الْمُسَابَقَة الْأَدَبِيْة الْكُبْرَى: عُمَر بَهَاء الْدِّيْن الْأَمِيرِي

[ منتدى اللغة العربية ]


النتائج 1 إلى 8 من 8
  1. #1

    الصورة الرمزية سجين العالمَين

    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المـشـــاركــات
    2,110
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Cool الْمُسَابَقَة الْأَدَبِيْة الْكُبْرَى: عُمَر بَهَاء الْدِّيْن الْأَمِيرِي

    خالد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , عمر كيف حالك؟

    -عمر: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بخير ولله الحمد والمنة يا خالد,
    مبارك ما سبب هذه الإبتسامة الكبيرة؟
    -
    خالد: هذه الإبتسامة لها قصة طويلة ولكنها شيقة ممتعة, أترغب في سماعها؟
    ولكن قبل أن تجيب إسمع هذا القصة

    في إحدى المناسبات ألقى شاعر محاضرة في الأدب وختمها بأمسية شعرية من شعره

    فقامت طالبة وقالت: ما رأيك بقول الشاعر
    -
    خلقت الجمال لنا فتنه *** وقلت لنا:ياعباد اتقون
    وانت جميل تحب الجمال *** فكيف عبادك لايعشقون
    -
    فساد صمت في قاعة المحاضرات وخجلت الفتاة وكاد الشاعر أن يحرج ثم قال يا بنيتي:
    -
    خلقت الجمال لنا نعمة *** وقلت لنا ياعباد اتقون
    وان الجمال تقىً والتقى*** جمال ولكن لمن يفقهون
    فذوق الجمال يصفي النفوس *** ويحبو العيون سمو العيون
    وإن التقى هاهنا في القلوب *** وما زال أهل التقى يعشقون
    ومن خامر الطهر أخلاقه *** تأبّى الصغار وعاف المجون
    -
    فعلت الأصوات تعبر عن فرحتها وسرورها بهذا الرد
    -
    والآن ما رأيك؟
    -
    عمر -متلعثماً-: أقالها مباشرة من غير إعداد ما شاء الله,
    قبل أن أسمع جوابه قلت في نفسي لقد وقع في موقف صعب,
    لكن جوابه لم يخطر ببالي, هذا الشاعر مبدع ومجيد

    ولكن المهم الآن من هو هذا الشاعر؟! أخبرني بسرعة

    خالد: إنه الشاعر الذي قيل عنه أنه أفضل شاعر في النصف الثاني من القرن العشرين
    وقد لقب بـشاعر الإنسانية المؤمنة,

    عمر: ومن يجهله أهوَ قائل هذه الأبيات

    خالد: نعم هوَ قائلها إنه شاعرنا "عمر بهاء الدين الأميري"

    عمر: بالمناسبة ألم نكن قد اتفقنا على أن نعمل على بحث، ما هذا الترم؟
    ما رأيك أن نقوم بدراسة هذا الشاعر؟ فقد تشوقت حقاً لقرآءة سيرته وشعره

    خالد: وما المشكلة أنا أرى ذلك أيضاً ولكننا بحاجة لاستشارة أنس فهو معنا في البحث,
    سأتصل عليه الآن ... أنس كيف حالك؟ وماذا تفعل الآن

    أنس: حالي بخير أما ما أعمله في المكتبة أبحث عن كتاب أقرأه

    خالد: نعم نعم هذه مصادفة جميلة, سأقترح عليك كتاباً تقرأه
    إقرأ ديوان أمي للشاعر عمر بهاء الدين,

    أنس -بعد أن وجد الكتاب- : حسناً أنا أقلب الصفحات الآن, إسمع إسمع

    أنتِ التي غَذّيتِـنـي وحَـضَنْتِـني ... لولاكِ ما أبصرتُ ضوءَ نَهاري
    أنتِ التي داريتِنـي فنَـمَوت في ... أحضان عطفِكِ خاليَ الأكْدارِ
    أنتِ التي أنشدتِني لحـنَ الوفـا ... وسهرتِ من أجلي إلى الأسحارِ
    أنتِ التي قبّلتِني وبـسمتِ لي ... وضممتِني وأنا الصغيرُ العاري
    أنتِ التي لـقنتــنـي آي الهُـدَى ... والحبّ والإحسانَ واسمَ الباري
    أرشدتِني ونصـحتِنـي ومنعتِني ... وعدلتِ بي عن منهج الأشرارِ
    لما نشأتُ دفعتِنـي بشجـاعـة .... لأنالَ ما يسمو مِنَ الأوطار

    عمر: ألم أقل لكم نجعل مشروع البحث عنه, أنس ما رأيك؟

    أنس: أولاً استأذن يا أخي أخفتني, فلم أعرف أنك مع خالد, وثانياً لِم لا فقد أعجبني شعره بحق

    خالد: حسناً فلنبحث كلنا عن الشاعر ولتهتم يا خالد بسيرته, وأنس بدواوينه وكتبه,
    وسأقوم ببعض دراسات على شعره وبعد ثلاثة أيام نجتمع ونجمع ما جمعنا

    أنس: آخر كلماتك كانت جميلة, بسم الله لنبدأ جمع المعلومات

    عمر: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, معذرة تأخرت عليكم

    خالد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته, لا عليك فقد كنا ننتظر, كيف بحثك؟

    عمر: ما شاء الله لقد كان لشاعرنا في مجال وقفته وبصمته التي عرف بها

    أنس: ما رأيكم إخوتي قبل أن نبدأ نقاشنا أن أبدأ بهذه المقدمة الصغيرة التي أعددتها لهذه المناسبة

    خالد: تفضل وأمتعنا





    الحمد لله ما غرد بلبل وصدح، وما اهتدى قلب وانشرح، وما عم فينا سرور وفرح، الحمد لله ما
    ارتفع نور الحق وظهر، وما تراجع الباطل وتقهقر، وما سال نبع ماء وتفجر ، وما طلع صبح
    وأسفر، وصلاةٌ وسلاماَ طيبين مباركين على النبي المطهر صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر،
    ما سار سفين للحق وأبحر، وما على نجم في السماء وأبهر، وعلى آله وصحبه خير أهل ومعشر،
    صلاةٌ وسلاماَ إلى يوم البعث و المحشر
    -
    سلام الله يسري ما أقيمــــــت---صلاة من عباد خاشعــــــينا
    وما جادت بماء المزن ســحــب---سقا الأشجار والزرع الدفينا
    سلام عاطـر ولــه أريـــــــــــج---من الأعماق يعبق ياسمــــينا
    سلام الله نهديه إليكــــــــــــم---مع الإشفاق ممزوجا أنيـــــنا
    -
    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    -
    أقدم لكم هدية ليست كأي هدية...
    فهي خير جليس وأنيس...
    تجمع شتى المقاييس...
    بوابه للعلم فسيحة...
    وأرجوحة للفكر مريحة...
    رياض غناء متناغمة في حلة حريرية ناعمة...
    حصون للحكم حصينة وقلاع حول مدينة...
    -
    يقول الرسول صلى الله عليه وسلم
    إن من البيان لسحرا و إن من الشعر لحكمه
    أو كما قال عليه الصلاة والسلام
    فبإذن الله سنستعرض اليوم مقتطفات من نتاج وسيرة أحد أمراء البيان
    المعاصرين جَادَ في فَنِهْ وسبر أغواره ورصّع حلله الزاهية
    -
    ذاك الأمير هو عمر بهاء الدين الأميري


    - عمر: لطالما أحببت سماع مقدماتك أنس فهي تفتح قلبي للمتابعة، أي عمر
    أعتقد أنكما الآن تنظران إلي, وكأني بكم تقولون سيرته نُريدْ
    حسناً سأستعرض لكم مستعيناً بالله سيرته بصورة سريعة حتى نأخذ فكرة عن حياته

    وقد أطلقت على هذا المبحث اسم




    *ولد الشاعر عمر بهاء الدين الأميري عام 1336هـ في مدينة حلب في سوريا
    ولد في أسرة من كرائم الأسر الحلبية, وفَقَدَ نَجَلَهُ -والده- محمد بهاء الدين الأميري, نائب حلب
    في ((مجلس المبعوثان العثماني)), وأنجبته والدته سامية الجندليًة ابنة حسن رضا,
    رئيس محكمة الاستئناف في حلب.
    -
    *أتمّ الشاعر دراسته الثانوية في حلب, ثم درس الأدب وفقه اللغة في جامعة السوربون
    بباريس, ودرس الحقوق في الجامعة السورية بدمشق
    -
    *درس علوم الاجتماع والنفس والأخلاق والتاريخ والحضارة في حلب ودمشق,
    وتولّى إدارة المعهد العربي الإسلامي بدمشق
    -
    *مارس مهنة المحاماة ردعاً من الزمن. وشارك في بعض مؤتمرات المحامين العرب
    -
    *عمل في السلك السياسي عدة سنوات,فمثّل سورية وزيراً وسفيراً في باكستان
    عام 1950م, وفي المملكة العربية السعودية عام 1954م.
    -
    *دعي إلى المغرب عام 1386, وعين أستاذاً لكرسي الإسلام والتيارات المعاصرة

    بدار الحديث الحسنية بالرباط –الدراسات العليا, كما درّس الحضارة الإسلامية
    في كلية الآداب والعلوم بجامعة محمند الخامس في فاس.
    -
    *يُدْعَى في كل عام أستاذاً زائراً للجامعات العربية,

    وأستاذاً محاضراً في المواسم الثقافية الجامعية والإسلامية.

    -
    خالد: أنس بما أنك المسؤول عن شعره
    فما رأيك أن تسمعنا بين كل مبحث يقوله عمر أبياتاً للشاعر تزيد حماسنا للمتابعة
    -
    أنس: بما أنكما ترغبون ذلك فاسمعا


    يا فلسطينُ يا تراثَ النبوةْ
    يا لسان المجد الأثيلِ المفوَّهْ
    -
    لا يُضرْك العدوان مهما تمادى
    إن هذا العدوان مبْعث قوة
    -
    أمة العُرْب فى ركابك هبتْ
    تلقم العاتي الزنيم عتوَّهْ
    -
    والأباةُ الكماةُ تهتز ثأراً
    كلما معرجُ الرسولِ تأوّه

    -
    ولأبين لكم فقظ فهذه الأبيات من أوائل الأبيات التي قالها في فلسطين

    عمر: أنس بما أنك ذكرت شعره عن فلسطين, فأعتقد أن الوقت مناسب
    لأخبركما عن موقف شاعرنا الإسلامي, وبعض كتبه التي ألفها فهو لم يكن شاعراً فقظ




    كان الشاعر الأميري يحمل همّ الأمة، ويرى أن ضياع دولة الخلافة وضياع فلسطين، إنما كان
    بتكالب كل القوى المناوئة للإسلام، وتفرّق كلمة المسلمين وانقسامهم واستعانتهم بأعدائهم على
    إخوانهم، فضلاً عن تأخر الأمة الإسلامية في ميدان العلم، وانغماس شبابها في الملذات
    والشهوات، وتقليد الغرب في قشور حضارته وترك النافع منها.
    -
    فكان يدعو إلى العمل الإسلامي الجاد الذي يسعى لإعادة الأمة إلى إسلامها وتطبيق شريعتها

    في واقع الحياة المعاصر. كما كان يوصي الشباب بالتزود بالعلم النافع، والالتزام بالخلق
    الفاضل، ويحذرهم من التعجّل لأن طول فترة التربية هو الأسلوب الأمثل لإعداد الرجال الأشداء
    -
    فمن كتبه المطبوعة:
    -
    1 - الإسلام فى المعترك الحضارى.
    -
    2 - المجتمع الإسلامى والتيارات المعاصرة.
    -
    3 - في رحاب القرآن (الحلقة الأولى: فى غار حراء)
    -
    4 - في رحاب القرآن (الحلقة الثانية: عروبة وإسلام)
    -
    5 - في رحاب القرآن (الحلقة الثالثة: وسطية الإسلام وأمته فى ضوء الفقه الحضاري)
    -
    ومن كتبه التى جمعت بين التاريخ والفكر والشعر:
    -
    1- صفحات ونفحات.
    -
    2- لقاءان فى طنجة.

