ككل الصباحات في يوم الإثنين بجامعتي العتيقة ، لا شيء نفعله سوى مزيد من الثرثرة ومزيد من أكواب القهوة التي تروح وتجيء حتى تحن علينا الأستاذة بمجيئها متأخرةً ساعة ونصف عن وقت المحاضرة ونبتدئ الصباح بعبارة - نحن متأخرين في المنهج حبذا أن تسرعن قليلًا !! -


عندها توقفت صديقتي عن سرد أقاصيصها عن مصائب السائقين التي لا تنتهي ، ولا مناسبة لذلك غير أنها علمت بأني أروح وأجيء مع السائق بمفردي أحيانًا وبرفقة زوجته في أحايين أخرى .


أخرى الحكايا كانت عن الفتاة التي نامت في السيارة فاختطفها السائق إلى ما بعد العمران تحديدًا في أرض صحراء قاحلة !!


هذه المرة تخطيتُ حدود العادة ، فلم أُدخل الأمر من الأذن اليمنى لأخرجه من اليُسرى ، بل استقرت القصة بدهاليز عقلي وأسمعت أذنيّ صداها ، عدت للمنزل ونسيتها مؤقتًا لا لشيء بل لأني عدت وبرفقتي زوجة السائق وبمجرد ما وطئت عتبات البيت سلمتُ على والديّ ونمت


صباح اليوم التالي استيقظت على صوت والدتي وهي تنادي بنبرة التهديد :
- إن أغلقت الباب أقسم أن يحرك والدكن السيارة ولا يعود مرة أخرى !


ضحكت في نفسي ، ذاتها عبارات التهديد التي أسمعَتها أختنا الكبرى التي تركت راية التأخير الصباحي لأختاي من بعدها فتفوقن عليها في حملها .


يلي قسم والدتي أصوات الخطوات التي تتسارع لتخطي الدرجات ثم تختفي لأنها قد استقرت بباحة المنزل .


أسحب نفسًا وأبدأ معزوفتي المعتادة :


- ماذا سأرتدي ؟!


----


أنا الآن بالسيارة ولا أثر لزوجة السائق بقربي .


اقتحم هذا الخاطر عقلي وتدافعت كلمات صديقتي في أذني حتى غدى رنينها مزعجًا


طمأنت نفسي /


- يا فتاة كفاكِ وسوسة !!


انقضت ربع ساعة وعيناي لا تغادر زجاج السيارة ، ببساطة لأن والدتي تقول :


- حذاري أن تتلهّي بالهاتف وتتركي السائق يقود براحته فلذلك عواقب وخيمة فلا تدرين إلى أي أرض سيهبط بك !!


لحظة ، نبضات قلبي تتسارع ، يدي بدأت ترتجف ، أمسكت الهاتف بخوف ، أين أنا ؟!!!




كانت الأرض خالية إلا من السيارة وغربان تنعق في السماء ولا أثر للحياة هناك ، أخذت أبحث عن اسم والدي في الهاتف لأتصل عليه ، ومع الرجفة التي أصابتني عمي عليّ اسمه ، لا أذكر تحديدًا ما كان يلهجه لساني ، ولا أظنه ابتعد عن ( ربِّ سلِّم سلم )


لحظات مرت بطيئة وبالكاد وصلت لاسم والدتي ، سحبت نفسًا وهويت بأصبعي على الاسم ، لكن لحظة !!


هاهي الجامعة أمامي !!!!!!!


- وصلنا هيا انزلي ، نظرًا لزحام المرور استخدمتُ طريقًا مختصرًا !!!


- ط ط ط طريقًا مختصرًا -_- !!


دخلت الجامعة وأنا لا أصدق بأني على قيد الحياة ، العجيب أني قابلت صديقتي تلك ، على الفور هويت على رأسها بصراخي فقد أُصبت بوسوسة كادت تقتلني خوفًا من قصتها وانتهى الأمر بأن احتضنتها ورددت :


- حمدًا لله أن لازلت بخير !!

- بعدها استبدلت السائق بالباص رغم كرهي له -