|[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

[ منتدى قلم الأعضاء ]


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 24
  1. #1

    الصورة الرمزية أثير الفكر

    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المـشـــاركــات
    5,262
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~



    هنا بحول الله تكون
    قصصكم ، والموضوع الآخر هو الملتقى

    يمنع الرد هنا باستثناء القصص
    المشاركة

    _________

    آلية تقييم الفعالية:

    القصة الفائزة:
    4 نقاط

    القصص المشاركة:
    بين 1-3 نقاط (حسب الأسلوب واللغة)

    التعديل الأخير تم بواسطة قصاصات حلم ; 10-6-2015 الساعة 12:57 PM

  2. 9 أعضاء شكروا أثير الفكر على هذا الموضوع المفيد:


  3. #2

    الصورة الرمزية قصاصات حلم

    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المـشـــاركــات
    440
    الــــدولــــــــة
    عمان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~





    الجولة الأولى

    المشهد:
    كوخ، نظرات باردة

    آخر موعد لإضافة القصص لهذه الجولة:
    14/يونيو/2015

  4. #3

    الصورة الرمزية قصاصات حلم

    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المـشـــاركــات
    440
    الــــدولــــــــة
    عمان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    ذكرياتُ يومٍ أغسطسيّ ~

    انتصبت الشمس شامخةً في كبد السماء في يومٍ أغسطسي مشبعٍ بالرطوبة.
    من عادته أن يأتي في هذا اليوم من المدينة،
    بهيئته الأنيقة رغم بساطتها
    وحقيبة صغيرة تحمل ما يحتاج خلال يومين
    يقضيهما في الحافلة المؤدية إلى قريته
    التي بدأت تنشط مذ ما يقارب الأعوام الخمس الأخيرة.
    لكنه هذه المرة يجري بهلع،
    بكمَّين يملؤهما الطين،
    وبنطال ممزق قليلاً جراء أشواكٍ اعترضت طريقه،
    وبحقيبةٌ أضاعت صاحبها منتصف الطريق.

    انحرف عن مساره المعتاد متجهاً إلى المستشفى الوحيد جرياً،
    وبيده طفلة في الخامسة من العمر تنزف وتتعرق بشدة ~


    لم يبالي للترحيب الذي تلقاه من العديد في المشفى،
    لأن في يده من يحتاج إلى العلاج فوراً،
    و لأنه معروف بينهم بنوا له سبعين ألفَ عُذرٍ ~


    حاول الدخول إلى غرفة العمليات
    بيد أنه أُبعد عنها رغم محاولات كثيرة
    لم تلقَ سوى علامة أكس كبيرة رافضة طلبه،
    فما كان منه إلا أن يروح ويجيء
    ذهاباً وإياباً
    أمام البوابة مترقباً مصير الطفلة،
    و هذا الحال
    ما عهده أحد من الممرضين و الأطباء الذين مروا بجواره
    فقد عُرف بنظراته الباردة
    و شفتين قلما تنبس،
    و هدوء يكتسي كيانه ~


    حينما أعياه التعب،
    جلس على الكرسي
    و غفا للحظة أعادت به إلى أيام مراهقته ~

    أعتادت الأجواء الأغسطسية أن تخنق سكان القرية برطوبتها التي تبلغ 100% ظهراً،
    لتتحول غالباً ما بعد الظهر إلى مزن
    تسافر مئات الكيلومترات بعيداً،
    أو تصب حمولتها في مزارعهم،
    مع ذلك لم تمنع الأجواء صديقه المقرب وهو من اللعب بكرةِ القدم بعد المدرسة قبل عشرين عاماً،
    كما لا تمنع أطفال هذه القرية ومزارعيها من الحراك في اتجاهات القرية الأربع...

    بعد هدفٍ سدده صديقه في مرماه، اقترب منه قائلاً:
    لنسترح قليلاً.

    وافق بايماءة، وجلسا تحت شجرة قريبة، فقال صديقه:
    الهدف الذي أحرزته قبل قليل ما هو إلا هدف من طيش مراهقتنا...

    أضاف:
    حينما أكبر، أود لهذا الهدف فعلاً أن يكون له معنى...

    سأل صديقه:
    كيف؟

    فأجاب:
    أحب القرية التي ترعرعنا فيها، وعشنا فيها سنين من عمرنا ولا زالت تحتوينا داخل حدودها، ولكي نحافظ على القرية نحتاج لتعميرها، نحتاج مشفى ومدرسة جيدة وخدمات أخرى ~

    فهم ما يرمي إليه صديقه، فقال:
    سأدرس بجد، أريد أن أصبح طبيباً ~

    ابتسم الصديق قائلاً:
    أرى أن الجراحة تناسبك كثيراً، بما أنك تهرع دائماً لمساعدة المصابين ~

    لم يكن واثقاً من الأمر، فبقي صامتاً، إلا أن صديقه نظر إليه وفي شفتيه ابتسامة كبيرة مضيفاً:
    أود أيضاً أن أصبح طبيباً.

    تخيَّل ما قد يحدث في المستقبل،
    سيدرسان الطب معاً،
    وسيتخرجان من كلية الطب،
    ثم يلتحق هو لإكمال دراسته
    فيما يصبح صديقه طبيباً عاماً للقرية
    وبمالهما والتبرعات سيبنيان مشفى القرية الأول ويحسنا القرية ~



    تزينت السماء بحلة شفقيةٍ تزفُّ الشمس نحو الغروب،
    تكتسي هذه الأجواء الجميلة بذكريات بائع المثلجات،
    و تملِكُ نكهة الفانيليا اللذيذة اعتاد هو وصديقه تناولها بعد قضاء يوم سعيد معاً.


    توالت الخطوات بين وحشة القبور نحو قبر ما،
    ووُضِعت الزهور البيضاء عليها،
    وجاء صوت واضعها يقول:
    عذراً على تأخري... أتشعر بطعم الفانيلا في لسانك كما أفعل؟ رحلت يا صديق قبل أن تحقق الحلم، رحلت قبل أن تشاهد القرية تنمو كما نمت في مخيلتكَ، صديقي كَوني أصبحت جراح قلبٍ فلن تعيد أية عملية أجريها لك الحياة التي فقدتها في مراهقتكَ... قد تكون نائماً تحت التراب ولكن روحك تسير معنا، تشاهد ما تحقق من حلمك الآن ولاحقاً و طوال الزمان... ليس لي أن أقول إلا ارقد بسلام ~


    غادر المقبرة
    و أحكم إغلاق بابها
    و اتجه إلى كوخ عائلته
    الذي يبعد أميالاً قليلة عن المشفى الذي بناه
    مروراً بالحقولِ التي اشتراها،
    و أراضٍ قام باستصلاحها،
    مدرسةٍ بناها،
    وملعبٍ هيئهُ فيها،
    جميعها لأجل سكان قريته
    ولأجل تحقيق حلم صديقه وحلمه،
    صار هو الابن لكبار سكان القرية
    وأباً لكل أطفالها ~


    -تمت-
    التعديل الأخير تم بواسطة قصاصات حلم ; 10-6-2015 الساعة 04:45 PM

  5. #4

    الصورة الرمزية Yonko Akagami

    تاريخ التسجيل
    Mar 2015
    المـشـــاركــات
    551
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    نهايات


    حين تصمت المشاعر وتستكين الى اللاشعور، فلا دفء أو برد، لا صخب أو هدوء ويسود الفتور
    تبهت الألوان، تتساوى الأحجام، فلا يهم القيد من الحرية، الكل سواء، مَن قتل في الأنثى الإحساس وهي منبعه؟
    هل خُلقتِ لتكوني مكب نفاياته أو أنبوب احتضان؟ غيبوكِ فقالوا المطبخ مملكتك والفراش طاعات، أين ما بين الأثنين ؟!!

    تعانقت جدران الكوخ باكية، تحمل بين شقوق حفرها الدهر قصصا وصورا لحياة باهته
    تذكر حين كانت وليدة جديدة فكسوها بأزهى الألوان، احتضنت فيما بينها سريرا ورديا لعروسين ...
    ما أن تهدأ حتى تطفىء الأضواء وكل شيء يستكين
    شهدت الجدران ولادات متكررة وبكاء اطفال، حين يكبروا يرسلون الى غرفهم، غرفهم عبارة عن ستارةٍ مسدلة بينهم
    هي الوعاء الجميل الذي تبلدت فيه المشاعر حتى الصمت، تشتهى إشباع الروح وستبقى هكذا حتى تغادر مقهورة
    يخرج من أحد الشقوق مسماراً علقت عليه صورة زفافهما، لم يكونا مبتسمين، شق آخر لمسمار علقت عليه مرآة
    كم وقفت الزوجة أمامها تتزين وتنتطر لكن في النهاية وبعد طول انتظار ..
    تغسل وجهها بدموع الخيبة، يسود حبل المودة بينهما سويعات، عادة هي ربما، في نهاية المطاف اهترأ هذا الحبل وانقطع.

    أثمرت العشرة الباهتة عن ثلاث أبناء، اهتمت بهم وحدها حين كان زوجها مشغولا
    متجها بكله لتطوير سبل ملذاته، مضت الايام، عاجلها المرض، دون أن يكون في صحتها مدخر لمقاومته
    أو أي مال لتصرف على علاجه وشريك عمرها يرزخ تحت ثقل ديونه المتراكمة
    تعودت جفاءه وجفاف عاطفته تجاهها، لطالما تمنت كلمات طيبات تطرب روح الأنثى فيها، عرفت أن هذا قدرها .. فاستكانت.


    تشهد اليوم السيدة حدثا رهيبا، تتوجس خيفة، ترتجف شفتيها، تضع سبابتها والأوسط فوقهما
    تخنق شهيقا محشرج كصفارة، ترتسم ابتسامة باكية على محياها، عيون حائرة تغرق في دمع يكاد أن ينهمر فتمنعه
    تشعر بداخلها بدفق من اليأس وأحست بطعم حاد في فمها، خمس وعشرون عاما منذ اقترانها به
    كان يجب أن تكرم بشهادة (ايزو) لتفانيها في خدمته وبيته بصمت رهيب، بعد أن قمع صوتها المحتج
    اليوم أعد له مكانًا خاصًا له وحده في الكوخ، هجر فراشها عندما أصابها الخبيث
    حتى وجوده بالقرب حرمت منه، لم تتحمل أكثر فسال دمع سخي دافىء، تراه ينقل حاجياته
    باقي لها من العمر من بعد إذن الله عاما واحدا، الم يقدر أن يتحمل؟
    كتمت شهقات تنازع روحها، تتذكر كل جميل صنعته له دون عرفان
    لا يهم، تريده الان أن يطبطب على كبريائها وجسدها المنهارين
    نادته برقة، برجاء وأمل سألته : " هل ستتزوج بأخرى؟ "

    نظر اليها بعيونٌ تملؤها البرود، زاخما بكرم أخلاق أجاب : "لن اجرحك في أيامك الاخيرة .. سأنتظر عاما".

    تمت
    ._.

  6. #5

    الصورة الرمزية Soloist

    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المـشـــاركــات
    525
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    ...فلتمت...
    .
    .
    .


