|[ معلم الانتفاضة الأول ]| الجولة الثالثة في قصصهم عبرة :)

[ منتدى نور على نور ]


النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    الصورة الرمزية أثير الفكر

    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المـشـــاركــات
    5,262
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي |[ معلم الانتفاضة الأول ]| الجولة الثالثة في قصصهم عبرة :)






    الإنارة معدومة تمامًا في مربع الزنزانة التي أقبع فيها و المتوراية في نهاية ممر ضيق جدًا


    تراصت زنازننا العشرة على جنبيه بعشوائية كما تترامى أعواد الثقاب العشرة الأخيرة في علبة مستطيلة


    لم أكن وحدي فيها فمعي ظل هذا الجندي المنتصب أمامها


    جثته أضخم من بوابتها فأنا لا أكاد أرى منه سوى جزء من أسفل رقبته عندما يحشر جسده في كرسي بني اللون أحيانًاً

    اعتدلت في جلستي لا أعلم كم الساعة الآن ولا في أي يوم نحن لكن أستطيع أن أميز صوت حشرات الليل عن صوت حيواني القارض الذي يشاركني الزنزانة ، التفت إليه كان يقرض شيئًا أشبه ببقايا طعام


    ابتسمت بحسد ، فهذا الحقير يستطيع الحصول على مايسكت به جوع بطنه وقتما يشاء.. يكفي أن يتسلل من فتحة أسفل حائط الزنزانة الرمادي


    أحيانًا أفكر بسرقته ، لكني أخشى أن يتخذوا ذلك عذرًا ليمددوا فترة سجني
    رغم أنها على مايبدو أبدية !!


    عصافير بطني لم تعد تسثار أبدًا رغم أني على خواء معدتي منذ أكثر من يومين
    ربما تكون قد نفقت ؛ أو أنها لم تعد تستيغ لعبة التجويع المستمر التي ألعبها معها

    تمتمت حمدًا واستلقيت على فراشي الحجري عبثًا أحاول أن أغفو

    هه .. نسيت أن أخبركم من أنا ، أنا شريف عربي المنشأ والمولد والعرق والانتماء


    أقبع هنا منذ زمن بعيد لا أذكر المدة تحديدًا لكني هنا قبل أن يغزو هذا البياض شعري ويستفحل فيه وقبل أن يبدو ظهري بهذا الانحناء القاسي حتى قبل أن تبدو ساقاي بهذا النحول والاعوجاج


    أممم تهمتي بسيطة جدًا !!


    فقد حاولت انقاذ أمي من محاولة اغتصاب
    لم أقتل ذلك الحقير لكني أصبته حتمًا
    صحيح هه !!


    كان المفترض أن يكون هو هنا مكاني أليس كذلك ؟،

    لكن شهادة أخويّ الشقيقين أفادت أني أنا من كنت أعتدي على أمي وهذا الغريب حاول منعي


    هه!!


    لم يكن لدي فرصة لاستيعاب مايحدث حولي لأني حالما استوعبت الصدمة أدركت بأني داخل الزنزانة


    هه !!

    مؤلم أن أمي أيضًا ليست متأكدة تمامًا من براءتي من تهمتي هذه . لذلك لم تنبس بشفة!


    رغم أنها شاركت جزئيًا بدفعي هنا إلا أني أعذرها فلو لم تكن فقدت بصرها لما شكت في براءتي حتمًا


    يبدو أنكم تريدون أن تستمعوا لكامل القصة وهذا ما أنا بصدد فعله الآن سأروي ذلك لكن ليس قبل أن تمسحوا نظرات الشفقة من أعينكم فلست بحاجتها أبدًا

    و لست بحاجة لأن أخبركم أن كلمة تعاطف واحدة كفيلة بجعلي أتوقف عن سرد ماحدث لي !!



    أممم


    و أيضا انتظروا قليلًا ريثما يختفي ظل هذا الجندي المنتصب ويبدأ بسميفونية شخيره المزعج


    فلاينقصني أن أقضي ليلتي وأنا أتلوى من وجع سوطه المكهرب على جسمي

    أمهلوني قليلًا








    هل أنتم هنا ؟!

    حسنًا أعتذر .. لكن يبدو أن شخير جندي العزيز تأخر قليلًا .. ربما فطن لما أنا بصدد فعله


    لا يهم ؛ مؤسف أني لن أستطيع أن أسمعكم جزءًا من سمفونية اعتدت على سماعها كل ليلة .. ستحسدونني فعلًا !! على الأقل حظي أفضل بكثير من حظوظ رفاقي في الزنان ذات الجندي الذي لايشخر


    لن أطيل ؛ رغم أن الوقت يحبو بثقل ولن أخشى طلوع الصبح مبكرًا لكني أخشى أن ينقطع شخير هذا الضخم في غير وقته وأفاجأ به فوق رأسي ولا داعي ﻷخبركم بالجزء اللطيف الذي يلي وقوفه على رأسي


    لنكمل


    أين كنا ؟ نعم نعم نحن لم نبدأ بعد !!