    -
    خالد: ما شاء الله, أريد ان أقرأ كتب في رحاب القرآن
    حقيقة يا صديقاي هذا الشاعر مثال يقتدى به وله فن تستلذه به القلوب قبل الآذان
    والآن سأصطحبكم في جولة لن تنسوها في بحث ممتع انتقيت فيه أجمل أبيات ديوان" أب"

    أنس: بما أنك ستبدأ في ديوان أب سأسمح لي بأن أطلعكم على جزء من قصيدة أب الذي سمي الديوان بها

    وهتافهم: (بابا) إذا ابتعدوا ... ونجيهم: (بابا) إذا اقتربوا
    بالأمس كانوا ملء منزلنا ... واليوم، ويح اليوم قد ذهبوا
    وكأنما الصمت الذي هبطت ... أثقاله في الدار إذ غربوا
    إغفاءة المحموم هدأتها ... فيها يشيع الهم والتعب
    ذهبوا ، أجل ذهبوا ،ومسكنهم ... في القلب ، ما شطوا وما قربوا
    إني أراهم أينما التفتت ... نفسي وقد سكنوا ، وقد وثبوا
    وأحس في خلدي تلاعبهم ... في الدار ليس ينالهم نصب
    وبريق أعينهم ، إذا ظفروا ... ودموع حرقتهم إذا غلبوا
    في كل ركن منهم أثر ... وبكل زاوية لهم صخب
    في النافذات زجاجها حطموا ... في الحائط المدهون قد ثقبوا
    في الباب قد كسروا مزالجه ... وعليه قد رسموا وقد كتبوا
    في الصحن فيه بعض ما أكلوا ... في علبة الحلوى التي نهبوا
    في الشطر من تفاحة قضموا ... في فضلة الماء التي سكبوا
    إني أراهم حيثما اتجهت عيني ... كأسراب القطا سربوا
    بالأمس في (قرنايل ) نزلوا ... واليوم قد ضمتهم ( حلب)
    دمعي الذي كتمته جلدا ... لما تباكوا عندما ركبوا
    حتى إذا ساروا وقد نزعوا ... من أضلعي قلبا بهم يجب
    ألفيتي كالطفل عاطفة ... فإذا به كالغيث ينسكب
    قد يعجب العذال من رجل ... يبكي, ولو لم أبكِ فالعجب
    هيهات ما كل البكا خور ... إني وبي عزم الرجال, أب

    -
    عمر: أنس صراحة لن نستطيع الإستغناء عنه في أي بحث لنا, فأنت المبدع
    والآن خالد أسمعنا ما انتقيته من ديوان أب فقد تشوقنا لذلك






    شعره في ديوان أب
    -
    صدر هذا الديوان بحلته الأنيقة عن دار القرآن الكريم ببيروت في غُرّة رمضان 1294هـ
    الموافق 1974م, يضم عشر قصائد, تخيرها الشاعر من شعره في الأبوّة خلال30 عاماً, ورتبها
    حسب تسلسل التاريخ الذي نُظِمت فيه, وقدّم لكل منها بكلمة تضعها في الجو الذي قيلت فيه,
    وآثر أن يكتبها بخط يده على أن تكون بحروف المطبعة, لتكون أصدق في التعبير عن خلجات
    النفس, وأدق في نقل ومضات الشاعرية والشعور.
    -
    وقد اعتصر الشاعر الأميري هذه القصائد العشر, كما يقول في مقدمة ديوانه:

    مِنْ مَشاعِر "أبٍ" نحو بَنيه

    بين الأمل... والألم...
    في السَّرّاء... وفي الضًّرّاء...
    بين أُنُسٍ... وانقباض...
    في صَفاء... وبأساء...
    في رخاء... ولَأْواء...
    قلب "أبٍ" "أب"...
    يترنّم... يتألّم... يتكلم...
    -
    نظم أولها (براء) عام 1363هـ, وآخرها (زفرة نصوح) عام 1393هـ, وقد سبق ديوانه هذا
    دواوين: "مع الله" و"ألوان طيف" و"من وحي فلسطين", ثم صدر بعده ديوان"أمي".
    -
    وديوان"أب" ديوان كل أب عمرت نفسه بالمسؤولية نحو أولاده, وديوان كل ولد
    أُشْرِبت نفسه الوفاء والبر والإحسان بوالديه.
    -
    يقرأ فيه الآباء عواطفهم الأبويّة, ويجدون فيه عوناً على تحمّل أعباء الأبوّة,
    ويرى فيه الأبناء توجيهاً إلى جُدَد الخير, ينمي في نفوسهم خلق الوفاء,
    ويفجّر فيها ينابيع الرحمة والبر والعرفان.
    -
    ولعل خيرَ ما نقدّم به هذا الديوانَ قولُ الشاعر نفسه في مقدمته:

    هذا الديوان:

    ألوانٌ... وألوان...
    ألحانُ إيمانٍ... وإحسان...
    إرنانُ أشجان... وحنان...
    عطاءُ مِفَنٍّ... أو "فنّان"
    أُبوة شاعر...
    عصارة مشاعر...
    بوح إنسانِ... إنسان...
    لا زمانَ له... ولا مكان...
    -
    دراسة ديوان (أب)
    -
    إن نظرة مستأنية يلقيها الباحث على ديوان (أب) للشاعر عمر بهاءالدين الأميري, يؤوب منها
    بدلالة قاطعة على نسبة هذا اللون من الشعر إلى الأدب الإنساني الرفيع, الذي وسمته إنسانيته
    بسمه البقاء والخلود, إذ تجلت فيه الأبوّة الحانية, والمُثُل العليا, والفنّ الأصيل.
    -
    وفيما يلي عرض لهذه المقومات:
    -
    1- الأبوّة الحانية:
    -
    لقد ضمّن الشاعر ديوانه هذا وسوسات مشاعره الأبوية, فأسمعنا ألحان قلبه المفعم بحب
    أولاده, وآهات روحه المتعبة من همّهم, وانشغال الفكر عليهم, فعبّر بذلك عن مشاعر كل أب
    نحو أكباده ومِزَع قلبه. ولا جدال في أن مشاعر الأبّوة من أنبل المشاعر الإنسانية وأكرمها.
    -
    ففي القصيدة الأولى (براء), وهو اسم أكبر أولاده, تطالعك العاطفة الإنسانية في أنقى وأصدق
    أشكالها, عاطفة الأب المحبّ الحاني, ينظر إلى مولوده الأول,فيرى في عينيه الصافيتين وثغره
    الزاهي الرقيق سعادة تجعل العذاب حلواً, وهناءة تجلو عن النفس أوضاء العنا والهمّ:
    -
    لِصَفاءِ عَيْنَيْكَ العِذابْ ..... يَحْلو العَذابُ فلا عَذابْ
    ولِثغرِكَ الزّاهي الرّقيــ .... ـقِ, وقد تَفتَّحَ عن حَبابْ
    تَتهـنّـأُ النـفـسُ العَـنــا ... ويَلَذُّها خوضُ الصِّعابْ
    -
    ويمضي الشاعر في عزف ألحان الأبوّة الخالدة, فيخاطب وليده بأرقّ الكلمات
    وأحلاها وقعاً على الآذان:
    -
    يا بَسْمةً بِفَمِ الزّما ..... ن ودرة من غير عاب(1)
    يا زهرةً قدسّيةَ التَـ ..... ـكْوينِ عابقةَ المَلابْ(2)
    أبَـــراءُ, يا بَــرْداً لِــرو .... حي لاحْ في لَفَحاتِ آبْ
    يا مَنْ أراهُ خلالَ طَيْـ .... ـفِ الغَيْبِ يَرْفُلُ في الثيابْ
    -
    (1) العاب: العيب. (2) المَلاب: الطِّيب.
    -
    وننصت في ختام قصيدته الخالدة(أب), وهي من عيون الشعر العربي, إلى بَوْح الأبوّة
    الحانية العطوف إلى فراخها الزغب, وقد ركبوا للرحيل, فإذا نحن أمام أب يذوب حبّاً وحناناً
    ورقة, إلا أنه يتظاهر بالجلد والتماسك, فيكتّم دمعه, حتى إذا ما غابوا عن عينيه, أحس أنهم
    قد نزعوا قلبه من نِياطه, وأسالوا دَمْعَهُ من مآقيه, وإذا هو بعد رحيلهم بين قلب ملذّع
    لا يهدأ له وجيب, وعين مقرَّحة تسكب الدمع الهتون:
    -
    دَمْعي الذي كَتَّمْتُهُ جَلَداً ..... لمّا تَبَاكَوْا عندَما رَكِبوا
    حتّى إذا ساروا وقد نزَعوا .... من أضْلُعي قلباَ بهمْ يَجِبُ
    ألفيتُني كالطّفل عاطِفـةً ..... فإذا بهِ كالغيثِ ينسَكِبُ
    -
    إنه المشهد الإنساني الخالد, مشهد الأبوّة في ساعة الوداع, فلا تثريبَ على الأب الرجل الجَلْد
    إن سالت من عينيه الدموع, وهو يودّع فِلَذَ أكباده, بل العجب كل العجب من أب يقف هذا
    الموقف المؤثر, ولا تنهمر من عينيه الدموع:
    -
    قَدْ يَعجبُ العُذّالٌ مِنْ رجلٍ ..... يَبْكي, ولو لمْ أَبْكِ فَالْعَجَبُ
    هيهاتَ, ما كُلُّ البُكا خَوَرٌ ....... إني, وبي عَزْمُ الرّجالِ, أَبُ
    -
    وما أجملَ قولَه: "إني أب" في هذا السياق! إذ صوّر في هاتين الكلمتين عالم الأبوّة الغني
    الحافل بضروب المشاعر وألوان الأحاسيس التي تموج بها نفوس الآباء نحو الأبناء.
    -
    ثم عرض لوحة كاملة لنشاطهم وعُرامهم, وختمها بهذا المقطع العاطفي الزاخر الدفّاق بشعور
    الحنان والرضا بما في الأولاد من حلاوة ومرارة, وعذاب وعذوبة, وهموم وآمال, وهناءة وعناء:
    -
    كمْ ذا بَذَلْتُ حُشاشتي لَهُمُ ..... ووهبتُهمْ روحي, وما وبذلوا
    وحَـرَمْتٌ نفسي كُلَّ مَـطْلَبِها .... وحَبَوْتُهُمْ كُلَّ الذي سألوا
    فَهُمُ العَـذابُ, له عُـذوبـتُــه ....... وهمُ النظامُ جمالُه الخَلَلُ
    وهمُ الهُمومُ تُقِضُّ مضجَعَنا ...... وهمُ الغدُ المرموقُ والأملُ
    وهمُ الهَـنــاءةُ والعَنــاءُ مَعــاً ...... فمُقامُهمْ وفِراقُهمْ جَلَلُ
    -
    ولا يفتأ الوالد الشاعر يُسْدي نصحه لأولاده, ويعبر عن ألمه منهم إذا لم يحققوا أمله فيهم,
    وهم دائماً حبات القلب وقرّة العين:
    -
    في القلب نيرانٌ وفي ... عينَيَّ أُمْسِكُ ألفَ عَبْرَةْ
    تـأبَـى الأُبــوّةُ ذَرْفَـها ..... وببسْمَتي ألمُ وحَسْرَةْ
    مـمـنْ هـمُ لـلقـلـب ..... حبّتُـه, ولـلـعـيـنـيـن قُرَّةْ
    -
    2- المُثُل العليا:
    -
    ومن هذا المنطلق الشعوري تفيض نفس الشاعر الأب الإنسان بالمُثُل, يزجيها إلى ولده,
    فإذا هي نصائح أبوية ناضجة تنداح من برج الأبوّة الخالد إلى كل ولد يستشرف آفاق الحياة,
    ويتطلع إلى غده المرتقب:
    -
    أَبـــراء, هذا الـدّهـرُ مِنْ ..... صَفْوٍ ومِنْ كَدَرٍ يُشابْ
    فَـاْصْبِـرْ إذا شدّ الــزّمـا ...... نُ عليكَ في ظُفُرِ ونابْ
    واشكٌرْ إذا بسمَت لكَ الْـ ... أَيّامُ, وانقشعَ السّحابُ
    واثــبَــتْ لإِغْــراءِ الحَـيــا ..... ةِ وكُنْ قويّاً في المُصابْ
    واحرِصْ على التّقوى تَفُزْ .. فـمــآلُ دُنْـيـانـا تُـرابْ
    -
    3- الفن الأصيل:
    -
    لقد عبَّر الأميري عما طاف في ذهنه من خواطر ومثل عليا, بأسلوب عذبٍ رشيق,
    قوامه اللفظ الكريم الحلو الجرس, والتركيب الناصع الحسن السبك,
    والصورة الجميلة الشاخصة المعبّرة.
    -
    وليس أدلّ على التعبير العفوي الرشيق المرح في التعبير والإيقاع من قوله في قصيدة (أب):
    -
    فنَشيدُهمْ "بابـا" إذا فَرِحُوا ..... ووعِيدُهمْ "بابـا" إذا غَضِبوا
    وهٌتـافٌهمْ "بابـا" إذا ابتعَدوا ..... ونَجِيُّهمْ "بابـا" إذا اقتَــربـوا
    -
    على حين نجد الإيقاع في قصيدة (على شبك العينين) ينسرب من القلب شجيّاً, هادئ الرنين,
    حزين النغمة, وئيد الخطوة, يحكي ما تزخر به نفسه من مشاعر الألم والشوق والحنين:
    -
    ما أبعَدَ الأمسَ عن يَوْمي وأقربَهُ ..... لحنٌ شجيٌّ لهُ في النفسِ تَغْريدُ
    تَرُنُّ في أُذُنَيْ وِجْدي وَمَرْحمتي ..... بـذِكْـريـاتـيَ مـن "بابـا" أناشـيــدُ
    -
    وبعد, لقد أضاف الشاعر عمر بهاء الدين الأميري في ديوانه (أب) إلى الشعر العربي
    المعاصر لوناً جديداً, وزيّن بلحن الأبوة الخالد ملء قلبه وحناياه, إذ أفضى بخبيء قلبه نحو
    أولاده, ورسم لهم أجمل المشاهد وأروع اللوحات الفنية, وصاغ لهم من عالم القِيَم والمُثُل
    دُرَرَ النصائح, وعرض ذلك كله بأسلوب رشيق عذب أليف وديع, فكان بحق رائد شعر الأبوة
    في العصر الحديث, وكان ديوانه (أب) درًة في جبين الشعر العربي

