[المهلب وكسر الخوارج]
.
تمهيد : يُعَدُّ القائد الفذّ "المهلّب بن أبي صُفرة" من أعظم أركان الدولة الأموية ، وهو في نظري .. أكبر القيادات العسكرية المتخصصة - عبر تاريخ الإسلام - في حربِ الخوارج ومحاصرة الفكر الخارجي بالقوة العسكرية ؛ إذ جابههم مدّة عشرين سنة ، وله الفضل الكبير - بعد الله - في تشتيتهم والقضاء عليهم ، بعد أن صدعت منهم رؤوس بني أمية زمنًا طويلا ، وكان عِماده في ذلك الحيلة والصبر ..
.
كان "الحجاج بن يوسف" يستعجلُ "المهلب" في القضاء على الخوارج الأزارقة أصحاب "قطري بن الفجاءة" [أعتى فرق الخوارج] ، وكان "المهلّب" - كما أسلفت - طويلَ البال ذا أناةٍ وصبر ، فإذا أعجله "الحجّاج" قال : (إن البلاء كل البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره) ، ثم بيّن بعد ذلك للحجّاج رؤيتَه العسكرية التي يمكنه من خلالها أن يقضي على الخوارج الأزارقة فقال : (إني أنتظر منهم ثلاث خصال : موت صاحبهم قطري بن الفجاءة ، أو فرقة وتشتيتًا ، أو جوعًا قاتلاً ) أما الأولى فقد سعى إليها دونَ جدوى ..فـ "قطريّ" صاحب شخصيّة جذابة تميل إليها الخوارج ، فهو خطيب مصقع بليغ .. وشاعرٌ فذٌّ مفلق .. ومقاتلٌ مستبسلٌ شجاع ، وكلل ذلك باتخاذ لقب "أمير المؤمنين"فكان أصحابه يسلّمون عليه بالخلافة مدة عشرين سنة ، ولا شك أن منصب الخليفة له قداسةٌ كُبرى ، هنا .. رأى "المهلب" أن قتلَ "قطريّ" سيشقّ جمع الخوارج ويفلّ حدّهم .. لكن لم يشأ الله أن يُقتَلَ خليفتهم ! أما الحصار والتجويع فبعيد المنال ؛ ذلك أن الخوارج ينشطون في بلاد فارس .. في أطراف الدولة الإسلامية .. وعليه فحصارهم وتجويعهم أمرٌ مستحيل ، لا سيما وأن بلاد فارس تنعم بالخيرات وليست صحراء قاحلة ! لم يبق للمهلب إلا الثانية ، أن يفرّق ويشتت .. فخطّط لذلك تخطيطًا محكمًا ، واستطاع أن يضربهم بنقطةِ قوّتهم لتنقلبَ عليهم فتكون نقطةَ ضعفٍ تشتتهم .. حتى افترقوا واقتتلوا وهو يقف موقف المتفرّج ، ولم يبقوا بعد هذه الخطة إلا زمنًا يسيرا حتى قضى عليهم وأفناهم ، ولسان حاله : (من زمان يا رجُل) .. ولم أجد له سوى موقفٍ واحد يُعمِل فيه هذه الخطّة إلا أنه قصم الخوارج به ! ولا أدري هل هذا هو التطبيق الأول لها ؟ أم أنه فعل ولم يُنقَل ..؟! أم أن اطلاعي قد قصُرَ عن الإحاطة بأخباره ؟!! لا أدري ..
.
هذا .. وقد كان الخارجي "قطريّ" أبصرَ الناس بعدوّه "المهلّب" ؛ إذ كان يقول لأصحابه : (وإن المهلب من قد عرفتموه ... فهو الليث المبر ، و"الثعلب الرواغ" ، والبلاء المقيم) ..
.
يا ترى ماذا فعل "المهلب" ؟!

انتهزَ نزعةَ التكفير عند القومِ فقلبها عليهم ، والتكفير من صميم عقيدة الخوارج ، وهو مصدر قوّتهم في التخلص ممن لا يرغبون وفي تجنيد الأغرار - وأكثرهم كذلك - .. ويدفعهم إلى ذلك جهلهم إن كانوا يفعلونه عقيدةً وديانة ، وعليه : فالمعادلة المهلّبيّة [ 😄 ] تقول : (تكفير + جهل + حيلة = تشتيت ثم انكسار) .. انظر الحيلة في الرد القادم ..