    لا تملوا من ثرثرتي فأنتم تستمعون إلى سجين أخرس لمدة ليست بالقصيرة ربما يقدر صمتي بعمر آبائكم و أكثر ..
    لنبدأ :





    هنا في قريتنا الصغيرة المساء دائمًا مختلف يأتي كل ليلة ملونًا بلون من ألوان الوجع
    في ألطف حالاته يكون على شكل مطر من رصاص ينهمر على بيوتنا الطينية بشكل مفاجئ لمدة ساعة لا أكثر يلي ذلك أصوات سيارات الإسعاف وصراخ النساء مختلطًا بأنات الجرحى وبكاء الأطفال إلى ساعة متأخرة من الليل ثم يتوقف كل ذلك وتعود حياة القرية إلى ما كانت عليه


    لا شيء فيها يسمع سوى حفيف الشجر و حشرات الليل



    أقف دائمًا بعيدًا أنظر إلى هذا المشهد الأشبه بقصة ترويها لنا طائرات العدو كل ليلة قبل أن نأوي إلى فرشنا ويفترش البعض منا ماتبقى من حطام منزله

    أبتسم بحنق وأسحب رجليّ إلى حيث منزلنا الذي لايختلف عما حوله من منازل القرية التي لم تقصف بعد
    لا باب يدق في منزلنا لذلك أزحت الستارة لأكون داخل بيتنا الصغير


    وركضت نحو غرفتنا كانت هناك على فراشها وكأنها ترتقب عودتي بفارغ الصبر


    اشتمام رائحتي كان كفيلاً بأن يوقفها على أرجلها فاتحة حضنها لي :

    - أنت بخير ؟ الحمدلله

    احتضنتني بكل قوة خشيتها علي!

    وجل فرحها أني لم أكُ ضحيًة لمطر الرصاص المنهمر قبل سويعات


    تمتمت :

    - سعيد ابن خالة سلامة مات ومنزلهم استحال حطامًا

    احتضنتني أكثر :

    - الحمدلله على كل حال


    كان هذا جوابها دائماً ، حتى عندما حملت لها نبأ استشهاد جارتنا لم تزد على عبارتها هذه

    حررتني من حضنها و انحنت على فراشي تجهزه لي

    كنت أراقبها وأنا أفكر ماذا لو أصابنا يومًا رصاصهم الغاشم؟


    ماذا لو أصاب أمي بسوء ؟


    ماذا لو عدت من مدرستي يومًا لأجد منزلنا كما رأيت منزل جارتنا سلوى قبل شهر


    لم يكن هناك سوى الحجارة المتلونة بدمائها ودماء أبنائها الستة ورائحة البارود


    "يكفي" همست لنفسي لم أسترسل أكثر.. خشيت أن أفاجأ بأفكاري السوداء فجرًا


    خرج صوتي مرتجًفا :

    - أمي لم لا نهاجر ؟

    توقفت عما كانت تفعله لكنها لم تستدر :

    -إلى أين؟

    أجبتها و أنا أحاول أن يبدو صوتي طبيعيًا :

    -إلى أي مكان لايوجد فيه مطر على شكل رصاص

    لم تكن قد استدارت بعد وهي تسألني :

    - ولم ؟

    أجبت وأنا أكاد أبكي :

    لأني سئمت كل هذا ، سئمت الخوف المرتسم على أعيننا ونحن نترقب كل مساء جنازة نشيعها

    سئمت هذا الفقر وهذا الجوع الذي يكاد يفني من تبقى من أبناء القرية

    سئمت كل ألوان الحياة الموجودة هنا هذا إن كان مايسمى هنا حياة حقًا

    لم ألاحظ أني كنت منفعلًا جدًا ، لكن فارق الصوت بين نبرتي ونبرة أمي التي خرجت بكل هدوء أوضح لي ذلك
    استدارت أمي وهي تبتسم :

    -ربما تدرك ذلك عندما تكبر ؛ تأكد يا بني أنه لاحياة لك خارج أرضك ربما تعيش لكنك أبدًا لن تحيا


    كنت لا أزال على انفعالي :

    -حياة أو عيش لا فرق المهم أن نتنفس بعيدًا عن رائحة الموت هنا !