    -
    عمر: ما شاء الله يا خالد, هذا ما كنا نريده, بحثك هذا هو أهم نقاط الموضوع
    جعلنا نعرف أسرار شعر هذا الصرح الكبير فجزاك الله خير

    أنس: عمر أود أن أعرف عن نشاطات الشاعر, أعماله وجهاده, فهل تستطيع إفادتنا





    تطوَّع في جيش الإنقاذ، سنة 1367هـ/ 1948م مقاتلاً في كتيبة الإخوان المسلمين السوريّين،
    وحمل مطالب الإخوان إلى حكومة جميل المدفعي في بغداد؛ التي تضمنت زيادة عدد القوات
    العراقيّة المشاركة في حرب فلسطين، وضرورة التحرك خارج حدود التقسيم، وإقصاء اليهود
    من الجبهة الوطنيّة لتحرير فلسطين التي تشكّلت في بغداد، وعايش القضيّة الفلسطينيّة،
    واكتوى بنارها، واتصل بمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، وكان يلتقي به في لبنان،
    نيابة عن المجاهدين السوريّين، وكانت القضيّة الفلسطينيّة هاجسه اليومي، فجّرت أغواره
    الشعريّة، فجاءت قصائده الفلسطينية متأججة بالعواطف؛ حيث سجل أحداثها وملاحمها على
    شكل مجاميع شعرية منها: (ملحمة الجهاد) 1388هـ/1968م،
    و(من وحي فلسطين)1390هـ/1971م، و(ملحمة النصر) 1394هـ/ 1974م، و(الزحف المقدس)
    و(حجارة من سجّيل) و(الأقصى وفتح القمة) و(الهزيمة والفجر).
    -
    وتفاعل مع الثورة الجزائريّة، وبناء باكستان، والمسيرة المغربيّة الخضراء،
    وعبّر عن المشاعر الإنسانيّة، وهموم المسلمين والمعذّبين.
    -
    وكان يدعو إلى إسقاط الحكومات المهزومة، وإلى رفع راية الثورة على الأنظمة المتخاذلة،
    ويتناول فساد الإدارة الحكوميّة في سوريّة، وسيطرة الطبقيّة والتخلّف،
    في افتتاحيّات جريدة (المنار) التي كان يحرّر بها سنة 1367هـ/ 1948م.
    -
    دُعي إلى المغرب لتدريس الحضارة الإسلاميّة بكليّة الآداب بجامعة محمد الخامس في مدينة فاس،
    ثم أستاذًا لكرسي الإسلام والتيارات المعاصرة، في دار الحديث الحسنيّة، وقسم الدراسات
    الإسلاميّة والعليا في جامعة الرباط، والقرويّين سنة 1386هـ/ 1966م.
    -
    عمل سفيرًا لبلاده في دولة باكستان الإسلاميّة عام 1369هـ/ 1950م،
    ثم سفيرًا في المملكة العربيّة السعوديّة عام 1373هـ/ 1954م.


    - خالد: عمر سمعت أنه قد كانت له علاقة مع الإمام البنا رحمهما الله, فهل قرأت عنها؟

    عمر: نعم ولله الحمد, بل عملت عليها بحثاً أسميته:




    تأثَّر بهاء الأميري بفكر الإمام الشهيد حسن البنا، وطريقته الإصلاحيّة، وانتسب إلى جماعة
    الإخوان المسلمين، وكان يرى أنها الحركة الإسلاميّة التي تتوافر فيها المواصفات المطلوبة
    للنهوض بالأمّة الإسلاميّة من كبوتها وتحررها من ربقة الاستعمار، فكان يقول: إن المستقبل
    لهذه الحركة الإسلاميّة إذا توفَّر لها الفهم الصحيح للإسلام، والقيادة الحكيمة الرشيدة،
    والعاملون المخلصون.
    -
    كان الأستاذ بهاء الأميري من أوائل من التحقوا بحركة الإخوان المسلمين في سوريا مع الأستاذ
    محمد المبارك، والأستاذ الشيخ محمد الحامد، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وغيرهم، وبذل جهودًا
    طيِّبة لدعم الحركة، وأسهم في توجيه شبابها، وكان وثيق الصلة بالإمام البنا وبعده الأستاذ الهضيبي،
    يكثر من زيارته والتردد عليه ومشاورته في الأمور.
    -
    انتشرت فكرة الإخوان في سوريا عام1933 و 1935م، لكن كان عام 1937م هو العام الذي
    استطاع الإخوان تأسيس أول مركز مرخَّص للجماعة في حلب تحت اسم: دار الأرقم، أي أن النشأة
    الرسمية للإخوان في سوريا كانت عام 1937م، وكان من أبرز المؤسسين: الأستاذ عمر بهاء الأميري،
    والأستاذ عبد القادر الحسيني، والأستاذ أحمد بنقسلي، والأستاذ فؤاد القطل، والشيخ عبد الوهاب
    الطوبجي، والأستاذ سامي الأصيل.
    -
    يقول الأميري: "في عام 1356ﻫ/ 1937م أُسِّس في حلب أول مركز مرخص لجماعة الإخوان؛
    رغم تضييق الاستعمار الفرنسي الغاشم، وبدأت منذ ذلك الوقت الاتصالات الوثيقة
    مع الإخوان في مصر.
    -
    لكن الجمعيات في سوريا في ذي الحجة سنة 1364ﻫ، الموافق نوفمبر 1945م، دمجت مع بعضها؛
    لتكون تحت مسمى الإخوان المسلمين، ويكون الدكتور مصطفى السباعي مراقبًا عامًّا عليها.
    -
    وعندما زار الإمام البنا سوريا في 13 من جماد الأول 1367هـ الموافق 23 من مارس 1948م،
    كان في استقباله في فندق أوريان بهاء الدين الأميري وكوكبة من إخوان سوريا.
    -
    اختير الأميري في أول هيئة تأسيسية للإخوان المسلمين؛ حيث كان من الأسماء التي وردت
    من خارج مصر اسمه والدكتور مصطفى السباعي، عبد اللطيف أبو قورة، محمد محمود الصواف،
    عبد العزيز العلي، الشيخ محمود خليفة، الحاج طاهر الدجاني.
    -
    ومن المواقف التي يذكرها مع الإمام البنا أنه كان في زيارة لمصر في صحبة والده، وحرص
    عمر أن يعرِّفه بالإمام البنا، فاصطحبه للمركز العام للإخوان المسلمين، وتقابلا مع الإمام الشهيد
    الذي رحب بهم بشده، وفي اليوم الثاني وأثناء استقلال الأميري ووالده القطار، وقبل التحرُّك بقليل
    من محطة مصر وجدا الإمام البنا يأتي مسرعًا حاملاً باقة من الزهور، ليقدمها لوالد بهاء الأميري
    ويودعه؛ مما ترك هذا الموقف أثرًا بليغًا في نفس الوالد والابن.
    -
    قال عن الإمام البنا:
    -
    كبلوا من حوله أبناءه--- رموه بين أشداق الأفاعي
    جردوه خلسة في خسة--- وتنادوا، وهو فرد، للنزاع
    وذئاب البغي حامت، ونضى--- كل نذل حوله سيف القراع
    والجماهير التي من ذاته--- بذل الرِّفد لها دون انقطاع
    حوقلت في خور وانطلقت--- لا تبالي بجهاد وصراع
    والألى كانوا يقولون له--- ملقًا: قد جئت بالأمر المطاع
    خذلوه وبدت أوجههم ---في الملا سوداء من غير قناع
    وشرى الباغون منهم ألسنا--- بذلوها ما دعي للمال داع
    في بيوت الله سبوا فندا--- خير داعٍ للهدى فيها وراع

    خالد: جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء على ما قدموه وعملوه
    وجزاك الله خيراً عمر على ما أتحفتنا به من الأمور, فقد استفدنا فعلاً

    عمر: أنس أتوقع أن الوقت قد حان لنأخذ معلومات مفصلة عن دواوينه وأسلوبه

    أنس: أبشر بالذي يسرك إن شاء الله فقد جمعت دواوينه ولخصت أسلوبه
    وأسأذنكم أيضاً في أخذ وقتي بالتحدث فأنا لم أتحدث رسمياً منذ البداية
    وسأخبركم إن شاء الله بأسلوبه ودواوينه وبعض أشعاره, فانصتوا

    -




    إذا كان بعض الشعراء يخلد إلى الأرض وينزع إلى الطين والحمأ المسنون، فإن الأميري يحلق
    بشعره على أجنحة ملائكية إلى آفاق علوية
    -
    وإذا كان منهم من استغرقه الحس وسجنه الجسد في قفصه، فإن الأميري قد سما بشعره
    إلى فردوس الروح وسماء الربانية، وتحرر من قبضة الجسد الحديدية، بفضل ما منحه الله
    تعالى من رحيق الإيمان وفيض الروح المشرق بنور اليقين
    -
    لقد جعل الأميري للعرب "إقبالاً" كما للهنود "إقبالهم"، وأحيا شعر "الحب الإلهي" في لغة
    جزلة عذبة معاصرة، تخاطب الكينونة الإنسانية كلها: عقلاً وروحًا وعاطفة وضميرًا،
    ولا تخاطب "الإنسان الجسد" وحده، كما يفعل بعض الشعراء المعاصرين، الذين اختصروا الإنسان
    في المرأة واختصروا المرأة في الجسد، واختصروا الحياة في اقتناص اللذات واتباع الشهوات
    -
    لهذا كان أحب الأوصاف والألقاب إلى شاعرنا: لقب "شاعر الإنسانية المؤمنة".
    فهو شاعر الإيمان وشاعر الإنسان
    -
    لقد قارن بعض النقّاد بين الأميري وابن الفارض.. لكن لابن الفارض نهجًا آخر غير نهج
    الأميري، وهو أنه يستخدم لغة الغزل الصريح وقاموس العشاق، وينزلها على الذات الإلهية
    والعياذ بالله، كما أن شعره يطفح بإشارات إلى "وحدة الوجود" والعياذ بالله وتعالى الله
    عن ذلك علوا كبيرا.. أما الأميري فهو يسلك إلى الله طريق التأمل في النفس
    وفي الآفاق والتجاوب مع الوجود المسبّح بحمد الله سبحانه
    -
    على أن شعر الأميري -كغيره من الشعراء- ليس كله في مستوى واحد،
    فهو أحيانًا يحلق ويعلو فيسبق سبقًا بعيدًا ولا يلحق بغباره أحد..
    وأحيانًا ينزل عن هذا الأفق الرفيع
    -
    وهذا طبيعي عند كل الشعراء، فمن الشعراء من يبدع ويتفوق في قصيدة واحدة ثم لا تجد له
    شعرًا في مستواها، ومنهم من يكون أكثر شعره عاليًا، ومنهم الأميري. وحتى القصيدة الواحدة
    تكون بعض أبياتها أميز من بعض، حتى إن العرب تعوّدوا أن يقولوا عن بيت معين من قصيدة
    تألق وعلا: إنه بيت القصيد!
    -
    أشار عليه بعض أصدقاءه من النقاد أن يحذف من شعره ما ليس بالمتفوق المبرّز, فقال:
    (( عدد من الأصدقاء والنقاد والأدباء.. يرون أن لا أنشر من آثاري وأشعاري إلا المتألق
    المتفوق.. حتى لا عرفني أسرة العلم والأدب, إلا في المقام المرموق))
    -
    وعدد آخر يتفق معي أو يجاريني, في أن نتاج الإنسان, ولا سيما شعره صورة من ذاته..
    وخلْقٌ من صفاته.. وتعبير عن مختلف حالاته... –وبودي أن نستبعد "العلوم" عن البحث هنا-
    فمن كمال الصدق, أن يظهر المرء نتاجَه, كما انقدح من سجيته.. في أصالة عفويته..
    له أن يتخير من بعدُ لفظاً محل لفظ, ويحور في الأسلوب, ويكيف الصورة, ليصبح الجوهر
    أبرز وأنور... وأما تفاوت المستويات.. فمن طبيعة الخِلقة والحياة.. في البشر "الكلّ"
    وفي الإنسان "الفرد".. درجات.. بعضها فوق بعض...
    -
    على المرء حقاً وحتماً, أن يستر العورات التي تؤذي.. من أي نوع كانت, وأما ما عداها..
    فأراني أحوّم حول النفاق إذا ألزمت نفسي بتملّق الأذواق, أو حاولت أن أزور جماع كياني,
    فلا أظهر إلى تألقات جناني.. حتى يتلقّاني الناس, وكأن كلّ نتاجي من هذا المستوى الأرفع...!
    -
    وأما دواوينه التي صدرت له:
    -
    - مع الله (ديوان شعر إلهي).
    -
    - ملحمة الجهاد.
    -
    - ألوان طيف (ديوان شعر وجداني).
    -
    - الهزيمة.. والفجر (شعر).
    -
    - الأقصى.. وفتح.. والقمة (شعر).
    -
    - من وحي فلسطين (شعر وفكر).
    -
    - مع الله (طبعة ثانية، مع نقد ودراسات).
    -
    - أشواق.. وإشراق (شعر).
    -
    - ملحمة النصر (شعر).
    -
    - أب.. (ديوان إنساني).
    -
    - ألوان من وحي المهرجان.
    -
    - أمي.. (ديوان شعر وجداني).
    -
    - أذان القرآن (ديوان شعر إسلامي).
    -
    - لقاءان في طنجة.. (شعر, وفكر, وتاريخ).
    -
    - نجاوى محمدية.
    -
    - الزحف المقدس (ديوان شعر جهادي).
    -
    - خماسيات.. الجزء الأول.
    -
    - قلب ورب (ديوان شعر إلهي).

