السِّجن موتٌ بطيءٌ ، وخروجٌ من دائرة الحياة والمرءُ على قَيْدِ الحياة .
فيه تعذيبٌ للرُّوح وللجسد معًا . ولا أقسى من أن يُسجَنَ الكائنُ الحيُّ أيًّا كان !
أو أن يُعزَلَ في زنزانةٍ ثم يُقال له : هنا تحيا وهنا تموت ، وهنا تواجه سوء المصير .
يقول الشَّاعر عبد الله بن معاوية معبِّرًا عن فظاعة السِّجن وأحوال نازليه :


خَرَجْنا من الدُّنيا ونحنُ من اَهلِها
فلسْنا من الأحياءِ فيها ولا المَوْتى

إذا دخلَ السَّجَّانُ يومًا لحاجةٍ
عَجِبْنا وقلنا جاء هذا من الدُّنيا

ونفرحُ بالرُّؤيا فَجُلُّ حديثنا
إذا نحن أصبحنا الحَديثُ عن الرُّؤيا

فإنْ حَسُنَتْ كانت بطيئًا مَجيئُها
وإن قبُحَتْ لم تنتظِر وأتت سَعْيا

والسِّجن قد يكون للمجرم عقوبةً وجزاء ، وقد يكون لصاحب الرأيٍ شهرةً
وذيوعًا وانتشارًا يجاوز الأرجاء ،وقد يكون للنبيِّ تأييدًا لرسالته من الله
وحصحصةً للحقِّ في براءته فيُقتدَى به اقتداء ، وقد يكون للعالمِ التقيِّ
الوَرِعِ امتحانًا وابتلاء ، وقد يكون للمظلومِ رفعًا لدرجاته عند العلي القدير بَدْءًا وانتهاء ..

من الشُّعراء الذين يُذكرون كلَّما ذُكِرَ السِّجن الحطيئةُ سجنه
عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه لهجائه الزِّبرقانَ بنَ بدرٍ في قوله :

دَعِ المكارمَ لا ترحَلْ لِبُغيتِها
واقعدْ فإنَّكَ أنتَ الطَّاعِمُ الكاسي


فاستعطفَ عُمَرَ وهو في السِّجن في أبياته المشهورة التي يقول فيها :

ماذا تقولُ لأفراخٍ بذي مَرَخٍ
زُغبِ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شَجَر

ألقيتَ كاسِبَهُمْ في قَعْرِ مُظلِمةٍ
فاغفرْ عليكَ سلامُ اللهِ يا عُمَرُ

فعفا عنه عمرُ رضي الله عنه ، وأخذ عليه عهدًا ألَّا يهجو أحدًا من المسلمين.
قلتُ لصديقي : لكأنَّك عَنيْتَ بالعالم التَّقيِّ الوَرِعِ الإمامَ أحمدَ بنَ حنْبل
أو شيخَ الإسلام ابنَ تيْميَّة رحمهما الله ، فقال : عَنيْتُهما معًا .