    اقتربت مني وهي تحتضنني :

    -صدقني الموت أرحم من الغربة يا بني ، دع عنك هذا الحديث واستلق الآن فأمامنا غد طويل

    ارتميت على فراشي بجسدي المنهك من وقوفي هناك أمام منزل خالة سلامة المحطم

    كانت صيحاتها ترن في أذني وهي تنوح على ابنها ، كان صغيرًا لم يتجاوز العشرين بعد ربما كانت تبني عليه آمالا لمستقبل قريب ؟

    ليس ربما بل مؤكد!


    حجم الألم في صيحاتها تلك كان كفيلاً بأن يفتت الأفئدة ألمًا

    تقلبت على فراشي لأخرس عصافير بطني لم أسأل أمي عن العشاء فأنا أعلم تمامًا مايعني أن تتجاهل سؤالي عن كوني جائعًا ..لايهم فليس هذا المساء الأول الذي ننام فيه ببطون خاوية
    لم أنم ذلك المساء كنت أراقب اللا شيء في سقف غرفتنا الصغيرة وأنا أفكر بمرارة
    لم علينا أن نجلس هكذا نترقب سقوط أرواحنا ومنازلنا تحت بطشهم؟
    ماذا تعني أمي بأني لن أحيا خارج قريتنا ؟
    هل هذه حياة حقا ؟ لا شيء هنا سوى الموت والموت فقط بكل صوره
    تنهدت بحرقة ،


    هه
    كان هذا صوت حفيف ستارة مدخل بيتنا ، وقفت بسرعة من يمكن أن يتسلل إلى بيتنا في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟

    لا يمكن أن يكون قطًا لأن هذه الكائنات انقرضت من قريتنا منذ زمن بعيد !!

    فنحن لا نجد ما نسد به جوعنا فضلاً عما نسد به جوعها

    و ليس سارقًا أيضًا ، فالمنفعة الوحيدة التي حملتها لنا هذه المآسي هو انعدام مايمكن أن يسرق من منازلنا لذلك لا يوجد سارقون هنا
    خرجت من الغرفة وأنا أراقب أمي خشية أن يوقظها وقع أقدامي على أرضية الغرفة الصلبة
    لم أرَ أحدًا .. كانت الستارة في مكانها ..مؤكد أني توهمت ما سمعت كنت قد هممت أن أعود إلى فراشي عندما تناهى إلى سمعي هممة أحدهم أمام بيتنا ، اقتربت من الستارة
    و اتسعت عيناي برعب و وأنا أرى أمامي زوجين من الأقدام
    إحداهما حافية والأخرى ترتدي حذاء " ج ن د ي " !!

    كنت أود أن أصرخ لكن حتى أنفاسي خانتني في تلك اللحظة وغادرني حتى الهواء وأبت علي رجلاي أن تستدير بي إلى الغرفة
    لأحمي أمي أو أوقظها أو أفعل أي شي

    كنت هناك متصلبًا حتى عندما تحركت ستارتنا بهدوء و دخل منها رأس أعرفه جيدًا
    يكفي هذا القدر حتى الآن ، فشخير عزيزي توقف فجأة و أكاد أشعر بعينيه تستديران يبدو أنه شعر بما أفعل
    ها هو ظله يغمر الزنزانة يبدو أنه قادم نحوي سأكمل لكم لاحقًا إن بقيت على قيد الحياة
    إلى الملتقى




    ها أنا ذا قد عدت لأكمل لكم القصة وهذا يعني أولًا
    أني بخير ؛ أممم لم يكن سوطه مكهربًا هذه المرة لكنه أوجعني قليلاً في ضربته المائه

    و ثانيًا : أن أمري لم يكشف بعد وفعلتي قد غميت على ذلك الضخم برحمة ربي

    و ثالثًا و الأهم :أني رغم شيخوختي ما زالت ذاكرتي لم تعطب بعد وهذا شيء رائع !!
    أين كنا في قصتنا نعم نعم عند الرأس الذي أعرفه جيدًا
    ألم اقل لكم أن ذاكرتي بخير ؟





    تنفست الصعداء و أنا أرى رأس أخي يدخل من خلف الستارة المهترئة وصرخت :

    - أنت ، لقد أخفتني يا هذا !!

    كانت نظراته متفاجئة أيضًا لكنها اختلفت عن نظرتي المطمئنة
    كنت سعيدًا ؛ فأخي هذا منذ أن غادرنا قبل سبع سنوات وهو لا يكاد يزورنا البتة لم نره سوى ثلاث مرات
    فكرت بفرحة أمي عندما تراه ؛أسرعت نحوه وأنا أسأله:

    -اختفيت لم لم تعد تزرنا ؟!

