الدعوة إلى الله - تعالى - أحد أركان الأعمال الصالحة التي لا يتم الربح إلا بها، كما قال الله - تعالى - :
{
وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } [العصر: 1 - 3].
فإن التواصي بالحق يلزم منه الدعوة إلى الحق، والتواصي بالصبر يلزم منه الدعوة إلى الصبر على دين الله - عز وجل - في أصوله وفروعه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - في فتاويه ج3 ص341 -:
"والدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به وبما جاءتْ به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا، وذلك يتضمن الدعوة إلى الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والدعوة إلى الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، والدعوة إلى أن يعبد العبدُ ربه كأنه يراه؛ فإن هذه الدرجات الثلاث - التي هي "الإسلام"، و"الإيمان"، و"الإحسان" - داخلة في الدين، كما قال في الحديث الصحيح: ((هذا جبريل جاءكم يعلِّمكم دينكم))، بعد أن أجابه عن هذه الثلاث؛ فبيَّن أنها كلها من ديننا.




- تعددت الآيات والأحاديث الدالة على الدعوة والترغيب فيها فالدعوة هي مهمة الأنبياء ،كما قال تعالى :
{
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25].
- وهي سببٌ من أسباب الرحمة قال تعالى :
{
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّه إِنَّ اللهَ عزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71].
وهي العلامة الفارقة للأمة الإسلامية وخيرتها حيث قال تعالى:
{
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران:110].

- قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى :فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح لهم، كما قال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من سَرَّهُ أن يكون من تلك الأمة فَلْيُؤدِّ شرطَ الله فيها , ومن لم يتصف بذلك أشبهَ أهلَ الكتاب الذين ذمهم اللهُ بقوله:
{
كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:79].
يقول الله تعالى : {
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104].

- قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى : وهذه الطائفة المستعدة للدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم خواص المؤمنين.

وجاء في الحديث عن النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(
مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ, فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا, وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا, فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ, فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا, فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا, وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)
[صحيح البخارِي: كتاب الشَّرِكَـة-باب هل يُقرعُ في القسمَة والاستهَام فيهَا-2493].
يبين هذا الحديث عظم الدعوة وأن بها صلاح المجتمع كما في أصحاب السفينة

- أنها سبب لثناء الرب عز وجل واستغفار الملائكة وسائر المخلوقات , كما قال صلى الله عليه وسلم :
( إِ
نَّ اللهَ وملائِكتَـه وأهلَ السماواتِ والأرضِ حتى النملَة فِي جُحْرِهـا وَحتَّى الحوتُ في البحرِ لَيُصَلُّونَ على مُعلِّمِ الناسِ الخَيرَ)
[روَاه الترمذي(2685) وصححه الشيخُ الألباني في صحيح الجامِع].

- أنها سبب للفوز بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم القائل :
(
نَضَّرَ اللهُ امرَءًا سَمِعَ مِنَّا حدِيثًـا فحفظَه حتى يُبلِّغَـه غيرَه)
[حديث حسَن صحيح، أخرجَه أبو داوُد والترمذي والنسائي من حديثِ زيد بنِ ثابت].

قال ابن القيم رحمه الله تعالى : فمن قام بهذه المراتب الأربع دخل تحت هذه الدعوة النبوية المتضمنة لجمال الظاهر والباطن .

- وهي سبب لإنقاذ الناس من النار، قال صلى الله عليه وسلم:
(
مَثَلِي كمَثَلِ رجُلٍ استَوْقَدَ نارًا، فلَمَّـا أضَاءَت مَـا حولَهَـا جَعَلَ الفرَاشُ وَهَذِه الدَّوَابُّ التِي في النَّـارِ يَقَعْنَ فِيهَـا، وجعَل يَحجُزُهُنَّ وَيَغلِبْنَـه فَيَتَـقَحَّمْنَ فِيهـا، قَال فَذَلِكُم مَثَلِي ومَثَلُكُم، أنَـا آخِذٌ بِحُجُزِكُم مِن النَّـار، هَلُمَّ عن النَّـار، هَلُمَّ عن النَّـار، فَتَغلِبُونِي تَقَحَّمُون فِيهَـا)
[صحيح مسلم: كتاب الفضائل-باب شفقته -صلى الله عليه وسلم- على أمته، ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم]

- أنها من أكبر أسباب زيادة الحسنات , كما قال صلى الله عليه وسلم:
(
مَن سنَّ في الإسلامِ سُنةً حسَنةً، فَعُمِلَ بهَـا بعدَهُ، كتبَ له مِثلُ أجرِ من عملَ بها، ولا ينقصُ من أجورِهم شيءٌ)
[صحيح مسلم: كتاب العلم-باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة].