الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد . . .

قال العلماء :
"إذا حضرت مجلسَ علم ، فلا يكن حضورك إلاّ حضورَ مستزيدٍ علماً وأجراً ، لا حضورَ مستغنٍ بما عندك ، طالبَ عثْرة تُشنِّعُها أو غريبة تُشَيِّعُها ، فهذه أفعالُ الأرذالِ الذين لا يُفلحون في العلم أبداً .

فإذا حَضَرْتَها على هذه النيةِ، فقد حَصَّلتَ خيراً على كلِّ حالٍ، فإن لم تحضُرْها على هذه النية، فجلوسُكَ في منزلِكَ أروح لبدنِكَ، وأكرم لخُلقِكَ وأسلم لدينِك"
ا.هـ

ويمكن أن يُطلق المجلس هنا على المكان الحقيقي كمجالس المدارسة والتعلم وثني الركب عند العلماء في الدور والمساجد ،، وكذلك في مجالس العلم المعنوية ؛ كالمنتديات الشرعية والأقسام العلمية وبعض برامج الأنترنت التي يجتمع فيها طلبة العلم للمُدارسة والنقاش . .

وعليه ؛ فإن قسم نور على نور لا يخرج من كونه
"مجلس علم وتعلّم" . . وما ذكره العلماء -فيما سبق ونقلنا- يتم إنزاله على من دخل القسم لما أراد !!



وزيادة تنبيه ، قال العلماء عند حضور مجالس العلم يجب الالتزام بثلاثة أوجه :
* إمّا أن تَسْكُتَ سُكوتَ الجهَّال، فَتَحْصُلَ على أجر النيةِ في المشاهدة، والثناء عليكَ بِقِلَّةِ الفُضُول، وعلى كرم المُجالسةِ ومودَّةِ مَنْ تُجالِس.

* فإن لم تَفْعَلْ فاسألْ سؤالَ الـمُتَعلِّم ؛ فتحصلَ على هذه الأربعِ المحاسنِ، وعلى خامسةٍ، وهي: استزادةُ العلمِ.
وصفةُ سؤالِ الـمُتَعلِّم: هو أنْ تَسْألْ عن ما لا تَدْري لا عَنْ ما تَدْري، فإن السؤالَ عما تدريه سُخفٌ، وقِلَّـةُ عقلٍ، وشُغْلٌ لِكلامكَ، وقطْعٌ لِزَمَانِكَ بما لا فائِدةَ فيه، لا لكَ ولا لِغيْرِكَ، ورُبَّما أدَّى إلى اكتسابِ العداواتِ، وهو يُعَدُّ عينَ الفُضُول.
فيجب عليك أن لا تكونَ فُضُولياً، فإنَّها صِفَةُ سوءٍ، فإن أجابكَ الذي سألتَ بما فيه كفايةٌ لكَ فاقطعِ الكلامَ، فإن لم يُجبْكَ بما فيه كفايةٌ أو أجابكَ بما لم تفهم فَقُل له: لم أفهم، واستزِدْهُ، فإن لم يَزِدْكَ بَيَاناً، وسكتَ، أو أعادَ عليكَ الكلامَ الأولَ، ولا مَزِيدَ، فأمْسِكْ عنه، وإلاَّ حَصَلْتَ على الشَّـرِّ والعداوةِ، ولم تَحْصُلْ على ما تريده مِنَ الزِّيادة.

* والوَجه الثالثُ أن تُراجِعَ مُرَاجَعَةَ العَالِم، وصِفَةُ ذلكَ أنْ تُعارض جَوابَهُ بما يَنْقُضُه نَقْضَاً بَيِّناً، فإن لم يَكُنْ ذلك عِنْدكَ، ولم يَكُنْ عندك إلا تِكرارُ قولِكَ أو المُعارضَةُ بما لا يَراهُ خصمُكَ مُعارَضَةً، فأَمْسِكْ، لأنَّكَ لا تَحْصُلُ بتكرارِ ذلكَ على أجْرٍ زائِدٍ ولا على تَعْليمٍ، بَلْ على الغَيْظِ لكَ، ولِخصْمِكَ، والعداوةِ التي رُبَّما أدَّتْ إلى المُضِرَّات. . . ا.هـ




البعض يدخل هنا كالمطففين
(يستوفون حقوقهم كاملة ، ولا يعطون الحق الذي عليهم كامل)

ومِن التطفيف وعدم الإنصافِ أنْ يفتحَ الإنسانُ عينيهِ على أوْسَعِ حَدَقَاتِـها على عيوبِ إخوانِهِ ، ويُغمضَ عينيه عن عيوبِ نفسِه كأنما أُصيبَ بالعَمَى !

أو يذكر مساوئ شخص قد أخطأ ولا يعذره ولا بعذرٍ واحد، ثم يتناسى محاسنه لمجرد خطأ -قد يكون واقع أو لا يكون- ، وهو والله
من الجور والحيف . .




ونزيد نقلاً عن العلماء فقالوا :
"وإِيَّاكَ وسؤالَ الْمُعْـنِتِ ومراجعةَ المُكابرِ الذي يطلبُ الغَلَبَةَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فهما خُلُقا سوءٍ ، ودَليلانِ على قِلَّةِ الدِّينِ، وكَثْرَةِ الفُضُولِ، وضَعْفِ العَقْلِ وقُوَّةِ السُّخْفِ، وحَسْـبُنا الله ونِعْمَ الوَكيلُ" ا.هـ

حقاً حسبنا الله ونعم الوكيل على من يرمي التهم جزافاً ويستهزء ويسخر ؛ ثم يُكابر ويجعل قوله فوق كل قول ، ثم يستخدم الطرق الملتوية فيستفز المقابل ؛ وبعد هذا كله: يولول باكياً شاكياً الأسلوب والرد !!

ولا يتوقفون عند هذا الحد حتى ينسبوا فعل شخص زعموا أنه أخطأ ويعمموه على فئة صالحة من الناس حقداً وغمطاً ، ثم يبدأون بالتشنيع والافتراء والكذب . .

وما علم هؤلاء الجهلة
أن الخطأ يتعلّق بِصاحبه ، ولا يتعلّق بِمن ينتسب إليهم .

ولا يُوجد أحد يرضى أن يُنسَب خطأ فَرْد أو مجموعة إلى قبيلة كاملة ؛ لأن هذا مِن الجور والإجحاف ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: "إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ فِرْيَةً لَرَجُلٌ هَاجَى رَجُلا ، فَهَجَا الْقَبِيلَةَ بِأَسْرِهَا" . .

ثم إن كل إنسان وكل فئة لديها مِن الذنوب والمعايب ما هو أحْرَى بالتصحيح وأوْلَى بالانتقاد

قَبِيحٌ مِن الإِنْسَانِ يَنْسَى عُيُوبَهُ ... وَيَذْكُرْ عَيْبًا فِي أَخِيهِ قَدْ اخْتَفَى

وَلَوْ كَانَ ذَا عَقْلٍ لَمَا عَابَ غَيْرَهُ ... وَفِيهِ عُيُوبٌ لَوْ رَآهَا بِهَا اكْتَفَى




ومِيزان العَدْل أن يُنْظَر في السيئات ؛ فإن كانت تنغمر في بحور الحسنات ، فإن ذِكْر السيئات وتتبع العثرات مِن سِمات أهل الظُّلْم والْجَوْر .

قال سعيد بن المسيب : ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب ، ولكن مِن الناس من لا ينبغي أن تُذكر عُيوبه . مَن كان فضله أكثر مِن نَقْصه وُهِب نقصه لِفَضْلِه .






وتذكّروا -أحسن الله إليكم- أنه فُرض على الناس تعلم الخير والعمل به، فمن جمع الأمرين فقد استوفى الفضيلتين معًا، ومن علمه ولم يعمل به فقد أحسن في التعليم، وأساء في ترك العمل به، فخلط عملا صالحا وآخر سيئا، وهو خير من آخر لم يعلمه ولم يعمل به، وهذا –الذي لا خير فيه- أمثل حالا وأقل ذما ، من آخر ينهى عن تعلم الخير، ويصد عنه ، ،

ولو لم ينه عن الشر إلا من ليس فيه شيء، ولا أمر بالخير إلا من استوعبه، لما نهى أحد عن شر، ولا أمر بخير بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وحسبك بمن أدى رأيه إلى هذا فسادا وسوء طبع وذم حال .


أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو لازم واجب ، وما أقبح من لم يأمر بخير، ولا نهى عن شر، وهو مع ذلك يعمل بالشر ولا يعمل بالخير.

جعلنا الله ممن يوفّق لفعل الخير والعمل به وممن يبصر رُشْدَ نفسه، فما أحد إلا له عيوب، إذا نظرها شغلته عن غيره، وتوفّانا على سنة محمد صلى الله عليه وسلم آمين رب العالمين.