بسم الله الرحمن الرحيم

مدخل:

من المعلوم شرعا أن نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف الأوائل تحرم وتجرم على كافة أهل الإسلام عامهم وخاصهم ، عالمهم وجاهلهم ، حاكمهم ومحكومهم، الكلام في أعراض الناس بغير علم ولا سلطان مبين وأن كل قول أو تهمة بغير دليل ناهض أو بينة قائمة على سوقها يجب أن يضرب عرضها الحائط ، قال تعالى: " ولا تقف ما ليس بك علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولائك كان عنه مسؤولا"الإسراء.
"إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس"
وقال عليه الصلاة والسلام:"البينة على المدعي واليمين على من أنكر"
ومن معين هذه النصوص وردت ألوف النقول عن الأئمة الأعلام محذرة من اتهام الأبرياء بلا دليل ولا برهان غير اتباع الهوى والعاطفة من أجل الثناء على طاغية من الطغاة قد أجمع أهل العلم على ظلمه وبطشه .
ولذلك كان الغرض من الموضوع التعريف بالتابعي الجليل تلميذ عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، والدفاع عنه من الإفتراءات الموجهة إليه من بعض من لم يتقي الله عز وجل في أعراض التابعين ليقوم بكل وقاحة باتهام التابعي الجليل سعيد بن جبير والتنقيص منه من أجل مدح سفاك لدماء المسلمين وعلمائها قد أجمع العلماء على ظلمه وبطشه وإن كان له بعض الحسنات .

وإن هؤلاء الذين يخوضون في أمور أكبر منهم لم يخض فيها حتى العلماء وقعوا في أمر خطير جدا وكلام خطير جدا لم يلقوا له بالا، ومفاده عند التحقيق تجريم بعض الصحابة وكبار االتابعين وهم سلفنا الأوائل وخير القرون، وخاض الجاهلون في الفتن التي لم يتجرأ العلماء الخوض فيها ، فترى لسانهم يفري فريا في أعراض العلماء والتابعين وبعض الصحابة رضوان الله عليهم وتفضيل بعضهم والتنقيص من بعضهم الآخر تماما كما يفعل الخبثاء من الروافض وهذا ديدن من أصابته شظايا أهل البدع والكلام .

ورد الشيخ الفوزان على هؤلاء الجهلة الذين يتهمون سعيد بن جبير وكبرت كلمة تخرج من أفواههم ، يقول الشيخ الفوزان: "....وإسناد الخروج إلى سعيد بن جبير رحمه الله من أئمة التابعين هذا كذب ، من الذي يثبت أن سعيد بن جبير أنه على مذهب الخوارج وأنه خرج على ولي الأمر ، لكن هؤلاء يقولون ما لا يثثبتون منه ولا يعقلونه ويرمون أئمة التابعين بهذه الجرائم ولا حول ولا قوة إلا بالله "

وهناك كتاب للشيخ صالح الفوزان يرد على شبهة هؤلاء الذين لا يتقون الله عز وجل في الصحابة والتابعين ولسانهم يفري فريا بإطلاق الأحكام جزافا يرد عليهم في هذه المسألة في كتابه وعنوانه : " الإجابات المهمة في المشاكل الملمة" وفي الصفحة رقم 12 فيه فصل بعنوان : " رد شبهة خروج سعيد بن جبير في زمن الحجاج"

بيان فضله وزهده ومكانته العلمية:

هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي مولاهم أبو محمد ويقال : أبو عبدالله الكوفي . مولى والبة بن الحارث بطن بني أسد بن خزيمة كوفي أحد أعلام التابعين وكان أسود اللون .

ولد عام 45 هــ ، وعاش بالكوفة ثم دخل أصبهان وعاد إلى العراق وسكن قرية سنبلان .

قال ابن حبان : كان فقيها عابدا فاضلا ورعا .

عن عبد الله بن مسلم قال: كان سعيد بن جبير إذا قام إلى الصلاة كأنه وتد.

عن القاسم بن أبي أيوب الأعرج قال: كان سعيد بن جبير يبكي بالليل حتى عمش.