    نظر إلى تلك الغابة بنظراتٍ باردة دون أن يرفع ناظريه عن تلكـ
    الأشجار الكثيفة التي تخبئ خلفها ذلك الكوخ الذي لن ولن يتجرأ عقله على نسيانه وكيف ينسى ذلك اليوم الذي تحول الى كارثه غيرت مجرى حياته
    في التاسع من شهر أكتوبر من سنة الفين
    وثمانية في الساعة الثامنة مساءاً " قدمه تألمت من شده الركض عيناه لا ترى إلا ظلمة المكان أين هو وكيف وصل الى هُنا مجرد التفكير أنه مصاب بالقلب تفقده السيطرة على أعصابه مرت به نسمه هواء لتثور أعصابه ويبدأ الركض دون أي دليل يقوده الى صديقه بدأت سرعته تتباطأ شيئاً فشيئاً ليس لأنه وجد ضالته بل لان قدماه تعبت أخذ نفس عميق ليصرخ بصوت عالٍ (مراد ) ويصرخ المرة تلو الأخرى باسم صديقه ولكن لا مجيب عاد مجدداً الى الركض وهو يتذكر نص تلكـ الرسالة ( اخي .. انا بحاجه اليكـ ارجوك انا في الكوخ قرب تلكـ الحديقة التي في شارع الغابة المخيفة إنها مخيفة جداً .. أرجوكـ أسرع ) بدأ يحدث نفسه أين ذاك الكوخ الأحمق لا أجده (مرررررراااااااااددد ) أخذ يصرخ باسمه للمرة أنه فعلاًً لا يعلم منذ متى وهو يصرخ باسمه حمل هاتفه لينظر إلى الساعة ليُعاود الركض بخط مستقيم لقد تجاوزت الثامنة منذ وقت رفع هاتفه ليُعاود الاتصال به ولكن لا مجيب حنجرته تقطعت من شدة الصُراخ أستند على تلك الشجرة ليلتقط أنفاسه ولكن أنفاسه انقطعت منذ أن رفع بصره قليلاً الى تلكـ الشجرة ركض مسرعاً إليها ليجد الكوخ الذي يؤوي بداخله(مراد) ولكن أهذا هو الكوخ ما به هكذا أنه منزل مهترأ (مراد) سوف أقتلكـ بمجرد رؤيتكـ أنه فعلاً لا يجيد الوصف أصبح في العشرين وهو لا يعرف باباً للوصف هذ ما كان يدور بخلده وضع يده على مقبض الباب ليديرها ويدخل إلى المنزل أو كما أطلق عليه (مراد) كوخ خطى خطوه لينظر إلى أسفل قدمه ويهرع منادياً (مراد) مستحيل تلكـ ليست دمائه لابد أنه بخير أنه بخير دخل أكثر الى تلك الغرفة ليتراجع خطوتين الى الخلف لابد بأنه يتخيل هذا ليس (مراد) أجل إنه (مراد) نزل الى مستوى الأخير الذي كان ملقى على الارض ويرفعه قليلاً "مراد ما الذي حصل لكـ أجبني رفع رأسه قليلاَ ليسعل الأخر بشده نظر الى عيني صديقة ليقول : أخي أنا بخير لا تقلق أنه .... لتعود له نوبه السعال مجدداً ..: (مراد) لا ترهق نفسكـ مراد ....)
    (لؤي)( لؤي) فزع لؤي لينظر إلى (وائل) الذي نظر إليه بحزن لتعود تلكـ النظرات الباردة الى عيّناه وكأنها وجدت ضالتها في مقلتيه أجاب لؤي لقد كنت أفكر
    قليلاً نطق وائل بعد برهه من الزمن : ما بكـ يا أخي تكثر البقاء هنا ابتسم (لؤي) ابتسامة متألمة ليجيب : ليس هناكـ سبب فقط كلما شعرت بالسعادة تذكرت بأن هناكـ من يجيب أن يشاركني سعادتي وضع (وائل) يده على كتف لؤي مربتاً ليقول : هل هذا وجهه شخص تخرج من جامعته لتو وأنهى سنين دراسته أنظر الى رداء التخرج كيف أصبح مٌتسخ أنزل المعنِي رأسه الى ردائه ليقول : ما رائيكـ بأن نذهب الى.... رفع بصره الى صديقة ليقول الأخر بهدوء : هيا بنا إذاً لقد علمت بأنكـ سوف تطلب ذلكـ ليعود ويربت على كتف صديقه ويقول بمرح : (لؤي) كيف تستطيع العيش بدون صديق رائع مثلي نظره بارده من عيّنيّ لؤي كانت كفيله بإسكات الأخر وتجعله يفتح سيارته ليصعد الأخر دون أن ينطق بحرف ليغوص في بحر ذكرياته
    ( حمل (مراد) على ظهره ليخرج به بعد أن اتصل
    بالإسعاف وهو يجر قدماه جراَ فجسد الأخر لم يكن بالجسد الذي يستطيع حمله ولقد أخذ كفاية من التعب بدأ بالمشي به ويشعر بتنفس صديقه الذي أتضح بأنه يجد صعوبة في إدخاله الى رئته رأى سيارة الاسعاف ليحاول الزيادة من سرعته هبط المسعِفان عندما وقعت أعينهم على( لؤي) الذي بدأ بقول : أنه مصاب بالقلب تعرض لطعنه في أسفل معدته منذ ما يقارب الساعة والنصف بدأوا المسعفون في اسعاف (مراد) لينظر الاخر الى هاتف صديقة ويستمع الى تلك الرسالة المسجلة ( أخي (لؤي) لقد تلقيت رسالة من (خالد) يقول بأنه يريد مقابلتي في هذه الغابة وأن لم أحضر سوف يؤذيك أخي لقد كان غضبان وبدأ بقول بأننا السبب في موت شقيقة حاولت شرح له بأننا لم نكن السبب وكل ما حصل كان حادث وأن أخاه هو من قطع الشارع وبأننا لم نستطع السيطرة على السيارة وحصل ما حصل ولكنه اخرج تلكأ السكين و .... ) رفع لؤي بصره بعد أن أنتهى التسجيل الذي لم يستطيع (مراد) إرساله ليقول سوف يموت أُقسم لكـ : توقفوا عند المشفى ليهبطوا وهم يضعون جهاز الأكسجين على وجهه (مراد) ركضوا به الى العناية ليصرخ أحد الممرضين بقول استدعوا الطبيب ( محمد) ليدّوي صوت قائل الطبيب محمد الى غرفة العناية المشددة الطبيب محمد هُنا اوقفوا (لؤي) عن السير دار في ذهنه العناية المشددة أذاً حالته صعبه سوف ... )
    ليستيقظ على صوت (وائل) : لؤي لقد وصلنا ترجل من السيارة ليجول بصره في تلك المنطقة ليبحث ببصره عن ذاك القبر الذي يحوي جسد صديقه جلس بالقرب منه ليقول بابتسامة لأول مره يخاف منها (وائل) لم يستطيع وصفها اهي أبتسامة متألم أم منتقم لم يسطع وصفها أبداً أعاد النظر الى صاحبها ليسمعه يقول لقد نفذت وعدي لكـ لقد مات (خالد) رفع نظره الى السماء ليتذكر تلك العيون التي تترجاه (ارجوك (لؤي) أنا أرجوك أعفوا عني لم أعرف بأنه أخاك قاطعة (لؤي) بغضب ليقول ليس أخي أنه أقرب من أخ لي ولذلكـ أردت أن تكون محاكمتكـ بالقانون وليس بهمجية أسلوبكـ لقد قتلت (مراد) أتعرف ما معنى ذلكـ لقد سرقت مني أغلى ما أملك لذلك أريد سرقتكـ مِن مَن يحبوكـ لن أرضى إلا بروحك هدية لأخي أسمعت أخي وحتى وإن لم تجمعنا رابطة الدم يا (خالد) صمت قليلاً ليستعيد أنفاسه لقد باتت أنفاسه تنقطع مؤخراً ليرد الأخر أقسم لكـ بأنه حادث رفع لؤي نظره اليه لقد أعاد الى صدره بركان الغضب ليقول : وأخاكـ مات بحادث لم يكن (مراد) سبباً فيه أما (مراد) فلقد قتلته يمناك لذلكـ فلتمت ...... "حكمت المحكمة على المتهم خالد بالإعدام شنقاً" ...) نظر الى القبر مجدداً قائلاً لقد أعدم مساء الامس بعد مرور سبع سنوات يا أخي تحقق النصر وأيضاً لقد تخرجت من كلية الطب وسوف أحول الغابة التي أخافتكـ الى حديقة وهذا وعد مني سوف أحاول بشتى الطرق لن تخاف من شيء بعد الأن يا صاحب الروح الطيبة .... أرجو لكَ الرحمة والمغفرة .
    .
    .
    .
    أنتهى
    التعديل الأخير تم بواسطة Soloist ; 14-6-2015 الساعة 05:51 AM

  7. #6

    الصورة الرمزية أثير الفكر

    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المـشـــاركــات
    5,262
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    - آخر تنهيدة :

    هالة من الكآبة تحيط بي ، و كتلة من الألم تجثم فوق قلبي فتعيق تسارع نبضه ، في زاوية معتمة أجلس ، المكان يعج بالناس لكن بلا أنيس لي أو جليس ..

    منطوية على ذاتي ، نظراتي شاردة في اللا شيء ، حالة بؤس و تلبد و ظلامية في مشاعري !

    كيف أعبر عم اجتاحني حين رأيتك تمشي بين العابرين و لست بينهم ؟!

    و تقف في طابور المطعم أمامي تنتظر وجبتك و لا تنتظر !!

    أترصد كيانك من حولي ويتخللني شيء من شبح الابتسام ثم ما تلبث أن تنسل من بين جدران الكوخ كأن لم تكن !!


    كل ما تلفت أجدك أمامي !

    و كأن طيفك يعاند قلبي المتردي على شفير الجنون !

    و أي عناد يسكن تقاسيم وجهك الدقيقه !

    و أي إصرار يرافق وقفتك المتحديه لكل تجاهلاتي المستمره لطيفك الذي لا يفتر من مجالستي و منادمتي أحاديثي المكرره !

    و مع ذلك :

    أتجرع مرارة الذكرى وحيده ..

    فلا المكان اتسع لي و لا الزمان احتمل ثقلي عليه

    و ما أن أنهي تنهيدتي المتململه

    حتى يصفق لي راحك ثانية ﻷعيد المشهد!

  8. #7

    الصورة الرمزية تشيزوكو

    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المـشـــاركــات
    4,317
    الــــدولــــــــة
    مغترب
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    كوخ الدمى


    بينما كان غارقًا في بحرٍ من الأوراق المتراكمة والأفكار المعقدة، رنّ الهاتف على مكتبه..

    عملت خلايا عقله بسرعة تستعرض كل الاحتمالات الممكنة بينما لا تزال أصابعه تضرب على أزرار لوحة المفاتيح على جهازه، وتنتقل بسرعة لتدوّن شيئًا ما على قصاصةٍ من الورق..

    لعلّه المدير التنفيذي يريد أن يطمئن على سير المشروع، أو ربما هو المندوب الذي قابله البارحة يريد إعطاءه الرد على اقتراح الشراكة الذي تقدّم به، أو لعلّه الموظف الذي أخبره صباحًا أن لديه أمرًا مهمًا يرغب بمناقشته معه..

    ولمّا لم يفلح عقله في تقليص الاحتمالات أكثر، أرسل أخيرًا إحدى يديه لتلتقط سماعة الهاتف بينما لم تتوقف الأخرى عن النقر المتواصل..

    "قسم العلاقات العامة.. كيف أخدمك؟"

    أدلى بعبارته المعتادة بناءً على الاحتمالات التي رسمها له عقله.. ليصله الرد: "السيد سمير جمال؟"..

    بدا أن احتمالاته الثلاث كانت خاطئة، ولكنه لم يفقد تركيزه واستمر في عمله ومحاولته لتخمين هوية المتصل في الوقت ذاته، أجاب بسرعة: "نعم.. كيف أخدمك؟"

    جاءه الصوت بعيدًا وغريبًا عن أذنه: "معك الهيئة القانونية لمدينة (.....)"..

    مهما كانت الاحتمالات التي رسمها له عقله مستبعدة فهي لم تتوقع أبدًا شيئًا كهذا.. لم يفلح عقله مطلقًا في تخمين ملابسات هذا الاتصال الغريب.. أصابعه الناقرة على لوحة المفاتيح صارت عصبيةً ومتوترةً الآن.. حسب علمه لا توجد أية مصالح للشركة في المدينة التي يتحدث عنها هذا الشخص..

    تابع الصوت مجددًا: "يؤسفني أن أنقل إليك هذا النبأ.. ولكنّ والدتك توفيت ليلة الأمس"..

    وعمّ الهدوء فجأة...

    توقفت أصابعه عن النقر تمامًا.. وشعر بكلّ ثانيةٍ وكأنها دهر.. توقفت خلايا عقله المشغولة دومًا عن التفكير.. وانفتحت في ذاكرته بوابةٌ بعيدة علاها الغبار منذ أمد.. وانسابت أفكارٌ قديمةٌ غيّبها النسيان ردحًا من الزمان وكأنما هو يطالع شريط فيلمٍ عتيق..

    كم سنةً مرت منذ رأى والدته آخر مرة؟ لم يعد يذكر العدد تمامًا.. لقد كان يزورها بين الفينة والأخرى عندما انتقل أول الأمر للعمل في هذه المدينة.. لعلّ زياراته قلّت عندما تزوج.. وانعدمت تقريبًا بعد أن ازداد عدد أطفاله وتراكمت أعباء عمله..

    متى توقّف عن زيارتها؟ إنه لا يكاد يذكر.. لا يذكر الزيارة الأخيرة.. ولا الكلمات الأخيرة.. ولا حتى الملامح الأخيرة..

    عندما يفكّر في والدته، لا يرى ذهنه سوى صورةٍ قديمةٍ لشابةٍ نحيلة ذات ابتسامةٍ متعبة تردد بوهن أن كلّ شيءٍ سيكون على ما يرام..

    يعرف تمامًا أن هذه الصورة تعود لأيام طفولته.. فوالدته قد كبرت كثيرًا وصارت مسنةً وارتاحت أخيرًا من أعباءه التي تكفّلت بها لوحدها منذ وفاة والده قبل أن يولد حتى.. ولكنه لسببٍ ما.. لا يكاد يذكر سوى هذه الصورة..

    لم يكد يسمع شيئًا من الكلام الكثير الذي تحدث به المتصل.. كان يذكر أمورًا عن الإرث والكوخ الصغير وإجراءات الدفن.. كل ما فهمه هو أنّ عليه السفر إلى مسقط رأسه واستكمال الإجراءات.. وهذا ما كان.. فقد أخذ إجازة في اليوم التالي –لمدة يومٍ واحد- وسافر إلى حيث لفظت والدته أنفاسها الأخيرة..

    هذا أقل ما يمكنه القيام به الآن.. لقد كانت والدته سعيدة.. أليس كذلك؟ يستطيع أن يتذكر أنها لم تكن تصرّ عليه ليكرر الزيارة.. فهي لم تكن تريد أن تعيق عمله.. يتذكر الآن كذلك أنه سألها مرةً إن كانت ترغب في الانتقال للعيش معه، ولكنها تنهدت وتأملت كوخها العتيق طويلاً وقالت بأنها لا تستطيع الانفصال عن روحها..

    زياراته كانت قليلة.. ولم يكن يأتيها سوى بنظراتٍ باردة وفكرٍ مشغول.. ومع ذلك كانت تسعد به، وتسأله بلهفةٍ عن أولاده الذين بالكاد رأتهم، يلمح في عينيها أمنيةً تداريها لرؤيتهم.. فيفهم أنها لا تريد أن تثقل عليه وتعيق عمله فيمتن لها في داخله، ويرحل مجددًا..

    كانت زياراته المتقطعة تقلّ شيئًا فشيئًا ثم انعدمت تمامًا في وقتٍ ما منذ سنواتٍ طويلة، وانطوت كصفحةٍ من ماضٍ غابر..

    لقد كانت حيةً حتى الأمس.. ربما كان بإمكانه زيارتها قبل وفاتها.. ولكن مجددًا.. لقد كانت سعيدة على الأقل.. أليس كذلك؟

    كانت إجراءات دفنها قد انتهت عندما وصل إلى المدينة.. كان قد طلب أن يتم دفنها دون انتظار وصوله.. لم يرغب أن يتأخر الدفن لمجرد انتظار شخصٍ واحد.. وربما لم يرغب في مكانٍ ما في داخله برؤية آثار السنوات على وجه والدته المنهك.. أراد فقط تذكر صورتها الشابة المنهكة وهي تطمئنه بأن كلّ شيءٍ بخير.. أراد أن يقتنع بأنها كانت بالفعل سعيدة وراضية..

    لم تترك والدته شيئًا يُذكر.. ولكنها تركت له كوخها العتيق.. الذي أطلق سيلاً من الذكريات إلى دماغه بمجرد أن وقعت عيناه عليه.. أوشك أن يرى ظلّه الصغير يجري ويتقافز حول الكوخ.. يهرب من تأنيب والدته عبر النافذة.. ويعود عبر الباب ضاحكًا، لتضحك وتنسى غضبها.. كاد يسمع صوت ارتطام الأواني وحفيف الملابس وآلة الخياطة.. شعر بأنه يشم رائحة حساء الخضر الذي كانت تصر على إضافة القرنبيط إليه، والعبق الشهي لفطيرة التوت المفضلة لديه..

    من كان يعتقد بأن مشهدًا واحدًا كفيلٌ بإعادة هذا الكم من الذكريات.. عندما اقترب من الكوخ ميّز رائحته.. سمعت أذنه صوت صرير الباب قبل حتى أن يمدّ يده إليه.. ولكن المشهد الذي طالعه في الداخل، كان مختلفًا قليلاً عن المشهد الذي رأته عين عقله قبل أن يبصره فعلاً.. كان مشهدًا مثيرًا للدهشة..!

    فعلى الأريكة البنية العتيقة التي اعتاد الاستلقاء عليها رغم اهترائها الذي يجعله أشبه بالمستلقي على الحجر، كانت تقبع أكثر من عشر دمى قماشية ملونة..! لم يكن هذا ما أثار دهشته فحسب، فهذه الدمى لم تكن الوحيدة في الكوخ..

    فقد كان هنالك المزيد من هذه الدمى المنتشرة في أنحاء الكوخ.. تحت كرسي القش، وفوق رف المدفأة، وعلى منضدة الخيزران المتآكلة، والعديد حول ماكينة الخياطة، وعلى فراش والدته، وحتى على الأرضيات..

    لم يستوعب شيئًا مما يراه.. أكانت تبيع الدمى؟ ولكن حتى في تلك الحالة، لن يصل عدد الدمى إلى كل هذا العدد الكبير.. فالأمر يبدو كما لو أن جيشًا من الدمى قد احتل الكوخ..

    تقدّمت خطواته ببطء.. تناولت يده بوجل دميةً قماشية من فوق رف المدفأة.. كانت ذات شعرٍ أشقر وفستانٍ وردي.. الحقيقة أن الدمى المتناثرة كانت بهيئاتٍ وألوانٍ متنوعةٍ ومختلفة..

