وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي


رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدْتُ بَناتي


أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ


إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ


سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى


لُعَابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ


سَقى اللَهُ في بَطنِ الجَزيرَةِ أَعظُماً


يَعِزُّ عَلَيها أَن تَلينَ قَناتي


حافظ ابراهيم


إن الناظر في حال اللغة العربية وما آلت إليه ليجد نفسه مشدوهاً مما أصابها ، وحائراً مما دهاها ، ولم يك ذاك نتاج ساعة أو يوم بل هو مرض سرى في شريان أبنائها حتى ألقوا عن عواتقهم حملاً عزاه إليهم أسلافهم وسموا به بين الأمم ثم راحوا يدسون أنوفهم اتباعاً غير متبوعين للقيط اللغات وسافل الكلمات .
فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير ونظروا لكل ماهو وارد نظرة المتعطش إلى كف الريِّ سائلاً إياها قطرة تبقيه عالقاً في ركب الحياة وليت شعري لورآهم أبوفراس الحمداني وهو من قال :

ونحن أناسٌ لا توسط عندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبر

كانت اللغة العربية تتصدر لغات العالم فكانت الأولى وماسواها رابع وخامس وليس بينهم ثانٍ ولا ثالث كيف لا وهي لغة القرآن { بلسانٍ عرَبيٍّ مُبينْ } وخير ناقل لإرث الآباء والأجداد على أكمل وجه حيث يسع اللفظ الواحد منها معانٍ كثيرةٌ .
ولكم أن تتأملوا في قصيدة لابن فارس صاحب معجم مقاييس اللغة حيث يقول :

يادرَ سعدى بذاتِ الضَّالِ من إضمٍ


سقاكِ صوبُ حياً من واكف العينِ


تدنى معتقةً منا معشقةً


في كلِّ إصباحِ يومٍ قرةُ العينِ


إذا تمزَّزَها شيخٌ بهِ طَرَقٌ


سرتْ بقُوَّتِها في السَّاقِ والعَيْنِ


والزَّقُ ملآنُ من ماءِ السُّرورِ فلا


يخشى تولٌّهَ ما فيه من العين


وغاب حسَّادُنا عنَّا فلا كَدَر


في عيشنا من رقيبِ السُّوءِ والعَين


يُقَسِّمُ الوُدَّ فيما بيننا قسماً


ميزانُ قسطٍ بلا بخسٍ ولا عينِ


ففي البيت الأول العين هي سحابةٌ تنشأ من جهة القبلة .
وفي البيت الثاني هي العين المبصرة.
وفي الثالث بمعنى الركبة فقد كانت العرب تسمي الركبة بالعين .
وفي الرابع بمعنى الميزاب الذي يصرف الماء وقت المطر .
وفي الخامس بمعنى المختلس والذي يتتبع الناس يقال: فلان عين للوالي .
وفي السادس بمعنى الظلم .
وليس هذا إلا نزر من بحر وقليلٌ من كثير وصدق حافظ إبراهيم :

وسعت كتاب الله لفظاً وحكمةً


وما ضقت عن آيٍ به وصفات

وإنما نحن نتاج تصوراتنا فكيف لنا أن ننشد السيادة والصدر بين الناس ونحن نتخلى عن لغةٍ سمت لأزمنة طوال وقرون كثيرة فانظر في المؤلفات تجد تاريخ اللغة ، وكتب الأدب والنحو والبلاغة والبديع وتجد طبقات النحويين وكتب إعراب القرآن وإرث لو ملكه غيرنا لعدَّه من بنود تقدمه على الناس بفراسخ كثيرة .

لكم التحية وإلى بوح آخر.