بسم الله الرحمن الرحيم
سلام الله ورحمته وبركاته عليكم أَ ساكني هذه الصفحات..
أرضٌ حبلى &عجوزٌ في الطرقات !!
"اليوم الأول"
تسير معانقتها بهجة..تشدو وخطواتها ترانيم ألحانها..يخالجها شعور رائي الجدد الأوائلـــــــــــ
مشاهد تتذوقها وأيامها للمرة الأولى..صخبٌ محببُ..تعالي أحاديث..أبواقٌ وبقبقة ألسن..أناسٌ تنظرهم..تتهادى ظلالهم بزجاج عينيها..تلمس خيوطاً من شغاف القلوب..تجسُّ نبضاً جديداً..يتناهى إليها همسات وبوحٍ كامن..
عالمة هي ببضاعة أتراح هذه الأرض..بمدافن مدامعها....
تعلمُ أنها حبلى بثرى قلوبٍ كمدا..وبصخر قاسى مرارة الظلم، حتى بات فتاتا تحمله الريح لمهاوي الحزَنُ..
إلا أنها ولسببٍ تعرفه جيداً لا زالت تبتسمـــــ،وما برحت البهجة تغذي قلبها..
وبينما هي مترنمة في فضائها.. إذا بمشهدٍ استوقفها..تجمدتْ مشدوهة..حيرة ونذر من لوعات أسى استُبدلوا بأعماقها محل قاطنيها القدامى..
امرأة عجوز افترشت لها خراباً من الأرض..قِطعاً من قماشٍ مزقه عدو السنون..رفاتٍ بليت تستر جسدها الهزيلُ..عروقاً زرقاء تالفة يعكرها سواداًفاضت على جلدها الرقيق المتجعد..رمادية غزلت عتمتها على صفحة عينها فأطفأتها..تعرجات وأخاديد حفرت وجهها..ولوحت شمس الظهيرة المكفهرَّة ما بقي منه ظاهراً..
لِمَ إلى هذا آل حالها؟!! ما جنته تلك المسكينة لتسكن وسط طرْق أقدام المُشاة ..
وارى الثغر ابتسامتها خجِلاً..أُخرست أصداء سعآدتها ..صمت القلب برثاء،و غشيت العين ضبابية أدمع..لمَ لا حيلة لدي؟!!..تقدمتْ ببطء ..تحركت مبتعدة،تدفعها أقدامها دفعاً..يأبى قلبها الرحيل..ويكمل سيره ببرود الكيان !!
منتصف أيامها::
لا زالت تراها في غدوها ورواحها..الجسد الكليل ذاته..والصوت المبحوح كالأنين ذاته.وبقعة أماتها الدهر ملقاة جثتها أسفلها..بجوارها عصا تلوح بها متوعدة كل من يقترب من سياجها..تزجر ذاك المستهتر الواطئ أرضها..تصرخ بهؤلاء الخاطين عتبة باب أعلاه السماوات وأدناه حبات الثرى..
قالت لها صديقتها ذات يوم حينما اقترحت إعطاؤها مالاً :"لا فائدة من ذلك ؛حيث أنها عاجزة عن التفريق بين مالٍ وأوراق..لقد ضربتني بعصاها يوماً ما حينما حاولتُ التحدث إليها ،كنتُ يومها صغيرة ومن ذاك الآن وأنا أخافها"..حانت منها التفاتة لها ،وتساءلت أوَ نستطيع نحن التفريق بين مال ووريقات؟ أوَ ليسوا سواء؟!!..أتراها عالمة بعدم جدوى المال ولهذا رفضته؟!!.....وأحببتْها !!
قِطعاً من أيام عيد الفطر ::
جاورتها خطواتها..رأت رجلاً ألقمها الحلوى ثم ربَّتَ على خدها..اعتصرتها يد الألم..احترق صدرها..وتاهت.."ليتك فعلت وما فعلت" !!
إحدى ليالي الشتاء.::
عثرتْ عليها مفترشة الرمال..ملتفة بكيسٍ من خيوط القش..وقد بات وجهها من بعد احمرار أبيض..معقوف جسدها يدفئ بعضه الأخر..هالها المشهد..ألا أنها ولسببٍ ما ولت مغادرة دونما همسٍ..
اليوم الأخير ::
إنه يومهآ الأخير..خطى أخيرة في ممشى قديم..ما عادت تبتسم الآن,,كل ماحولها بات ظلماء فحسب..ذات الصخب أضحى إزعاجاً لا معنى له ..وذات الهمس لم يبقَ منه سوى آثام قلوب ترمي حبالها ..وساوسٌ وتراهات..شياطين تتلبس ببنو آدم تسري..
كمدٍ وتفاقم أتراح يشطر قلبها تناثر شظايا..وعبَرات الأعين لازمت أيامها..شيء واحدٌ تريده..مرامٌ أخير يشغل فكرها..لا همَّ لي إلاه..إن أفلحتُ فقد منيتُ النفس صدقا ،وإن لا....عجزتْ الإكمال !!
أخذ المشهد القديم يقترب..ترقب ملأ روحها شغفا..حماس جسدته عزيمتها يسري بجوارها..لا ترددٍ الآن قد حُسم أمري!
يتقارب الأفق البعيد..مرة تلو أخرى..ذات المكان..الجدران القديمة المتآكلة..أبواق وبقبقة ألسن..ضجيجٌ يشجُّه همسا..أناسٌ وأشخاص تتهادى في عينيها ظلالهم..
كل شيئٍ باقٍ..لكن كل شيء سواها عدمُ..
وصلتْ وتوقف عدوها..ليستْ هنا..لهاثٌ يلفح صدرها..عيناها على اتساعها تدور مذعورة...رجفة في الكيان..تيهٌ ..أين هي؟..التفتت ميمنة وميسرة..أمامها أو لربما خلفها..جرجرتْ خطواتها..تهيم ببقعتها ..لم هي خالية؟..أتراها رحلت كما رحل فرشها؟..لمَ الآن؟..لمَ فقط الآن؟!!..سمعتْ من يناديها..ذات الرجل..قال لها "أوَ تبحثين عنها؟!!..لقد أطاحت بها بالأمس إحدى تلك السيارات..لم تعد موجودة الآن..لقد نقلــ..
ذهولٌ يعتريها..تركته يثرثر..استدارت وبدأت وكأول مرة تمشي ..حيث البعد..
صمَت العالم..ووارات الشمس ضوؤها وراء قطع السحاب..تخشى انجلاء نظرة الشفقة بعينها..
أدمعها تنزُّ ..تروي الوجنتين..خواءٌ ولا شيء غيره يصفد أعماقها..يلاحقها عتاب الضمير..بكاء الفؤاد..هياج الروح..وتساقط بلورات الملح..
شيئ واحدٌ تعلمه الآن ؛ لقد حبلت الأرض بجنين جديد في رحمها !!
المفضلات