    قادته قدماه إلى سرير والدته والدمية الشقراء لا تزال بيده.. جلس عليه ببطء وذهنه يحاول تحليل الأمر.. لطالما امتلك موهبةً نادرةً في تحليل البيانات وتفنيد الاحتمالات في ثوانٍ معدودة.. فلماذا تخونه كل قدرةٍ الآن ويقف عاجزًا عن فهم ما يحيط به..؟

    شعر بتعبٍ ذهني قلّما يشعر به.. غاص في جلسته أكثر ليلمح شيئًا يظهر من تحت وسادة الليف الكبيرة.. لطالما آمن أن هذه الوسادة وتلك الأريكة وغيرها من الأثاث غير المريح هو ما تفضّله والدته وتعتز به، وأنها بالتأكيد لا ترغب بتلك المنتجات الحديثة الوثيرة التي تغزو السوق.. لم يشك للحظةٍ في إيمانه هذا إلا عندما دخل الكوخ مجددًا بعد وفاتها.. أتراه كان مخطئًا؟ ولكنها كانت سعيدة.. أليس كذلك؟

    تساءل للمرة العاشرة وهو يتناول الدفتر الكبير المخبّأ تحت الوسادة.. بنظرةٍ واحدةٍ إلى داخله أدرك أنه دفتر مذكرات والدته.. لم تكن تكتب الكثير.. بضعة سطورٍ هنا وبضعة سطورٍ هناك.. بدأ يقلّب صفحاته بسرعة ويجول ببصره بين سطوره وقد فغر فاه من الدهشة:


    التاسع من شباط

    لا يزال الجو باردًا في مثل هذا الوقت من السنة.. لقد تأخر بائع الحطب اليوم وأكاد أتجمد من البرد لأن الحطب الذي لدي نفد ولم أعد أستطيع إشعال المدفأة.. أخشى أنه يفكر بترك هذه الوظيفة فقلة من لا يستخدمون المدافئ الكهربائية هذه الأيام.. لا أعتقد أني سأستطيع النوم الليلة، فأنا خائفة أن يكون سمير يعاني من المشكلة ذاتها.. أتراه يملك مدفأة كهربائية..؟ عليه أن يغطي أولاده جيدًا.. لطالما كان غير مبالٍ فيما يتعلق بهذه الأمور..

    ~

    الخامس والعشرون من شباط

    لقد فكرتُ كثيرًا ولم أصل إلى نتيجة مرضية.. أتراهم خمسة أم ستة؟ لا أعتقد أن سمير يرغب بإنجاب عدد أكبر من الأطفال.. ولكن من يدري.. قد يفعل بعد كل شيء.. آمل فقط أنه يغطيهم جيدًا عند النوم..

    ~

    الحادي عشر من آذار

    حلّ الربيع باكرًا هذا العام.. وقد ارتكبتُ غلطةً مضحكة.. عندما سمعتُ نقرًا على النافذة هرعتُ إلى الخارج بملابس خفيفة ظنًا بأنه سمير أو أحد صغاره.. ولكنه كان مجرد عصفورٍ صغير.. ربما هذا لأنني بالكاد قابلتُ أحدًا هذا الشتاء.. لا شك بأن الصغار قد ملّوا اللعب في المنزل طوال الشتاء.. سينطلقون إلى الخارج الآن للعب بحرية.. لن يحتاجوا الدمى عندها أليس كذلك؟ أعتقد أن عليّ صناعة بعض الدمى التي سيحبون أخذها معهم إلى الخارج كذلك.. يجب أن تكون دمى صغيرة ومرحة..

    ~

    السابع من أيار

    لقد تعبتُ من التفكير، لذلك سأحاول التفكير على الورق علّ أفكاري تترتب أكثر.. إذا افترضتُ أن أطفاله سبعة، فعليّ صنع أربعة عشر دمية، سبعة منها تناسب الفتيات وسبعة تناسب الصبيان.. سيحصلون عليها عندما يأتون.. ولكنهم قد يتشاجرون عليها أليس كذلك؟ ربما عليّ أن أصنع أشكالاً مختلفة حتى لا يتشاجروا.. ولكني لا أعرف أعمارهم أو أذواقهم.. سأصنع بعض الدمى المحشوة الكبيرة التي تناسب الصغار جدًا.. وربما أخرى تناسب سن المرحلة الابتدائية حيث تفضّل الفتيات ألعاب الأميرات.. لكن لحظة.. ماذا لو كانوا صبيانًا؟ لم أعد أعرف المناسب أكثر.. عليّ صنع المزيد من الدمى.. يجب أن أتأكد أنهم سيحبونها..

    ~

    السابع عشر من آب

    لقد بدأت آلام مفاصلي تزداد مؤخرًا.. الجو لا يزال حارًا أو أقرب إلى الاعتدال، ولكني أشعر بأني أزداد مرضًا ولا أعرف لماذا.. هل يتصرف سمير جيدًا مع أولاده عندما يمرضون؟ عليّ أن أقدّم لهم شيئًا بمناسبة تعافيهم.. ولكن لا.. عليّ ألا أفترض مرضهم.. ولكن ماذا لو كان وقت قدومهم يصادف تاريخ ميلادهم؟ هذا ليس مستبعدًا خصوصًا أنهم سبعة.. أو ربما يكونون ستة؟ على أية حال عليّ صنع دمى جديدة بهذه المناسبة.. أتمنى أن أتمكن من إنهائها قبل أن يأتوا.. فمؤخرًا حتى الكتابة صارت تصيبني بالإنهاك..

    ~


    كان هذا آخر ما دُوّن في الدفتر.. لقد توفيت بعد شهرين من كتابتها لهذه السطور..

    أغلق الدفتر وبقي محدقًا به وبالدمية الوردية التي لا تزال في يده.. بماذا كان يفكر..؟ لعلّها من المرات النادرة في حياته التي لم يفكر فيها بشيءٍ على الإطلاق.. لقد توقف دماغه عن التحليل أو التفكير.. استلقى على سرير والدته البارد.. وضع رأسه على وسادتها الليفية.. تمتم بخفوت: ليست مريحة.. على الإطلاق..

    ودون أن يشعر غرق في نومٍ عميق.. وحلم بدمية وردية، وبفطيرة توت، وبابتسامة شابة منهكة تردد بأن كل شيءٍ على ما يرام..


    ~تمت~

  9. #8

    الصورة الرمزية الجاثوم

    تاريخ التسجيل
    May 2011
    المـشـــاركــات
    610
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    لوخ البر :

    إيقاع متردد تصدره آلة الحياة في برود، أوتارها الغير مشدودة مرهقة لا تصدر النوتات المناسبة، مترهلة رخوة أشبه بإسفنجة بحرية عفنة ...
    يتماطل الزمن كطفل مشاكس يتعهد لشيطانه المماحكة طول العمر، يكسر أضلعًا سئمت التماسك دون جدوى
    لا يبالي لشظية استقرت في الزاوية من انفجار نوية في رحم تالف،
    يتصاعد منحنى الميعاد ضمن مدرج الجزع، لا شيء البتة سوى صوت الآتي يختنق بين سحايا الكوخ.


    كان ضمن الممكن التوقف لوهلة والفرار إلى آخر بقعة من العالم والالتصاق بالركن حد الفزع،
    التوار بعيدًا عن اللطخة سوداء تتعقب ضحيتها في نهم مريع لتلتهمها بتلذذ أهول ...



    القلب يدق بدل الثواني يعبر ما تبقى للساعة الصفر،
    تطل بربع عين من خلف ستار النافذة على منظرِ الخالي من كل مرئي مترع بكل ما هو كامن ومضمر،
    تتقلص حدقة عينها أكثر وأكثر لتقارب الاختفاء كأنها تبصر ما لا يبصر، تنكمش معها أشياء أخرى تضيق بالقفص الصدري، لكن لا مجال لصراخ من الأعماق يبدد أسراب الكوابيس...

    تروح ذهابًا ومجيئًا تنحت الأرضية الخشبية البالية بنقوش الهم،
    تنهش الذاكرة وأجساد أمواتٍ أسكنهم الزمن التراب ووارى معهم روائحهم،
    تتحسس حفيف أوراق الشجر لعلها تدلها على أحد يقترب، تجس من حين لآخر بطنها تستشعر روحًا تداعب أحشاءها في مزيج لزج أحمر ...

    تتلفت بعد عناء مشدوهة للشظية الزاوية المثبتة بصرها في اللاشيء،
    تلمس برودة النظرات في رعاش ثم تمضي لموقع آخر من بين آلاف المواقع في هذا الكوخ الضيق تلهي عقلها بجلي أوانٍ لم تستعمل البتة منذ أيام ...

    و لا يتسلى عقلها إلا بحادثة الآتي والحاضر و الشريط المتروك لذاكرة اللقاء الأول، الأحلام، المشاريع، الخاتم و الفستان الأبيض الذي جبل بالأحمر، بسمة ثغر الشظية الأولى و بعض الحطام بعد هذا ..

    لم يكن متوقعًا أن الستار يحجب عجينًا من الجنون وروائح العته، لم تشك يومًا أن شذى العنبر القوي عمده تغطية دلائل خلله واختلاله كل ما كان قائمًا تحقيق حلمٍ خيف مردوده أسخف ...

    تبرد قدر المستطاع نظراتها تريح ملامحها من التواءات الفزع تتقمص دور الشظيةِ القنبلةِ المنفصلةِ عنها بجدارة الشكل لا المضمون، تراقب القابع في الزاوية تتنفس في بطء وتقرر، لا معدم آخر لا جرائم أخرى لا فرصة لتغدو مطلوبة دوليًا لأنها تحمل زولديك آخر ...

    القرار سهل، التقمص سهل، الإقدام سهل، التنفيذ أسهل ... لكن التنفيذ الفعلي أصعب ..

    وإنما؛ فرض قاطع أن هذا الشبل من ذاك الوحش ...

    ولكن؛ كان ضمن الممكن أن تعيش الحياة التي لا طالما حلمت بها وداعبتها، لو تزوجت رجلا أقل تكلفة، غير سادي محكوم عليه بالإعدام ترك جزءًا غير يسير منه في عمر الحضانة الأولى لذلك الاضطراب الدموي الهوسي وعلقة تحمل نفس الطفرة في طور التشكل ... كان بإمكانها أن تنتظر الرجل المناسب بدل اللهو مع لوخ البر.

    وكان ضمن الواقع أن تهذي وتقتنع أنها فعلا قد تزوجت لوخ لتنجب طفلين يحملان نفس طفرته وتمعن في تبلد بلمحات فاترة مصوبة نحو حائط المصحة ... قد قتلت فعلا أطفالًا لم تنجبهم.

    >> تمت بحمد الله


    [HR][/HR]

  10. #9

    الصورة الرمزية قصاصات حلم

    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المـشـــاركــات
    440
    الــــدولــــــــة
    عمان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    الجولة الثانية ~

    المشهد/
    ساحة مكتظة، صدمة

    آخر موعد لإضافة القصص:
    22/يونيو/2015


    التعديل الأخير تم بواسطة Hercule Poirot ; 18-6-2015 الساعة 04:50 PM

  11. #10

    الصورة الرمزية غاسا آليرو

    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المـشـــاركــات
    481
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Unhappy جامي فو Jamais vu

    جامي فو Jamais vu



    من هؤلاء القوم؟
    من هذه الآنسة التي تدندن مذ فتحتُ عينيّ؟
    ترمقني الأخرى بلوم, لا أعرفها ولكن شيئًا وديعًا ما يسكنُ تقاسيمها وتحاولُ إخفاءه ,.
    من هذه الثالثةُ التي تسألني حين أطلتُ النظر لها: "في وجهي شيءٌ فقدتَه؟"
    ورابعةٌ تعبثُ في طبقها وتحاولُ دون جدوى إمساك ملعقتها بيمينها, وخامسةٌ تثرثرُ دون توقف, وسادسةٌ تترنح كالسكرى بينهما, وسابعةٌ تهمُّ بالنهوض فتشلُّها نظرةٌ جانبيةٌ من الثانيةِ فتصرخُ حنِقةً بالأولى أن تخرس ,.


    من هؤلاء القوم؟
    أتجاهلُ تلك التي تُملي أوامرها بعينيها, لأنني سأتسمّرُ أبدَ الدهرِ إن التقت عينانا ,.
    أعبرُ بابًا لأجدَ صالةً فسيحةً يتشبّثُ الاخضرارُ بكلِّ أثاثها كطحلبٍ نزِق, لا أعرفها هي الأخرى وأعجبُ لهذا الشعورِ المختلط بين الحنين والوحشة!


    ما هذا المكان؟
    تنادي إحدى الحسناواتُ باسم أحدهم فألتفت ... لِمَ التفتُّ؟ أكان ذلك ذلك الذي تناديه أنا؟!

    من أنا؟؟
    أنقّل عينيّ بين هاتين اليدين التين تزدحم عليهما العروقُ الزرقاء المُخضرّة -كأن طحلب الأثاث غزاهما هما أيضًا-, ثم هذهِ الكنزة السوداء, هاتان القدمان منفرجتا الأصابع ... من هذا الذي أسكنه؟


    من أنا؟
    دوارٌ عصيبٌ يرميني أرضًا, أجاهد للنهوض بينما تسحبني الأرضُ إليها بخيوطٍ لا تبين, لأستسلم في النهاية أو يستسلمَ هو -الذي أسكنُ جسده-,.


    صوتٌ حادٌّ يخترقُ أذنيّ, حروفٌ غليظةٌ تتجمعُ وتفترق ... ما الذي يعنيه ذلك الصوت الذي يقول: "لم تأكل فطورك بعد؟"؟
    ما هو "فطورك"؟ ما هي "لم"؟ "تأكل" و"بعد"؟
    لِمَ تقولها ذاتُ الملامحِ الوديعةِ بنبرةٍ قلقة؟ ما هو "القلق"؟ ما هي "الوداعة"؟


    أين أنا؟ من أنا؟ من هؤلاء القوم؟ من جاء بي إلى هنا؟


    تزدحمُ الصالة, يضيقُ الخناقُ على جسده, لا أعلم لِمَ ولكنني أكرهُ اقتراب الآخرين مني\منه,.
    ما هو "الكره"؟ لا أعلم!!

  12. #11

    الصورة الرمزية أثير الفكر

    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المـشـــاركــات
    5,262
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~



    ^

    الرسمة من إبداع ميشيل كريس

    ( خلف القضبان )




    مرحبًا أنا آني، أقف علي أرضية بيضاء شاحبة ، أمام وجوه ثلاثة عابسة، بجانبي جندي نحيل يزم شفتيه تارة و يقطب حاجبيه أخري، خلفي محام أصلع الرأس فارغ دماغه كخلو جمجمته من الشعر، مسرحية بليدة تتكرر بلايين المرات مع الفئة الشقية أمثالي!

    يفغر فاهه الكريه عن عبارات ممطوطة متناسقة مملة عجيبة : 3 أشهر، بالسجن العام، لتهمة سرقة سيارة ، وأربعون لتهمة قتل...

    يقاطعه المحامي:

    - القتل لم يثبت حضرة القاضي ، موكلتي لم تفعل ذلك، كما قلت آنفًا من قتل هو ( جون ) و ليس ( آني ) ، ( جون ) الذي هرب من قبضة العدالة فلا تظلموا موكلتي يا سادة، أعترض!

    القاضي:

    - اعتراض على المحكمة! حسنًا .

    يدير عينيه و رأسه الأشيب إلي السادة المحلفين:

    - لكم 30 دقيقة للحكم ، تفضلوا.

    تبدأ دوامات الثرثرة اللا متناهية ، ابذلوا جهدكم أيها السادة -زعموا!-
    لا أؤمن بكم و لا بعدالتكم التي عودتمونا عليها، أنا ملكة تصرفاتي و ليس أنتم، أتمنى أن أتقاضي نفس أجر القاضي المرتشي !

