كان سعيد بن جبير إمام الدنيا فى عهد الحجاج و كان أحد الأئمة > لا أذكر من < إذا ذكره بكى و قال : (و الله لقد مات سعيد وما أحد على الدنيا من المسلمين إلا و هو بحاجة إلى علمه ).
قتل _ رضى الله عنه و رحمه الله _ لأنه عارض الحجاج و قال له أخطأت .. أسأت .. ظلمت .. تجاوزت الحد فما كان من الحجاج إلا أن أمر بقتله ليريح نفسه حتى لا يسمع من يعكر صفوه و يعارضه , يقوّمه إذا أعوج أو ينصح له ..

ذكر بعض المؤرخون أن الحجاج أمر بإحضار سعيد بن جبير _ رحمه الله_ , فذهبوا لبيته فى يوم فجع منه الناس ( لا أعاد الله صباحه على المسلمين)
وصل الجنود إلى بيته و طرقوا بابه بقوة فسمع سعيد ذلك الطرق ففتح الباب فلما رأى وجوههم قال : حسبنا الله و نعم الوكيل , ماذا تريدون ؟
قالوا : الحجاج يريدك الآن . قال : انتظروا .
فذهب فاغتسل و تطيب و تحنط و لبس أكفانه و قال : اللهم يا ذا الركن الذى لا يضام و العزة التى لا ترام اكفنى شره .
فأخذه الحرس , و فى الطريق كان يقول ( لا حول و لا قوة إلا بالله , خسر المبطلون)
لما أُدخل سعيد بن جبير على الحجاج الثقفى قال له : ما اسمك ؟

قال : اسمى سعيد بن جبير . فرد الحجاج تبجح و قبح :بل أنت شقى بن كسير .
فقال له سعيد : بل كانت أمى اعلم منك باسمى .
فقال الحجاج : شقيت أنت و شقيت أمك .
فقال سعيد : الغيب يعلمه غيرك .
فقال الحجاج : لابد لك فى الدنيا من نار تلظى .
قال له سعيد : لو علمت أن هذا بيدك لاتخذتك إلاهاً من دون الله .
فقال الحجاج : ماذا تقول فى محمد صلى الله عليه و سلم ؟
قال : إمام الرحمة و نبى الهدى .
فقال الحجاج : ما تقول فى علىّ رضى الله عنه أهو فى الجنة أم فى النار ؟
قال سعيد : لو دخلتها و عرفت أهلها لعرفت من فيها .
فقال الحجاج : ما تقول فى الخلفاء ؟
قال سعيد : لست عليهم بوكيل .
قال الحجاج : فأيهم اعجب إليك ؟
فقال : أرضاهم لخالقه .
قال : ومن أرضاهم لخالقه ؟
قال سعيد : عِلمُ ذلك عند الذى يعلم سرَّهم و نجواهم .
قال الحجاج : ما رأيك فى ؟
قال سعيد : ظالم تلقى الله بدماء المسلمين .
فقال الحجاج : فما بالك لم تضحك ؟
فقال سعيد : و كيف يضحك مخلوق خلق من طينٍ و الطينُ تأكله النار !!
فقال الحجاج : لكنّا نضحك .
قال سعيد : لم تستوى القلوب .
... ثم أمر الحجاج باللؤلؤ و الزبجرد و الياقوت فجمعه بين يديه ,
فقال سعيد : إن كنت جمعت هذا لتتقى به فزع يوم القيامة فصالح ..., و إلا ففزعة واحدة تزهل فيها كل مرضعة عما أرضعت و لا خير فى شىء من الدنيا إلا ما طاب و زكىّ .
فقال له الحجاج : ويلك يا سعيد .
فرد عليه سعيد : لا ويل لمن زحزح عن النار و أُدخِل الجنّة .
فقال الحجاج بعدما كلَّ منه و ملّ : اختر يا سعيد أىُّ قِتلةٍ أقتلك بها ؟
فقال سعيد : بل اختر أنت لنفسك , فوالله لا تقتلنى قِتلة إلا قتلك الله مثلها فى الاخرة .
فقال الحجاج : أتريد ان أعفو عنك ؟
قال : إن كان العفو فمن الله , و أما أنت فلا براءة لك و لا عُذر .
فقال الحجاج : اذهبوا به فاقتلوه .
و لما خرج سعيد أخذ يضحك , فأمر الحجاج برده و قال له : أذهل عقلك ؟؟!
فقال له سعيد : كلا .. و إنما أضحك و أعجب من جرأتك على الله و حِلم الله عليك .
فأمر الحجاج بالنقع فبسط له – حتى يقتل عليه سعيد – ثم قال : اقتلوه .
فقال سعيد : وجهت وجهى للذى فطر السموات و الأرض حنيفاً و ما أنا من المشركين .
فقال الحجاج : و جهوا به إلى غير القبلة ..
فقال سعيد : فأينما تولوا فثم وجه الله.
فقال الحجاج : كبوه على وجهه .
فقال سعيد : منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى .
فقال الحجاج : اذبحوه .فقال سعيد : فأما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد رسول الله , خذها منى حتى تلقانى بها يوم القيامة
( اللهم لا تسلطــــــــــــه على أحدٍ بعدى )
و مات سعيد _ رحمه الله و رضى الله عنه _ و لم يسلط الله الحجاج على أحدٍ بعد سعيد .
،، الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل ،،
و قد عانى الحجاج قبل موته فأصيب بــ (الخراج الصغير) فى جسمه فأخذ يخور كما يخور الثورالهائج شهرا كاملا...

لا يذوق طعاماً و لا شراباً و لا يهنأ بنوم و كان يقول : و الله ما نمت ليلة الا و رأيتنى اسبح فى أنهار الدم، و أخذ يقول:

" مالى و سعيد، مالى وسعيد "

و يقول عن نفسه قبل أن يموت، ( رأيت فى المنام كأن القيامة قامت، و كأنالله برز على عرشه للحساب فقتلنى بكل مسلم قتلته مرة ، إلا سعيد بن جبير قتلنى بهعلى الصراط سبعين مرة ) .