القاسم بن أيوب قال: سمعت سعيد بن جبير يردد هذه الآية في الصلاة بضعا وعشرين مرة : " واتقوا يوما تُرجعون فيه إلى الله " الآية.

قال يزيد بن هارون: وأنبأنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سعيد بن جبير ، أنه كان يختم القرآن في كل ليلتين.

عن هلال بن خباب قال: خرجت مع سعيد بن جبير في أيام مضين من رجب فأحرم من الكوفة بعمرة ، ثم رجع من عمرته ، ثم أحرم بالحج في النصف من ذي القعدة ، وكان يخرج في كل سنة مرتين مرة للحج ومرة للعمرة.

قال الإمام أحمد : قتل الحجاج سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه .

قال أبو القاسم الطبري : هو ثقة إمام حجة على المسلمين .

قيل للحسن البصري : إن الحجاج قد قتل سعيد بن جبير . فقال : اللهم ائت على فاسق ثقيف، والله لو أن أهل الأرض اشتركوا في قتله لكبهم الله في النار ..

وعن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير قال: " إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيته بينك وبين معصيتك فتلك الخشية ، والذكر طاعة الله ، فمن أطاع الله فقد ذكره ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن"

عن جعفر قال: قيل لسعيد: من أعبد الناس؟ قال: رجل اجترح من الذنوب ، فكلما ذكر ذنوبه احتقر عمله.

روى عن جمع من الصحابة منهم ابن عباس وروايته عن عائشة وأبي موسى مرسلة .

كان سعيد بن جبير من كبار التابعين، الذين ساروا على سنن الهدى، واقتفوا أثر المصطفى، وباعوا الدنيا طلبًا للأخرى. وقد وثقه أهل العلم كافة، حتى قالوا في وصفه: ثقة إمام حجة على المسلمين .

كان الناس يرونه - منذ نعومة أظفاره - إما عاكفًا على كتاب يتعلم، أو قائمًا في محراب يتعبد، فهو بين طلب العلم والعبادة، إما في حالة تعلم، أو في حالة تعبد .

أخذ سعيد العلم عن طائفة من كبار الصحابة، من أمثال أبي سعيد الخدري ، و أبي موسى الأشعري ، وعبد الله بن عمر ، رضي اللَّه عنهم أجمعين، لكن يبقى عبد الله بن عباس - حبر هذه الأمة - هو المعلم الأول له .

لازم سعيد بن جبير عبد الله بن عباس لزوم الظل لصاحبه، فأخذ عنه القرآن وتفسيره، وتلقى عنه القراءات القرآنية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ بها، وتفقّه على يديه في الدين، وتعلم منه علم التأويل، حتى أصبح من المكانة ما جعل بعض معاصريه يقول فيه: مات سعيد بن جبير ، وما على ظهر الأرض أحد من أهل زمانه إلا وهو محتاج إلى علمه .

وعندما كانت إقامته في الكوفة، كان هو المرجع الأول في الفتوى، وعليه المعول في علم التفسير، لدرجة أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يحيل إليه من يستفتيه، ويقول لأهل الكوفة إذا ما أتوه ليسألوه عن شيء: أليس فيكم ابن أم الدهماء ؟ يعني سعيد بن جبير - وكان حبشي الأصل - .

وعلى الرغم من مكانته العلمية التي كان يحظى بها، وخاصة معرفته الواسعة بتفسير كتاب الله، إلا أنه - رحمه الله - كان يتورع عن القول في التفسير برأيه - كما هو شأن السلف من الصحابة رضوان الله عليهم - ومما يروى عنه في هذا الشأن: أن رجلاً سأله أن يكتب له تفسيرًا للقرآن، فغضب، وقال له: لأن يسقط شِقِّي، أحب إليَّ من أن أفعل ذلك .

ولأجل ملازمة سعيد ابن جبير لـ ابن عباس رضي الله عنهما، ومكانته العلمية بين التابعين، فقد كانت أقواله مرجعًا أساسًا، ومنهلاً عذبًا لأهل التفسير، يرجعون إليها، ويغترفون من معينها في تفسير كثير من آيات الذكر الحكيم .