    و أنت أيها الشرطي : كم مرة صفعت بائسًا فقيرًا لا يملك ظهرًا يقصم ظهرك ! هه

    بعد نهاية سخافاتهم و كتل الكلام المحشو بين ضروسهم البيضاء:

    - السجن 3 أشهر لسرقة السيارة، و حكم القتل معلق حتى تثبت التهمة!

    رويدك أيها الجندي و أنت تقودني للزنزانة ذليلة، يدك الباردة تحرق كتفي المتآكلة من السم، السم اللذيذ، هو أشهي عندي من أطباق ( صوفي ) الحارقة، أحن علي من صدر أمي الدافئ بطفولتي، يرشدني بحكمة أكثر من حكم أبي الصادقة!

    سمعت صوتًا نسائيًا غليظًا :

    - افتح 301 عنبر ب يسار

    رفعت رأسي لأنظر مثواي الحقير:

    - 3 أشهر أشبه بجحيم في بعدك ( جون ) ، صديقي ( مارك ) ، صديقتي ( صوفي ) !

    أقف أمام حديد الزنزانة البارد و هو يوصد آليًا و يحدث صوتًا مزعجًا آخره!

    جلت بنظري المكان، سرير أبيض شاحب ! مغسلة عليها معجون و فرشاة أسنان مع صابون يد علي جانبها كرسي حمام و براد فيه ماء و عصيرات..هه يالها من رفاهية !

    لم أنسَ نظرات شريكتي البنية بالغرفة ! سريرها فوق سريري، رشيقة البنية شقراء الشعر لونها أبيض محمر، كانت حذرة مني بالبدء لكن كسرت صمتها بابتسامة ملوية ساخرة:

    - أهلًا بك معي في منزلك الجديد !

    ابتسمت بتهكم:

    - أوه استقبال محفز حقًا، أشكرك!

    مدت يدها لتصافحني لكني تجاهلتها
    و استلقيت على فراشي، آخذ نفسًا مكهربًا لأفكر بك جون!
    أعلم شعورك اتجاهي، صدق ظنك أنني سأقع يومًا بيد الشرطة من إهمالي و وزني الزائد الذي لا يساعدني علي الهرب ! سأفكر بالانتقام منك حالما أخرج كما وعدتك أيها الســافل العزيز!



    بزنزانتي لا أعرف أنحن بليل أم نهار، ما يحدد هذا الأمر هو ساعتي اليدوية ، أهداني إياها أبي للحفاظ علي الوقت!
    الساعة الرابعة فجرًا بعد ثلاثة أيام من الإرهاق النفسي و أنا أحاول التأقلم مع الوضع بتواجد تلك المخلوقة معي، ما يزعجني هو هدوؤها الزائد و كأنها جدتي!

    في زنزانتي أحتفظ بالكلمات كثيرًا و خارجها أتجنب افتعال مشاكل مع سجينات أو إثارة شكوك عسكر!

    تفتح بوابات العنابر بوقت واحد و ننتشر كالذباب للاغتسال ثم نتناول الفطور، عند الخروج إلي ساحة الملعب لا أنس أخذ كوب الشاي معي و إضافة سكري الخاص بركن الساحة، أريد الراحة قليلًا و الانتشاء بلذة !

    مفعول المخدر مؤقت و لا تظهر آثاره إلا كحروق علي كتفي تذهب بعد يوم من تناوله!

    فجأة راودتني شكوك و أنا أتذكر نظرات جارتي بالزنزانة
    و تحديقها بحروق كتفي ! لا بد و أنها عرفت بأمري و ربما تشي بي أو تبتزني بسري!

    لا غير معقول، يبدو أنني أهلوس نتيجة المخدر، إذ كيف لفتاة خجولة مثلها و بليدة أن تعرف سبب هذه الحروق!

    حسنًا ربما علي الحذر أكثر .

    طلبت قميصًا بكم طويل بحجة أن عظامي تبرد سريعًا و التكييف مركزي لا أستطيع التحكم به! و نجح ما أردت
    لكن هذا الأمر لم يقنعني، فما زالت نظراتها هي هي، أظن أنني أصبت بالجنون من مدة مكوثي بالسجن!

    ذات يوم بالساحة رأيتها تبكي! عندما انتبهت لوجودي مسحت دموعها و عيناها مازالت حمراوان من أثر البكاء، أصابتني الشفقة عليها فاقتربت منها و ناولتها منديلًا كان بحوزتي، فأخذته و أدارت رأسها للجهة الأخري كنت واقفة أمامها فجلست بجانبها علي درج الملعب بصمت، لم أدرِ بماذا أحادثها لكنها بدأت الحديث و رأسها ما زال إلي الجهة الأخري، تكلمت عن سبب بكائها وهو تذكرها لتخلي صديقها عنها؛ كما هي حالتي!

    ثم أسهبت بالحديث عن نفسها و أهلها و وظيفتها المعقدة الخطيرة! لكن لم تصرح ماهي، سبب دخولها السجن قتلها جارها الذي حاول اغتصابها عنوة لكن عاجلته
    برمي نفاضة الدخان الزجاجية فجرح رأسه و نزف لحد الموت بعد هربها بساعة!

    شعرت بالحزن لأجلها، بدت لي صالحة لم تلطخ حياتها
    بالذنوب مثلي!
    بدأت أنا أيضًا بالفضفضة ؛ الفضفضة حق مشترك!
    شربت دموعها حين سمعت بقصتي
    و كأني خففت عنها قليلًا بواقعي البائس!
    لكن لم أخبرها عن حقيقة قتلي للشرطي
    أو تعاطي للمنشطات الروحية أبدًا، صحيح أن عواطفي تتحكم بي كثيرًا لكني علي حذر ممن هم حولي خصوصًا بعد خذلان جميع من أحبهم لي و تفانيهم بخيانتي!

    بعد ذلك اليوم صرنا مقربتين من بعضنا أكثر، و نتناول وجباتنا سوية، تعرفت علي امرأة بعقدها الرابع من عمرها بساحة الملعب بدت لي في الوهلة الأولي لا تثير المشاكل، ثم تبين لي أنها مهربة مخدرات خطره !

    أوه يالها من صدفة ربما تحضر لي كميات جيدة من سمي الروحي! لكن تذكرت نظرات ( ريد ) عندما أخلع قميصي، ذات مرة سألتني عن علامات الحروق بكتفي فأجبتها أنه بسبب حادث دراجة نارية سقطت منها و تقرحت كتفي من اصطدامها بالأرض، فسكتت حينها و لم تعلق بشيء!

    في وقت الإفطار أعطيت ريد قطعتي سكر لتعطيها
    لتلك المرأة و تخبرها أن طعمها جيد؛ كانت هذه خطة
    مني للإيقاع بها في مصيدة التهريب، حتي تكون
    بيدي ورقة رابحة حال معرفتها بأمري، و شهادة
    تلك المرأة الجاسوس خير دليل!

    لماذا قلت عنها جاسوس؟ صحيح أني لصة مبتدئة ، لكن صحبتي لـ ( جون ) علمتني الكثير و من ضمن ما تعلمته أن عدالتهم تأبي إلا استخدام جواسيس مزروعين
    بلباس المهربين !

    طبعًا لم أخبر المرأة أني مدمنة مخدرات ، لكن أوهمتها أني أهرب لجارتي التي ستعطيها عينة مما تفضله بعد حماسها الشديد لرؤية رئيسة التهريب الكبري : ) !

    لا أهتم لتهمة تهريب المخدرات بجانب أهمية تبرئتي من القتل، فربما يكافؤونني علي حسن السلوك و يخففون المدة علي بعد رشوة كبيرة المهربين لتصمت بعدة دولارات و خدمات!

    مضى شهران علي أحر من الجمر لكن مع أنها مملة و جافة إلا أن ( ريد ) تسليني كثيرًا بقصصها العجيبة و ظهرت شخصيتها الظريفة بهذه المدة، أصبحت علاقتنا حميمية بعض الشيء بعدما وضعت لها مخدرًا بالشاي فأعجبها شايي و مع الوقت أصبحت مدمنة مثلي، و في إحدي جلساتنا الروحية فلت من لساني أني خفت من شرطي أثناء سرقتي لسيارة فطعنته بخاصرته و أجهز عليه ( جون )
    بعدة طعنات متوالية علي جسده، رأيت حينها الرعب في عينيها فانتبهت من نشوتي، و بدأت أحلفها الأيمان المغلظة بألا تبوح بسري لأحد، بدأت تهديدها أني سأشي بتعاطيها المخدرات معي!

    وهنا عند هذه النقطة تسمرت عيناها بوجهي ثم استدركت بأني صديقتها و من المستحيل أن تشي بي و عاهدتني علي ذلك بشدة!
    فهدأت من روعي قليلًا حتي لا ينتبه لنا أحد؛ بعد كل ما جري!


    انتهت مدة الحكم علي بالسجن 3 أشهر، و جاء اليوم الذي سيطلق فيه صراحي، أخرجوني من زنزانتي و ركبت حافلة تابعة للسجن، ما أثار استغرابي هو قول السجناء لي بأنهم يطلقون صراحهم عند باب السجن لأن أوراقهم مجهزة مسبقًا و موقع عليها !

    لكن ها أنا أتوجه للمحكمة العتيقة مرة أخري، لا أعلم لم يراودني شعور غريب، ربما لأني منذ مدة لم أخرج من ذلك المكان الكئيب البليد إلي الهواء المنعش و الشمس الدافئة، توقفت الحافلة عند باب المحكمة و استقبلني موكلي الأصلع!

    ظننت أن أحد معارفي سيأتي ليراني، أو أحد أقاربي، أبي و أختي أو صوفي و مارك! لكن أستبعد الأحمق جون!

    و للأسف حال دخولي صالة المحكمة وجدت الأخير في زنزانة حديد بثياب بيضاء و رأس حليق و عينان تنظران إلي بحنق!

    (أوه لحظة مالذي يحدث؟ أليس هذا هو يوم انتهاء مدة حكمي بالسجن؟!)

    أجابني المحامي و نظراته الباردة تؤكد قلقي:

    - هناك أمور استجدت بقضيتك، و أظنك علي
    ك علم بها سيدة ( آني! )

    (مالذي تقصده؟و لماذا جون هنا، اشرح لي!)

    قطب محامي جبينه:

    - لقد اعترفت بأنك ساعدت بقتل الشرطي مع ( جون ) و بعد اعترافك تم القبض عليه
    و عند استجوابه أكد ما قلتيه تمامًا و وصفك بالخائنة هه.. وضعتني بموقف محرج !!

    سيدة آني كان عليك الاعتراف منذ البداية فربما يخفف عنك الحكم، لكن تملصك سبب مشكلة أكبر و احراج لي أمام القاضي و السادة المحلفين!

    أتمني أن يذهب إلي الجحيم هو و ( جون ) و جميع من بالقاعة، بدأت جلسة المحكمة لكن ظهرت امرأة شابة شقراء ترتدي تنورة زرقاء لنصف ساقها بدت كأنها محامية توقعتها موكلة من ( جون ) لكن عندما بدأت حديثها صدمت، لأن صاحبة الصوت لم تكن سوي (ريد ) !

    ثم أن الصدمة الأكبر أنها ضابط بالمخابرات الجنائية!
    لم تنظر لي تلك الأخيرة إلا نظرة واحدة جامدة باردة و كأننا لم نكن سوية منذ 3 شهور نتشارك كل شيء تقريبًا!

    لا أحتاج نظراتها فهي لن تزيدني إلا قهرًا! أتوقع أن ( جون ) سيقلب علي قفاه من الضحك إن عرف حقيقة ما حدث، و كم كنت ساذجة حين ظننت أني ألعب بها و أضحك عليها و هي من كانت تستخف بي طوال تلك المدة !
    الصدمة عقدت لساني، لم أسمع بل لم أعِ مما قيل شيئًا!

    أنا أحدثكم الآن داخل سجن الجنوب أكمل بقية مدتي 20 سنة بعد مرور 20 عليها!

    ربما تخفف عني العقوبة إن أحسنت السلوك!

    انتظروا لم أنهِ القصة بعد، ( ريد ) يا سادة لم تخبر قادتها بتعاطيها المخدرات بل اكتشفوها بالصدفة عن طريق صديقها الشرطي عندما أتاها زائرًا بمنتصف الليل!

    و وجدها غارقة بلذتها الروحية غير منتبهة لوجوده، فأبلغ عنها، و بعدها أخضعت للعلاج القصري لمدمني المخدرات!

    المبهج في أمري ، أن ( جون ) طلب يدي بعد دخولنا السجن بشهر بعد أن أطلعه موكله بحقيقة ما حدث لي!

    رحبت إدارة السجن بزواجنا في حفل صغير جدًا بغرفة استراحة الضباط : )

    لا أدري كيف غفرت له ما فعله بي خلال تلك الشهور ال3
    لكن الآن أشعر برضي فنحن نلتقي مرتين أسبوعيًا كزوجين سجينين شابين.

    تمت


    ( استخدمت بعض الألفاظ الفظة لتتناسب مع أخلاق السجينة السيئة ، كما استخدمت أسماء غير عربية لتتناسب مع أجواء القصة )

  13. #12

    الصورة الرمزية الجاثوم

    تاريخ التسجيل
    May 2011
    المـشـــاركــات
    610
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    فوضى الحواس

    "أتخيل في الفجر أنى أسمع دمدمة واهنة من حشود، ولعثمات تتخافت، فهي كل شيء أحبني وسلاني"


    الدم مستعر من الوريد إلى الوريد،
    قوس الوتين ينقل أجسامًا صغيرة عديدة أستشعر نفاذيتها وسريانها عبر الشرايين والشعيرات،
    اكتساح عجيب لكيمياءات الجزع والاكتئاب وفزع ترقب صافرة الإنذار...
    ما عادا الزمان آمنًا كما كان... كل شيء داعٍ للريبة، حتى القرع المتتالي برتابة مملة لطبول القاع...

    كل شيء مسموع في هذا الموقع من الوادي، مهما سحق المكان أستطيع سماع التيارات العديدة المتتابعة على قشرة مخي وفرقعات الرسائل المتسابقة مع الشرارات الكهربائية عبر مضمار يلتف حولي ومن خلالي،
    المحاولات الصارخة للمائع اللزج في الثبات مع ترنحي العنيف، اللجج التي ترتطم بقسوة بجدراني اللحمية الداخلية،
    والسوائل التي تعتصر في وجع لتُفْرَزَ خارج رحمها، حتى تشقق الحويصلات يصل صداه،
    الصدأ الزاحف أسمع هفيفه في مفاصلي، يصر على البحة في صوته أثناء سيري،
    صرير صمام بطيني وأذيني مزعج حد الجحود يتسبب في حالات صرع فجائية تطحن كل ما ترمم من آخر خراب ...
    تتسابق كل هذه المخلوقات إلى مترعٍ واحد؛ مؤخرتي رأسي، فيكتظ المكان وسط هلوسات الحواس وصدى الأعضاء...
    أنصت في خشوع لصخب شخصي من بئر قصية يلفح ندى ماضيها وجهي كحمضٍ يذيب نسيجه، يخضل الهواء المندفع منها ما تبقى جافًا من هيكل منخورٍ خالٍ لبه من بياض اللمف...
    أدرك فحوى رموز ضجيج جاروش الأجهزة الهاضمة عبر تموجات الأثير وصوت تحطم السلاسل البيبتيدية المقهورة داخلها الآيلة دومًا للا شيء،
    ليس هذا سوى استهلاك للطاقة في انتظارٍ لغدِ الشطون والنأي إلى أقصى الدمار.
    الاصطدام بواقع أني مكتظ لهذه الدرجة من الداخل ينحت على برونز وجهي بلاهة صدمة،
    لا أتحمل ضغط الحمولات وتكاليف الإحساس بها...
    من السخيف أن تشعر بحركة كل خلية من جسمك أثناء قيامها بمهمتها، أمرٌ في ذؤابة سخف وخيفة حقًا... كل هذا الكبح والإرعاب حد التبول اللاإرادي مضنٍ جدًا.