    جاءني صوته متجهمًا وهو يتجاهل سؤالي :

    -خلتك نائمًا ؟ ما الذي أيقظك في هذه الساعة
    ؟

    كان يتقدم نحوي برجله العرجاء ، و أنا متيبس في مكاني شعرت أن شيئًا يحدث كما لا يجب أن يحدث
    ازدررت ريقي وأنا أسترق النظر إلى ماخلف عرجة أخي المتقدمة نحوي كنت أنظر إلى الأقدام ذات حذاء الجندي المتصلبة في الخارج بكل وجس

    اكتست ابتسامتي باللون الأصفر وأنا أرى نظرات أخي تنظر حيث أنظر

    اتكأ على الجدار وهو يضيق عينيه بخبث :

    - رأيت ذلك ! لا نفع من اخفاء الأمر إذًا تعال معي إلى الخارج

    ضحكاته كانت ترن خلفه وهو يسحبني من يدي للخارج رمى بي أمام تلك الأرجل التي كنت أرقبها قبل قليل

    لم أكن قد رفعت عينيّ بعد عندما قال أخي:
    -وجدت هذا الجرذ الفضولي مستيقظًا يمكننا أن نستفيد من ابعاده فهو يحبها جدًا


    رفعت جسدي قليلًا وسمحت لعينيّ بالنظر
    ورأيت أمامي جسداً كان يقف فوق تلك الأرجل

    " ج ن د ي "

    رائحتة كانت تفوح بدماء أبناء قريتنا .. استطعت أن أشتم رائحة دماء سعيد ابن خالة سلامة ودماء سلوى وأبنائها حتى دماء رفاقي في الصف الذين ماتوا بقصف قبل سنة يوم تغيبي من المدرسة

    اشتمت رائحة تلك المزارع التي قصفت بهمجية

    رائحة تلك المباني التي خرت على رؤوس أصحابها

    رائحة كل المواجع التي كنا نعاصرها في قريتنا

    رأيت في عينيه لونًا من الموت أصاب جسدي برعشة باردة

    ابتسامته هذه كانت أشبه بابتسامة أخي الأخيرة

    " ابتسامة قناع الزيف الكريهة"

    لم يكن ما يحدث حولي يبشر بخير

    نظرت إلى أخي علي أن أجد تفسيرًا لما أرى

    كان واقفًا مستندًا إلى الجدار بشكل مائل .. نظر إلي وهو يقول ضاحكًا :

    -كبرت كثيرًا يا شريف أعرفك على أفيخاي صديقي

    خرج صوت هذا الأخير مشبعًا بمشاعر من حقد وبغض نتنة :

    - أهلًا شريف ، اسمك جميل !

    وابتسم بخبث

    ابتلعت ريقي لأبلل حلقي المتيبس قليلًا نسيت أني لا زلت مسلتقيًا تحت أقدامه .. استطعت أن أتكئ على مرفقيّ المرتجفين وأستوي على قدميّ

    كنت أعلم أنه دوري في الحديث ولكن كل ما خرج من حلقي آنذاك :

    -ما الذي يحدث هنا؟

    ضحكات الجندي كانت كفيلة بأن ترسل موجات كهربائية من أسفل ظهري إلى أقصى قدميّ :

    -خيرًا يا صغيري ؟

    اقترب أخي مني بعرجته وهو يضع يده في جيبه :

    -اسمع شريف أنت ذكي جدًا ؛ سمعتك اليوم وأنت تقول لأمك بأنك تريد أن تهاجر .. أممم ما رأيك أن يدبرلك صديقي أفيخاي هروبًا آمنا وجوازًا رائعًا أيضًا ؟


    كان ينظر إلى عينيّ وذاك الضخم خلفي تمامًا

    هذا البريق الخطر الذي ألمحه في عينيّ أخي رأيته سابقًا عندما كان والدي يحوم ليلًا حول منزل العم مراد عمدة القرية

    كان هذا في ذات المساء الذي حدثت فيه المجزرة التي نحر فيها كل من في المنزل بعد اغتصاب امرأة مراد وبناته
    كنت وحدي من رأيته كان هناك مع أربعة من أفيخاي آخرين .. لا أعلم إن كانوا جميعًا بذات الاسم لكنهم كانو كـ أفيخاي هذا وسلموا لأبي ظرفًا أبيضًا وغادرهم وبعدها صارت المأساة

    لم أخبر أحدًا ؛ أوهمت نفسي أني توهمت ذاك المساء و أني لم أرَ شيئًا
    حقيقة لم أكن أخشى على أبي بل كنت أخشى على فؤاد أمي وسمعتنا ؛
    لكن إخفائي لذلك كان دون جدوى فما لبثت أن فاحت رائحة أبي النتنة بليل بهيم وهو يخرج من معسكر لأفيخائيين كثيرين .. رآه الأهالي والبقية معروفة .. و ليس بالضرورة أن أذكر لكم بأنهم رجموه حتى الموت ؛ كان ذلك قاسيًا والأقسى من ذلك ما لحق بنا من سمعة لا يجب أن تذكر !!



