بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




في أحد أزقة قرية الرمال يسير صاحبنا متحاشيا صناديقا مرصوصة أكل عليها الدهر وشرب, تارة تعلق عباءته بطرف خشبة ناشز وتارة يتعثر وأخرى تصدم ساقه بشيء ما .. كما أنه كثير السقوط ومع ذا ينهض ويمشي أخرى .. لكم حذره صحبه القراءة ماشيا
"يا رجل ! يمكنك أن تقرأ في أي وقت " .
"ولم لا أقرأ الوقتين" .
ها هو الآن يخرج من الزقاق قاصدا باحة السوق .
صاح صاحب دكان :
أنت ! أرعبنتي مرة أخرى .. إلا هذا الزقاق .. عباءة سوداء وكم واسعة وكتاب .. لاشك تقصد الساعاتي ؟ ..
رد وعيناه في كتابه : آه, نعم .

***
ساعة بعشرة دراهم , ربع ساعة من هذا بدينار .
علا صوت رجل : هذا يستحق دينارا ونصف .
التفت عليه رجل مغضبا : أنت لا تنجش ! .
قال الرجل : والله ما قصدت هذا ! لولا أني جربته فوقته مميز .
ما إن سمع صاحبنا كلام الرجلان إلا ونادى :
يا أبا صعب ! من أين اشتريت هذا الغلام ؟
رد أبو صعب :
مرحبا .. مرحبا يا ذو العباءة .. تقصد هذا ؟
وهو يشير إلى غلام ظاهر النجابة والنشاط جميل الطلعة لولا هالات سود تطفئ جماله .
"لقد اشتريته قبل أسبوع من ديار (عطاء) " .
ثم عاد يقول جاهرا :
ساعة بعشرة دراهم .. ساعة بعشرة دنانير .
وإذا بصاحب دكان الأقمشة مطلا برأسه .. معترضا :
ساعة بعشرة دنانير ! يا رجــــــــــال اسمعوا ! كسد سوقي وتعرفون أن الأمر ليس لسوء تصرفي .
ردت جماعة رجال :
نعرف هذا .. أكل الحريق السوق برمته .. ماذا لديك ؟
أكمل فقال :
إذن أنتم تعرفون ماضيَّ ونشاطي الذي لا يفتر .. فإني بائع ساعة مني بساعة .
انتفخت أوداج أبي صعب ..ثار قائلا :
أغلق فاك هذا أولا .. ثانيا أنا أبيع الوقت بالأموال وأنت تبيع الوقت بالوقت مقايضةً .. أبشر بكساد أخزى .
علق صاحب صوت حاد :
أنا سأشتري ساعة منك فأنا رجل قليل البركة والنشاط .
نظر أبو صعب ناحية الصوت فإذا رجل قصير القامة معقوف الأنف كبيره .. اقترب منه أبو صعب وتله فنشب شجار عنيف بين الرجال .
رفع صاحبنا بصره عن كتابه :
"يا إلهي حمي الوطيس ! "
فكر قليلا .. وجد حلا حكيما يوقف المعركة تلكم .
تقدم ليحوز مكانا بين الساعاتي والبزاز .. وفي غمرة تأهبه أسقط غافلا عمودا بين الدكانين ليهوي على رؤوس الرجال ..
عمَّ السكون المكان .. انقضت الأعين على صاحبنا .. بدت وكأنها تنهش منه .
أحاطوا به .. إذا بأحدهم يكبله .. والآخر يمسك بقدميه.. وثالث يبطش به .. ثم جلجل صوت :
"خذوا ساعاته" .
....دنا أصبع من عقرب ساعته ليعيده إلى الوراء...
شخصت عيناه تلاحقت أنفاسه انتفض قلبه ..

***
ارتعد ناهضا من فراشه يتلمس جسده :
" الحمد لله الحمد لله .. الحمد لله الذي ما جعل رقا في الأوقات" .

ا.هـ