وقد وَثَّقَ علماء الجرح والتعديل سعيداً ، وروى عنه أصحاب الكتب الستة وغيرهم من أصحاب الحديث. قال ابن حبان في كتاب ( الثقات ): كان فقيهًا، عابدًا، فاضلاً، ورعًا .


مقتل سعيد بن جبير رحمه الله:

قصة قتل الفقيه الزاهد التابعي الجليل سعيد بن جبير، قصة مؤلمة. كان سعيد من أئمة التابعين، وقد تلقى علمه عن كوكبة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبوهريرة ، وعبد الله بن عمر ، وعائشة أم المؤمنين ، وأبو سعيد الخدري رَضِي اللَّه تعالى عَنْهم أجمعين ، وقد طالت صحبته لحبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فأخذ عنه القرآن وتفسيره ، والحديث وغريبه ، ودرس عليه اللغة. وقد رحل كثيرا في طلب العلم، واستقر به المقام بعد ذلك في الكوفة، حيث توافد إليه المسلمون ينهلون من علمه وفضله، حتى قال عنه الإمام أحمد بن حنبل بعد ذلك "لقد قتل سعيد بن جبير وما على ظهر الأرض أحد من أهل زمانه إلا وهو محتاج إلى علمه". وقال خصيف عن جيل التابعين: أعلمهم بالقرآن مجاهد، وأعلمهم بالحج عطاء، وأعلمهم بالحلال والحرام طاووس، وأعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيب، وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير. وقال عليّ بن المديني: ليس في أصحاب ابن عباس مثل سعيد بن جبير، قيل ولا طاووس ؟ قال: ولا طاووس، ولا أحد. وقال سفيان الثوري: خذوا التفسير عن أربعة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك.

كانت العراق وقتها تحت إمرة الحجاج بن يوسف الذي نشر الرعب بين أهلها، وكانت قسوته وظلمه وبطشه وراء إراقة أنهار من الدماء البريئة. وحدث أن أرسل الحجاج جيشا لفتح بلاد الترك وأمر عليهم عبيد الله بن أبي بكرة، فهزمهم الترك وأوقعوا في جيش المسلمين خسائر فادحة. فلما كانت السنة التالية – سنة ثمانين من الهجرة- أرسل الحجاج جيشا آخر وأمر عليه قائده الشجاع عبدالرحمن بن الأشعث، ففتح أطرافا كثيرة من بلاد الترك، ثم رأى ابن الأشعث أن يأخذ جيشه هدنة يلتقط فيها أنفاسه ويؤمن فيها المدن والقرى التي سيطر عليها ويعيد إمدادات جيشه بحيث يوغل في باقي بلاد الترك العام التالي، خاصة وأنهم كانوا وقتها على أعتاب الشتاء ببرده القارس في تلك البلاد. بدا رأي ابن الأشعث منطقيا وحكيما، ولكن لما كتب بذلك إلى الحجاج يستأذنه أن يتوقف عن القتال للعام التالي، كتب إليه الحجاج يستهجن رأيه، ويستخف بعقله، ويسخر من تردده، ويقرعه بالجبن والنكول عن الحرب، ويأمره حتما بدخول بلاد رتبيل،ثم أرسل إليه ثانية وثالثة، فجمع ابن الأشعث رؤوس العراق وقال لهم، إن الحجاج ألح عليكم في الايغال في بلاد العدو، وهي البلاد التي هلك فيها أخوانكم بالأمس، وقد أقبل عليكم فصل الشتاء والبرد، ثم قام فيهم خطيبـًا وأخبرهم برأيه بإصلاح البلاد التي فتحوها، وأن يقيموا بها حتى يتقووا بغلاتها وأموالها ويخرج عنهم فصل البرد ثم يسيرون إلى بلاد العدو، ثم قال لجنده: أتبايعونني على ذلك ، وتؤازرونني على جهاد الحجاج، حتى يطهِّر اللهُ أرضَ العراق من رجسه، فنزلوا على رأيه وخلعوا بيعة الحجاج، وبايعوا ابن الأشعث.