    أرخيت نظري و أنا أفكر بسرعة كبيرة من مخرج عن مأزقي هذا..
    لن ألطخ يديّ بذنب يجعل من نهايتي كنهاية والدي

    ابتسمت وأنا أنظر لأخي :

    -ما المقابل ؟! أنا أعلم أن هذا لن يعطي شيئًا دون أن يأخذ شيئًا أثمن !!

    كنت أسأل رغبة مني في إطالة مدة تفكيري فقط
    لكني يقينًا أعلم ما يريد ، يريدني أن أخبرهم عن منزل أحد ما ..
    مؤكد ولا أستبعد أن يكون منزل خالة أم عمارة فهي تمتلك سبعًا من الفتيات الجميلات

    جاء صوت أفيخاي باردًا كالموت يقطع علي توقعات مخيلتي الصغيرة :

    - أريد أن ألهو مع أمك قليلا ؛ يكفي أن تبتعد من هنا فقط يا صغيري فأنا لا أريد ضجة

    فجأة سكن كل شيء من حولي حتى حفيف الأشجار توقف ..خلت نفسي لم أسمع جيدًا
    استرجع عقلي الباطني كلماته ببطء شديد


    -ماذا يعني ؟!

    نظرت إلى أخي وجدته يبتسم لي :

    -شريف أنت ذكي جدًا وتعلم ما فيه مصلحتك أليس كذلك ؟ أفيخاي دفع لي مبلغًا يمكّنني من بناء قصر من ذهب يمكنك أن تحصل على المثل فقط افعل كما فعل أخوك راغب

    اتسعت حدقتا عيني وأنا أستوعب الكلمات ببطء شديد :

    -راغب ! وماذا فعل راغب ؟

    جاءني رده وهو يضع يده على كتفي :

    -أخبرته بما يريده أفيخاي وطلبت منه الابتعاد عن المنزل وأعطاه اأفيخاي ما طلب

    هززت رأسي في محاولة مني للإنكار مايحدث من حولي :

    -انتظر أنا لا افهم.. راغب غادر المنزل منذ شهر تقريبًا قبل وفاة خالة سلوى بيوم!

    ثم ماعلاقة كل هذا بي أنا ؟ بل ماعلاقة أفيخاي بأمي وما الذي يريد ..

    . قطعت كلامي فجأة وقد اتضحت صورة أمي بشكل موجع ومقزز

    وابتسامة أخي تتسع ببلاهة كاشفة عن أسنانه الصفراء
    تصاعد الدم إلى وجهي ولا أعلم كيف استطعت ضبط أعصابي ؛
    أدخلت الهواء الى رئتيّ بكل هدوء وأنا أهدئ من نفسي

    اهدأ يا شريف الموضوع يتطلب تصرفًا حكيمًا أمك في خطر ....

    كان أفيخاي يقف خلفي :

    -هيه أنت ياصغير لم تطيل علي الموضوع ؟ الفجر اقترب أخبرتك أني لا أريد أن أمسك بسوء ولك ما تشاء من المال فقط ابتعد عن المنزل ..أنا لا أريد أن يستيقظ أهل القرية قبل إتمام ماجئت لأجله


    ابتسمت بدوري ببلاهة وأنا أتستدير صوب أفيخاي :

    - إتمام ماجئت لأجله ؟ هههههههه يا لها من مهمة نبيلة هههههههه

    انفرطت ضحكًا وأنا أقترب من أفيخاي هذا :

    -هل أنت متأكد من اختيارك لأمي؟


    ضحك أخي ضحكة سخيفة :

    -ما زالت جميلة يا شريف ولكن دعنا من هذا كنت متأكدًا بأنك ستقتنع بما فيه مصلحتك

    ضحكت بهستيريا و أنا لا أبعد ناظري عن أفيخاي :

    -أعجبتك أمي أليس كذلك ؟ يبدوأنك تمتلك نظرًا ثاقبًا رغم صغر عينيك يا هذا

    جئت في الوقت المناسب تمامًا

    كنت قد التصقت به تماما وأنا أغرس خنجري الصغير أسفل بطنه وأكملت حديثي:
    -لكنك اخطأت في اختيارك يا هذا ؛ فليس جميع أبناء أمي يحملون دماء والدي النتنة بداخلهم !!