    أنس: أنصحكم إخواي باقتناء دواوينه وقراءتها فهي كنز لا يقدر بثمن
    وشعره من أجمل ما يكون وقوعاً على القلب, وبساطة في اللفظ
    فكم تمتعت بقراءته والتفكر فيه, بل إن بعضه منهج حياة, وأصارحكما قد أبكاني بعضه
    وكي يوافق المقام المقال فسأذكر لكم بعض قصائده الجميلة-




    قصيدة مع الله
    -
    مع الله في سبحات الفكر * * * * * مع الله في لمحات البصر
    مع الله في زفرات الحشا * * * * * مع الله في نبضات النهر
    مع الله في رعشات الهوى * * * * * مع الله في الخلجات الأخر
    مع الله في مطمئن الكرى * * * * * مع الله عند امتداد السهر
    مع الله آن اجتلاء السنا * * * * * و نيل المنى و الهناء الأغر
    مع الله حال اتقاد الأسى * * * * * و وقع الأذى و احتدام الخطر
    مع الله في حمل عبئ الضنى * * * * مع الله بالصبر فيمن صبر
    مع الله و القلب في نشوة * * * * مع الله و النفس تشكو الضجر
    مع الله في كل بؤسى و نعمى * * * * * مع الله في كل خير و شر
    مع الله في أمسي المنقضي * * * * * مع الله في غدي المنتظر
    مع الله في عنفوان الصبا * * * * * مع الله في الضعف عند الكبر
    مع الله في الجسم و الروح والــ * * * * * ـشعور و خفق الرؤى و الفكر
    مع الله قبل حياتي و فيها * * * * * و ما بعدها..عند سكنى الحفر
    مع الله في النشر و الحشر و الـ * * * * * ـحساب على العمل المدخر
    مع الله في فيء فردوسه * * * * * مع الله في عوذنا من سقر
    مع الله في نبذ ما قد نهى * * * * * مع الله بالسمع فيما أمر
    مع الله في الجد من أمرنا * * * * * مع الله في جلسات السمر
    مع الله في خلوات الليالي * * * * * مع الله في الرهط و المؤتمر
    مع الله في حب أهل التقى * * * * * مع الله في كره من قد فجر
    مع الله في مدلهم الدجى * * * * * مع الله عند انبلاج السحر
    مع الله في لألآت النجوم * * * * * و حبك الغيوم و ضوء القمر
    مع الله و الشمس تكسو الدنى * * * * * مع الله و الشهب كر و فر
    مع الله عند هزيم الرعود * * * * * و لمع البروق و دفق المطر
    مع الله في الفلك المستطير * * * * * و في الشمس تجري الى مستقر
    مع الله في الأرض في سهلها * * * * * و أودائها و الرواسي الكبر
    مع الله في البحر ملح أجاج * * * * * مع الله في سلسبيل النهر
    مع الله في نأمات الوجود * * * * * مع الله في كل ما قد فطر
    مع الله في سكنات الحياة * * * * * مع الله في حركات الحجر
    مع الله في نسمات الرياح * * * * * اللواقح تخطر بين الشجر
    مع الله في نفحات الشدا * * * * * مع الله ملء ثغور الزهر
    مع الله في الحقل حلو الجنى * * * * * مع الله في الروض داني الثمر
    مع الله سامع صوت الدبيب * * * * * مع النمل أنى و أيان مر
    مع الله و النحل يحسو الرحيق * * * * * و يحمي جناه بوخز الابر
    مع الله في رفرفات الفراش * * * * * تلامع في الشمس مثل الدرر
    مع الله و الطير تغدو خماصا * * * * * و تنعم بالرزق مند البكر
    مع الله في سير وحش الفلاة * * * * * بهدي الغرائز تقضي الوطر
    مع الله ينفخ من روحه * * * * * على حمأ فيكون البشر
    مع الله ما اختلجت نطفة * * * * * بروح خفي و ما در در
    مع الله فيما سيدرأ من * * * * * نفوس و فيما مضى و اندثر
    مع الله ما اختلفت في الأنام * * * * * طبائع أنثاهم و الذكر
    مع الله ما افترقت في الورى * * * * * لغاهم و ألوانهم و الصور
    مع الله نوع أشكالهم * * * * * و خص أناملهم بالأثر
    مع الله ميز أذواقهم * * * * * فكل له في هواه نظر
    مع الله في سبر كنه الوجود * * * * * و روح الحياة و سر القدر
    مع الله في عالم المدركات * * * * * و في الغيب من كائنات أخر
    مع الله فيما بدا و انتشر * * * * * مع الله فيما انطوى و استتر
    مع الله وفق نواميسه * * * * * مع الله رهن القضا و القدر
    مع الله في بعثه المرسلين * * * * * هداة دعاة إلى ما أمر
    مع الله في وحي قرآنه * * * * * مع الله في آيه و السور
    مع الله في قصص الأولين * * * * * وفي قصص الأولين العبر
    مع الله طوعا مع الله سوقا * * * * * فما من ملاذ و لا من وزر
    مع الله و الفيض من قدسه * * * * * ينير بصيرتنا و البصر
    و يدفع أعماق إيماننا * * * * * فرارا إليه و نعم المفر
    فنبصره جل من خالق * * * * * بآلائه البارعات الغرر
    و نحيا به ثم نحيا به * * * * * و نحيا و نحيا و نحيا الدهر
    -
    -
    قصيدة" هم العالمين":
    -
    لا لَمْ أَنَمْ ، بلْ قد أَرِقْتُ و للصُّداعِ رحىً تَدورْ
    -
    وبمحجريَّ مِنَ الهمومِ لَظىً ، وَفي رَأْسي نُدورْ
    -
    و الغُـرْبةُ اللَّيْلاءُ في عُمري أُوامٌ لا يَحـورْ
    -
    عَقمَتْ (جنيفُ) فلا أنيسَ ولا حبيسَ ولا سُرورْ
    -
    وحـدي أعدُّ دقـائقي وأضيعُ في تِيه ِ الدُّهورْ
    -
    بينَ التَّأَلُّـم ِ والتَّأَمُّـل ِ في الْتِباسـات ِ الأُمورْ
    -
    حَيْرانُ أفتقدُ المعالِمَ ، لا حِجابَ ولا سُـفورْ
    -
    سـكرانُ أبتـدرُ الصَّلاةَ ، وخمرتي صبُرٌ طَهورْ
    -
    أَسْهو وأَصْحو والدُّجى ساجٍ وفي نفسي فُتُورْ
    -
    وأظَلُّ في شبْهِ الكـرى متقلِّباً حتى أخـورْ
    -
    فأغيبُ عن دُنيا شعوري في ضَبابِ اللاشعورْ
    -
    ماذا؟ أأنباءُ الغيوبِ غـداً ، وسُـكَّانُ القُبورْ
    -
    مِنْ كـلِّ فـجِّ ينسلونَ كأنهُ يومُ النُّشـورْ
    -
    يَتَدافَـعُونَ بقضِّهِم وقَضيضِهِم عَبْرَ العُصـورْ
    -
    كُـلُّ يُسـارِعُ في مُناهُ ، وإنَّها لَمُنى غَـرورْ
    -
    وأنا أحسُّ بكاهلي الأعباءَ قاصمةَ الظُّـهورْ
    -
    أعباءَ كُلِّ الخلْقِ ! وَيْلي كِدْتُ إعياءً أَمُـورْ
    -
    وكأنَّما اجتمعَتْ على صدري مُلمَّاتُ الصُّدورْ
    -
    فالأَرْضُ تحملَني على مَضَضٍ وتوشكُ أن تَفورْ
    -
    وفتحتُ عَيْنَيْ يقظةٍ غَرْثى ، وفي حَلْقي حَرورْ
    -
    وشَرَعْتُ أَصْحو مُثْقَلَ الأنفاسِ مَبْهورَ الشُّعورْ
    -
    وفمي الأجَفُّ كـأنَّ في جَنَباتِهِ نَبَتَتْ بُثُـورْ
    -
    أغْمَضْتُ عيني مرَّةً أُخرى ، ومَزَّقْتُ السُّتورْ
    -
    وَمَضَيْتُ أرنُو في كتابِ الغَيْبِ ما بينَ السُّطورْ
    -
    فرأيْتُ أَهْـوالاً ؛ وكانَ الْحَقُّ مِنْ غَيْظٍ يَفُورْ
    -
    بحرٌ منَ الظُّلُماتِ ، والظُّلْمِ المؤَجَّجِ ، والشُّرورْ
    -
    والكَوْنُ بالغُربانِ عجَّ ، فلا صُقورَ ولا نُسورْ
    -
    وَأَلَمَّ بي ، أو كـادَ ، يأْسٌ : فالدُّنى خَتْلٌ وَزُورْ
    -
    ونظَـرْتُ والأحْلاكُ تدفَعُ نظرَتي خلْفَ الْحُسورْ
    -
    فَلَمَحْتُ في بَوْنِ الدُّجى الْمَسحوبِ مُنْبلجَ البُكورْ
    -
    ورأيْتُ صَرْحَ الْمَجْدِ ينتظرُ الْجَسورَ ولا جَسورْ
    -
    وَوَجَـدْتُ هَمَّ العالَمـينَ بقلبِ إيماني يَسُـورْ
    -
    وكَـأَنَّ إِنْقَـاذَ الوُجُـودِ عَلَيَّ مِحْوَرُه يَـدورْ
    -
    ورأيْتُني ، وأنا.. أنا المِسْـكينُ ، كالأسدِ الهَصورْ
    -
    وحدي ، تسلَّقْتُ الرياحَ الهَوْجَ ، سُوراً إِثْرَ سُورْ
    -
    وَمِنَ الذُّرى أبْصَرْتُ دَرْبَ الخُلْدِ رَشَّتْهُ العُطورْ
    -
    وَتَلامَعَتْ في مُنْتَهاهُ طُيوفُ جَنَّـاتٍ وَحُـورْ
    -
    وسَمِعْتُ ثَمَّ هَواتِفَ الأقدارِ: حَيَّ عَلَى العُبورْ
    -
    فَقَذَفْتُ نفسي ! غَيْرَ أَنِّي شِمْتُ أجْنحةَ الطُّيورْ
    -
    بُسِطَتْ لِتحملني ، وحطَّتْ بي على جَدَدِ المُرورْ
    -
    فتحتُ عيني ، والخلافةُ في رُؤى أَمَلي الغَـيورْ
    -
    والرُّوحُ يَقظى ، والأمـانةُ في دَمي نـارٌ وَنُورْ
    -
    والعَهْدُ في عُنُقي ، وأمرُ اللهِ ، في عَزْمي يَثـورْ
    -
    -
    قصيدة"اتئد يا إمام"
    -
    اِتَّئِدْ يا إمامُ ، لا ترفعِ الرأْسَ سريــعًا مِنَ السجـود لِـربِّـي
    -
    أنا ، لمَّا تَنَسَّمَ الرَّوحُ ، عَبْرَ الأُفْقِ ، عَرْفًا عنْ أشرفِ الخَلقِ يُنْبي
    -
    وتَطـلّعتُ ، خــاشعًا مُستهــامًا بِجَنَــانٍ مُوَلَّهٍ مُشْرَئبِّ
    -
    فَتَـرَاءَتْ لِعَيْنِ قَلْبِيَ أنْــوارُ نبيِّ الهُدى ، الرَّسـولِ الـمُرَبِّي
    -
    هـامَ قلبي بَيْنَ السَّمـاواتِ والأفلاك يَسْعَى إليهِ مِنْ كُلِّ دَرْبِ
    -
    ثُمَّ لـمّا سَجَدْتُ في الرَّوْضَةِ الغَرَّاءِ أرمي عَنْ كَاهِلي عِبْءَ ذَنبي
    -
    خِلتُ قَلبِي ألْقَى النِّيـاطَ جُذورًا في جِنَـانِ الهوى ، لِغَرْسَةِ حُبِّي
    -
    فاتَّئِدْ يـا إمامُ ؛ لا تَرْفَعِ الرأْسَ سَريعًا ؛ تكــادُ تَجْـتَثُّ قلبي

    -

    خالد: الله أكبر ما أجملها من قصائد, مع الله لو لم يكن للشاعر إلا هذه القصيدة لقلت تكفيه
    والله إن بها من الروحانية ما لو تأملناه لاستحيينا أن نعصي ربنا, ولاستشعرنا أنه معنا في كل موقف
    -
    عمر: آه والله وقعت على الجرح فأنا دائما ما أقول في قلبي لم لا يطيل الإمام السجود لتعبد المعبود
    فكيف إذا كانت في روضة الجنة في مسجد رسول الله, في ذلك الموقف أنا حقاً لا أريد أن أرفع رأسي
    -
    أنس: صدق خليلنا ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: إن من البيان لسحرا
    عمر لطالما تسائلت! بعد أن توفي هذا الصرح هل هناك من رثاه؟
    -
    عمر: قد سبقت المعلومة أنس, للتو كنت أريد أن أخبرك بأقوال بعض الرجال فيه,
    وبعض من مراثيه أيضاً
    -
    وهو بحث أسميته