    ها أنا الآن أصل للنقطة التي تسمح لي أن أشعر بدنوي من منزلي،
    حتمًا هذه هي الطريق المملوءة بالأعين القانية إليه وهذا هو سقفه القرميدي البادي من بعيد كشيء هرمي عملاق مخضب بالدم مملوءٍ بشعر كثيف،
    أصبح كل شيء في نظري ملونًا بخضاب بقايا فواكه البحر الممزقة تحت خضم فكي قرش أو حوت قاتل هائج... فعليًا؛ ما عاد الزمان آمنًا كما كان...
    جزمًا هذه هي السبيل العلوية الصحيحة المعلقة بين الأرض والسماء التي انتهجها دومًا إلى بيتي حسب ما أذكر،
    لا يوجد زحام الأشباح المكتنزة في الثقوب المظلمة على غرار حشد الأنوية الضوضائية في داخلي كما هو معتاد على ما أذكر،
    هذه هي الشجرة الوقور التي ومضت أوراقها شيبًا قد ثبتت نفسها بإحكام منذ زمن بعيد هنا؛ ساعد جلدها الخشن على منع قطعها وإنما لم يحل دون خدشها لهذا ملامحها كئيبة دومًا...

    هذا هو اشتعال البيت الذي يحوي أحد بقاياي، وقوقعة هرمة تنتظرني يوميًا لأدخل على ما يرام، لا يفارق التكرار مشهد الاحتراق، لأبقى أجتر وأراجع صدمتي أمام سوط اللهب وأصوات صياح جموع التفت حول الحطام تبدد رمادًا تقيأته النيران...

    هذه هي الرؤى التي تتعقبني أبدًا تتسامر في رأسي وتملي عليً ما أفعل...
    قطعا؛ هذا من تأثير الأفيون، سأقلع عن تعاطيه فلم يعد الأمر ممتعًا البتة ولم يعد مُنسيًا...

    فقط؛ حين أستفيق.

  14. #13

    الصورة الرمزية Yonko Akagami

    تاريخ التسجيل
    Mar 2015
    المـشـــاركــات
    551
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    لعلي أبلغ الأسباب


    في يوم من الأيام، جمع الحاكم الناس في الساحة العامة لاصدار قرار مهم
    يتلهف الناس لسماع هذا القرار الذي قد يغير من حياتهم للأفضل وما من سويعات حتى اصدر الحاكم أمره وقراره
    فقد أمر حاكم البلاد بمنع نطق وكتابة حرف السين،و كل من يخالف هذا القرار سـ يختفي، ولن يظهر بعدها أبداً !


    لذا حلت " الشين " مكان "السين" في جميع الكلمات
    فأمر الحاكم ألا يُنطق حرف الشين في اليوم أكثر من مرة
    إلى أن يحين موعد منعه كذلك، أول العام، وعلى الجميع الالتزام.


    الخوف والغموض حول الناس إلى كائنات صامتة، تتواصل، إن تواصـلت
    بالإشـارات وبعض الأصوات التي انبثقت فيما بينهم بشـكل تلقائي.

    هذا وقد تطور بهم الحال، فأصبحوا يكاكاون ويصوصون وينونون، وكذلك تبدلت هيئاتهم من عامٍ إلى عام
    أو من حرفٍ إلى حرف، ومثلهم كنت، غير أنني كنت محتارا.. ما هو السبب؟!


    حدث ذلك في زمن سحيق، بعد أن أتى إلى بلادنا غريب، أشعث، رث الثياب، عجوز، اصطفاه الحاكم وسماه الحكيم
    ولقد أثبت هذا الغريب أنه يستحق .. فقد هزم كل الأعداء وهو يتعبد في أغوار صومعته، وكانت الحوامل من النساء يذهبن إليه
    فيخبرهن إن كان ما في بطونهن ذكراً أم أنثى، وكن يسعدن أكثر بالأنثى، على عكس ما كان في السابق
    وكان يستطيع أن يحقق لهن ما يرتسم في خيالهن من ملامح يودنْ لو تكون لما في بطونهن .. مما جعله مثل أصحاب الكرامات


    وفي ذات يوم، استدعاني الحاكم، فسقط قلبي في بئر الخوف، وفي القاع ذاب
    كنت قد وجدت شكلا جديدا يحل محل الأحرف التي تُمنع، أسجلها في عقلي وأدون بها انطباعاتي حول ما يحدث
    في أشكال متداخلة، على سبيل التمويه.. فهل انكشف أمري؟


    قلت لنفسي: الخوف موت، ولكنه موت مخز، وأنت يا شقي وما تستحق


    وذهبت إلى صومعته حيث انتقل بجوار الحكيم وأنا أتسأل:
    أي الموتات استحق؟!
    ألقيت السلام وجلست، دون أن أشعر أنني في حضرة حاكم مهاب وحكيم مقتدر
    لأنني كنت حزينا جداً.. فأنا لا أعرف أي الموتات استحق


    وما انتبهت إلا على صوت هامس كعطر يقول:

    أهلاً بك


    رفعت رأسي، فرأيتُ شيخين متطابقين تماماً في الشكل والهيئة..
    يرتديان الأبيض، ويفترشان جلد حيوان على أرض *****
    وكانت على وجهيهما ابتسامة كأنها لواحد.

    أيهما الحاكم وأيهما الحكيم؟


    لقد ضاعت ملامحهما القديمة مني
    فكرت، أو ربما أصبتُ بعمى من نوع خاص


    قال أحدهما:


    أنت مكلف برسالة


    وقال الآخر:

    وهي أن تقوم بدفع الناس كي ينطقوا الأحرف التي يتم منعها


    كنت أمام لحظة انتظرها، فقلت :

    لماذا ؟


    نظرا فى عين بعضهما، ثم قال أحدهما:

    كى ينتقل كل من يستطيع التمرد إلى مكان افضل


    تذكرتُ الحالة التى وصل إليها الناس، فقلتُ وأنا اقف:


    هل لي أن أنطق الأحرف التى مُنع نطقها ؟


    قال أحدهم:


    لك ذلك، ولكن عليك أن تعلم أن أمامنا ما يزال حرفان، وسيُمنعان في عام واحد وليس عامين

    انصرفت يومها محموما مثل من تلقى علمًا وعليه تبليغه
    وكنت أردد كل الأحرف التي مُنعت، وأنا سعيد متحمس، أجوب الطرقات
    دون أن أنتبه إنني نسيت أن أسألهما عن الحرفين المنتظر منعهما.


    ولكنني توقفت ونظرتُ حولي...

    كانت الطُرق على غير ما أعرف.. خالية هي، تتشابه في صمتها وظلامها الشفيف !!



  15. #14

    الصورة الرمزية قصاصات حلم

    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المـشـــاركــات
    440
    الــــدولــــــــة
    عمان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    _ حديث نفس _

    لماذا تتواجد نجوم صفراء تتراقص حول رأسي؟

    أشعر بالصداع ينطلق كالألعاب النارية من دماغي مروراً بالطبقة الرابطة السميكة نحو الجمجمة و من ثم يتفرقع بالقرب من شعرات رأسي التي بدأتُ بفقد جزءٍ منها!

    علمٌ كثير، و نظرٌ ضعيف تقوم عدساتٌ سميكةٌ ذهبيةُ اللونِ ببثِّ الصورِ عاليةِ الجودةِ إلى العين، وهيئة آكلِ الكتبٍ هادئٍ ينفر الناس منه، ووجه جادٌ نادر الابتسام، لصيق بالدكاترة كما يدعون، مسيّر حسب قوانين المنطق البحت، هذه الأوصاف تنطبق تماماً عليّ، عدا كوني لصيقاً للدكاترة فهو افتراء، أضافة إلى ذلك فإن التخصص الذي أدرسهُ هو الكيمياء الحيوية ~

    أفتح عيني، و يتبدل الظلام نوراً، أتذكرُ أين أنا الآن، من خلال ما حولي، فأنا في مكتبةٍ تقعُ وسطَ سوقٍ افتتح في صغري، اعتدت القدوم إليه مذ ذاك الحين مع أخي، هيئتها رثة، وكتبها مغبّرة، صاحبها طاعنٌ في السن، تقشر صبغ شعره الأسود حتى غدا أبيضاً قبل سنين، و ما لبث و أن فتك الصلع بشعيرات رأسه كلها. ما يجذب فأراً مثلي إلى هذا المكان هو رائحة الكُتب هنا و الغائبة من أرفف المكتبات الجديدة، وذكريات احتواتها جدران هذا المكان، و الأهم من ذلك كله كتبٌ متنوعة رخيصة وقديمة نوعاً ما تشبع تعطشي إليها، للأسف صاحبها سينفق مخلفاً كنوزاً معرفية لن يُلقي لها أولاده من بعده بالاً بها ~

    أعرف أني ثرثرتُ كثيراً متجاهلاً كومةً من الكتب الملقاة على الأرض من حولي و فوقي، تذكرتُ أن سريان هذه الكتب فوق رأسي هو سبب خمودي فاقداً للوعي لوقتٍ أجهل تحركات عقاربهِ أَثناء مرورهِ ~

    حملتُ الكتب، وأعدتها إلى أرففها وهي شاكرةً لي لتحررها من بقعتها التي لم تبرحها منذ سنين، فيما كنت أحاول تذكر بالضبط ما الذي جاء بي إلى هنا دون جدوى!

    خرجتُ فارغَ اليدين، شاردَ الذهن، متجاهلاً صاحب المكتبة وهدفَ قدومي إليها، و أخذت أسير خبط عشواء في السوق محاولاً تذكر كيفية سقوط الكتب فوقي، فيما أنظر إلى عقارب ساعتي المزعجة للكثير بصوتها (تِكْ_تِكْ_تِكْ_تِك...) علني أفهم كيف سقطتْ الكتب و كم لبثتُ مرمياً على سجادة المكتبة التي نفثتْ أمعائُها رائحة الرطوبة والغبار فبخّرت بها رئتي ~

    في ظل هذا التخبط اصطدمتُ بمارٍ، قال بأعصابٍ باردة: "أعتذر" ~
    صوتُهُ مألوفٌ، رفعتُ رأسي للتعرف على ملامحه قائلاً بالبرودة ذاتها: "لا عليكَ، كان خطأي"، فإذا بالصدمة تشدني من شعري وتفقدني صوابي!!

    كيف يمكن أن تكون لملامحِ هذا الشخص هيئةٌ توحي بأنهُ كثيرُ العلمِ، لصيقٌ بالدكاترة؟! كيف يمكن أن يكون ضعيفَ النظرِ تقومُ عدساتٌ سميكةٌ ذهبيةُ اللونِ ببث صورٍ عاليةِ الجودةِ إلى عينهِ؟! كيف يمكن أن تكون هيئتهُ كآكلِ كتبٍ هادئٍ يشعركَ بأن الناس تنفرُ منه؟! كيف يمكن أن يكون لوجههِ الجاد، والمبتسم نادراً إيحاءً بأن قوانينَ المنطق تسيِّرهُ؟! بل بالأساسِ، كيف يمكن أن يكونَ طبقَ الأصل عني؟؟!! كلا، بلْ أن يكونَ هوَ أنا!!

    أتراجعُ خطوةً للخلفِ، يتضحُ ملامحهُ أكثر، يرتدي مثلي، حذاوهُ يطابقُ حذائي، وساعةُ يدهِ مطابقةٌ للتي أحملها، لونُ عينيهِ تحت العدسة كلون عينيّ تماماً، الفرق الوحيد أنني أنظر إليه منصدماً و أنا الذي هناك ينظر إليّ هادئاً!!

    تقودني قدميّ إلى الساحة الرئيسة لهذا السوق، و التي تكون دائمةَ الإكتظاظِ أوقات النهار، تلهث رئتاي، و تسعلان الرطوبة و الغبار اللتان اشتنشقتهما هناك، مع كومة كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وأنفاسٍ حائرة ~

    أرفعُ بصري نحو الناس، أُخالني صرت مجنوناً، أشهق بصوت جهوري، لا يتلفت إليّ أحد، الشبابُ و الشُيَّابُ، العجائزُ والأطفالُ، و النساءُ، جميعهم نسخةٌ مني، أو أنا نسخة منهم كلهم، لست أدري حقاً!! ~

    وسط الذهول أصبتُ بصداعٍ يتلاعب بالبيانو في عقلي دافعاً بي إلى تحمل نشازه المزعج و الذي أدى إلى إحداث دوار بسيط أضعت الحياة من حولي بسببها لأجزاء من الثانية، أستنجدتُ بالكرسي القريب لأن يمُدَّ يده، ولأن يحتمل ثقلي عليه، وألا يكون هو الآخر نسخة مني!!

    جلست عليه، أنظر إلى الأرضية الشطرنجية الحجرية -لعبتي المفضلة- المبسوطة على الأرض بنسقٍ يدفعني إلى الابتسام تذكراً لذكريات إلتقطها يتيمةً هنا، أفكر في الحركة القاضية التي أحرك بها حجر الشطرنج الذي نسجتَهُ مخيلتي، أنتظر اختفاء الصداع تدريجياً، أُهدِّئ من روعي لأن يكون كل هذا إثرَ سقوط الكتب فوقي لا غير ~

    ظننتُ أن كل شيء أضحى في مكانهِ الأصلي بزوال الدوار، ظننتُ أن الوجوه عادتْ إلى أصحابها، و بالمثل هيئاتهم و شخصياتهم، لكنني لم أكن صائباً البتة! المحلات من حولي تترجمني، تبيع ثياباً كالتي في خزانتي، والمطاعم تطهو أصناف طعامي المفضل! و الناس هم أنا، أو أنا هم الناس، لم أعد أفهم!! فأنّى يؤول الحال إلى هذا المآل؟

    هل من الممكن أن أكون قد أصبت بتعويذة كانت في إحدى الكتب حينما سَقَطَتْ فوق رأسي؟!
    كيف يمكنني أن أفكر هكذا والمنطق هو ما أتبعه؟
    هل من الممكن أن تحوِّلُ الصدمة اللامنطق إلى منطق؟ و اللامعقول بالنسبة لي إلى معقول؟!
    على السر أن ينكشف من وراء الحجاب، و على اللغز أن ينتهي بحلٍ منطقي ومقنع للعقل ~

    أعود جرياً إلى المكتبة، و عيني تتأكد يمنةً و يسرةً من الأمور، هل تزال غريبة كما هي؟ أم عادت لسابقتها؟ دون أن يكون للخيار الثاني أي دليل تلمحه عدستيّ وتؤكدها عينيّ ~

    اقتحمت المكتبة هلعاً، ناهماً عن جوابٍ يشفي غليان الأفكار في داخلي و ثوران بعضها، أنجذبُ كالمغناطيس إلى حيثُ بدأتْ الحكاية بسرعةِ عداءٍ أولمبيٍّ يكاد يصل لخط النهاية، تتفقد أداة استشعاري الفاحصة (العين) سر وجودي في المكتبة من خلال تمشيط الكتب محاولاً تذكر ما الذي كنتُ أفعله تحديداً بين هذه الرفوف التي تعرض كتباً لا يستميلُ إليها قلبي، ولا يؤوي أفكارها عقلي مطلقاً!!