    كنت أرى جحوظ عينيه وأنا أرى بداخلها مواجع أهل قريتي جميعهم
    مدارسنا ومزارعنا وشبابنا ومصانعنا وأطفالنا !!

    كان يحاول رفع يديه ليدفع بي بعيدًا وقد سقطت على ظهري وأنا أرقبه يمسك بموضع جرحه ودماؤه تقطر نجسًا على أرضنا الطاهره


    كان غباءً منه أن يأتي بدون درع كامل لجسده..

    أو ظَنّني اُشترى بالمال ؟


    ولكني حمدت ربي أن ألهمني أن أحمل معي خنجرًا أينما ذهبت

    وجه أخي استحال بحجم البازلاء ولكن بلون أصفر وهو يرى ما حدث لصديقه :

    -يا أحمق ؛ ماذا فعلت ؟! أحمق أحمق

    تهجم علي يضربني بكلتا يديه ، و لم أستطع الدفاع عن نفسي
    فسنواتي الإحدى عشر لم تكن كفيلة بأن أحمي نفسي منه كما يجب

    ربما كان يؤلمني ولكن بصدق لم أكن أشعر حينها الا بارتياح يغمرني لنجاة أمي
    سقوط أفيخاي أبعد أخي عن جسدي مؤقتًا كان يزمجر أنينًا وأخي يحوم حوله كزوجة مذعورة ،

    وقفت على رجليّ أركض لداخل المنزل لأرى أمي واقفة أمام الستارة.:

    - شريف ما الذي يحدث هنا ؟

    ضممتها بقوة:

    -لا شيء لا شيء فقط شجار خفيف

    صوت أخي الأرعن وهو يصرخ طالبًا النجدة اختلط مع أنين أفيخاي المزعج

    .لم أكن مهتمًا بذلك كله احتضنت أمي بقوة وهي تقول بوجس:

    -شريف حبيبي ما بك ؟ ما الذي حدث ؟توقف أنت تكاد تسقطني ،


    لكني لم أتوقف ؛ولم أكن أنوي ذلك

    دفنت رأسي في حضنها وكأني على علم بأنها مرتي الأخيرة لاحتضانها

    و أغمضت عينيّ مستسلمًا لاغماءة أو ربما غفوة خفيفة

    لم أعلم ماحدث بعد ذلك ؛ كل ما كنت أذكره ثقل القيد حول معصمي و صوت أخي وهو يتلو شهادته الكاذبة أمام قاضٍ بلحية حمراء بضفيرتين

    بأني حاولت اغتصاب أمي وأفيخاي كان هناك وحاول منعي ولكني أصبته


    كانت أمي هناك بجانب أخي
    راغب الصامت والذي لم ينبس بشفة،
    كنت أرى على ملامحها ألمًا عميقًا وهي تراقبني لم أعلم ما هية نظراتها أكانت تودعني أم تطلب مني الصفح ؟!

    لكنها لم تتكلم أبدًا تلا ذلك صوت القاضي وهو يندد بما فعلته بتعرضي لجندي وهو شيء لم يسبقني إليه أحد ورأفة بسني الصغير كما يقول


    أصدر حكمه علي بالسجن المؤبد بدلاً من قتلي أو حرقي حياً!!

    اصطحبوني لزنزانتي هذه وما زلت هنا منذ ذلك الأمد !!




    أعتقد بأني بدأت أتوهم ؛ لم أعد أسمع صوت شخير ذلك الأحمق..يبدو أنه انقطع مجددًا
    هذا يعني أن علي أن أودعكم و أخرج من مخبئي تحت فراشي الحجري حيث أنقش لكم قصتي هذه على أرضية الزنزانة

    لم يملأ بعد ظل ذلك الضخم الزنزانة .. وهذا يعني أن بإمكاني أن أخبركم, بأني لا زلت لا أعلم عن أمي شيئًا لكني أشعر بأنها لا تزال بخير ولم تتعرض للأذى أبدًا ..

    أممم ببساطة

    هذا لأني ما زلت أستطيع أن أت ن ف س .






    دخل الغرفة وهو يركض حافي القدمين ووقف قليلاً ليلتقط أنفاسه :


    أمي أمي الناس في ثورة .. و الشارع هائج تمامًا .. وأعتقد بأنها مجرد سويعات وسيبدأ قصفهم اللا إنساني

    كانت أمه تقشر البطاطا:

    - هم يفعلون ذلك كل مرة لا أعتقد بأنه سينجح ولكن
    دعك من هذا كله يا شريفما زلت طفلاً و تعال للغداء بعد أن تغسل رجليك جيدًا


    اعترض شريف وهو يقترب من أمه:

    -أمي هذه المرة الشارع هياجه مختلف ، فهم ليسوا يريدون تحرير العم شريف ولكن يريدون جنازته !!

