السلام عليكم ورحمة الله

قصة لن أنساها، إنها تعيش في قلبي وفي وجداني، إنها قصة مسطح بن أثاثة الذي سقط مع من سقط في حادثة الإفك، وإتهام أم المؤمنين رضي الله عنها بالزنا من صفوان بن المعطل، شق ذلك على أبي بكر وحلف أن لا ينفع مسطحاً بنافعة أبداً، كيف يرمي ابنته بالزنا؟ إنه يطعنه في شرفه، معقولة، مسطح الفقير المسكين، الذي كان يعطف عليه أبو بكر يرمي أم المؤمنين بالزنا؟ هل هذا جزاء الإحسان؟فنزل قوله -تعالى- : {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}

ومعنى الآية: لا يحلف أصحاب الفضل أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين، يا الله إنها عظمة الإسلام التي ترتقي بالنفس البشرية، إنها العظمة الإلهية التي تدعو إلى التسامح والعفو والصفح والرحمة والتحرر من الأنا والذات الإنسانية.

فيا ترى كيف كان رد فعل أبا بكر؟

وسمعها أبو بكر فقال : بلى والله يا ربنا إنا لنحب أن تغفر لنا، وعاد بما كان يصنع، لم يجادل أو يناقش لأنه تربى على تعظيم أمر الله ورسوله، تربى على سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا، لقد فهم أبو بكر معنى قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].

لقد تدبر القرآن وتفاعل معه بقلبه وترجمه عمله، هكذا كان تلقيه للنص القرآني، لم يمرره بلا فهم وتدبر. ولقد كان لنا نبينا إبراهيم خير قدوة في تنفيذ أوامر الله والاستسلام لحكمه، عندما أمره ربه بقتل ولده وفلذة كبده، فذهب إلى ابنه، فلم يكن من الولد الصالح إلا أن قال: هل الله أمرك بذلك(بذبحي)، فقال إبراهيم: نعم، فقال إسماعيل: افعل ما تؤمر، اذبحني وأنا راض بحكم الله، وهذه الأم الرقيقة الشفيقة ترى زوجها يذهب بابنها ليذبحه فترضى وتحتسب، كيف لا؟، وهي من تركها زوجها مع رضيعها في صحراء مجدبة، فلم تقل سوى: هل الله أمرك بهذا؟ فيقول زوجها: نعم، فتقول: إذا لن يضيعنا،

إنها تعرف معنى أمر الله ونهيه، إنها تعرف أنه الحاكم، تعرف أن ربها حكيم، وتثق به، على يقين تام أنه يستحق أن يأمر وينهي، ويطاع ولا يعصى، وأنه لا يأمر إلا بما هو خير، فهو عليم حكيم، لقد عرفوا معنى قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [يوسف: 40]، استشعروا قول رب العزة: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]

فالذي خلق هو الذي يأمر ويحكم، لأنه أعلم بخلقه، وبما يصلحه ويفسده، وهل هناك أدرى بالصنعة من صانعها ومبدعها؟، أم البشر فمهما بلغوا من العلم فلن يصلوا إلى علم خالقهم، وعقول البشر لها قدرة معينة وتتفاوت فيما بينها، فكم من نظرية أقرتها البشرية ثم اعترفت بخطئها.

وانظر أخي الكريم إلى أم المؤمنين زينب بنت جحش بنت الحسب والنسب يأمرها النبي أن تتزوج عبده الذي تبناه -زيد بن حارثة- ويخبرها أن هذا أمر الله، فتقول: قد رضيته لي يا رسول الله منكحاً؟ فيقول : " نعم"، فتقول: إذن لا أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحته نفسي، ويوحي الله لنبيه أن زيدا سيطلق زينب وسيتزوجها رسول الله وذلك لإبطال التبني، فيخفي النبي هذا لأن الله لم يأمره بإبلاغه ويشعر في نفسه بالحرج، ماذا سيقول الناس، تزوج طليقة ابنه؟ فيعاتبه الله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37]،

وذلك لأن حكم الله يجب أن يسير على الجميع حكاما ومحكومين، راعيا ورعية، نبيا وصحابه، قال -تعالى-: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

وكلنا يحفظ حديث رسول الله الذي رواه البخاري: أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه . قال عروة: فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أتكلمني في حد من حدود الله» . قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشي قام رسول الله خطيبا، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد، فإنما أهلك الناس قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» . ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها، فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت، قالت عائشة: "فكانت تأتي بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" [صحيح البخاري:4304]،

