بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخذت تحدثني عن كتاب قرأَتْه يتخيل فيه مؤلفه (وهو مسلم) الجنة .. جعلت أومئ أستحث حديثها :
"لو قرأت ذلك الكتاب سيعجبك بالتأكيد .. تخيلي مثلا أنه يقول وكأنه ذهب إلى الجنة : أن هناك رياض خضراء ومياة صافية عذبة وعلى ضفة أحد الأنهار كانت تقف فتاة ذات شعر أحمر طويل غزير ... وفي مرة قال : ركبنا مركبة مثل الطبق الفضائي ووصفها بأنها كذا وكذا وطارت بهم إلى السوق وكانوا يتجاذبون أطراف الحديث والمرح يحتويهم إلى أن وصلوا ووو "
لم أكن في مزاج يسمح لي بالنقاش أو إبداء الرأي فقد طلقته منذ زمن عن لساني إلا ما ندر فكأن نقاشي في الندرة من عدا زيد في كتب النحاة .. المهم مع هذا المزاج لن ترضى ذاتي إن أغفلت هذه النقطة فقلت أبديها :
"وهل مثل هذا التأليف جائز ؟"
وأردفتُ كوني لا أقف أمام فقيهة مفتية قلت :
"الله أعلم .. لو استفتى كان خيرا"
طلبت المزيد من حديثها فقالت :
"صدقا لما قرأت الكتاب اشتقت إلى الجنة في أحد المواقف قال : .... إلخ"
عيناي تتابعها وأسمعها وهي تتحدث لكني لم أع شيئا .. غمني التفكير .. حلقت بروحي وتفكيري في زمن ومكان آخر - أعلم أنه عيب عدم الانصات إلى المتحدث لكنني غلبت على أمري- قلت في نفسي :
"كيف .. لو قرأت الكتاب اشتقت إلى الجنة ؟ .. لم أسمع شيئا مشوقا البتة .. لكنه أعجبها .. لكن أيضا لم ترفرف روحي به .. لم يبدو مطربا .. عجيب !! حسنا ربما كان هناك أمور مبهرة في الكتاب .. أو ليس الأولى أن يكون ما بدأت به حديثها كترغيب في الكتاب هو المبهر فيه ؟ .. إذن نعود إلى نفس النقطة لا زلت أدور في حلقة مفرغة لا يبدو في الكتاب شيئا تنتشي به روحي وتتفتق به ينابيع قلبي وأسمو به إلى الجنة بما وصفتْ.. في الحقيقة هناك قاعدة : الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.. هذا مذهل وهذا ما أريد .. وهذا ما يرضيني ويرضي صديقتي .. إذن أكملي الوصف فالجنة فيها ما لذ وطاب وسيطيب لي فيها ما أفكر به وانطقي بما طاب لك"
* * *
وفي وقت ومكان آخر ..
أتيت هرولة لأجلس ناحية أمي سحبت الصحيفة ..
عيناي في الصحيفة ويدي تمسك كوب الشاي ولساني بدأ الثرثرة وقلبي لم يتأمل قلت :
أمي كنت للتو أقرأ وصف ابن القيم للجنة تخيلي أن فيها أشياء مصنوعة من الأحجار الكريمة كالخيول وأن وأن ....إلخ .
ولعلكم قرأتم نونية ابن القيم منها :
هي جنة طابت وطاب نعيمها
فنعيمها باق وليس بفان
وبناؤها اللبنات من ذهب
وأخرى فضة نوعان مختلفان
سكانها أهل القيام مع الصيام
وطيب الكلمات والاحسان
للعبد فيها خيمة من لؤلؤ قد
جوفت هي صنعة الرحمن
أنهارها في غير أخدود جرت
سبحان ممسكها عن الفيضان
من تحتهم تجري كما شاءوا
مفجرة وما للنهر من نقصان
طبعا لم يكن خيالي ليقف عند وصف ابن القيم لكنه بلغ مبلغا لم يصله خيالي فأطربت به فاستحثني لأفوقه خيالا .. حتى أن آيات القرآن الكريم في وصفها للجنة -نسأل الله الجنة- كانت عذبة بليغة لا تحجر خيالك تشعر أن وراء الوصف وصفا أبهى فإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا آيات القرآن في وصف الجنة ترياق يجعل النفوس حالمة .. حالمة .. حالمة .
أعود إلى حديثي مع أمي .. فجأة شعرت أن هناك أنين .. التفت لأجد أمي تمش دموعها وألجمتني إذ أبانت :
"الجنة غالية "
( ! )
يقول الله -عز وجل- في سورة يونس : " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)"
اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة ..
المفضلات