    سقطت السكينة من يدها وهي ترتخي لتمسك كتفي ابنها :

    -ماذا تقول ؟

    سعد شريف ؛ فقد استرعى على اهتمام والدته أخيرًا:

    -العم شريف مات !!

    اممم لم يقتل مات ميتة طبيعية ظهر هذا على التلفاز رأيته عند بيت عمة سلامة..

    . لم تتركه ليكمل كلامه ...ركضت إلى نافذة المطبخ ووضعت مسفعها على رأسها جيدًا


    فعلاً كما يقول ابنها

    كان الشارع ينبض بروح مختلفة هذه المرة !!

    وكأن شريف لم يمت بل حلت روحه في أجساد هؤلاء الشباب الذين يملؤون الشوارع انتفاضة و غضبًا لا يرد
    ابتسمت وهي تراقب ذلك بسعادة ، ربما لو لم يخرج خنجره في ذلك الوقت لكان عليهم أن يترقبوا كل مساء قصفًا لأرواحهم ومساكنهم أو حتى زيارات النحر الليلية
    بكل رضوخ كما كانوا يفعلون

    نظرت إلى ابنها شريف وهو يغسل رجليه وتمتمت :

    - لا مجال لأن أدعك تموت كعمك أو جدك مرجومًا ... أو حتى كأبيك بجنازة لن يحضرها أحد

    ستموت كعمك شريف ؛ تنتفض لموتك الساحات

    وعلى الطرف الآخر


    جاء صوت المدرس رخيمًا وهو ينادي:

    -
    شريف قم اقرأ القطعة التالية

    وقف شريف آخر بين رفاقه التلاميذ وابتدأ يقرأ في كتاب التاريخ قطعة بعنوان

    "معلم الانتفاضة الأول"



    كان شريف بعمر لم يتجاوز الحادية عشر عندما حمل خنجرًا ليغرس به في بطن غاشم حاول الاعتداء على أمه
    واختلط صوت شريف بصوت المنتفضين بالخارج المطالبين بجثة العم شريف
    والتي لم تطل مطالبتهم لها

    انتهت




    دمتم متذكرين لأخوانكم المسلمين في كل زمان و مكان



    التعديل الأخير تم بواسطة أثير الفكر ; 31-12-2014 الساعة 01:22 AM

  2. #2

    الصورة الرمزية S O L I D

    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المـشـــاركــات
    1,865
    الــــدولــــــــة
    الجزائر
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ معلم الانتفاضة الأول ]| الجولة الثالثة في قصصهم عبرة :)

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    كالعادة تخونني الكلمات للتعبير عن مدى إعجابي وتأثّري بما يخطه قلمكـ !!!
    أحسّ بأنك وصلتِ لحدودك .. أقصد أفرغتِ كلّ طاقتك وقدراتك الكتابية الأدبية في هذه القصة !
    ربما لأنها جزء من مسابقة ، والمشاركون لا يستهان بهم ..

    ولكن عن جد أُعجِبت بالقصّة !! كثير من العبارات شدتني واستوقفتني مثل :

