أتمنى أن تكونوا جميعاً في أحسن حال

أعتذر عن هذا التأخير الكبير! السفر وماأدراكم ما السفر ^^"

أعود لإكمال السلسلة وأدعو الله أن يعينني على إكمالها






{ سورة البقرة }

{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ}
{ الإفراد والجمع }

أفرد القرآن [ ولي ] للمؤمنين ، وجمعها للكافرين
فقال [اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا] .. لأن الله هو الواحد لا إله سواه ، ليس له ولي من الذل
ولكن [ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ] فجمع كلمة [ ولي ] و [ الطاغوت ] ليدل على كثرتها واختلافها
والعقل السليم يرى أن الولي الواحد [ الله عز وجل ] أفضل من أولياء متفرقون مختلفون

ثم أفرد النور ، وجمع الظلمات
ليدل على أن الحق طريق واحد مستقيم لا طريق سواه
أما الكفر والضلال فطرق مختلفة كاختلاف الأولياء


وقد خالف بعض المفرسين هذا الأمر على أن [ النور ] جاءت مفردة لثقل جمعها [ أنوار ]
و[ الظلمات ] جاءت جمع لأنها أخف من إفرادها
وبرأيي هذا ليس حجة قوية فكلمة [ أنوار ] ليست ثقيلة ، كما أن [ الظلم ] أخف من [ الظلمات ]

وبهذا يكون الرأي الأول أرجح




{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ۗ}
{ الإيجاز في التشبيه }

في هذا التشبيه أربعة أمور
النفقة ، والمنفق .... و البذرة والباذر - من زرع البذرة -

ومعنى الآية: [ مثل النفقة التي ينفقها المنفقون في سبيل الله كم حبة زرعها الباذر ]

ذكر القرآن [ المنفق ] في قوله تعالى [ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ]
ولم يذكر المشبه به وهو [ الباذر الذي زرع البذرة ]
لدلالة السياق عليه ، كما أن سياق الآية لا يحتاج إلى ذكره

ثم لم يذكر [ النفقة ] المشبه وذكر [ البذرة ] في قوله [ كَمَثَلِ حَبَّةٍ]
أيضاً لدلالة المعنى عليها

وعلى الرغم من هذا الإيجاز من حذف المشبه والمشبه به
فلقد صورة الآية تصويراً رائعاً في جميع جوانبه يعطي صورة توضيحية
لتضاعف النفقة وأجرها عند الله تعالى
فكان ذلك التشبيه من الفصاحة وغاية البيان تام التمثيل والأداء



{ سنابل وسنبلات }

قال تعالى : { أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ}
وقال تعالى في سورة يوسف : { سَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ } يوسف:43

هذان مثلان رائعان على دقة النظم في اختيار صيغ الجمع ووقعها على النفس
ففي آية البقرة ولما كان الحديث عن مضاعفة أجر النفقة استخدم النظم صيغة جموع الكثرة
سنابل [ على وزن مفاعل من صيغ جموع الكثرة ]
وذلك لتناسب سياق الآية في مضاعفة الأجر

أما في سورة يوسف كان الحديث عن رؤيا ملك مصر ولاحاجة هنا للمضاعفة والتكثير
فجمع سنبلة على صيغة جموع القلة [ سنبلات ]
لتدل على عددها وهي [ سبعة ] فقط
كما ورد في تأويل يوسف - عليه السلام - :{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا}



{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا ۗ}
{ مطابقة المشبه المشبه به }

تحدثت الآية عن أن الرياء يبطل انعقاد الثواب للصدقة أصلاً ، وأن المن يبطل الثواب بعد حصوله عليه
وأراد النظم في هذا المثل مطابقة المشبه به في جمع جزئيات تشبيها دقيقاً

فشبه المرائي المؤذي المان بصفوان -وهو الحجر الأملس-
والرياء والمن بالتراب
والامتثال إلى أوامر الله والوحي بالوابل - وهو المطر الشديد -

فالحجر الأملس في مقابلة لقلب هذا المرائي الذي تحجر قلبه عن الإيمان والإحسان إلى الناس
الذي يغلف قليل من التراب - الرياء - فقسوة ماتحته تمنعه من انبات النبات والثبات عند نزول المطر
وكذلك قلب المرائي عند الأوامر والنواهي ونزول الوحي تنكشف تلك الطبقة الرقيقة من الرياء عن قلبه
ويبقى القلب القاسي المتحجر عن طاعة الله والإيمان به


فهذا وصف دقيق تتجلى فيه عظمة القرآن





{مناسبة مطلع البقرة بخاتمتها}

بدأت البقرة بشكل عام بالإيمان بالغيب ، وامتداح المؤمنين المقيمين للفرائض والإيمان بالكتب السماوية السابقة
واليقين بالآخرة

واختتمت بالحديث عن إيمان الرسول -صلى الله عليه وسلم - والمؤمين معه بالملائكة والكتب والرسالات السابقة وكل تلك الأمور تعتبر إيماناً بالغيب

وقال أبو بكر الرازي صاحب التفسير الكبير: - النقل ليس نصاً بل لتخيصاً ^^" -
قوله تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ }.. هو المقصود في أول السورة {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} و قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}
وقوله تعالى: {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} هو المراد بقوله تعالى في أول السورة : {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}
لأن تنفيذ الشرائع والفروض تحتاج إلى سمع وطاعة لآدائها.
وقوله تعالى:{غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }هو المراد من قوله تعالى :{وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}
فقولهم{وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}تعني إيمانهم يقيناً بالآخرة بكل مافيها من جنة ونار وجزاء وحساب
وأخيراً دعاء وتضرع المؤمنين من قوله تعالى :{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا .. إلى آخر السورة}هو المقصود من قوله تعالى:{ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
فتضرعهم ودعائهم ربهم دليل على هداهم وفلاحهم الذي وصفهم به الله تعالى أول السورة





{ سورة آل عمران }

{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ۚ ۗ} البقرة: 80 ، { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ۗ}
{ معدودة ومعدودات }

اختلف العلماء كثيراً في اختلاف ماتعنيه [ معدودة ] و[ معدودات ] والفرق بينهما
وحقيقة وجدت الكثير من الأقوال متناقضة فيهما
ولكن لعل الأرجح والصواب هو :

معدودة تستخدم في عد شيء قليل لا يعد من قلته
ومعدودات [ جمع معدودة ] تعني عدد معين بذاته ولايتعدى العدد 40

ووصف القرآن الأيام التي زعم اليهود أنهم يقضونها في النار تارة بمعدودة وتارة آخرى بمعدوادت
هو ليدل على افترائهم وتشتت قلوبهم فمنهم من قال: نعذب يوم ، ومنهم 10 ومنهم أربعون يوماً - مدة عباتدهم للعجل-
وهذا هو سر الإعجاز البياني في استخدام وصفين لافترائهم ليبين افترائهم وكذبهم






{إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ} ، { وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ}
{لفظ امرأة دون زوجة }

وصف الله تعالى امرأتي [ عمران ، وزكريا ] هنا بلفظ [ امرأة ]
ولم يقل [ زوجة عمران ] ، ولم يقل على لسان زكريا - عليه السلام - [ زوجي عاقر ]

يستخدم القرآن لفظ [ امرأة ] في المواضع التي تتعطل فيها الحكمة من الحياة الزوجية
كوفاة الزوج ، أو الخلاف ، أو العقم ، أو خلاف في الدين ونحو ذلك

فأم مريم -وهي حنة بن فاقود - كانت أرملة عمران
وزكريا كانت زوجته عاقر لا تنجب وكبيرة في السن
لذلك استخدم النظم امرأة

ولكن في سورة الأنبياء عندما دعا زكريا -عليه السلام - ربه :{ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}
استجاب الله بقوله : { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ }
فقد وصفها بـ [ زوجة ] لتحقق حكمة أحد حكم الزواج وهو الإنجاب

نلاحظ ورود لفظ امرأة في القرآن في مواضع مشابهه منها:
اختلاف الدين بين الزوج والزوجة:
قوله تعالى:{ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} القصص: آية 9
وقوله تعالى: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} التحريم:10

الخلاف بين الزوجين:
قوله تعالى:{ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} النساء: 128

العقم:
قوله تعالى: { فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} الذاريات: 29
وقوله تعالى: { وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} يوسف:21

ذكر المرأة الكافرة

قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} المسد:4

ذكر سائر شؤون النساء في القرآن
قوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ }البقرة: 282
وقوله تعالى:{ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ}القصص: 23
وقوله تعالى:{ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} الأحزاب: 50

وغيرها من الآيات الكريمات





{ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}
{تقديم السجود على الركوع }

ذكر العلماء أن هذا الترتيب جاء فيه الترقي والتدرج في ترتيب الألفاظ والتراكيب في القرآن
حيث بدأ الآية بقوله [ اقتني ] وهو الطاعة التامة لله
ثم قوله [ اسجدي ] وهو مايكون فيه الإنسان أقرب إلى ربه . قال - صلى الله عليه وسلم - : (أقرب مايكون العبد إلى الله إذا كان ساجداً ) . كما ان السجود يكون في الصلاة وغيرها
ثم قوله [ اركعي ] لأن الركوع لا يشرع إلا في الصلاة وهو أخص العبادة السابقة

وأيضاً يمكن أن يكون الترتيب بالعكس [ الركوع ثم السجود ثم القنوت أو العباة ] كما في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} الحج:77




{قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} البقرة: 136
{الفرق بين أنزل علينا ، وأنزل إلينا }

الفرق يتضح جلياً من معرفة الفرق بين حرفي الجر [ إلى] و [ على ]

إلى تفيد الغاية والوصول ، أما على فهو حرف استعلاء
وتقول العرب : خرج زيد إلى قومه .. أي أنه منهم في مستواهم
وتقول: خرج زيد على قومه .. أي انه أعلى شأناً منهم أو أن خروجه عليهم استعلاء منه عليهم

الفرق في بين الآيتين
في آية البقرة:
بدأت الآية بقوله [ قولوا ] وهو أمر للمسلمين بدعوة غيرهم من غير المسلمين سواء من اليهود أو غيرهم
إلى دينهم وأن يكونوا معهم في مستواهم الديني .. فهذا حديث بين البشر لذا استخدمت [ إلى ] لتكون ألطف في الدعوة

أما في آية آل عمران:
فكان الحديث والسياق عن أخذ ميثاق الأنبياء بتوصية أتباعهم باتباع النبي الجديد الذي سيأتي. وهو ميثاق أخذ الله تعالى بنفسه عليهم .
فسياق الآية فيه علو واستعلاء لذلك استخدمت [ على ] في هذه الآية لتناسب السياق

والله اعلم



قد يكون المعنى من الآية مفهوم من السياق أو التفسير.. ولا أرى ضرراً في ذكر هذه الآيات
وبيان المقصود منها في هذه السلسلة فلعلها تنفع أحد أو تذكره بها ^^