    كتب أبو الحسن الندوي في مقدمته لرياحين الجنة يصف الأميري بقوله:
    وجدت في شعرك لذّة ومتعة وسعادة ما لا أجده في غيره من الشعر الجديد، وهو- والحق يُقال-
    نفحات من الإيمان، وقبسات من نور القرآن، وصدق العاطفة، ورقّة الشعور، وتصوّر دقيق
    لهواجس النفس، وخلجات الفكر، وكم تمنيت أن كنت معك في دعائك، وفي لحظات ابتهالاتك.
    -
    وقال يوم نعيه:
    إنه يستحق صفة شاعر الإنسانيّة المؤمنّة، وأمير شعراء الإسلاميّين في النصف الثاني
    من القرن العشرين قاطبة، بعد محمد إقبال أمير الشعراء في النصف الأول.
    -
    وكتب في سيرته محمد علي الهاشمي:
    عمر بهاء الدين الأميري شاعر الأبوّة الحانية، والنبوة البارّة، والفن الأصيل.
    -
    ويقول القرضاوي:
    أذكر أنني في ذلك العدد نفسه من مجلة (الشهاب)، وفي باب "روضة الأدب" قرأت له
    - أول ما قرأت- شعرًا ربانيًّا عذبًا رقراقًا، لم يكن لنا به عهد في ذلك الوقت، تحت عنوان
    "خماسيات الأميري"، وفيها مناجاة لله تعالى، كأنما تسمع فيها رفيف أجنحة الملائكة،
    وكأنما هي ترتيلة أو صلاة مجسدة في شعر مؤمن أو إيمان شاعر.
    -
    ويضيف: والذين يعرفون الأميري يعلمون أنه لم يكن مجرد سفير لسوريا، بل كان سفير الأمة
    الإسلامية، أو قل: كان سفير الإسلام، الذي يحمل هموم دعوته، وآلام أمته، وآمال صحوته.
    -
    وقال عنه الدكتور جابر قميحة:
    ولما انتقل (رحمه الله) إلى العالم الآخر سنة 1992م، رثيتُه بقصيدتين، يستطيع القارئ
    أن يرى فيهما ملامح عقيدته ودعوته وموضوعات شعره، وطبيعة وجهته الأدبية،
    فمن قصيدتى الأولى (الشهيد على فراش الغربة) انتقيت الأبيات الآتية:
    -
    حتى إذا مسَّ عادٍ عرضَ أمتنا
    أوهمّ يخدشُ شيئًا من حمى الدين
    -
    أضحى قصيدُك هوْلاً مِلْؤه ضرَمٌ
    فليس غير سعيرٍ أو براكينِ
    -
    وأصبح القلمُ السيالُ عاصفةً
    تجتاح كل دعيِّ الفكرِ ملعونِ
    -
    ويسأل الجمع «من ذا؟» - «إنه عمرٌ
    عمرُ البهاء الأميري ثَارَ من لين
    -
    فدكّ دعواهُمُ و بالحقِّ فى ثقةٍ
    ومزق السِّتْر عن غِرِّ ومأفونِ
    -
    إن الحليمَ إذا ما ثار ثائرهُ
    فليس منه سوى جمْرٍ وغِسْلين
    ----------
    يا سائحًا فى سبيل الله غربتُه
    وما ذللت وما استسلمتَ للهُوِن
    -
    فى الشرق والغرب تمضى تحت رايته
    فى درب «أحمد» والغرّ الميامين
    -
    لئن جفتْكَ بلادٌ أنت صفْوتها
    فافخر بأنك «لا» لم ترضَ بالدونِ
    -
    نزلتَ فى كل قلب مؤمن سكناً
    من الرباط.. إلى مصر.. إلى الصين
    -
    ومن أبيات قصيدتى الثانية (أمير العاشقين):
    -
    وقالوا بأنك «ضد الولاءِ
    وضدّالحضارةِ و«المنقذين»
    -
    وتنكر «قومية» المخلصين
    وما هى إلا انتصارمبين
    -
    وفهمك للدين رجعيةٌ
    تدمّر عقل الشباب الفطين
    ………….
    أيا عمرَ الخير أنت الصدوقُ
    وزُمرتهم زمرةالكاذبين
    -
    فما كان جُرمك إلا الولاءَ
    لربك لا للطغاة العَمينْ
    -
    وما كان إثمك إلا النقاءَ
    وإيقاظك النوَّم الغافلين
    -
    وشعرًا يؤرق ليل البغاةِ
    ويخلع قلب الغويِّ اللعينْ
    -
    ودعوتَك الدينُ حكمْ وجنسٌ
    وروحٌ وجسمٌ ودنيا ودينْ
    -
    وخير، وخيلٌ، وحب، وعلمٌ
    ونفْس تموتُ وتأبى تهون
    -
    ولكن قومية الأدعياء
    فسادٌ دعِيٌّ وظلم مبين
    -
    بها انتُهك الشوق اليعربيّ
    وهُتِّك عرض البلاد المصون
    ………….
    بشعرك علمتنا أن نكونَ
    وأرسيْتَ فينا جذور اليقين
    -
    وعلمتنا الصبر فى النازلات
    وألا نكون من القانطين
    -
    وعلمتنا أن نحب الحياةَ
    جهادًا وصبرًا وعلمًا ودين
    -
    -
    ورثاه عمر طرافي البوسعادي بقوله:
    -
    شققتَ الصدور بالرحيل ولم تزل *** تشقّ فؤادا قد أحبّكـمو حقا
    وماذا عساه القلب يفعل لو بكتْ *** عيوني وقد حنّتْ لرؤيتـكم شوقا
    سوى أن يفيض الوجد وجد صبابتي *** فيخفقُ بالتحنان للطاهر الأتقى
    وما كنتُ أدري حين لفكمو الردى *** بأني سألقى كلّ هذا الذي ألقى
    كآبات قلب واهتياجا لأضلعٍ *** و لوعة وجدان ودمعا همى دفقا
    فكلّ زفير شبّ في الصّدر باللظى *** وكلّ خيال هبّ يسحقني سحقا
    يقولـون قد مات " الأميريّ ُ" يافتى *** وقد سمقتْ أزهار دمنته سمقا
    فكفكفْ دراريك الحزينة واعلمنْ *** بأنّ بكاك المرّ لم يعرف السبقا
    تأخّر في حق "الأميريّ " رثوكم *** ومثل " الأميري " بئس من يهضم الحقا
    فقلتُ لذاكم قد لقيتُ أسنة *** لها في حنايا الجسم خلساتها خرقا
    سيعذرني قومي ولستُ بطالب *** سوى من " أميري " العذرَ أجلي به الربقا
    ولو يعلم الشهمُ الكبيرُ براءتي *** من الشعر قرضا قبل أن يعرج الأفقا
    و إنـّي حديث العهد بالنظم ليتني *** نظمتُ قبيل الموت حلّ بكم برقا
    وقالوا " الأميري " أبدع َالنظمَ حلـّة *** كستْ أدب الإسلام من نورها ألقا
    فلما تلوتُ من نظيم بيـانهِ *** سُحرتُ بشعرٍ فاض من نبعه الأنقى
    و ألفيت في الديوان ما أبهج الورى *** مشاعرَ إنسانٍ أصيلٍ سما فوقا
    ندمتُ و أمسى الذنب يُوخزُ مهجتي *** على كلّ يوم قد جهلتكمو حمقا
    ومما يزيد القلب نارا وحرقة *** ويَضرمُ في الوجدان ما فاتني حرقا
    تُجاورُني في العيش في أرض " مغربٍ " *** سنينا ولم أدر الجوار الذي أبقى
    فضيلتكم خمسا وعشرة حجّةٍ *** تنال عطاء الجود من خيـرها رزقا
    عفا الله عنـّي ما عرفتُ بذلكم *** فلما عرفتُ صرتُ من موتكم أشقى
    ولوكان لي علمٌ قُبيل مماتك *** شددتُ الرّحال كي أرى شخصكم حقا
    أجالسكم والسّعد يَألق بهجة *** وأقتبسُ الأنوار من عروةٍ وثقى
    تقولُ وقد أفضى لك القلبُ سرّه *** بنيَّ سُررْتُ بالذي رمْته نطقا
    أحبّكَ ربّي ذو الجلال وذو الرضى *** ومن أجله ذا الحبّ ننشقه نشقا
    أترغب في نصحي ؟.. فثمة ناصح *** يقول : اعملوا من بعد.. ذاك الذي يبقى
    هو الأدب الورديّ يقطر بالندى *** يزّينه الإسلام من طهره يُـسقى
    وما دونه عكْر المياه مشوبة *** مروقا وهجنا لا يساغُ لها ذوقا
    ضلالٌ وزيغٌ و اتّباعٌ لأنفسٍ *** تُدبّق أجفانا برمّتها دبقا
    وفي أدب الإسلام حصنُ استقامةٍ *** وعزّة إيمانٍ نغوص بها عمقا
    فلا تنظمنّ الشعرَ إلاّ سبرته *** أيرضاه مولانا ؟ وهل يجلب العتقا ؟
    وكن مثل حسّـانٍ يصدّ بشعره *** نبالا ويرمي بالنظيم الذي دقا
    تزوّد بأشعار القدامى فنظمهم *** بديعُ المتون في فضائهمو ترقى
    وثابرْ بنيّ أن تكون مجاهدا *** وما اسطعتَ من جهدٍ فأنفق له الطوقا
    جهاد اليراع لا يقـلّ حماسة *** عن الخيل في الهيجا يسابقها سبقا
    ومنقلبك الفيّـاض دُرّ عواطفا *** من الحبّ و الإخلاص للنـاس ما تلقى
    فلسنا عداة للأنام على الذي *** يراه ضعاف اللبّ من قصْرهم غدقا !!!
    ولكن حماة للشريعـة مذ بدتْ *** تحاط أحابيلا تروم لها شنقا
    و لو علم الأعداءُ شرعة ربّنا *** وأخلاقها غيثا لقلّ العدى خنقا
    مروءة ُإنسان وعطفُ سماحةٍ *** وحِلمٌ جميلٌ زادعفوا فما أبقى
    محضتُ بنيّ النصحَ و الحبّ سائقي *** يسوق إليكم ما ذكرت لكم سوقا
    فهل قد وعيت القول ياابن عروبتي *** لترجمة الأقوال فعلا تلا نطقا
    فلم أتمالكْ أن أبـوس جبينه *** و أسكب من شكري دموعا جرتْ هرقا
    وقلت : يمين الله هذي عزيمتي *** ستبحرُ في يمّ الذي قلتـَه صدقا
    أخوض غمار الفكــر و الدين رائدي *** أذود به عمّن يكيد لنا فرقا
    فلا تخش منّي رَدّ نـُصْحٍ محضته *** إليّ فلستُ بالذي لك قد عقا
    تهلل بالإشراق وجه " أميرنا " *** وضمّ ضلوعي في حنوّ حلارفقا
    وغاب إلى الأرواح في عالم الردى *** وأصبح حزني لا يفارقني رتقا
    خذوني إلى قبر" الأميريِّ " ساعة *** عساه سلامي كفكف المقلة الغرقى
    فأدعو رحيما كمتضرّع عبده *** ( مع الله ) يرجو من شآبيبه ودقا
    و أرفع في كبْــد السماء أناملا *** أسائل ربي أن يجود له عتقا
    من النار يوم الحرّ إنّ عذابه *** شديدٌ أليمٌ أفزعَ الكون والخلقا
    و أن يهب الفنـّان في الشعر جنة *** إلى ذروة الفردوس في المنتهى الأرقى

    -
    أنس: ما أجمل أقوالهم, أسال الله أن يجمعني به في جنته
    سبحان الله أهل الخير يُذكَرون بالخير بعد موتهم, وقد قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم
    أنتم شهداء الله في أرضه, فرحمه الله وغفر ذنبه وأسكنه الجنة
    -
    عمر: بالفعل قد استمتعت بهذا البحث حق المتعة وأسال الله أن يفيدنا منه وأن نفيد الآخرين أيضاً
    ما بالك تقلب الورق يا خالد, تذكرت مازال هناك دراسة لك لتطرحها, ترى ما هي؟ ماهي؟
    لقد تذكرت, سبحان الله كيف نسيت ذلك؟ بقي أجمل مبحث في الموضوع,
    آهٍ أماه لطالما أبكاني هذا الديوان
    -
    خالد: أتظن أنه أبكاك فقظ, منذ أن سمعت تلك الأبيات من أنس على الهاتف وأنا لم أستطع النوم
    إلا بعد أن قبلت رأس أمي الحبيبة ويدها, بالفعل إنه ديوان الإبن البار بأمه
    وأنا قمت بعمل بحث عن هذا الديوان, جمعت فيه أجمل الأبيات التي قالها وما تدل عليه
    ربما يكون هذا البحث طويلاً قليلاً لكن ما اقرأه عليكما فلن تطلبان مني أن أتوقف
    -
    فبسم الله أطرحه عليكما



