن يرى الفضلُ!
وقالت الأخرى:
وقالـــت قولةً أخني
... و حــــجوا لـها عقلُ
ترى الفتيان كالنخل
... و ما يدرك ما الدخل؟
ومعنى المثل: أنك قد ترى الرجال حسان الظواهر والزي ولا تعرف حقيقة أمرهم وحال باطنهم. يضرب لمن له منظر حسن ولا خير عنده.
أو يتسرع وفقًا للشكل دون معرفة المخبــَر والسريرة..
.
.
.
المفضلات