    تبدو الكتب للوهلة للأولى أنها تتطالعني، تناجيني لأن أخرجها من بين بقية الكتب المتعفنة هناك! و أمرِّن عضلاتها الرقيقة بقرائتها متأنياً، لكنني أحب هذه الرائحة فإني أرى أن لها رائحة الأجداد بين طياتها. و قبل كل هذا، لا وقت لدي لاستنجاد كتاب أو الرأفة بها~

    أتوقف عند كتاب، غلافهُ أحمر، صفحاتهُ غدت بنيةُ اللونِ، هزيلةُ القوام، وعُنوِنَ بكتاب الأمنيات، أُوجِسَ في نفسي خيفة منه! أهو خيالي؟ أهو حقيقي؟ تباً، كيف للمنطق أن يتعطل في هذا الوقت الحرج؟ ولماذا لا يقول لي أن الكتاب عبارة عن تراهات صدقها الأقدمون؟ لماذا ينفث الكتاب رائحة لذكرياتٍ تربطني؟! سحقاً، كيف لا أتذكر شيئاً؟
    حملته برفق، كمن يعامل ابنه حديث الولادة، وفتحت صفحته الأولى بلطف، وقد كتب عليها: تحذير، لا تقرأ الكتاب بصوت جهوري إلا إن رغبت في تحقيق أمنيتك!

    أذكر أن هذا المشهد يتكرر، و كأن للصورة صدىً ارتد قبل قليل، و بما أن وجود صدىً للصورة أمر محال، فهل ما أمر به محض خيال؟
    حاولت التذكر مرة أخرى
    و قلت بصوت خافت: ليتني أتذكر ما جرى؟
    لا جدوى، لم أتذكر شيء،
    "كتاب فارغ فحسب! "، همست بتلك الجملة.
    قلبت بضع صفحات، من جديد همست: ليتني أتذكر ~

    ما خطب الدُنيا اليوم تَتلبّسُ الواقع وتخلطه بالخيال؟!
    شيء ما حدث!
    ارتفع الكتاب من بين يدي! صار يطفو في الهواء
    تقلبت صفحاته بعنف حتى خلتها ستتمزق قطعاً، و يورطني. صوت ما يشبه الطنين يغزو أذني بهمجية النحل الإفريقي الشرس، و صداع يكاد تقتلع دماغي من مكانه!

    هنينة، و زال الطنين و الصداع، ظننتني أصبت بالصمم على إثر ما جرى! وفقدت عقلي تماماً، لكن هذا ما لم يحدث للأسف! استقر الكتاب بين رحمة يدي فأعدته مكفهرَ الوجهِ إلى موقعه، عرفت ما جرى، و عدت أدراجي ساحباً معي أطنان الخيبة والحسرة والندم، كمعتقل أُحكم عليه بالإعدام شنقاً في حين كانت أمانيه بالحرية عاليةً تناطح السحاب ~

    قبل سويعات من أن يؤول حالي إلى هذا الحال، كنت في الصرح الجامعي الضخم، بين ممراته الخارجية المحيطة بأزهار متنوعة و روائح الربيع المنعشة، تلقيتُ ألفاظاً سيئة من زملائي و سوءاً في التعامل رفع من عَدَّادِ غضبي، و كاد يدفع بي إلى الشجار، لولا اقتدائي بأخي الكبير و سيري على خطاه لما كانت المكتبة لتشهد وجودي اليوم، وما كانت للأحداث أن تنال هذا المنحنى من العشوائية وعدم الاستيعاب!

    لا أدري لمَ اليوم تحديداً تذكرتُ أن أخي كان يندفعُ إلى المكتبة كلما غضب في صغره، يخرج بالكتاب الأحمر الذي يقدسه، ينطق بكلمات بصوت جهوري و يختفي غضبه!

    على إثر ما تذكرت، أندفعت للمكتبة مقلداً إياه، حملت كتاب الأمنيات و قلت بصوت جهوري و بخنق شديد علني أفرغ براكين غضبي وأبرد حممه: "أتمنى أن يصبح كل الناس مثلي فلا يعيبني أحد" ~

    و للأسف فقد حدث ما حدث، و سيظل العالم في نظري هكذا للأبد...

    وصلتُ إلى منزلي، وجثمت على سريري منهكاً، نادماً على انفعالي وعدم تفكيري بما جرى، لائماً حظي العاثر على مصيري الذي أَلصقتُ نفسي به
    ليتني أنني فقط لم ألجأ إلى كتاب الأمنيات، و ليتني لم أتمنى ما تمنيتُ، وياليتَ يا ليتُ تفيدُ ~

    ( لو أنه فقط أمسك بكتاب الأمنيات ليتمنى عودة الأمور إلى حالها لعادت، لكنه لم يفعل )

    -تمت-
    التعديل الأخير تم بواسطة قصاصات حلم ; 20-6-2015 الساعة 03:58 PM

  16. #15

    الصورة الرمزية قصاصات حلم

    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المـشـــاركــات
    440
    الــــدولــــــــة
    عمان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    الجولة الثالثة~

    المشهد/
    قاع البحر، هلع

    آخر موعد لإضافة القصص:
    29/يونيو/2015


  17. #16

    الصورة الرمزية غاسا آليرو

    تاريخ التسجيل
    May 2013
    المـشـــاركــات
    481
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    إن معي ربي,.


    مدخل#

    "لقد اختارني الله ومن معيَ لهذهِ المعجزةِ المُخرسة!"
    كان الجُندُ شديدو البأس يسعون خلفنا حتى بعد فراقنا للعمران,
    وكلما انثنى الوقتُ كانوا يقتربون منا شبرًا ... ذراعًا ... باعًا
    حتى خِلنا أننا سنقعُ بين رماحهم, ثم ... لم نُكمل الهرب؛ لأن البحرَ حاصرنا وقطعَ علينا سُبل الفرار.




    1#
    تجمدَت خطوتنا, ونازعت الهمهماتُ المرعوبةُ حُرمة الصمتِ, ولاح من خلفنا ضربُ أقدامهم في الأرض.
    جوارَ شقيقهِ كان يقفُ بثباتٍ أمام البحرِ متوكأً على عصاه, وكأنهُ يعلمُ يقينًا أن للطريقِ بقية.
    صرخَت بهِ عجوزٌ من بين الجمع بعد أن تراءت لنا الجحافلُ الآتيةُ للفتك بنا: (إنّا لمُدرَكون)!
    التفتَ لنا ذلكَ الرجلُ المهيب, وقال بصوتٍ هادئٍ واثق: (كلا, إن معي ربي سيهدين).
    ثم رفع رأسهُ للسماءِ كأنما يُنصتُ لصوتٍ عبَر منها لروحه, اعتدل في وقفتهِ, ورفع عصاهُ, ثم هوى بها على البحر ...




    2#
    لم نفهم ما حملَهُ على فعلِ ما فعله, كلُ ما عرفناهُ هو أن تلكَ العصا هي معجزةٌ بحدِّ ذاتها؛ فقد اقشعرّ بدني فَرَقًا حين الْتَوَت على نفسها وتحوّرت إلى حيّةٍ حيّة!
    وكما ظننتُ, فقد حدثت على يديه معجزةٌ أخرى أشد وقعًا على قلوبنا, كانت تصديقًا من رب موسى لكلمته: (إن معي ربي).
    انفلقَ البحرُ وانشقّ وسطهُ سبيلٌ للعبور! بينما ارتفعت فلقتاهُ كجبلين أزرقين عن اليمين والشمال, تقدّمَنا النبيّان وتبعناهما, لكن الجنود كانوا قد وصلوا للشط بالفعل! ولم تُحرِّك هذه المعجزةُ في نفوسهم الحمقاء شيئًا, فلم يتوانوا عن اللحاقِ بنا بين الطودين العظيمين.
    كانت المسافةُ بيننا تضيق, وأبطأَ الالتفاتُ للوراءِ ساقَ الواحدِ منا, هتفَ البعضُ بالويلِ والثبور, وانرتقت مؤخرة ركبنا بمقدمة عسكرهم حتى كادت نصال رماحهم وخناجرهم توغل في أجسادنا, لهاثنا شقّ عنان الفضاء, وتلاحقت أنفاسنا وانفلتت أفئدتنا: "أبعد هذهِ المعجزةِ يُدركوننا؟"
    كدتُ أرمي بنفسي على الأرضِ لأموت قتلًا على أن أموتَ هلعًا, ولكنَّ رملَ الشطِّ المقابلِ لامس أقدامي لأجدني قد بلغتُ النجاةَ ومن معي!




    3#
    شقَّ نبيُ الله موسى الصفوف, ورفع عصاهُ وكما فعل من قبل: هوى بها على موضعِ قدمِ آخرِ من عَبَر منا فالتأم البحر!
    أدركَ الحمقى عظمة الآيةِ حين غمرتهم المياه, وأعادت هذهِ الحالُ ذكرى الطوفانِ القديم ...
    سمعنا صوتًا لم يُبدِ الضعف يومًا من قبلُ قط: (آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمنت بهِ بنو إسرائيل)!
    وعند مخرج صوت اللام, غاب ذلك الصوتُ عميقًا عميقًا في لُجّةِ اليم بينما طفى جسدٌ خاوٍ على سطحه.

  18. #17

    الصورة الرمزية تشيزوكو

    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المـشـــاركــات
    4,317
    الــــدولــــــــة
    مغترب
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    "اللحظات الأخيرة"


    اتكأتُ على السور الحديدي البارد كبرودة قلبي في تلك اللحظة.. وأخذتُ أتأمل البحر..

    حيثما نظرت لا أرى سوى الأزرق مدّ بصري.. ممتدًا وممتدًا إلى اللانهاية.. عميقًا لا يُرى قاعه.. مكان مثالي لإلقاء الهموم والعودة بقلبٍ خالٍ مرتاح..!

    هل أبالغ إن قلت بأن روحي المريضة لا يكاد يشفيها سوى هذا البحر الممتد وعبيره المنعش ورائحته المثيرة للحنين..؟

    بالأمس القريب غادرتُ منزلي غاضبةً متجهمة بعد شجارٍ كبيرٍ مع عائلتي.. فقد تخلصت والدتي من عدة الرسم خاصتي بحجة أني لا أفعل شيئًا في حياتي سوى الرسم..

    بربكم..! أليست حياتي الخاصة وأنا التي أقرر كيف أقضيها..؟ وما أهمية أن أشارك والدتي زيارات جاراتها الصباحية المملة، أو أن أستذكر لإخوتي دروسهم، أو حتى أن أشارك عائلتي الغداء المتأخر الذي ينتظر والدي ليعود من عمله..؟

    لقد شكّل الأمر لي صدمةً وغضبًا فظيعًا بالفعل.. لقد مزقت روحي بفعلتها تلك، ولم يقف أحدٌ من أفراد عائلتي إلى جانبي..

    مؤخرًا لا شيء يسير لصالحي.. ففوق أنني لم أتمكن من الدخول إلى التخصص الجامعي الذي أفضّله، ها أنا ذا بعد ثلاث سنوات من دخولي الجامعة مضطرةٌ لتغيير التخصص بحجة أنه سيُغلق ويُدمج مع تخصصٍ آخر..!

    سيزيد هذا سنواتٍ إضافية من حياتي أقضيها في هذه الجامعة البغيضة..! لقد تشاجرتُ مع رئيسة القسم بسبب هذا الأمر وانتهى الشجار بحرماني من هذا الفصل الجامعي..

    أردتُ حقًا أن أغير الجامعة بعد هذا الحادث، ولكن والدي رفض بحجة أنه قد دفع الكثير لأجل دراستي وليس مستعدًا لجعل كل ذلك المال يذهب أدراج الرياح، ولصرف المزيد لمجرد نزوةٍ عابرةٍ لدي..!

    كان هذا أيضًا مما زاد التوتر بين وبين أسرتي.. كم أتمنى أن أتخلص من هذه القيود التي تربطني بهم.. بمجرد أن أصبح حرة سأتخلص من كل هذا التحكم الذي يغلّفون حياتي به..

    حتى صديقتي وقفت ضدي فيما أفعله مما أدى إلى قطع علاقتي بها..

    لا أحد يفهمني في هذا العالم.. لا أحد يقف في صفي.. أشعر بوحدةٍ قاتلة.. بعذابات العالم تجتمع في روحي التي أضنتها كثرة الآلام..

    ولهذا السبب تحديدًا أنفقتُ كل مدخراتي التي كنتُ قد بدأت ادخارها من مصروفي الخاص على أمل إكمال دراستي العليا، وأنفقتها على هذه الرحلة البحرية..

    لماذا؟ لأنني أحتاج من يفهمني.. من يشعر بي.. ولأنه لا يوجد من البشر من يمكنه فعل هذا.. لجأت إلى صدر البحر الواسع.. علّه يتّسع آلامي المشبعة بالحزن..

    غصتُ في أفكاري أكثر دون أن ألاحظ التوتر والحركة المتزايدة من حولي على ظهر هذه السفينة المبحرة بنا في عرض المحيط..

    عندما لحظت الأمر أخيرًا وجدتُ الركاب يتهامسون ونظرات القلق تغشى وجوههم.. بينما أعدادٌ كبيرةٌ من رجال الطاقم تروح وتأتي بعصبية وسرعةٍ شديدتين..

    بقيت أراقب الوضع بصمت، بينما أفكاري تأخذ منحى سوداويًا بامتياز.. ولم يطل الأمر حتى علمتُ بأن أسوأ مخاوفي قد وقع بالفعل..! فقد أعلن طاقم السفينة بأن علينا جميعًا إخلاءها فهي قد تغرق في أية لحظة..!

    ما حدث على ما يبدو هو أن الماء تسرب إلى السفينة العتيقة، وازداد كثيرًا قبل أن يلحظ أحدٌ ذلك، ففات أوان إنقاذ ما يمكن إنقاذه، كما أن ما حدث تسبب بعطلٍ فني منع السفينة من إرسال نداءات استغاثة..!

    دار رأسي في دوامات وأنا أحاول استيعاب ما يجري من حولي بالضبط.. الإخلاء الذي بدأ بتوتر واضطراب إلى قوارب النجاة، تحول فجأة إلى تدافعٍ وهلع عندما بدأت السفينة بالاهتزاز والتمايل بعنف..!

    القوارب وستر النجاة في هذه السفينة المهترئة لا تكفي الجميع.. طفت أنانية الجميع ومشاعرهم السلبية إلى السطح وهم يتنازعون ويتسابقون إلى قوارب وستر النجاة..!

    وبقيت أنا متسمّرةً في مكاني..!

    لا أجيد السباحة إلا قليلاً.. ولا أحد هنا ليقف إلى جانبي أو يساعدني.. والتدافع مع كل هذه الأعداد المهولة من الناس يبدو ضربًا من المستحيل بالنسبة إليّ..!