هكذا تلون وجه النبي عندما سمع شفاعة أسامة في حد من حدود الله، مما جعل أسامة يخاف ويستغفر، ولقد حذرنا نبينا من تعطيل حدود الله، وتنحية شريعته، وأعلنها رسولنا صراحة أن حدود الله لا شفاعة فيها،وأن الهلاك لمن عطلها، بل قال: ولو سرقت فاطمة ولم يقل ابنتي حتى يوضح أنه لا قرابة ولا شفقة في حدود الله، فحتى لو سرقت فاطمة -وحاشاها- فإنه سيقطع يدها. فليس من حق أحد أن يسقط قوانين الله ولا حتى النبي نفسه، فالإسلام هو الاستسلام لحكم الله ورسوله والانقياد والإذعان،
فمن أسماء الله تعالى الحكم، ومعناه كما قال الشنقيطي رحمه الله تعالى: "وبذلك تعلم أن الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، فكل تشريع من غيره باطل، والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله أو خير منه، كفر بواح لا نزاع فيه".

...
...

...ومرت الأيام وتوالت الأعوام، وجاء أقوام، نسمع منهم قبيح الطوام، يقولون: الديموقراطية من أجل السلام،
قلنا: وما الديموقراطية يا كرام؟؟؟ قالوا: التخلص من كل سلطة وحكم حتى الإسلام، فالشعب يحكم نفسه ويتحرر من عبودية رب الأنام،
قلنا آه يا لئام، لم تقم الثورة ضد الإسلام،,,قصدنا بالديموقراطية التخلص من ظلم السلطان، وقصدنا من الحرية التصدي للفساد والطغيان، قالوا: لا نريدها دولة عسكرية ولا دينية بل نريدها قانونية علمية، قلنا: وهل الإسلام ضد العدل والعلم يا دعاة المدنية؟!،
تريدونها علمانية، أي حرية تريدون وتقصدون؟!، حرية العري والمجون، التحرر من الفضيلة والصون، حرية الكفر يا أولاد صهيون، سب الله ورسوله وفصل الدين، حرية الكفر والردة يا ملاعين، تحرر الابن من ولاية أمه وأبيه الأمين، تريدون أن يأتي الأزواج بالعشيقات وتتحول الأمهات إلى مومسات، طالبنا بإسقاط النظام وليس بإسقاط الإسلام، فديننا ليس ضد العلم وتقدم الإنسان،

لسنا مثل الكنيسة التي حاربت الإبداع بالسجن والإعدام، لسنا مثلكم يا من تريدون نبذ الأديان، وحكم الفطرة وغرائز الحيوان، والتحرر من حكم الرحمن،
لا يا مثقفين، لا نريد حياة الأمريكيين، فنحن المسلمين، بالدين سنظل مستمسكين، على خطى النبي الأمين، إلى يوم الدين، فلسنا ممن يبيع الإسلام العظيم لدنيا ورغفين، دسوا رؤوسكم في الطين، لسنا من المغفلين، نحن مؤمنين، لسنا بكافرين، نحن أحفاد صلاح الدين يا صلبيين، نضحي من أجل إسلامنا بالغالي الثمين، أرواحنا فداء هذا الدين.
وأخيرا قال -تعالى-: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]، وقال خالق الذرة والإنسان: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ ﴿٤٨﴾ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ﴿٤٩﴾ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة النور: 48-50].

رضينا برب الأرباب حاكما ومشرعا، رضينا بمن خلق الإنسان من تراب آمرا وناهيا، رضينا بالله العظيم بمن خلق الإنسان من طين، ويعلم ما يصلح له من قوانين، وكفرنا بدستور العلمانيين، فبلادنا إسلامية دينية، لا ديكتاتورية ولا ديموقراطية، فديننا دين العدل والحرية، يتسامى بالنفس عن الشهوات البهيمية، ويرتقي بثقافتها العلمية، ديننا ليس دين التحررية والإباحية، بل دين حرية التعبير بصورة حضارية، وهو ضد الكفر والنظريات الإلحادية، ديننا لا يكره أحدا على أي ديانة سماوية أو وضعية، ويعطي الإنسان حق الحياة الكريمة الهنية، لا نريد قوانين وضعية، بل نريد قوانين رب البرية، فهي ليست قوانين رجعية، بل وضعها من يعلم الماضي والحاضر والسر والعلانية، فهي تصلح لزمن الطاقة النووية، وفيها حل لجميع المشاكل الإنسانية، سياسية واقتصادية واجتماعية، لا نريد قومية ولا اشتراكية ولا حتى رأس مالية، لا نريد ديمقراطية أمريكية، ولا نريد دكتاتورية ولا مدنية،

نحن نريد حضارتنا الإسلامية.


منقول, المصدر: موقع وذكر الاسلامى...