    تراصت زنازننا العشرة على جنبيه بعشوائية كما تترامى أعواد الثقاب العشرة الاخيرة في علبة مستطيلة
    تشبيه خارق @_@ .. التشبيه من أجمل الصّور البيانية التي توضح المعنى وتزينه
    -
    أحيانًا أفكر بسرقته ، لكني أخشى أن يتخذوا ذلك عذرًا ليمددوا فترة سجني
    رغم أنها على مايبدو أبدية !!
    سرقة الفأر !! تعبير قوي جدا ويوضّح حجم المعاناة والقهر والجور ، وقد احتوت
    القصة على بعض من أشباه هذه التعابير .. أقصد " الأسلوب السّاخر " !!
    -
    يبدو أنكم تريدون أن تستمعوا لكامل القصة وهذا ما أنا بصدد فعله الآن سأروي ذلك لكن ليس قبل أن تمسحوا نظرات الشفقة من أعينكم فلست بحاجتها أبدًاً
    بعد قراءتي للمقدمة أصبحتُ متشوقا جدا لقراءة القصة ..
    وبالفعل أحسستُ بالشفقة على شريف و لمَمتُ شفتاي وقطبتُ حاجبيّ
    حسرة وإشافاقا على هذا السّجين وخاصة بعد أن عرفتُ تهمته الملفقة !!! ويا لها من تهمة .
    -
    و أيضا انتظروا قليلا ريثما يختفي ظل هذا الجندي المنتصب ويبدأ بسميفونية شخيره المزعج
    كناية جميلة .. بالنسبة لي الكاتب الفذ هو الذي يكثر من توظيف مثل هذه
    الصور البيانية مثل التشبيه والكناية والإستعارة في كتاباته .. وأنتِ كذلك تبارك الله ~
    -
    هذا فقط ما ورَد في المقدمة وما ورَد في بقية القصة أكثر بكثير ولو اقتبستُ
    فربما أقتبس النص كاملا .. في البداية ظننتُ بأنها قصة حقيقية وأنّ شريف شخصية حقيقية ،
    أعجبتني شهامة شريف وشجاعته ودفاع عن والدته ، وزاد إعجابي به لمّا علمتُ
    بانه ابن 11 سنة فقط ! ولكني استغربت للغاية لذلك الأخ كيف له أن يفعل
    هذا ويبيع أمّه للعدوّ الذي يقتل شعبه .. أعتقد أنه من المستحيل أن يوجد إنسان كهذا !
    إنسان عميل يخون شعبه ووطنه نعم ولكن يبيع جسد أمّه بهذه الطريقة !!!!!

    وأيضا أعجبني وصفك لمعاناة أهل القرية ، وصف مذهل ومعبّر ويخليك فعلا تحس بمعاناتهم ..
    وأيضا وصفك لردة فعل شريف عندما عرَف مخطط أخيه وذلك الجنديّ ، وكأنّ صورة
    شريف ارتسمت أمامي في تلك اللحظة !!

    طعنُ شريف لذلك الجندي تصرّف شجاع وهو تصرّف طبيعي وأظن بأنه فعله بدون تفكير أو تردّد .

    -لكنك اخطأت في اختيارك ياهذا ؛ فليس جميع ابناء أمي يحملون دماء والدي النتنة بداخلهم !!
    ^ هذه العبارة أليمة *^*

    والنهاية جميلة ولائقة وتحمل في طياتها أملا بالنّصر وأولى تباشير الإنتفاضة ..
    ولا أنسى القول بأنّ جعل بطل القصة هو نفسه الرّاوي حركة موَفقة وأكثر تأثيرا على القارئ !
    -
    باختصار لقد تفوّقتِ على نفسكـ !!!!
    أسلوب من أجمل ما يكون ، سأكون محظوظا إن كنتُ في ربع مستواك T-T
    اللهم لا حسد .. وَ .. اللهمّ زد وبارك ، قد تكون لي عودة لقراءة القصتين السابقتين (الجولتين الـ 1 وَ الـ 2 ) .
    شكرا جزيلا لكِ على هذه الرّائعة .. أتمنى لكـِ التوفيق في المسايقة
    تحياتي واحترامي ~

  3. #3

    الصورة الرمزية Miaka Yuki

    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    المـشـــاركــات
    3,204
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ معلم الانتفاضة الأول ]| الجولة الثالثة في قصصهم عبرة :)

    سأعود لقراءة القصة مع التعليق إن شاء الله

    ماشاء الله تبارك الرحمن
    أثير ماهذا o_o ماشاء الله تبارك الرحمن الوصف وكل شئ
    القصة حلوة بشكل ماشاء الله💔
    ماشاء الله تمتلكين الإسهاب في الوصف -أفتقد هذا الشئ أنا ^^-
    ماحبيت أعلق أو أقرأ القصة وأنا في مزاج سيئ
    اللهم انصر أخواننا في كل مكان
    ❤️💔❤️
    التعديل الأخير تم بواسطة Miaka Yuki ; 29-11-2014 الساعة 09:00 PM

  4. #4

    الصورة الرمزية أثير الفكر

    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المـشـــاركــات
    5,262
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: |[ معلم الانتفاضة الأول ]| الجولة الثالثة في قصصهم عبرة :)

    حياك سوليد ، رأيت ردك فور وضعه *^*

    شكرًا لقراءتك للقصة ولكلماتك المشجعة

    ثم ما قصة ليتني أمتلك ربع ما تملكينه

    أنت تملك أكثر جرب وسترى ^^

    تحياتي ~

  5. #5

    الصورة الرمزية Miaka Yuki

    تاريخ التسجيل
    Sep 2009
    المـشـــاركــات
    3,204
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ معلم الانتفاضة الأول ]| الجولة الثالثة في قصصهم عبرة :)

    تمت العودة عزيزتي

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...