    بدأت السفينة تنغمر تحت الماء شيئًا فشيئًا.. لم أصدق ما يحدث.. لا بد من وجود حلِّ ما.. لا بد وأن تصل المساعدة قريبًا.. لا بد وأنني سأنجو..!

    لم أعد أسمع سوى الصراخ والهلع يعم المكان.. لم أعد أبصر سوى وجوهٍ قد خلا منها لونها..

    بدأت السفينة تنغمر في الماء أكثر فأكثر.. وبرعبٍ شديد شاهدتُ الركاب الذين لم يحالفهم الحظ بالحصول على بقعةٍ في قارب نجاة، يلقون بأنفسهم إلى الماء..!

    أتذكر الآن أنني سمعتُ ذات مرة أن السفينة الغارقة تشكل دوامة عند غرقها وتسحب معها كل من بقربها مهما كان مجيدًا للسباحة..! لا أعرف مدى صحة هذا ولكني لا أريد أن أجرب لأتأكد..!

    لا أعرف كيف كان يفكر دماغي.. لعله توقف عن العمل تماما.. لعلني كنت فقط أتبع جمهرة الناس وتصرفاتهم.. فقد ألجمني الجزع والهلع.. ولم أرد أن أنتهي مع السفينة إلى قاع المحيط.. فألقيت بنفسي نحو الماء..!

    لا أعرف كيف واتتني الشجاعة لفعل شيءٍ كهذا.. لم أشعر بنفسي عندما قفزت.. ولكن اللحظات التي فصلت بين مفارقة جسدي لسطح السفينة وبين اصطدامي بسطح الماء.. كانت أطول اللحظات في حياتي كلها وأكثرها رعبًا..!

    اندفع الهواء إلى رئتي بقسوة.. شعرتُ كما لو أنني قد علقتُ في فراغٍ لا نهائي.. بإدراكٍ ينبعث من العدم بقدوم الموت.. باقتراب النهاية..! واصطدمتُ بعدها بعنفٍ بماءٍ بارد كالصقيع.. مؤلمٍ كلوحٍ صخري مسطّح.. وغصتُ في ظلامٍ مخيف..!

    لا أدري كيف لم أفقد وعيي مباشرة عندها.. عليّ أن أفعل شيئًا..! عليّ أن أنجو..! بيأسٍ شديد حاولت السباحة علّني أطفو على السطح.. لستُ سباحةً ماهرة.. ودروس السباحة القليلة التي تعلّمتها لن تسعفني طويلاً الآن..

    عندما اخترقتُ برأسي وجه الماء أخيرًا سحبتُ كميةً كبيرةً من الأوكسجين إلى صدري كمن لم يتنفس منذ عقود..!

    كنت أحرك ساقاي في الماء بإنهاكٍ شديد عسى أن أتمكن من متابعة الطفو.. لمحتُ قارب نجاةٍ ممتلئًا قريبًا مني.. استجمعتُ ما تبقى لي من أنفاس الحياة في محاولة الوصول إليه..

    لماذا يبدو بعيدًا جدًا هكذا..؟ لماذا يبدو وكأنه يبتعد أكثر فأكثر كلما حاولتُ الاقتراب منه..؟ هل سأتمكن من الوصول إلى فرصة نجاتي الأخيرة؟ هل سأتمكن من التعلق بقشة الأمل الوحيدة المتبقية لدي؟

    القارب يقترب.. ولكنه لا يزال يبدو بعيدًا.. طاقتي توشك على النفاد.. رجاءً.. تحملي قليلاً فحسب.. سينتهي كلّ شيءٍ لو لم تفعلي.. قليلاً بعد.. لم يتبقّ سوى القليل..!

    بدأ القارب يصبح قريبًا أخيرًا.. لم يعد في مرمى بصري فحسب.. بل إنه الآن يكاد يكون في متناول يدي.. إنني أقترب.. أمدّ يدي.. فليتلقفها أحدكم رجاءً..!

    عندما لمست بيدي جسد القارب.. أمسكته بقوة وبدأ جسدي في التراخي.. لم أعد أقوى على أي شيءٍ بعد الآن.. بالكاد لا أزال ممسكة بالقارب.. بالكاد شاهدتُ الأيدي تمتد نحوي.. إنهم يتلقفونني.. لقد نجوت..!

    ولكنني كنت مخطئة.. مخطئةً تمامًا..! فالأيدي التي امتدت نحوي بدأت بجزع تبعد يدي عن القارب وتدفعني بعيدًا..!

    لم أفهم ما يحدث.. التقطت أذناي أصواتًا متداخلةً تصرخ بشيءٍ مثل: القارب ثقيل.. سنغرق.. حمولة زائدة.. أبعدوها..!

    كم من الممكن أن نكون نحن البشر أنانيين.. هل كنتُ سأتصرف بتلك الأنانية لو كنتُ مكانهم..؟ يصعب عليّ الآن تحديد أينا الأناني.. هم الذين لا يريدون المخاطرة بحياتهم لأجل شخصٍ واحد؟ أم أنا التي تصرّ على النجاة بنفسها ولو عرّض ذلك العديدين للخطر..؟

    لا أدري كيف طاف بخلدي شيءٌ كهذا بينما أنا أُسحب إلى أعماق المحيط..

    ليتني كنتُ بين أهلي الآن.. أكان الأمر يستحق..؟ كان بإمكاني شراء عدة رسمٍ جديدة.. ترتيب وقتي للتعامل مع التغيير الجديد في الجدول الجامعي.. إبقاء الود مع صديقتي على الرغم من اختلاف آراءنا..

    أسيبكيني أحدهم الآن..؟ ماذا كنتُ سأخسر لو صنعتُ لنفسي جزءًا أكبر في ذكرياتهم..؟ لو شاركتُ والدتي جلساتها الصباحية.. لو ذاكرتُ لإخوتي.. لو تشاركتُ المائدة مع من أحب..

    هل سيفتقدونني؟ هل كنتُ شيئًا ذا معنى في حياتهم؟ لماذا تشاجرتُ معهم مجددًا؟ لم أعد أذكر..!! ولكني لا أعتقد أنه كان يستحق..

    ماذا سيحل بي الآن..؟ أين سيكون مصيري..؟ متى كانت آخر مرة وقفتُ فيها لأصلي أو رفعتُ يدي بدعوة..؟ كنت أمنّي نفسي بأني سأفعل هذا قريبًا.. هل فات الأوان الآن..؟ هل انتهى كل شيء..؟

    بدأت أفكاري تتضاءل شيئًا فشيئًا حتى اختفت.. اختفت مع ظلامٍ سرمديٍّ غرقتُ فيه..

    ~

    أصواتٌ متداخلة غزت رأسي فجأة..

    ببطءٍ انفتحت عيناي..

    لأبصر فوقي سماءً واسعة..!

    كنتُ على متن قارب نجاة.. وكانت العديد من الأيدي تهزني بعنف محاولةً إعادتي إلى وعيي..

    بالكاد تمكنتُ من الجلوس وأنا أسعل بشدة..

    ما تمكنتُ من فهمه كان أن أحدهم قفز إلى الماء لينقذني ومنحني مكانه في القارب، بينما انطلق لينقذ غيري كونه سباحًا ماهرًا..

    لمّا تمكن صوتي من الخروج أخيرًا لسؤالهم عمن يكون، ارتسمت لمحة حزن وندم على وجوههم.. إنه لم يعد..

    كانت سفينة الإنقاذ تقترب منا الآن..

    لقد عدتُ للحياة..! وأمنيات موتي لا تزال تمتلك فرصةً للتحقق..!

    وعالمي الأناني، أكاد أكون الأكثر أنانيةً فيه بعد كل اللطف الذي غمرتني فيه روحك..

    أعدك.. يا من لا أعرفك.. ولا أعرف إن كانت السماء لا تزال تظلك أو أنك صرت من سكانها.. أعدك.. بأني سأولد من جديد.. شخصًا مختلفًا..

    فاليوم.. أشعر بأني أرى الشمس لأول مرة..!


    ~ تمت~

  19. #18

    الصورة الرمزية قصاصات حلم

    تاريخ التسجيل
    Jul 2014
    المـشـــاركــات
    440
    الــــدولــــــــة
    عمان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    الجولة الرابعة~

    المشهد/روض مزدهر، حزن خافت


    آخر موعد لإضافة القصص:
    11/يوليو/2015

  20. #19

    الصورة الرمزية الجاثوم

    تاريخ التسجيل
    May 2011
    المـشـــاركــات
    610
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~




    '' الكتيب ممزق وبالٍ اصفرت أوراقه حد العفن، لم يتبقى منه إلا هذه الصفحات"



    أشعر أني أتآكل كشمعة سخيفة تؤمن أنها تذوب و تتبدد في سبيل إلهاب وجه الظلام غير مدركة أنها حين تتلاشى تمامًا ستستبدل ولن يذكرها أحد، لكني أنفت من أجل لا شيء و سأستبدل أيضًا ،،


    تبًا ... يكاد الوقت ينفذ ولم يحضر حتى الآن.


    لا أدري لما أرى نفسي شمعة دومًا، رغم أني لا اسعف أحدًا، ربما لأن عمري في عده العكسي مثلها تمامًا، ربما لأني أحترق داخلًا و خارجًا مثلها تمامًا، ربما لأني أتشوه و أتلاشى من الذاكرة مثلها،،


    سُحقًا له من أخرق ... لم يأتي بعد.


    ( 216:56:49 )



    :: ::



    لا أذكر حقًا متى آخر مرة رأيته فيها، واثقة أنه قد تغير كثيرًا، ربما غير تسريحة شعره أو زاد وزنه بضع كيلوغرامات، فعليًا ليس له شيء ليقلق عليه فيفقد شهيته للحياة، متأكدة أني لو التقيته لن أعرفه ولن يعرفني؛ و إنما سألفت انتباهه لو كنت أكبر قليلا مما أنا عليه ومرصعة بأفخم الحلي والملابس، أقهر الظن أنه ترفع عن البيرة الرخيصة وتحول لنوع أجود أفخر، حتمًا غير النبيذ الكثير من ملامحه وسلائقه، ربما أصبح هو الذي ليس هو، فالحرباء تتلون حسب محيطها إلى أن تصل لمرحلة تنسى فيه لونها الأصلي؛ لهذا أنا أمقت الزواحف ذات الحراشف بجميع أنواعها، حتى البشرية منها..


    الأغلب أنه زاد من جرعة نفاقه ونتانته مللترات كثيرة، شخص بمقامه يحتاج لكم هائل من الخداع والزيف ليبقى كل شيءٍ ملكه وتحت أمره...


    إنه نذل بكل بساطة، لهذا هو لن يأتي أبدًا.


    ::: :::



    أنا لا أغادر غرفتي كثيرًا، لأنها تحوي على كل أسباب البقاء، سرير حديد رخو يصدر أعجب الأصوات، روائح الموت والمقابر وبقايا أناسٍ مروا قبلي على هذا السرير وتدثروا بهذا الغطاء الأبيض... لا أفهم لما جُل المستشفيات تكتسي البياض؛ ربما لتظهر بجلاء بقع الدم المتناثرة من انفجار أحدهم أو لخطأ في تشريحه، فالجراحة الوحيدة التي يجيدها العالم هي التشريح وفلق الأجساد ليس من أجل المداواة بل لمتعة فتح حقائب الغير فضولا لتفتيشها ولا يهم إغلاقها لاحقًا وإرجاعها لمكانها...


    هذا كريه جدًا، وجودي هنا، ما يدور حولي، ترقب أحدهم ... كل شيء مجرد عبثٍ لا غير.



    :: ::



    أتت الدورة المعتادة لتفقدي، كم هذا سخيف؛ أنا هي أنا لم يتغير مني شيء منذ الأمس عدا تفاقمه، لا أشكُ من ألمٍ؛ هو موجود لكني لا أشكُ لا أدري لما هذا الإزعاج الصباحي والمسائي...



    كان هذا دور الممرض ميشال رجل صفصافيٌ أصهب يبدو أنه يخطو خطوته الخامسة نحو الأربعين، اعتدت على فحصه لي مع ممرضين آخرين فقط منذ مكوثي هنا، فرانك وجوزفين إضافة لطبيبين آخريْن،


    إنه لطيفٌ حقًا معي، حتى فرانك وجوزفين في مثل لطافته، ربما لأني هادئة ولا أنبس ببنت شفة، رغم أني أفهم جيدًا ما يقولونه، أحيانًا أضطر لسماع ترهات تكاد تفجر رأسي دون قول ''كفى وارحلوا للجحيم من فضلكم'' بالرغم من أني أجيد الحديث بالفرنسية فلم ينسَ ذلك المعتوه فرنستي لدرجة إبادة عروبتي كأنه يعوضني عن كل ما كان وسيكون وما هو الآن ''بعصرنتي'' وتوفير كل شيء إلا عطفه ووده، صدقني أنت وإبليس سيان، كلاكما مطرودان من رحمة الله.


    وضع الصينية التي يحملها دومًا على المنضدة جنبي تحوي بعض الأدوات الباردة الحديدية التي يفحصونني بها كأني فضائي قد هبط عليهم توًا من كوكب تائه ما، ابتسم لي وردد عبارته الأثيرة 'بُونْجُوغْ ما فِي' (Bonjour ma fille)


    ثم اتجه للنافذة يفتحها دون أن ينتظر مني ردًا على تحيته المعهودة المضجرة، استنشق أول ما ولج منها من هواء منعش يحمل شذًا اعرفه جيدًا ثم حرك شفتيه في كلام خافت يحدث نفسه ( يا لروعة رائحة الأرض المستحمة فجرًا بالمطر)
    أكاد أكون معزولة عن هذا العالم، آخرة مرة قاسمت فيها الأرض موعد استحمامها كانت في
    (قْسمْطِينَة) معلقة على جسرها العتيق... لم أقدر على إخفاء لهفتي للخروج فقمت مسرعة للنافذة أشم بنهم عبق الاغتسال، فاجأت ميشال الذي لم يرني يومًا واقفة، تنبهت لذهوله ولطوله الفارع أكثر، فرمقته بنظرة سريعة وعدت للساحة المنداة،،


    فهم دون أن أقول أني أعشق المطر مهما انهمر بوحشية، وأني قد أرغب في الخروج قليلا لتجول في حديقة المشفى المترامية... بدل دهشته بابتسامة صغيرة على ثغره ثم أردف يلفظ كلامه بطيئًا مع حركات شارحة محاولاً إيصال فحواه لي كأنه يحدث متخلفًا عقليًا ( تريدين الخروج للحديقة، يمكنك ذلك، هيا تعالي،، إلى الحديقة ،،إلى الحديقة)


    الأبله، لا يمكنه تصور نفسه كم يبدو غبيًا هكذا، خففت عنه عناء التصرف كقرد أقمل وقاطعته ( أجل أريد)


    توقف عن بلاهته وتسمر يستوعب، ثم ردد متلعثمًا ( كـ..كيف؛ من علمك الحديث بالفرنسية)


    إنه لطيف لكنه مأفون، لم أرغب في الرد عليه نحوت لخفي ثم توجت الكرسي المتحرك معلنة على استعدادي للخروج، لم يشغل نفسه بالبلبلة فدفعني للخارج...


    أشعر أني أرى هذا المكان لأول مرة، كأني دخلت للمشفى من خندق مظلم تحت الأرض، أو ربما بسبب مكوثي الطويل في الغرفة والتصاقي المبالغ فيه بسريري ...


