صباحُ الخيْرِ أيُّها الحُزْن - للكاتب: عبد الوهَّاب مطاوع

[ منتدى اللغة العربية ]


النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1

    الصورة الرمزية قلمٌ أخضر

    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    المـشـــاركــات
    130
    الــــدولــــــــة
    السودان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Smile صباحُ الخيْرِ أيُّها الحُزْن - للكاتب: عبد الوهَّاب مطاوع




    كثيرًا ما يشعرُ الإنسانُ بالأسَى في حياته، في بعضِ الأحيَانِ لأسبابٍ جليّةٍ وفي أحايينَ أُخَر لأسبابٍ مبهمةٍ
    فهلْ نحنُ من يملأُ قلوبَنا بالحُزنِ؟ أمْ هو منْ يتسللُ إلى قلوبنَا ويقبعُ في أعماقِها؟
    مما أبهَرَني في كتابِ "
    صديقي لاتأكل نفسك" للكاتبِ عبد الوهاب مطاوع مقالٌ فريدٌ عنْ ذلكَ الشُّعور الذميمِ .. الحُــزْن
    فنقلتُهُ لكمْ لعلَّه يبُثُّ السُّرورَ في قلب كل حَزين !


    صَحوتُ من نومي فوجدتُ نفسِي حَزينًا بلا سبب سألتُ نفسِي: هلْ أغضَبَني أحدٌ قبلَ أنْ أنام؟ لا.. هل فقدْتُ عزيزًا فأحزنني فقدُه؟ لا.. هل أغضبْتُ صَديقا فندِمْت على ذلك؟ لا.. هلْ طعنَني صديقٌ في ظهْري فآلمَتْني خيانَتُه؟ لا.

    لماذا إذنْ هذا الحُزن الشَّفيف الهادِئُ الذى يُغلِّفُ أحاسيسي في هذا الوقتِ منَ الصَّباح؟ ولم أجدْ جوابًا مُريحًا فسلَّمت بأنها زيارةٌ عابِرة مِنْ هذا الرفيقِ القديمِ الذي يُطِلُّ عليَّ من حينٍ إلى آخرَ فيُطيلُ زيارتهُ أو يُقصِّرُها حسْب الظروف ثم ينصرف إلى حالِ سبيلِه.

    ولقد علَّمتني تجارِبي أنْ أُحْسِنَ استقبالَهُ وألاطفَهُ حتَّى يرْحَلَ عنِّي بِسَلام.. ومنْ وسائلي في ذلكَ ألا أسْألهُ لماذا جاءَ.. ولا متى سيرحَل إذ ليس من حُسْنِ الأدبِ أنْ تسألَ ضيْفًا حتَّى ولو كرهْتَه لماذا جاء يزورُك.. وإنما عليك أنْ تُرحِّب بهِ وأنْ تُكرمَ وِفادَتَهُ وأن تتجاهلَ السُّؤال عنْ موعِدِ رحيلِه إلى أن يهُمَّ بالانصراف فتُلِحَّ عليهِ بالرَّجاءِ بأنْ يبْقى حتى موعِدِ الغداءِ.. فيَعتذر .. وترجو فيَعْتذِر ثُمَّ تضْطَرُّ آسِفًا إلى قبولِ اعتذاره.

