رابعاً : الثقه بالله والتوكل عليه سبحانه وتعالي:

والأن وبعد أن قمنا بإخلاص النيه لله , وقررنا فعل شئ ثم وضعنا وحددنا الهدف الذي سنحيا من أجله لتحقيق الهدف الأكبر وهو مجد الأمه , يجب أن نثق بالله بكل جوارحنا ونتوكل علي الله ونؤمن تماماً بأنه مادمنا صادقي النيه , سيحقق الله لنا ما نريد عاجلاً أو أجل بأي وسيله , وحتي إن لم تتحقق فكن علي ثقة تامه بأن هذا في صالحك فلربما تحقق ماتريد ولكن قد يكون سببأ في حزنك بعد ذلك أو في أي ضرر قد يلحق بك أو لاتكون علي قدر ماسيصيبك فتضعف , أو أن تحققه ثم بعد ذلك يصيبك الغرور والرياء , فالله أعلم بصالحنا من أنفسنا , ويكفيك شرفاً أنك قد أخذت ثواب ماكنت تريد فعله بإخلاص نيتك لله عز وجل .


قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :
" من نزلت به فاقه فأنزلها بالناس لن تُسد فاقته , ومن نزلت به فاقه فأنزلها بالله يوشك الله له برزق عاجل أو أجل ".

وقد قال الله تبارك وتعالي في الحديث القدسي :
"يابن أدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غني , وأملأ يديك رزقاً , يابن أدم لاتباعد مني فأملأ يديك فقراً وأملأ يديك شغلاً ".

وهذا كله يدلنا علي فضل عبادة الله مع الثقه به والتوكل عليه وبأنه لن يخذلنا أبداً .



والأن مع قصه حقيقيه تؤكد فضل التوكل علي الله:

حكي أن حاتم الأصم كان رجلا كثير العيال وكان له أولاد ذكور وإناث ولم يكن يملك حبة واحدة ، جلس ذات ليلة مع أصحابه يتحدث معهم فتعرضوا لذكر الحج فداخل الشوق قلبه ثم دخل على أولاده فجلس معهم يحدثهم ثم قال لهم لو أذنتم لأبيكم أن يذهب إلى بيت ربه في هذا العام حاجا ويدعو لكم ماذا عليكم لو فعلتم ؟.

فقالت زوجته وأولاده أنت على هذه الحالة لا تملك شيئا ونحن على ما ترى من الفاقة فكيف تريد ذلك ونحن بهذه الحالة !!
وكان له ابنة صغيرة

فقالت:ماذا عليكم لو أذنتم له ولا يهمكم ذلك دعوه يذهب حيث شاء فإنه مناول للرزق وليس برزاق فذكرتهم ذلك .

فقالوا صدقت والله هذه الصغيرة يا أبانا انطلق حيث أحببت ,

فقام من وقته وساعته وأحرم بالحج وخرج مسافرا وأصبح أهل بيته يدخل عليهم جيرانهم يوبخونهم كيف أذنوا له بالحج وتأسف على فراقه أصحابه وجيرانه فجعل أولاده يلومون تلك الصغيرة ويقولون لو سكت ما تكلمنا فرفعت الصغيرة طرفها إلى السماء وقالت إلهي وسيدي ومولاي عودت القوم بفضلك وأنك لا تضيعهم فلا تخيبهم ولا تخجلني معهم ، فبينما هم على هذه الحالة إذ خرج أمير البلدة متصيدا فانقطع عن عسكره واصحابه فحصل له عطش شديد فاجتاز ببيت الرجل الصالح حاتم الأصم فاستسقى منهم ماء وقرع الباب فقالوا من انت قال الأمير ببابكم يستسقيكم فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء

وقالت: إلهي وسيدي سبحانك البارحة بتنا جياعا واليوم يقف الأمير على بابنا يستسقينا ثم أنها أخذت كوزا جديدا وملأته ماء وقالت للمتناول منها اعذرونا فأخذ الأمير الكوز وشرب منه فاستطاب الشرب من ذلك الماء فقال هذه الدار لأمير فقالوا لا والله بل لعبد من عباد الله الصالحين يعرف بحاتم الأصم ، فقال الأمير لقد سمعت به فقال الوزير يا سيدي لقد سمعت أنه البارحة أحرم بالحج وسافر ولم يخلف لعياله شيئا وأخبرت أنهم البارحة باتوا جياعا فقال الأمير ونحن أيضا قد ثقلنا عليهم اليوم وليس من المروءة أن يثقل مثلنا على مثلهم ثم حل الأمير منطقته من وسطه ورمى بها في الدار ثم قال لأصحابه من أحبني فليلق منطقته فحل جميع أصحابه مناطقهم ورموا بها إليهم ثم انصرفوا فقال الوزير السلام عليكم أهل البيت لآتينكم الساعة بثمن هذه المناطق فلما أنزل الأمير رجع إليهم الوزير ودفع إليهم ثمن المناطق مالا جزيلا واستردها منهم فلما رأت الصبية الصغيرة ذلك بكت بكاء شديدا فقالوا لها ما هذا البكاء إنما يجب أن تفرحي فإن الله قد وسع علينا فقالت:

لقد نظر الينا مخلوق نظرة فأغتنينا فكيف لو نظر الخالق إلينا ثم قالت اللهم انظر إلى أبينا ودبره بأحسن التدبير .

هذا ما كان من امرهم وأما ما كان من امر حاتم أبيهم فإنه لما خرج محرما ولحق بالقوم توجع أمير الركب فطلبوا له طبيبا فلم يجدوا فقال هل من عبد صالح فدل على حاتم فلما دخل عليه وكلمه دعا له فعوفي الأمير من وقته فأمر له بما يركب وما يأكل وما يشرب فنام تلك الليلة مفكرا في أمر عياله فقيل له في منامه يا حاتم من أصلح معاملته معنا أصلحنا معاملتنا معه ثم أخبر بما كان من امر عياله فأكثر الثناء على الله تعالى فلما قضى حجه ورجع تلقاه أولاده فعانق الصبية الصغيرة وبكى ثم قال صغار قوم كبار قوم آخرين إن الله لا ينظر إلى أكبركم ولكن ينظر إلى اعرفكم به فعليكم بمعرفته والاتكال عليه فإنه من توكل على الله فهو حسبه .

وسنكمل بإذن الله مع الجزء الخامس .