وحدث بعد ذلك بقليل أن كثرت شكاوى من دخل الإسلام من أهل الذمة، من معاملة الحجاج لهم وتفريقهم في البلاد وتشريد أسرهم لحنقه من فقدان أموال الجزية التي كانوا يدفعونها قبل إسلامهم. وهذا موقف عجيب لا يفقه أن الفتوحات الإسلامية كلها مقصودها الهداية لا الجباية. ولذلك لما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة بعد ذلك بسنوات وأرسل له أحد ولاته كتاباً بأن هناك عددًا كبيرًا من أهل الذمة دخلوا في الإسلام ، فقَلَّت الجزية وانخفض الدخل ، فقال: واللهِ أتمنّى أن أعمل راعيَ غنمٍ أنا وأنت ، ويدخلُ الناسُ كلهم في الإسلام. وقد استغل ابن الأشعث هذه المظالم فكتب إلى علماء البصرة والكوفة وفقهائها يطلب منهم مبايعته للإطاحة بالحجاج، خاصة وأنه في تلك اللحظة كان قد حقق عدة انتصارات متتالية على جيش الحجاج. فاستجاب له مجموعة من علماء العراق منهم سعيد بن جبير ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، والشعبي ، وغيرهم فبايعوه وخلعوا بيعة الحجاج.

ثم قدر الله تبارك وتعالى، أن ينقلب ميزان الحروب الطاحنة التي وقعت بين الطرفين، وهزم الحجاج جيش ابن الأشعث الذي فر بحياته. وعندما استتب الأمر ثانية للحجاج، نكل بمن خلع بيعته ودعاهم إما للقتل أو أن يعترفوا بكفرهم بتخليهم عن بيعته مقابل عفوه عنهم. ومن الناس من قبل، ومنهم من رفض هذا الشرط القاسي وفضل القتل على أن يدمغ نفسه بالكفر. وأما سعيد ابن جبير فهرب من العراق واستقر بأسرته الصغيرة في بعض نواحي مكة المكرمة. وظل متخفيا هناك عشر سنوات كاملة إلى أن تم تعيين خالد بن عبد الله القسري أميرا على مكة، فأقسم أن يبطش بمن يأوي ابن جبير أو يتستر عليه. فسعى الناس إلى ابن جبير ينصحونه بالهرب، فقال سعيد: والله لقد فررت حتى صرت استحي من الله ، ولقد عزمت على أن أبقى في مكاني هذا، وليفعل الله بي ما يشاء. وبالفعل أطبق جنود القسري على بيت سعيد فقيدوه وأخذوه وأخذت ابنته تبكي وتمسك به فنحاها بعيدًا عنه وقال لها: قولي لأمك يا بنية: إن موعدنا الجنة إن شاء الله.