    هكذا جلسْتُ بينَ يدَيْه أحتسِي القَهْوةَ وأفكِّر.. ثم استأذنْتُه بعدَ قليلٍ في سماعِ شيءٍ من الموسيقا يُناسبُ المَقام .. فانسابَتْ أنغَامُ قطعةٍ من الموسيقا الشرقيَّةِ التى تثيرُ الشَّجَنَ هي سَمَاعِيُّ العُريان من مقام البياتي.. وأشْعَلْتُ سيجارة و قدَّمْتُ له مِثلها ثمَّ غَرِقْت في أفكاري.. إلى أنْ بَدَا عليهِ أنَّه يهُّم بالقيامِ فألحَحْتُ عليه في الرَّجاءِ بأنْ يتفضَّلَ لقبولِ دعوتي للغداءِ ورُبَّما للعشاءِ أيضًا ولكنَّه اعتذر بأنهُ مُرتبِطٌ بموعدٍ مُهِمٍّ فودَّعْتُه حتى بابِ الشقةِ واعتذرتُ لهُ بأنَّ المِصعد مازال مُعطَّلًا ووقفتُ على السُّلَّم أودعه ثم خطر لي وقد أصبحَ خارِج مسكني أن أتجاوز حدود اللياقة قليلا معه و أسأله عن سرِّ زيارتِه المُتكرِّرَةِ يى في الفترةِ الأخيرةِ خاصّةً في الصباح.فاسْتندَ إلى "الدرابزين" و قال لي بكبرياء : إنني لا أزورُ أحَدًا بغير دعْوَةٍ.. فقلتُ: وهل دعَوْتُك؟ قال: نعم ! قلتُ: كيفَ وأنا لمْ أتَّصِلْ بكَ ولا أعرفُ لكَ عُنْوانًا؟ فقالَ: دعوْتني في كُلِّ مَرَّة زرتُك فيها بغيرِ اتِّصَال حينَ تتجَمَّع داخلَك سُحُب الاكتئاب وتَضيقُ ببعض ما تراه فلا تُنَفِّسُ عن نفسك بإعلان ضيقك وحين تكتمُ مَشاعرَك لكيلا تُغْضِبَ الآخرينَ وحين تُمضي نهارك وليلك بين الأوراق والمشاكل لا ترْفعُ رأسَك إلا لتتحدثَ في عَمَلٍ.. ولا ترى من الشوارع إلا الطَّريقَ من بيتِك إلى عملِكَ و بالعَكْس، ومن الدُّنيا إلا أصحابَ المشاكلِ و المهمومينَ ، و حين تلْهَثُ دائما وصدْرُكَ مشغولٌ بأمرٍ ينبغي أن يتِمَّ وأمرٍ لمْ يُنجز بعد وغايةٍ لمْ تتحقَّقْ وحينَ تكونُ في حالة لومٍ مُسْتمرة لنفسِكَ تُحِسُّ معَها أنَّك كُنتَ تستطيعُ أنْ تَفْعَل كذا لكنَّك لم تفعل أو فعلْتَ ولكن ليسَ بالمستوى الذي تتمنَّاه وحين تُحِسُّ بأنَّك عاجزٌ في كثيرٍ مِنَ الأحوالِ و تتمنَّى لو كانت لديك قدراتٌ خارقةٌ تَحِلُّ بها المَشَاكِل و تُلبِّي بها كُلَّ الرَّغَباتِ ، و هكذا تتجمَّعُ السحبُ ببطءٍ داخلَك فأجِدُ في بيتي بِطاقةً مُوَقَّعَةً مِنْكَ بالحبر السِّري تَقُولُ لى فيها "تفضل بزيارتى" فألبِّي نداءَك رُغم كثرةِ مشاغِلي وارتباطاتي!

