ذاتي والمرآة

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: ذاتي والمرآة

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    الصورة الرمزية حَالِمة

    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المـشـــاركــات
    732
    الــــدولــــــــة
    فلسطين
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي ذاتي والمرآة







    " صدقاً , هل هذا أنتِ ؟ " . هذا ما ابتدأتني به الحديث. وبكل ما أوتيت من بلاهة أجبتها: " أنا ذاتي أكاد أجهلني “. ليس من اللطيف أبداً أن يتكرر عليك أمرُ كنت تحدث به نفسك متوجعاً. لا زالت تتفحصني بنظراتها المفعمة بعدم التصديق. أشعر بها , إذ أنني لم أجسر بعد أن أقابلها عيناً بعين. تشبثت بأمل زائف اختلقته إذ لا وجود له , و سألتها أن أستعيرها قليلاً لتكن في مكاني علها تعي ما أنطوي عليه, لكن ذلك لم يجدي نفعاً. كل شيءٍ فيها كان مُطبقاً , فمها, عقلها , حتى ثغرات روحها كانت مطبقة كيلا يتسرب منها العطف عن طريق الخطأ. لم تكن ترغب سوى في إلقاء اللوم , إشعاري بالذنب القاتل و إطلاق النظرات المتواترة التي لا تنفك تطرح علي ذات السؤال المتردد صداه في المدى : " هل هذا أنتِ حقاً ؟ " , سؤال لا بد عرفت إجابته مسبقاً مع فقداني الشهية تجاه الطعام , الشراب وكل شيء . مع الخمول اللاطبيعي الذي اجتاحني فجأة, و دموع تحت الغطاء التي أجتهد في إخفاءها فتفشي نفسها عبر ظلال قاتمة تطوف بعينيّ . ولأن كل خنّاقٍ إما أن يقتل أو يولد الانفجار , آثرتُ أن أنبجس : "هل أنا حقاً أنا ؟! لماذا عليّ الإجابة , ألا يكفي أن جميع ما حولي بما فيهم ذاتي يشك في أصالتي ؟ لا شيء يبقى على حاله , الجميع يتغير, الجميع يقترف الذنوب. حدثوني عن ممحاة للسقطات , أين تباع و كيف تشترى, وهل لها أصلاً وجود ؟ إن لم يكن شيء سوى نظرات العتاب والحديث من طرف عنجهيّة. أفضل أن تدعوني وشأني تتآكلني نفسي وأهترئ من تأثير ضميري وحده ". قابلتها عيناً بعين , كنت مخطئة حين ظننت أن من الحشمة ألا أرفع عينيّ حين أواجه أحداً بخطأٍ ارتكبته , لكنني أدركت أن من الحشمة , كل الحشمة أن تجعله يرى كم الألم و الوجع الذي تنطقه العينان حين يُكمّ الفيه . العينان تجيد البلاغة حين تضن الأبجدية بحروفها تحت سطوة الحشرجة، فتشكل قطرات تنهمر عبر ظلال العين السوداء . تحدث كم هي الروح غائمة، وما بها بغزارة المطر لا تجدي محاولة جمعه في إناء. فكيف عساني أستجمع مكنون روحي في بوتقة حديث. أنصفوا إنسانيتي المتقلبة، فلم أكن يوماً ملاكاً كي ألائم أرقى ظنونكم.



    بعد عامٍ ونصف, نظرت إلي بمغزىً لا يخطئه إدراكي. ألقت علي سؤالا – متوقعاً – ثقيل الوقع على النفس. :" أتُراكِ عُدتِ ؟ ". كلفتني كثيراً من الاحتمال, رباطةُ الجأش التي مثلتها : " لا تقلقي يا أنا, كل المشاعر الموجعة تشفى حين أعاملها بعكس ما تتطلبه ". كانت ابتسامة واسعة تلك التي رافقت سؤالها : " من علمكِ مثل هذا الكلام " . ابتسمت بدوري , التمعت عيناي . لم تكن دموعاً , أقسم على ذلك. أخال أنها التجارب ذاتها التي لقمتني هذا النوع من الكلمات , مرق طيفها عابراً أمامي . أتعلمين يا ذاتي , كلما أواجهك أمام المرآة أقارن بين الفتاة التي كنتها و التي أنا عليها الآن . أحبني حيناً وأكرهني أحياناً . ذلك الجانب الأبيض الذي أحمله لا يفلت سوطه المتأهب لجلد زلاتي . وذلك الجانب الأسود لا يكف عن محاولته تنكيد عيشي , وفيما بينهما أنا الضائعة . الجميلة حيناً , والشوهاء أحياناً . الحكيمة يوماً و الرعناء دهراً . شعور تائه أن أترجح بين الحظ واللاحظ , الفكر واللافكر , التكذيب والتصديق , بين أي شيءٍ وعدمه . لكن هذا التيه , هو الذي يزرع بذرة النضج داخلي . أليست هي التجارب التي تتكفل بريّ ظمأنا نحو المجهول , الذي قد نتعثر به أو به نمضي قُدماً . أنا يا ذاتي لا أقف أمام المرآة كي أراكِ المغالية نقداً وتجريحاً , لا تخدعيني بالمثالية أو تصنعها و إلا فالعدم أولى بي حينها . أنا أقف أمامك كي أجد حلاً لسقطاتي التي تشغل تفكيري , حتى أبني مني شيئاً أسعد به. وتغيراتي العابرة منها والدائمة هي الثمن الذي أدفعه. ألا يكفي ما أتعلمه ؟ , آخر تغيرٍ طرأ عليّ علمني الكثير . علمني أن أحمق شيءٍ قد أرتكبه , هو أن أسجل خيباتي في ذاكرة الورق , وذاكرة المحيطين بي , وذاكرة الأماكن التي أقطنها . لأن ذاكرتي تهب عليها رياح النسيان , أما أولئك فيطاردونني كأشباحٍ أقسمت ألا تدعنني وشأني. الخيبة تُدفن ولا يُمثّل بها في ساحات الحياة . تعلمت, أن أخشى على نفسي من الأشياء التي لم أتوقع يوماً أن أُصاب بها, ومن الأفكار التي ظننتني حصينة ضدها . أن أخشى من الوعود التي قطعتها على نفسي, ومن كل شيءٍ خلتُ أنني أحذره. تعلمت ألا أقول يصعبُ هذا ويستحيل ذاك , وألا أسلم بقانونٍ نص عليهِ القلب , فقلبي من التقلب استعار اسمه. تعلمت أن أخشى عليّ مني , وأن أمضي أرجو من الله السلامة.




    اذكروا الله وصلوا على الحبيب
    سمر






    التعديل الأخير تم بواسطة أَصِيلُ الحَكَايَا ; 6-4-2013 الساعة 08:01 PM سبب آخر: تكريمُ الأسبوع ~

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...