أخذ الجند الإمام الحبر العابد سعيد بن جبير وأدخلوه على الحجاج، فلما صار عنده نظر إليه الحجاج في حِقدٍ وقال: ما اسمُك ؟
فقال: سعيد بن جبير ،
فقال:بل شقيٌ بنُ كُسَيْرٍ ،
فقال: بل كانت أُمِّي أعلم باسمي منك ،
فقال: ما تقول في مُحمَّدٍ ؟
قال: تعني مُحمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ؟!
فقال نعم:
قال: سيدُ ولد آدم، النبيُّ المصطفى.. خيرُ من بقي من البشر، وخيرُ من مضى.. حمل الرسالة، وأدى الأمانة.. ونصح لله، ولكتابه، ولعامَّةِ المُسلمين، وخاصتهم،
قال: فما تقول في أبي بكر ؟
قال: هو الصّدّيق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذهب حميدًا، وعاش سعيدًا.. ومضى على منهاج النبي صلوات الله وسلامه عليه، لم يُغيّر ولم يُبدِّلْ،
قال: فما تقول في عمر ؟!
قال: هو الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل.. وخيرةُ الله وخيرةُ رسوله، ولقد مضى على منهاج صاحبيه.. فعاش حميدًا، وقتل شهيدًا،
قال: فما تقول في عثمان،
قال: هو المُجَهِّز لجيش العُسرة.. الحافر بئر رُومة.. المشتري بيتـًا لنفسه في الجنة.. صِهْرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه ، ولقد زوجه النبي بوحي من السماء، وهو المقتول ظُلمـًا،
قال: فما تقول في علي ؟!
قال: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول من أسلم من الفتيان.. وهو زوجُ فاطمةَ البتول، وأبو الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، قال: فأيُّ خلفاء بني أمية أعجب لك ؟
قال: أرضاهم لخالقهم،
قال: فأيهم أرضى للخالق ؟
قال: علمُ ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم،
قال: فما تقول فيّ ؟
قال: أنت أعلمُ بنفسك ،
قال: بل أريد علمك أنت ،
قال: إذن يسُوءك ولا يسرُّك ،
قال: لابد من أن أسمع منك ،
قال: إني لأعلم أنك مُخالفٌ لكتاب الله تعالى.. تُقدم على أمور تريد بها الهيبة، وهي تُقحمك في الهلكة ، وتدفعك إلى النار دفعـًا ،
قال: أما والله لأقتُلنك،
قال: إذن تُفسد علي دُنيايَ، وأُفسد عليك آخرتك ،
قال: اختر لنفسك أي قتلة شئت،
قال: بل اخترها أنت لنفسك يا حجاج.. فوالله ما تقتلني قتلةً إلا قتلك الله مثلها في الآخرة ،
قال: أفتريد أن أعفو عنك ؟
قال سعيد: إن كان العفو فمن الله
فقال الحجاج لجنده: إذهبوا به فاقتلوه
سعيد يضحك وهويتأهب للخروج مع جند الحجاج.
الحجاج: لماذا تضحك؟
سعيد: لأني عجبت من جرأتك علي الله ومن حلم الله عليك.
الحجاج: اقتلوه.. اقتلوه
سعيد: إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين.
الحجاج: وجهوا وجهه إلي غير القبلة
سعيد: فأينما تولوا فثم وجه الله.
الحجاج: كبوه علي وجهه
سعيد: 'منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخري'
الحجاج: اذبحوه!!
سعيد: أما أني أشهد أن لاإله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.
ثم رفع رأسه إلي السماء وقال:
خذها مني ياعدو الله حتي نتلاقي يوم الحساب:
'اللهم اقصم أجله، ولا تسلطه علي أحد يقتله من بعدي'

وصعدت دعوة سعيد إلي السماء، فلقيت قبولا واستجابة من الله والواحد القهار.
فلقد أصيب الحجاج بعد قتله لسعيد بن جبير بمرض عضال أفقده عقله، وصار كالذي يتخبطه الشيطان من المس، وكان كلما أفاق من مرضه قال بذعر: مالي ولسعيد بن جبير
وبعد فترة قصيرة من قتل سعيد بن جبير مات الحجاج الثقفي شر موته، وتحققت دعوة سعيد فيه، فلم يسلطه الله علي أحد يقتله من بعده.

وذكر ابن الجوزي رحمه الله في كتابه صفة الصفوة : أن الحجاج عاش بعد سعيد بن جبير خمسة عشر يوما ، وكان يقول : مالي ولسعيد بن جبير؟ كلما أردت النوم أخذ برجلي.

وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم إذ يقول:
'ثلاثة لاترد دعوتهم: الصائم حتي يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب:
وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين رواه الترمذي

ولمن أراد الإستزادة عن سيرة هذا العالم الفقيه والتابعي الجليل تلميذ الصحابي الجليل عبد الله بن عباس فيمكنه الإطلاع على كتاب صفوة الصفوة لابن الجوزي أو البداية والنهاية لابن كثير وغيرها من مراجع السيرة لأهل السنة.

هذا وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .

واللهم اقطع كل لسان يسيء للصحابة أوينتقص من بعضهم رضوان الله عليهم أو التابعين رضوان الله عليهم أجمعين.