    شعره في ديوان (أمي)
    -
    صدر هذا الديوان الذي يسميه الشاعر (الديوان الأثير) عن دار القلم ببيروت في شوال 1397هـ
    الموافق 1977م, يضم أربعين قصيدة من شعر الشاعر في الأمومة خلال أربع وأربعين سنة,
    رتّبها الشاعر حسب تاريخ نظمها, وقدّم لكل قصيدة منها بكلمة عن الجو الذي قيلت فيه, وآثر,
    كعادته في دواوينه الأخرى, أن يكتبها بخطه, وأن يضع بنفسه تصميم الغلاف والرسوم التزيينية
    عند عنوان كل قصيدة.
    -
    وقد انبجست هذا القصائد الأربعون من قريحة الشاعر تعبيراً عن حبه لأمه, وبرّاً بها,
    واعترافاً بجميلها, وكان يرى في انسياب هذا اللون, من الشعر على لسانه سموّاً بالعاطفة الإنسانية,
    وإنشاداً لألوان علوية, كما يقول في مقدمة ديوانه:
    -
    لقد كان كل ركن لطيف... عشنا فيه معاً...
    وكل امتداد أفقٍ جميل... شاهدناه سوية...
    وكل خاطرة وعتها الذاكرة... من أفكارنا المتداولة,
    وطرائفنا المتبادلة... كان قصيدة وجدانية حيّة...
    مشاعرُ زواخر, لها في خيالي... أبعاد... وامتداد...
    ولو لم أسجّلها نثراً... أو أنضمها شعراً...
    -
    وبعد, فهذا ديوان ديوان (أمي), ديوان كل ابن برّ والدته, محبّ لها, معترف بجميلها, مقدّر فضلها,
    وديوان كل أم حانية على أولادها, ترأمهم بعين قلبها, وتبسط لهم جناح حبها ورعايتها,
    وتنير لهم طريق الحياة ببليغ الموعظة, وحصانة الرأي, وحسن الأسوة.
    -
    أما شاعرنا الأميري, فيرى في هذا الديوان, كما يقول في مقدمته:
    -
    لًونٌ مِنْ صَلَاة...
    رسالةٌ مؤدّاة...
    قُرْبَةٌ, أبتغي بها وجهَ الله...
    -
    -
    دراسة ديوان (أمي)
    -
    عن الدارس المتأمل لهذا الديوان ليقرأ فيه أجمل معاني البنوّة البارّة, ويقف على أروع
    مواقف الإيمان والتسليم والرضا بقضاء الله وقدره, ويرصد أسمى العواطف وأجلّها وأصدقها,
    ويطالع ضروباً من الأفكار الإنسانية الخالدة, ويستمتع بأصالة فنية ثرّة في التعبير
    عن هذه المواقف والعواطف والأفكار.
    -
    ومما تضمنه هذا الديوان من مضمونات فكرية وشعورية, وقٍيَم تعبيرية فنية:
    -
    1- البنوّة البارّة:
    -
    لقد كان ديوان (أمي) في مجموعه إيقاعاً واضحاً للبنوة البارّة, لا تكاد تخلو منه قصيدة من
    القصائد؛ ذلك أن شعور الحب والوفاء والعرفان بالجميل والتنويه بفضل الوالدين كان يملأ نفس
    الشاعر الأميري, ويزحم أقطار حسّه, ويملك عليه تفكيره, منذ تفتحت شخصيته للحياة, واقبل
    على شق طريقه فيها, ونجد ذلك واضحاً في بواكير أشعاره التي قالها, وهو في ريّق شبابه,
    بُعِيْد تخطّيه سني الطفولة, ومنها قصيدته (موئلي ومناري) التي نضمها في أول سفرة له بعيدا
    ً عن والديه, وهو في السابعة عشرة من عمره؛ إذ استشعر بعمق وصدق مكانة والديه في نفسه,
    واستبدّ به شوق عارم إليهما وحنين, فإذا نفسه الفتية الغضّة تفيض بهذا الشعر العفوي,
    يسطّره على السجية, ويرسله لوالديه:
    -
    أبتـي وأمّـي مَوْئـلـي ومَـنـاري ..... بكما اعْتزازي في الوَرَى وفَخاري
    يـا شُعْلَـتَيْنِ مُـنـيـرَتـَيْـنِ أضاءَتـا ..... قلبي الفَتِيَّ بأبْهَجِ الأَنْوَارِ
    يـا مُقْـلَـتَيْنِ مِنَ الـكَـرَى قد فَـرَّتـا ... سَهَراً عليّ مخافة الأكْدارِ
    ما كنتُ أحسَبُ قبلَ تَرْكِ حِمَاكُما ... أني أحبُّكما بذا المِقْدَارِ
    -
    إنها أبيات تنبض بعاطفة البنوّة البارّة المحبة الوفية التي ترى في الأبوين الحب الأسمى,
    والموئل الآمن, المنار المشعّ المضيء.
    -
    ثم يناجي الشاعر والده مستعرضاً دوره الكبير في تقويمه وتوجيهه في أبيات ثمانية,
    ثم يلتفت إلى مناجاة أمه التي كان لها الفضل الكبير في تربيته, فيستعرض دورها الأمومي
    المقدّس منذ حملها به حتى نشأته شاباً يخوض غمار الحياة, فيعرض على أسماعنا أجمل الحان
    الأمومة المحبّة المضحّية, معزوفة على قيثارة البنوّة الوفية البارّة:
    -
    أنتِ التي غَذّيتِـنـي وحَـضَنْتِـني ... لولاكِ ما أبصرتُ ضوءَ نَهاري
    أنتِ التي داريتِنـي فنَـمَوت في ... أحضان عطفِكِ خاليَ الأكْدارِ
    أنتِ التي أنشدتِني لحـنَ الوفـا ... وسهرتِ من أجلي إلى الأسحارِ
    أنتِ التي قبّلتِني وبـسمتِ لي ... وضممتِني وأنا الصغيرُ العاري
    أنتِ التي لـقنتــنـي آي الهُـدَى ... والحبّ والإحسانَ واسمَ الباري
    أرشدتِني ونصـحتِنـي ومنعتِني ... وعدلتِ بي عن منهج الأشرارِ
    لما نشأتُ دفعتِنـي بشجـاعـة .... لأنالَ ما يسمو مِنَ الأوطار
    -
    ويتقلب الشاعر في ظروف قاسية وملابسات صعبة, من ملابسات الحرب العالمية الثانية وغيرها.
    وتشتد وطاة الحياة على نفسه, ويلتفت حوله, وقد لحق والده بالرفيق الأعلى, فلا يجد حلوه ركناً
    يأوي إليه, يجد فيه الملا والسلوى والسرور والرعاية والحب سوى أمه, فيقول:
    -
    رَحِـمَ الإلَه أبي, ولَقّاه ... السّكينةَ والحُبورَا
    قد كانَ كالطّوْدِ الأشمِّ ... عليه كم شِدْنا قُصورا (1)
    وكــأننـا, مُـذْ غـارَ, لـم ... نعرفْ سواكِ لنا سُرورا
    أمّــاهُ, يا قــلبــاً رؤومـاً ... قد أحاطَ بنا كًبيراً
    يَـسَـعُ الجميـعَ رعايـةً ... وهِدايةً وحِجّى وَقورا
    -
    (1) الطّود: الجبل العظيم.
    -
    ولا تثريب على الشاعر إذ رأيناه يخاطب نسيمات الليل, يبثّها لاعج القلب المشتاق, ويطلب منها
    أن تطير به إلى سربه الحبيب, لهلع يشتمّ أريج أمه, فترتد إليه روحه, وتعود إليه صحته,
    ويزول ما به من جوى وكرب:
    -
    نُسيماتِ ليلي ذابَ قلبي من النَّوَى ... فباللهِ سِيري بي وطِيري إلى سِرْبي
    لــعـــلّ أريـــجَ الأمّ يـــنـــعـشُ ذابـــلاً ... من الرُّوح لا يحيا بغير شذَى حِبِّي (1)
    -
    (1) حِبِّي: حبيبي.
    -
    وجاء الأجل المحتوم, وحُمّت المنيّة القاهرة, وارتفعت الروح الطاهرة إلى علّيين,
    وحدث ما كان الابن المحب القلق الواجف المشفق يتوقّعه ويخشاه.
    -
    ففي صبيحة يوم الجمعة من ربيع الأول 1382هـ كان الشاعر يترقّب وصول والدته إليه
    في مَصِيفه القريب من حلب, ويعدّ لاستقبالها حفلاً بهيجاً, وإذا الهاتف يدقّ جرسه,
    ويقولون له: إنها مريضه, ويطير غليها يسابق الريح. ولكن المنية كانت أسرع منه,
    فوجدهم يعدّون لها الضريح.
    -
    ومنذ ذلك اليوم يلتفت الشاعر الابن البَرّ الوفيّ على رثاء والدته, فيشدو مآثرها, ويذرف عليها
    أحرّ الدموع, ثم يعلن عزمه على نشر محامدها من تقى وبرّ وإيثار وعفة وفضل:
    -
    سوفَ أبقى طُولَ عُمْرِي ... ما طَواهُ الموت أنشُرْ
    سـيـــرةً آلاؤهـــا الــغُــــرُّ ... عن التِّعْدادِ تكثُرْ (1)
    التُـقـــى والـبِــرَّ والإِيـثــارَ ... والعفّةَ أذكرْ
    والأيـادي البِـيــضِ واأُمـاهُ ... أبكيها وأشكرْ (2)
    -
    (1) الآلاء: النِّعَم – الغُرّ: جمع أغّر,وهو الحسن المشرق,
    (2) الأيادي هنا: الأفضال والنعم.
    -
    هكذا تبدو في أبياته بعنوان (لِمَنْ) التي أرسل فيها هذه العبارة الإستفهامية خمس مرات,
    ضمّنها حسرات نفسه الحَرَّى وزفرات صدره المكروب:
    -
    لِمَنْ أُرْسِلُ البَسْمَةَ الشاكِرَةْ؟ ... لمنْ أسرُدُ الطُّرْفَةَ النّادِرَةْ؟
    لِمَنْ أَتَخَيَّـرُ أشْـهــى الثِّــمــارِ؟ ... لمنْ أقطفُ الزهرةَ العاطِرَةْ؟
    لِمَنْ أتجمّلُ, رغــمَ الـهُــمـومِ؟ ... وقد غادَرَتْنِي إلى الآخِرَةْ!! (1)
    -
    (1) أتجمّل: أصبر على نوائب الدهر.
    -
    وفي غمرة الأسى المرّ واللوعة الكاوية يصور الشاعر الحب العميق الذي يكنّه لأمه,
    فيذهب إلى أن الموت لو كان يُذاد بنار الحب لذاد عنها الردى بنار حبه,
    بل لأحياها بما هو أعلى من الحب وأكبر, وهو العشق:
    -
    ولوْ أنّ نارَ الحبِّ ذادَتْ مَنيّةً ..... لَذُذْتُ الرَّدّى عنها, وأحييتُها عِشْقا
    -
    وما فتئت ذكرى والدة الشاعر الأميري حية في نفسه, تثيرها المناسبات المختلة, والأحوال
    العارضة, ومنها تشييع الأمهات, فقد كان موكب كل أم قضت يُذكّره بموكب أمه الراحلة,
    فينكأ جراح قلبه, ويعتصر جواه حاراً كاللظى, فيغلي كيانه بآهاته الحرّى,
    يزفرها صدره المكروب, وتطفر في عينيه الدموع:
    -
    تُـذكّـرُنــي كــلُّ أمٍّ قَــضَــتْ ... بموكبِ أمّي وتَشْييعِها
    فيعصرُ قلْبي جَوىً كالّلظى ... كما كنتُ في يوم توديعِها
    وأحْـيــا مـراحــلَ ذاك الرَّدى ... بفجأَةِ خطْبٍ وترويعِها
    ويـغْـلــي كِـيـانــي بآهـاتِــهِ ... ويزفِرُ صَدْري بترجيعٍها
    وتَنْغُرُ في مِحْجَـريَّ الدمـوعُ ... ونفسي تغُصُّ بتجْريعِها (1)
    -
    (1) تنغر: تجيش.
    -
    2- الأمومة الحانية الحكيمة:
    -
    كانت والدة الشاعر الأميري, كما يقول في مقدمة ديوانه (أمي):
    "فذّة في حنانها وعقلها وفضلها, وكانت نادرة المثال بين بنات جيلها, فقد شافت على
    الخامسة والثمانين, وهي دائبة على ممارسة أمومتها المقدّسة, أسمى ممارسة...
    -
    كانت تتكلم بأربع لغات, وتجيد الفنون المنزلية... ما أذكر أنني رأيتها
    منذ 25 عاماً تنام يومياً قبل قراءة وِرْدها القرآني, وأداء نوافل صلاتها.