    أستطيع أن أشعر بجسيمات عطر ''شانيل تاغ'' تتمدد عبر أنفي الآن، أجود وأغلي ما جادت به علينا شانيل هو تلك الزجاجة الوردية الصغيرة تحت اسم ''شانيل الأرض والمطر''،،


    لم يمكث ميشال كثيرًا جنبي لم أتفطن له وهو يغادر حتى، الأغلب انه لم يشأ إزعاج عربي يؤثر الصمت يتأمل حديقة غناء يظنه قطعًا لم يرى في إفريقيا إلا الصحراء القاحلة وأسد يجول في الجوار يبتغي وليمة دسمة، لا يهمني ما يعتقد فطالما مقت الفرنسيين-لأسباب تاريخية- بكل أشكالهم الكريهة، فليذهبوا للجحيم جميعًا...


    الندي يتقاطر شهدًا يزحف على الأوراق و الحشائش، يجبلها يصرع خلاياها بغمرة قطرة، الورود تصطف جنبًا إلى جنب في سلسلة بدت من مكاني تمتد لبعيد من الطرف الأيمن للأيسر، تجتمع أمامي في كتلة دائرية ضخمة كأنها تحشد عروقها الألف بشتى الألوان و الفصائل، منداة هي الأخرى ببلورات ماسية ... بعض الأشجار تحمل زمردًا وعقيقًا في شهرها السابع ترتلُ شيئًا من التهليل و التحميد و التكبير ،،


    شيء أخضر مشاكس يتوغل على الجدران يتسلقها في مشاغبة حلوة لصبية في الخامسة يطوح بالمنظر،


    الأرضية تحتي جلها حشائشٌ تكتسي خضرة عجيبة إلا من بقع صغيرة لإسفلت الممر الحجري الآيل للاختفاء خلف اليخضور وأتربة تغري باللهو بها في 'العُشَّة'... يبقى الطفل في صدري يناجي لعب الطفولة ،،


    أحببت كثيرًا الوقوف و مداعبة الزهور لكني امتنعت، ربما لأني خشيت ذبولها بين أناملي بسبب العدوى، يُقال أن السوداوي لا يترك شيئًا حوله إلا و لطخه بحبره القاتم.


    بقيت أتجرع رائحة الأرض المترعة مطرًا في غنج، في بطء أنتشي، و أنصت في خشوعٍ للحن عصفور داعب الذاكرة، شاغبت على طرف لساني أغنية أندلسية سارعت للفرار دونما أمر ,,

    قُـم تـــرى دراهــم اللوز °° تندفق عن كـل جــــهَة
    والنسـيم سقطها في الحوز °° والندى كبب عليـــــهَا
    بــدت تلقح ورقة الجوز °° جاء بشير الخير إلـــــيهَا
    والرياض يعجبني ألوان °° ما أحسنه فصل الخلاعة**
    يــــا نديم هيا للبستان °° نغنموا في الدنيا ساعـَــــة



    ::: :::


    وقفت الشمس تسرح شعرها عند المغيب تاركة جنبي بعض أطفالها لمؤانستي وانا مسجاة كـ 'وْلِيَة' تتضرع في جهل بغيض أفحم ضريح 'سِيدِي مْحَمِدْ لْقَادَارِي' كي يرزقها أي شيء... أيًا يكن فأنا أفقد الكثير، وسأحمل معي هذا الوجع إلى حيث لن تتسلل إليَّ قطرات المطر تخفف فجيعتي ...


    لم انتظر أن يعيدني أحد، قررت العودة وحدي، حافية القدمين أتحسس الحشيش والأرضية الملساء منذ سنوات وربما للمرة الأخيرة، فكثيرًا ما أحببت الركض حرة من أي نعل في مروج ضواحي قسمطينة لأستشعر بشغف دغدغة الطبيعة لسطح قدمي... عدت أدراجي في تراخٍ أمُسُّ من حين لآخر في حركة لا إرادية جمجمتي العارية، اعتدت شعري الفاحم الطويل الذي كنت أمرر خصلاته الناعمة بين أناملي... في كل مرة أتذكر أن فقدت الكثير...
    أشعر بالاكتئاب حقًا، هذا طبيعي، أنا وحيدة وسقيمة، وسأموت قريبًا وحيدة وسقيمة.




    ::: :::




    أعلم أنه لم يبقى الكثير، يُقال أن الشخص يشعر بأجله إذ اقترب، و بوصلتي لا تخطئ، لذلك أريد قدومه.



    سحقًا له...




    أنا أريده حقًا الآن، أريده أن يكون أمامي حين أتلفظ أنفاسي الأخيرة وأوسعه شتمًا وسبًا وأخبره أنني لن أسامحه يومًا على ما فعله بي، وأني سأظل أطارده إلى أن يجن أو ينتحر... أنا أنتظره أحر من الجمر فليس لي غيره رغم نذالته وسفالته.
    إنه دور فرانك اليوم، لم يسبق أن حدث هذا لكني كنت أنتظر أن يأتي أي شخص لغرفتي؛ لا أدري لما لكن ربما قد يحمل معه خبرًا سارًا، كنت أكبح سؤالًا يتردد على حلقي من حين لآخر يتحقق من أن الأبواب قد تُركت مفتوحة عرضيًا، يحاول الفرار من سجنه المؤبد، هذا مخجل حقًا؛ الأجدر أن يسألني هو لما لا يزورني أحد لا أنا...



    تبًا له من والد... هذا هو قدري، تركني أولد وحدي كيف له أن يقف لجنبي وأنا أموت.



    ليتك جنبي الآن أمي، ربما كنت لتكوني أحن عليّ منه هذا ما لم تكوني من طينته أنت أخرى...أو ربما أنت كذلك فلو لم تكوني لبقيتي معي على الأقل بدل أن تخلفيني ورائك قطعة غضة لم يتفتح بصرها بعد ولا تفقه شيئًا مع أبله لم يفهم قط أي شيء رغم تفتح بصره على مصرعيه، قد تخليتي عني أنت أيضًا... لم أعد طفلة ساذجة، أنا في السادسة عشر الآن، و قد قررت؛ لن أسامحكما ما حييت و مِتُ أبدًا.



    ::: :::


    إنه الفاتح من سبتمبر، أشعر أني أخف من خنزير نافق، أن شيئًا رخوًا مقرفًا يسبح داخلي ... أشعر انه الموعد.
    يا لسخرية، تولد وتموت في نفس اليوم، ولا يوجد أحد يهديك شيئًا مغلفًا بورق التزيين لا يهم مدى سخفه ويتمنى لك عيد ميلادٍ تعيسًا قبل أن تنفد بساعات... هلكًا لهذا العالم، فأنا لن أفتقده أبدًا.


    أنا آسفة فعليًا لأني أكثر من الشتائم، أعاني من متلازمة توريت، تكرار لا إرادي للألفاظ البذيئة وبعض الحركات المزعجة، الأمر لا إرادي فعلاً، إنه إنجاز عظيم أنى لم أتلفظ بشيء أكثر قبحًا...


    أتصدقون هذا، في هذا البلد يعتبرون البذاءة مرضًا نفسيًا. يعشقون المجلدات التي تشرح علميًا كل شيء مهما كان في غاية السخف والبداهة ...


    على كلٍ لا أحب التلفظ بهذه الكلمات وأعتذر لأني أوسخ عيني من يقرأ مذكراتي الآن،
    إن حدث وأغضتك أتمنى ألا تبحث عني -رغم أني اشك أن أحدًا يجيد العربية هنا- فالأغلب أني نافقة الآن//شمعة ذائبة قد يبست على الشمعدان.


    ( 05:10:44 )
    أيلول 1997// مستشفى أمراض السرطان-باريس، مدينة القرف،
    مليكة




    ** الخلاعة ليس معناه الفسق و الفجور هنا، فالأندلسي قصائده فصحى ممزوجة بلهجات أخرى لست أدري معناها لكني واثقة أنها لا تعني الفسق ^^''

  21. #20

    الصورة الرمزية أثير الفكر

    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المـشـــاركــات
    5,262
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: |[ حينما تنبثق الكلمات من مبدعيها ]| هنا قصص المراحل كلها ~

    حزنٌ خافت :

    وقف العدو على بابنا الحديدي الصدئ ..لم يطرقه أبدًا .. بل ولج إليه كولوج الفاتحين لمدينة منيعة التحصين

    ركل الباب بكل قوته .. مجبرًا أبصارنا المفجوعة أن تتجه إليه قسرًا

    نظر إلينا واحدًا واحدًا

    كرسي كان يتحرك يومًا ما لأب أربعيني .. كسته الحرب ملامح شيخوخة مبكرة

    وأم على فراشها تصارع مرضًا متطورًا لاوجود له في قائمة أطباء مدينتنا على الأقل

    وسبعة أطفال من حولهم كأنهم أعجاز نخل خاوية ..

    بما فيهم أنا !!

    بدا منزلنا غارقًا في لجة صمت لامتوقعة

    مقارنة بضوضاء الحرب في مدينتنا المكلومة

    فلا طائرات العدو ولا دبابته ولا قذائفه تعرف معنى الهدوء ،
    على الأقل عزفها مستمر مذ قرروا الإطاحة بهذه البلدة و أهلها ليلًا

    وقف العلج يراقبنا بابتسامة ساخرة ظهرت بوضوح تحت كل تلك العدة التي تلف وجهه القرمزي

    رمى رصاصة استفزازية على وسادة أمي أولًا

    سقطت الرصاصة بجانب رأس أمي فسقط أخي الصغير ميتًا ..

    - لم تجد الرصاصة طريقًا إليها إلا من خلاله -

    غادرنا الصمت ..

    فجأة صرخ أخي الكبير محمد باكيًا .. جاثيًا على أخي عبثًا يحاول إيقاظه.. بكلمات لامفهومة

    تراكض بقية إخوتي الأربعة

    مختبئين خلف كرسي والدي يرجون منه أمانًا زائفًا وحصنًا مؤقتًا

    رجت ضحكات العلج أركان منزلنا المتهلهلة ..

    بدا مستمتعا بنظرات الخوف والهلع على وجوه إخوتي

    أطلق رصاصة نشوة على سقف منزلنا

    وتساقط بعض الغبار على رؤوسنا الصغيرة

    لم تنفض أختي الصغرى مروة عن رأسها أي غبار

    جلست القرفصاء واستندت بظهرها على جثة أخي الصغير ثم لحقت به بكل هدوء

    هو الخوف ربما .. أو رغبة في الهروب كانت ناجحة !!

    صرخت سلوى وركضت بجنون نحو العدو

    تضربه بكلتا يديها وهو يضحك

    حملها ككيس قذر ورماها خارجًا نحو دبابته

    أغمضت عينيّ أسًى .. ليته قتلها هنا .. على الأقل كانت ستذوق ميتة واحدة ستكون حلمها في المكان الذي تساق إليه

    نظرت إلى إخوتي الثلاثة المتبقين

    محمد يحتضن إيناس التي تبدو على شفير الجنون ، محاولًا منحها أمانًا لايملكه

    جابر متقوقع خلف كرسي والدي .. عيناه جاحظتان من الهلع ..

    أمي على الطرف الآخر للغرفة

    وحدها ملامح أمي لم تكتسي بأثر لما يحدث حولها

    بقيت على جمالها ..عيناها الباسمتان تذكرني بما كنا عليه قبل اندلاع هذه المأساة

    كتفا أمي مسدلتان بقربها وعيناها معلقتان بالسماء و ابتسامة تغتصب ثغرها الساحر

    هذا ما كنت أحتاجه .. الأمان الغائب و الذي يحاول أخي محمد عبثًا أن يمنحه لأختي إيناس

    أو ذلك الذي يبحث عنه أخي جابر بقرب كرسي والدي

    وجدته أنا في ملامح أمي .. الغائبة عنا دماغيًا

    شعرت بفؤادي يغادر أجواءنا الخانقة

    يرافق أمي وعالمها البعيد عنا جميعًا ..

    وجدت نفسي أتحرك لا إراديًا .. أخرج من مخبأي بزاوية الغرفة

    أركض نحو أمي ..

    دوت رصاصات لاعدد لها .. تلتها صرخات أخي جابر المفجوعة ..

    ارتميت فوقها و احتضنتها بكل يديّ و أغمضت عينيّ

    اختفت صرخات إيناس .. و تمتمات محمد لها ..

    شهقات أخي جابر أيضًا لم تدم ..

    صارت أنينًا بيد أنها لم تلبث أن اختفت كليا

    يبدو أني بقيت وحدي .. و أمي

    لا أدري كم من الوقت بقيت فوقها لكنه بدا دهرًا ..

    اختفت الأصوات من حولي تمامًا .. وأصبح المكان غارقًا في هدوئه السابق

    رفعت رأسي بروية ..

    الغرفة فارغة تمامًا

    إيناس ما زالت تحتضن محمد بكل قوة

    مروة ما زالت تجلس بجانب حسام المنبطح أرضًا

    أخي جابر متقوقع بجانب كرسي والدي

    وحدها سلوى .. بلا أثر سوى صدى صرخاتها الأخيرة في أذني

    بدا المشهد مألوفًا ..

    وكأننا نلعب لعبة الاختباء .. إلا أن ماحولهم من دماء تخبرني أن لعبة الاختباء ..ليست للجسد هذه المرة بل للروح أيضًا


    على الأقل ..هناك أحد يتنفس في هذه الغرفة غيري
    وهذا كل ما أريده

    نظرت إلى أمي بحنان .. ماتزال مبتسمة .. عيناها للسماء ..
    إلا أن كتفيها المسدلان لم يعودا كذلك ..

    إحدى يديها كانت على ظهري ..وكأنها تشاركني الاحتضان

    أحسست بلحظة جنونية .. وشعرت أن والدتي استعادت وعيها

    حركتها .. هززتها .. لم تستجب ..

    كنت أخاطب إخوتي الموتى حولي ..

    أمي استفاقت .. استفاقت أمي

    ركضت للخارج و أحضرت ماء ..

    بدأت أمسح وجهها ابتداء من جبينها ..أحسست بشعور مخيف .. تمنيت أن لا يزورني أبدًا

    وكأن شيئًا قد تغير في ملامح أمي

    نظرت في وجهها ..متأملاً ..

    هذا الثقب الدائري .. لم يكن على وجه أمي سابقًا .. من أين جاء ؟!

    وضعت يدي عليه .. ببلاهة

    أسألها: ماهذا يا أمي؟!

    لا أعلم كم مرة كان علي أن أعيد السؤال

    حتى أجابتني برودة جسدها !!

    ارتخت أطرافها أكثر من ارتخائها مسبقًا

    ميتة .. كيف لم أرى تلك الرصاصة التي سلبت مني روحك ؟

    كنت فوقك تمامًا ..! كيف حدث أن تسرقك دون أن تعبرني ؟


    تراجعت للوارء .. مصدومًا .. شعرت بكل ماجرى حولي فجأة

    توالت مشاهد استشهاد إخوتي أمام عينيّ ..

    سقط كرسي والدي العتيق على رأسي ..كان فارغًا من والدي المعتقل طبعًا !

    آمتني ضربته ..لكني لم أمت للاسف ..وبقيت وحدي أتنفس في غرفة غادرتها أرواح عائلتي تباعًا


    أو ربما بقيت وحدي ميتًا في غرفة تلاقت فيها أرواح قاطنيها في نعيم وروضٍ مزهر


    انتهى

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...