    ~

    دُهِشْتُ ممَّا قالَ وقلتُ مدافِعًا عن نفسي: لكنِّي لستُ كما تُصَوِّروني فأنا إنسانٌ مُتفائلٌ بطبعي وأدعو للتفاؤل و الكِفاحِ في الحَيَاة وأؤمِنُ بأنَّ حَياةَ الإنسانِ من صنعه.. وأنَّ الحَيَاةَ إرادةٌ ولا أعلِّقُ أبدًا فشلي على الحظِّ كما يُفضِّل البَعْض، لكنِّي لا أنكِرُ دورَهُ في الحَياة، فأنَا أؤْمِنُ بالحظِّ و بالقدرِ وبالنَّصِيبِ وأؤمِنُ أيضًا أنها ليست كلَّ شيءٍ وأنَّ الجانِبَ الأكبَرَ من نَجَاحِ الإنْسَانِ أو فشلِهِ يتَحَمَّلُهُ الإنْسَانُ وَحْدَه .. لهذا فإني أحِسُّ دائِما بأنَّه لا حَدَّ لقدرةِ الإنسانِ لو صَحَّ عزمُه، وأؤمِنُ بأنَّ على الإنسانِ أنْ يؤديَ واجبَه ويُرضي ضميرَهُ ثم يتركَ الأمرَ بعدَ ذلكَ للهِ عزَّ شَأنه يُصَرِّفُه كَيْفَ يشاء، لأنَّ المُهِمَّ هوَ ألا يقصر الإنسان في حَقِّ نفسِه أما المُسْتقبل فبيدِ اللهِ وحده كما أني أيضا من المؤمنين بأن الإنسان يستطيعُ أنْ يبْدَأ منْ جديدٍ في أيَّةِ مرْحَلَةٍ منَ العُمْر.. وأن يصْنَعَ منَ الفَشَلِ بدايةً جديدةً للنَّجَاحِ وأنْ يطوِّرَ من نَفْسِهِ دائمًا وأروي لمن يسألني منَ الشَّبَابِ أنَّ مُحَمَّد عليّ مؤسِّس مصر الحديثة بدأ يتعلَّمُ العربيَّةَ وهو في الخامِسَةِ و الأربَعينَ منْ عُمرِه و أنَّ النابغة الذبيانِيَّ قال الشعرَ لأول مرة فى حياته وهوَ فوقَ السِّتين وأنَّ الفيْلسوفَ الألمانيَّ شوبنهاور فاجأتْهُ الشُّهرةُ وهوَ يقترِبُ من السَّبَعين وأنَّ الفيْلسوفَ أفلوطين الذي وُلِدَ في أسْيُوط و عاشَ في روما لمْ يبدأ الكتابَةَ إلا في سِنِّ الثامنةِ والأربعين بعد أن أكملَ دراسَتَهُ و اكتملت له فلسفتُه التي عُرِفَت بعد ذلك بالأفلاطونيّة الحديثة.

    وأقولُ دائمًا لزوَّاري من الشبابِ ولنفسي قبلَهم إنَّ الدُّنيا تأخُذُ و تُعطي، وأنَّ العَقَباتِ لا تحُولُ دونَ النَّجاحِ وكثيرًا ما تكونُ الدَّافعَ القويَّ لهُ وأنَّ المُهِمَّ دائمًا أنْ نشتركَ في مُباراةِ الحياة بكلِّ طاقتِنا لكي نكونَ منَ الفائزينَ لأنَّك لنْ تفوزَ بأيِّ مُباراةٍ إلا إذا كُنتَ من اللاعبينَ أمَّا الانسحابُ قبلَ أن يبدأ اللعِبُ فلا يحقِّقُ سوى الحسْرةِ، أقولُ ذلك وأؤمن بهِ أنظرُ إلى الحياةِ دائمًا بقلبٍ يخفُق بالأملِ .. فلماذا تفرضُ عليَّ صداقتَك و تزورُني بلا دعْوة؟ فسحبَ يدَه من يدي و قال لي مؤكدًا للمرة الأخيرة: لقد دعوتَني فلبَّيتُ الدَّعوةَ و ليستْ هكذا أصولُ الضِّيافة! ثم تهيَّأ للانصراف غاضبًا فأثارَ ضِيقي أنه ما زالَ مُصِرًّا على أنِّي دعوْتُهُ وعُدْتُ مُسْرِعًا إلى الشقة لأبحثَ عنْ "قلة" أكسِرُها وَرَاءه فلمْ أجِد فأخرَجْتُ زُجاجةَ مياهٍ مُثلجَّة وعدْتُ سريعًا إلى السُّلم لأرمي بها عليهِ و رفعْتُها فسَرَتْ بُردوتها في يدي وذكرتْني بعَطَشي وقلتُ لنفسي فجْأةً "خسارةٌ فيه" ثمَّ شربتُ حتى ارتويتُ وعدْتُ مُبتهِجًا إلى شقّتي!




  2. #2

    الصورة الرمزية بوح القلم

    تاريخ التسجيل
    Apr 2014
    المـشـــاركــات
    3,354
    الــــدولــــــــة
    كندا
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: صباحُ الخيْرِ أيُّها الحُزْن - للكاتب: عبد الوهَّاب مطاوع

    وصباحك خير أيها القلم الأخضر ......

    سلمت يمناك وبورك مسعاك ....

    شكرا لك .... مع وردة

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...