    -
    يبلغ الشاعر وهو في القاهرة يسعى مع السّاعين لإنقاذ سورية من براثن الحكم العسكري,
    أن رئيس الانقلابات العسكري (الشيشكلي) حُدِّث بحب الشاعر الأميري لأمه, وصدوره عن
    أمرها, وحرصه على برّها وطاعتها, فأرسل الشيشكلي إليها لتعزم على ابنها بترك ما هو فيه,
    وكان من جوابها: "إنني بعيدة عن مدارك السياسة.. وقد ربّيت ابني على الإخلاص, ووزن الأمور
    ويقظة القلب.. فلا أرى أن أقترح عليه شيئاً في شؤونٍ هو أعرف بها مني.. ولكن حسبي الله أن
    أعدو له بالهداية والتوفيق إلى ما يرضي الله, وينفع البلاد والعباد..."
    -
    ولما بلغ الشاعر الخبر أفعمت نفسه سروراً وغبطة,
    وامتلأت اعتزازاً بموقف أمه العزيز الشهم الكريم, فأسل إليها بتحية الثناء والوفاء:
    -
    أُمـــاهُ.. يا هِـبَــةَ الـقَــدَرْ ... يا كنزَ روحي المُدَّخَرْ
    يا كلَّ معنى مِنْ معاني ... الخير في نفسي وَقَرْ
    يا عزّةَ الإِيـمـان تـشـرقُ ... في البَصيرة والبَصَرْ
    يا عُــنْــفُـــوانَ الــحــــقِّ ... يَصْمُدُ لِلْمكارِهِ والخَطَرْ
    يا نفـرةَ الـطّـبْــعِ الأبــيِّ ... من المذلّةِ والوَضَرْ (1)
    يا غضبـةَ العَـزْمِ الرّحيـمِ ... على المظالمِ والغَرَرْ (2)
    يا هــاتــــفَ العَــلْــيـــــاءِ ... يَدْعوني: تقدّمْ يا عُمَرْ
    بتحـيـتـي لـكِ أستـهــلُّ ... وارتجي عاماً أغَرَ
    اليـومَ قـد ودّعـتُ عـامـاً ... مرَّ مِنُ عُمُري ومَرّ
    -
    (1) الوضر هنا: ما ليس بنظيف, (2) الغرر: التعريض للهلاك.
    -
    ويخلو الشاعر إلى ليل حالك, يعيش في أعماقه مع أمه الفقيدة من جديد,
    وينثر طائفة من درر شيمها, وخلائقها في قصيدة (أمي), متغنياً بالأمومة المقدسة,
    وبأمومتها الراشدة المثلى, وفضلها عليه:
    -
    هيَ الأُمُّ, ركــنٌ قـــدَّسَ اللهُ شَـــأْوَهُ ... وأَرْسَى به في الكونِ رحمتَهُ حَقّا (1)
    وشـادَ عـلـى أقـدامِـهِ جَـنّـةّ الـرِّضـــا ... وكرَّمّه في الخَلْقِ مُذْ بَرَأَ الخَلْقَا
    وأمّي لهــا فـي ذاتِـهـــا وصـفـاتِـهـــا ... سَجايا من الأُمَّات, في نظري أَنْقى (2)
    كأنّي بها صِيغَـتْ من البــرِّ والتُّـقــى ... وأنّ لها في وَجْهِهَا منهما أَلْقَا (3)
    لقد أَوْرَثَتْنِي عن أبي شِيَـمَ النُّـهَــى ... فلمْ أرتكِبْ حُوباً ولم أهتظمْ حَقّا (4)
    وقد غلغلَتْ بي من جميـل طِباعِـهــا ... حَناناً وإيثاراً, ومن ذَوْقِهَا ذَوْقا
    وقد صحبتْنِي في سبيلي إلى العُلا ... ومن خُلُقي ألّا أُساق لها سَوْقا
    وقد وَجّهتْ طَرْفي إلى أرفـع المُـنَـى ... فأصبحتُ أبْغي فوقَ ذِرْوَتِها فَوْقَا
    جَـزَى روحهـا الرَّحمنُ أكـرمَ ما جَـزَى ... بهِ البِرَّ والإيثارَ والخُلُقَ الأَتْقى
    -
    (1) شأوه: شأنه وقدره, (2) الأمّات: جمع أم كالأمهات
    (3) الألْق: التألق والإشراق, (4) حوباً: إثماً.
    -
    3- الإيمان والتسليم:
    -
    كان شأن الشاعر الأميري في الأزمات الشداد شأن المؤمنين المسلّمين أمرهم لله,
    فإذا ما حَزَبه أمر فزع إلى كتاب الله, يستروح في رحابه نسمات الأمن والطمأنينة والراحة,
    وكان يجد في ذلك راحة لنفسه وأيّ راحة؛ ففي قصيدته (أريج الأم) التي كان فيها يخشى
    على والدته الرَّدى, وهو عنها بعيد, وكانت نفسه المعذّبة تتأرجح بين الخوف والرجاء,
    لا يجد ملاذاً مما هو فيه من عذاب وقلق وانشغال بال, إلا القرآن الكريم,
    يداوي بآيِهِ داءَه, ويشفي بدوائه نفسه:
    -
    ويغلبني ضَعْفي وخَوْفي من الرّدى ... وما في بُنَيَّاتِ الزَّمانِ من الخِبَّ (1)
    فألجَأُ لِلـقُـرْآنِ فـي حَـوْمَــةِ الجَــوَى ... أُداوي به دائي وأجعلُهُ طِبّي (2)
    واستـودعُ الرحمنَ أمّـي وأسْـرتــي ... وأحيا ونفسي في حمى صَونه الرّحْبِ
    وأدعـوهُ فـي غَـورِ الدُّجــا مُتـضـرِّعــاً ... أُرَدِّدُ في سِرّي وجَهريَ: يا ربّي
    -
    (1) بنيّات الزمان: أي تصاريفه ونوائبه - والخِبّ: الخداع
    (2) الجوى: شدّة الوجد من حزن أو عشق.
    -
    ولقد كانت وقدة الحزن على وفاة والدته شديدة, تلذّع قلبه, وتؤرِّق مضجعه, وتقرِّح مآقيه,
    فلا يملك إلا أن يبث ما في داخله من حرقة, وجوى وكرب, وبخاصة حين كانت ترد عليه
    رسائل التعازي, فتنكأ جراحه وتثير أشجانه, وتسيل دموعه:
    -
    ففي كلِّ يومٍ يحملُ البَرْقَ من أخٍ ... تَعازيَ, ما فرّجْنَ عن قلبيَ الرِّبْقا (1)
    وفي كلّ يومٍ فـي البريـد رسائــلٌ ... تكفكفُ دَمْعاً زادَهُ وقعُها دَفقا
    وإنّي لأدْرى النـاسِ فيمـا يـقـولــهُ ... ليَ الناسُ إيماناً ومَوْعِظَةً صِدْقا
    -
    (1) الربق هنا: ما ينعقد في القلب من الكرب.
    -
    4- المعاني السامية:
    -
    حفل ديوان (أمي) بالمعاني السامية, انبجست من قريحة شاعر مؤمن بالله, برّ بوالديه,
    محسن إلى والدته كل الإحسان, وكان بديهياً ان تدور المعاني في هذا الديوان حول محور الأمومة,
    والعلاقات الاجتماعية والإنسانية, والحياة والأحياء, وما يلقون فيها من خير وشر,
    وما يؤولون إليه من مصير محتوم, وكلها معانٍ سامية عميقة الصلة بالنفس الإنسانية.
    -
    ففي قصيدة (ليس كالأم ملاذ) يجيب الشاعر الأميري صديقاً له نعى إليه أمه,
    فيحدثه عن مقام الأمهات وعمق المصاب بفقدهم:
    -
    ليـسَ كَالأُمِّ, عنـد مَـنْ عَــرَفَ الأُمَّ ... مَلاذاً للمَرْءِ يَكْشِفُ خَطْبَهْ
    فإذا الخَطْبُ كَانَ بالأمِ لمْ يُسْعِفْهُ ... إلّا أنْ يـذكــرَ الـمَــرْءُ رَبَّـــهْ
    -
    5- العواطف النبيلة:
    -
    اتسع ديوان (أمي) إلى أفانين من العواطف التي اعتلجت في نفس الشاعر, وفجرت ينابيع
    الشاعرية فيها, فإذا نحن أمام شحنات شعورية زاخرة متدفقة في كل صفحة من صفحات
    الديوان, بل في كل مقطع من مقاطعه الشعرية.
    -
    وتواكب هذه العاطفة الحارة السامية الصادقة الأبياتَ, فتتألق في كل لفظ,
    كأنها خفق في قلب الشاعر الفرح المبتهج بقدوم والدته الحبيبة:
    -
    الآنَ أشـرقَــــتِ الـدُّنــــا ... والكونُ ضاعَ وبَثَّ طِيبَهْ
    وتباعدَتْ عن يَقْـظَـتِــي ... وكرَايَ كُلُ رُؤًى كَئِيبَةْ
    قد كُنْتِ في غوْرِ النَّوَى ... المَمْدُودِ مِنْ قَلبِي قريبَةْ
    فغدوتِ مّذْ جـمــعَ الإّلـهُ ... الشملَ مِنْ قلبي وَجيبَهْ
    -
    وختم قصيدته (عيد الدهر)التي نشر فيها شذى شمائل أمه بهذه الخاتمة المفعمة بالحب
    والإكبار, إذ جعلها سعده ومجده, وجعل وجودها عيده الأبدي الخالد:
    -
    أُمّاهُ, يا سَعْدِي وَمَجْدي ... والحياةُ خُطا سَفَرْ
    قد تَنْقضي الأعيـادُ لكـنْ ... أنتِ لي عيدُ الدَّهَرْ
    -
    6- الأصالة الفنية:
    -
    لقد أفضى الشاعر الأميري بخبيء قلبه, وعبر عن مكنونات حبه لوالدته,
    وبث لواعج أساه وحرقته ولوعته عليها بعد وفاتها, بأسلوب متين, قوامُهُ اللفظ الكريم الفصيح,
    والصورة المجنّحة الطليقة.
    -
    فمن معين نفسه المنفعلة كان يقدّ اللفظ المناسب للحالة الوجدانية التي يحياها,
    فتأتي جزلة قوية رصينة في الموضوعات التي تتصل بمعاني العزة والكرامة والاستعلاء,
    كما في قوله:
    -
    أدعوتِـنـي للبّــذْلِ مِــنْ ... نَفْسي! ونَفْسي لا تَلِينْ
    أنا لا أذكّرُ بي صَـديـقــاً ... ليسَ لي في الذّاكرينْ
    إنْ كــان ذا جـــاهٍ فـــإنَّ ... اللهَ ذو الجاهِ المُـبـيـنْ
    يا أُمّتا إنّي من الرحمنِ ... فـي حِـصْـنٍ حَـصِـيـنْ
    عَلّمتِني حفـظَ الكرامـةِ ... سوفَ أَحْفظُها كَدِينْ
    -
    وفي قصيدته(رسالة بلا عنوان) يثب الشاعر بخياله المجنح وثبة, تُطْوَى له فيها فجاج الأرض,
    فإذا هو مع أمه, يخرج من ضيق اغترابه, ويرتمي على صدرها الحاني الرؤوم:
    -
    وأَطْوِي فِجاجَ الأَرْضِ في نِصْفِ غَمْضَةٍ ... كَوَمْضَةِ بَرْقٍ, حيثُ أَلْقَى ارْتِقابَـهـا
    وأخرجُ من ضِيـقِ اغْتـرابــي وأَرْتَـمِــي ... على صَدْرِهَا الحاني, وأحْيا رِحابَها
    -
    وفي قصيدته (نجاء في السماء) يثب روحه ويتطاول, ليعانق روحها في الأسعدين,
    ولكن سرعان ما يدرك أنه ما زال في أسر الماء والطين:
    -
    تَطاوَلَ رُوحـيَ حـتّــى دَنـــا ... يُعانِقُ روحَكِ في الأَسْعَدينْ
    وبَيْنَا أنا في انْتِشَاءِ المُنـى ... أهمُّ أقبّـل مـنـكِ الجَـبـيـنْ
    شَعَرْتُ كأنّـيَ فـي قَبْـضَــةٍ ... أُريدُ, ولكنَّ رُوحـي رَهِـيـنْ
    تُـكَـبِّـلُـهُ عنــكِ أقــدارُ دَهْــرٍ ... نَواميسُها تحْكُمُ العالميـنْ
    فأنتِ سَنا, قَدْ تَخَطَّى الدُّنا ... وما زلتُ في أسْرِ ماءٍ وطينْ
    -
    لقد شذا الشاعر عمر بهاء الدين الأميري في ديوان (أمي) ألحان الحب والبرّ والعرفان
    بالجميل لوالدته, وسكب عليها غزير العبرات, وجسد فضلها, ونوه بمآثرها وسجاياها ومزاياها,
    فكان ديوان أمي بمجموعه:
    خفقة قلب, وأنشودة حب, وإشادة بفضل, وتغنياً ببِرّ, وبكاءٍ على غال, ورضاً بقضاء الله وقدره.
    -
    وكما قد أضاف الشاعر إلى الشعر العربي لوناً جديداً بديوانه (أب),
    فقد أضاف لوناً آخر جديداً, في ديوانه (أمي).

    -
    عمر: خالد والله لقد أحيت هذه الأبيات في قلبي قدر أمي
    وقد ضرب شاعرنا مثالاً من أعظم البر بالأم, فبإذن الله سأفتح صفحة جديدة ببري بأمي
    ولن أنسى أن أدعو لك
    -
    خالد: فعلاً إنها الأم, ومهما قلنا عنها فلن نوفيها حقها
    ولكن في نفسي سؤال أود أن أسأله لكل فرد من أفراد العالم
    ماذا قدمت لأمك؟
    -
    أنس: اللهم ارزقنا بر والِدَينا أجمعين
    إخوتي يبدو أن وقت الجلسة بقي له القليل, أما أنا فأحببت أن أفاجئكم بشيء جميل في الختام
    ألا وهو مخطوطتين هي آخر ما كتبه شاعرنا عمر بهاء الدين الأميري بخط يده وهو على فراش الموت
    -
    فإليكما هذه


    المخطوطة الأولى: دمٌ يقدس الله
    -
    -
    -

    -
    -
    -
    المخطوطة الثانية: مجد الرضا
    -
    -
    -
    هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 819x1116.
    -
    -
    -
    فقد توفي رحم الله بمستشفى الرياض في مدينة الرباط عاصمة المملكةالمغربية سنة 1992..
    -
    القصيدة الأولى" دَمٌ يـُقدس الله "أملاها ارتجالا على ابنه منقذ و هو على الفراش
    تجرى له عملية تصفية الدم ويضاف له دم مجلوب .. يقول رحمه الله:
    -
    دمُ مَن غلّفتمــــــــوه في دمــي
    يا ترى؟ لا عَكَّــــرَ اللهُ صَفْــوَ دمـي
    -
    هو مُذ كنتُ و أَجْـــــــــرَى نبضّهُ
    في عُـــــــروقي مُشــرِقٌ كالأنجُمِ
    -
    خـــــافقٌ يدأبُ في تقديــــــسهِ
    مُستجــــــــيراً بالطيفِ الأرْحَــمِ
    -
    هو في قـــــــلبي .. طمــــأنينةُ
    دائمُ الذكـــــر .. و لوكَـفَّ فمـــي
    -
    -
    أما القصيدة الثانية، فقد كتبها على ورقة إدارية خاصة بالمستشفى الذي كان فيه
    وهي بعنوان "مَــجْــدُ الرِضَــا"كما توضح الصورة .. رحم الله شاعرنا الكبير رحمة واسعة
    يقول فيها:
    -
    قــــضـَاء الله حُمَّ و لا يُـــــردُّ *** و أنــــــعمه تـــزيد و لا تُعــــدُّ
    ونكـــدح في الحـــياة لنيل جــاه *** نعـــد لذاك أقــــصى مــــا نعــد
    و نفلح مــــرة و نخــــيب أخـرى *** و يطــوي عـــمـــرنا أخــذٌ و ردُّ
    و يــشمخ ذو الجــهالة في غــرور *** و ينسى أنه قــــد كـــان عـــبــد
    فـــيشقى لا يـقــر له قـــــرار *** و يـلبثُ فـي كــــبـــار لا يحــــد
    و أمـــا ذو النهى فــيظــل يسعى *** بإجـــمال على ثقة و يــــعــــــدو
    يُسَلِّمُ أمــــــره لله حُــــــرًّا *** فَــــمِلْءُ حـــــياتـــــه أمـنٌ و ودّ
    رضــيت بما قضــى الرحــمن طرا *** فكان جني الرضـــأ غنم و سَعْـــــــدُ
    فــما غير الإله البـــر جــــدوى *** و لا رَجْـــــوى إذا ما جَــدّ جِـــدُّ
    و قــــد تَتَــفَـلّتُ الآهــاتُ فـي *** شكـــاة من مصـــابــــرتي تـنِـــدُّ
    و لا اَنْفَــكُّ عن تقـديــسي ربــي *** فإنَّ تـَـأَوُهَ المضطر حَـــــمْـــــــدُ
    و مــا كالحُبِ في الدنيــا نعـــيم *** و لا كــرضا العُبيدِ الحــر مَـــجْـدُ

    -
    خالد: جزاك الله خيراً أنس, أتعرف أن مجموعة كبيرة من دواوينه كتبها بخط يده وطبعت كذلك
    فهذه كانت عادته أن يكتب بخط يده, والحق أن خطه جميل
    -
    عمر: سبحان الله, ما أمتع هذه الجلسة, لن أنساها ما حييت
    -
    أنس: المهم أن نستفيد مما تعلمناه من شاعرنا اليوم
    -
    خالد: فعلاً هذا هو المهم,
    بالمناسبة بعد أن جمعنا كل البحوث الذي قمنا بها ما رأيكم أن يذكر كل واحد منا
    المراجع التي جلب منها معلوماته
    -
    عمر: فكرة جميلة - أنس: بسم الله إبدأ يا خالد فموضوعك مهم جداً
    -
    خالد: حسناً, قمت بجمع المعلومات التي أنشئت منها مبحثي (دراسة ديواني أب وأمي)
    من كتاب "عمر بهاء الدين الأميري شاعر الأبوة الحانية والبنوة البارة والفن الأصيل"
    قرأت الكتاب ثم ذكرت لكما أفضل ما فيه
    --
    عمر: أما أنا فجمعت سيرته من عدة أماكن أهمها: سيرته من ديوانه "الزحف المقدس"
    وكتاب "عمر بهاء الدين الأميري شاعر الأبوة الحانية والبنوة البارة والفن الأصيل"
    وديوانه "قلب ورب" و مواقع الإنترنت الموثوقة
    -
    أنس: أما أنا فقد جمعت أسلوبه من بعض كتبه وخاصة كتاب "عمر بهاء الدين الأميري
    شاعر الأبوة الحانية والبنوة البارة والفن الأصيل", ومصدر المعلومات المفتوح "الأنترنت"
    وديوانه الأعظم "مع الله", وبالطبع قد وجدت هذه الكتب كما وجدتماها
    في معرض الكتاب ومكتبة الأمير سلمان, فجزا الله من أعاننا على ذلك خير الجزاء
    -
    خالد: جزاكما الله خير الجزاء على ما أفدتماني به هذا اليوم فقد استفدنا بالفعل من هذا البحث الممتع والمفيد


    أنس: وأنتما جزيتما خيرا, فقد تمتعت بالبحث في رفوف المكتبة وبين أوراق الكتب.


    عمر: جزاكما الله كل خير, وألقاكما على خير, ولا تنسيا كفارة المجلس

    سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك
    -

    -
    خالد -بعد الاجتماع بأيام- :
    حقيقة لقد استمتعت بإعداد هذا الموضوع الشيق
    والحمد لله أن أخواي أذنا لي أن أن أقوم بطرح جلستنا بهذا الشكل
    -
    فحياكم الله إخوتي قراء هذا البحث الذي أسال الله أن يكتب له القبول
    -
    قمت فقظ بتفريغ جلستنا بعد تسجيلها
    وأضفت إليها بعض الجماليات, وسميت المباحث التي لم نسمها كي يسهل الرجوع إليه
    وكانت المباحث هي :
    -
    -
    عمر الأميري - وقفات في سيرته
    -
    -أميرنا .. نظرته الإسلامية وكتبه

    دراسة مختصرة لديوان أب
    -
    -جهاده ونشاطه
    -
    -الأميري والإمام حسن البنَّا
    -
    -بهاء الدين - أسلوبه في شعره ودواوينه
    -
    -إطلالة من قصائده البهية
    -
    -قالوا عن الأميري
    -
    -أمي .. ديوانٌ مُعبِر .. دراسة تأملية
    -
    -الهدية النادرة
    -
    -
    وختاماً أنصحكم بقراءة ديوان الشاعر الجميل الروحاني .. مع الله ..
    ولولا ضيق الوقت وأن الديوان يحتاج وقفات كثيرة لبحثناه هنا
    -
    أتمنى وأصدقائي وكل من ساعدنا على هذا البحث أن يُسْتفاد منه
    وأشكر كل من ساعدنا شكراً من القلب عميقاً على عونه
    -
    بإذن الله نلقاكم في أعماق بحر الشعر الجميل
    -


  2. #2

    الصورة الرمزية Abo aBraHeM

    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    المـشـــاركــات
    92
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الْمُسَابَقَة الْأَدَبِيْة الْكُبْرَى: عُمَر بَهَاء الْدِّيْن الْأَمِيرِي

    لي عودة بعد القراءة إن شاء الله تعالى ...

  3. #3

    الصورة الرمزية smart-girl

    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المـشـــاركــات
    2,435
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الْمُسَابَقَة الْأَدَبِيْة الْكُبْرَى: عُمَر بَهَاء الْدِّيْن الْأَمِيرِي

    أسلوب الموضوع شيق جداً ^_^
    واختيار موفق

    أعجبني

    تُـذكّـرُنــي كــلُّ أمٍّ قَــضَــتْ ... بموكبِ أمّي وتَشْييعِها
    فيعصرُ قلْبي جَوىً كالّلظى ... كما كنتُ في يوم توديعِها
    وأحْـيــا مـراحــلَ ذاك الرَّدى ... بفجأَةِ خطْبٍ وترويعِها
    ويـغْـلــي كِـيـانــي بآهـاتِــهِ ... ويزفِرُ صَدْري بترجيعٍها
    وتَنْغُرُ في مِحْجَـريَّ الدمـوعُ ... ونفسي تغُصُّ بتجْريعِها
    يحس بهذا الإحساس كل من فقد عزيزاً عليه من قبل في كل مرة يحضر فيها تشيع

  4. #4

    الصورة الرمزية غصنُ البَانِ

    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    المـشـــاركــات
    1,461
    الــــدولــــــــة
    كندا
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الْمُسَابَقَة الْأَدَبِيْة الْكُبْرَى: عُمَر بَهَاء الْدِّيْن الْأَمِيرِي

    جميل جداً -ماشاءالله تبارك الله-..
    أسلوب و طرح رائعين و مشوّقين، أعجبتني المُحادثة =)
    ،
    أنتِ التي غَذّيتِـنـي وحَـضَنْتِـني ... لولاكِ ما أبصرتُ ضوءَ نَهاري
    أنتِ التي داريتِنـي فنَـمَوت في ... أحضان عطفِكِ خاليَ الأكْدارِ

    أنتِ التي أنشدتِني لحـنَ الوفـا ... وسهرتِ من أجلي إلى الأسحارِ
    أنتِ التي قبّلتِني وبـسمتِ لي ... وضممتِني وأنا الصغيرُ العاري
    أنتِ التي لـقنتــنـي آي الهُـدَى ... والحبّ والإحسانَ واسمَ الباري
    أرشدتِني ونصـحتِنـي ومنعتِني ... وعدلتِ بي عن منهج الأشرارِ
    لما نشأتُ دفعتِنـي بشجـاعـة .... لأنالَ ما يسمو مِنَ الأوطار
    ،
    تنسيق جذاب فعلاً.. ماشاءالله تبارك الله..
    بالتوفيق لكُم جميعاً،، ^_^

  5. #5

    الصورة الرمزية |[ بـتــآر ]|

    تاريخ التسجيل
    Feb 2008
    المـشـــاركــات
    909
    الــــدولــــــــة
    اليابان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الْمُسَابَقَة الْأَدَبِيْة الْكُبْرَى: عُمَر بَهَاء الْدِّيْن الْأَمِيرِي

    في الماضي ,...

    محجوووووووووز
    الان ...

    اشكرك على هذا السرد الرائع

    وتسلسل الاحداث يااااه كمـ اعجبني

    بهاء الدين ...

    لله درك من شاعر ...

    .................

    اشكر لك جهودك ...

    اشكرك بحجمـ السماء ...
    التعديل الأخير تم بواسطة |[ بـتــآر ]| ; 18-4-2010 الساعة 05:04 AM سبب آخر: فك وربط الحجوزات ...XDDD

  6. #6

    الصورة الرمزية عثمان بالقاسم

    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المـشـــاركــات
    3,872
    الــــدولــــــــة
    المغرب
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الْمُسَابَقَة الْأَدَبِيْة الْكُبْرَى: عُمَر بَهَاء الْدِّيْن الْأَمِيرِي

    جزاكم الله خيرا .
    وفق الله الجميع.
    التعديل الأخير تم بواسطة عثمان بالقاسم ; 20-5-2010 الساعة 04:56 AM

  7. #7

    الصورة الرمزية معتزة بديني

    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    المـشـــاركــات
    5,036
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الْمُسَابَقَة الْأَدَبِيْة الْكُبْرَى: عُمَر بَهَاء الْدِّيْن الْأَمِيرِي

    ماشاء الله حقا رائع
    جزاك الله خيرا

  8. #8

    الصورة الرمزية Hope Tear

    تاريخ التسجيل
    Mar 2009
    المـشـــاركــات
    8,025
    الــــدولــــــــة
    سوريا
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: الْمُسَابَقَة الْأَدَبِيْة الْكُبْرَى: عُمَر بَهَاء الْدِّيْن الْأَمِيرِي

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
    راااائع راااائع راااائع بمعنى الكلمة
    إبداااااااااع وفن في حدِّ ذاته
    حقيقة أنا لا أعرف هذا الشاعر
    لكن له وقفات وأشعار غاية الرقة والعذوبة
    معانيه وألفاظه روحانية تخترق القلب
    لعل ما يدل على ذلك ديوانه "مع الله"
    فعلاً هو مما تجلت في روعة الأحاسيس والمشاعر
    ودواوينه الأخرى قمة لا توصف
    بحثكم هذا جميل جداً ومنسق وبأسلوب مميز
    جزاكم الله خيراً ووفقكم جميعاً

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...