جرَت بين "المهلب" وبين الأزارقة وقعَة ، وكان مع الأزارقة رجلٌ حدّاد يقال له : "أبزى" ، يصنع نِصالاً مسمومةً فيرمي بها أصحاب "المهلب" فتصيب منهم وتقتل ، فرفعوا ذلك إلى "المهلب" واشتكوا نكاية الرجل فيهم ، فقال : (أنا أكفيكموه إن شاء الله) [وجد مدخل للحيلة].
.
فوجّه رجلاً من أصحابه بكتابٍ [رسالة] وألف درهم إلى معسكر الأزارقة ، وقال له "المهلب" : ( ألق هذا الكتاب في عسكر قَطَري [أمير الأزارقة] واحذر على نفسك) [يريد المهلب من الرجل أن يلقي الرسالة ومعها المال في مكان تجمّع جيش الأزارقة بشكلٍ لا يلفت الأنظار ، لماذا ؟ السرّ في محتوى الرسالة .. انظر]
.
فمضى الرسول ، وكان في الكتاب : (أما بعد ، فإن نِصالك قد وصلت إليّ وقد وجهتُ إليك بألف درهم فاقبضها وزدنا من هذه النصال) فأخذ الكتاب أحد الجنود وأطلع أميره "قطري بن الفجاءة" عليه فشعر الأمير بخيانة "أبزى" ، فدعا بالحدّاد "أبزى" ، فقال له : (ما هذا الكتاب ؟) ، قال : ( لا أدري) ، قال : (فهذه الدراهم) ، قال : (ما أعلم علمها) فأمر به فقُتل !!
.
[بدأ مفعول صنيع المهلّب] فجاء "عبد ربه الصغير" أحد قادة الجيش ، وقال لقطري بن الفجاءة : (أقتلت رجلاً على غير ثقة ولا تبيّن ؟؟) فقال "قطري" : (فما هذه الدراهم؟؟) ، قال "عبدربه" : (يجوز أن يكون أمرها كذبًا ، ويجوز أن يكون حقاً) ، فقال "قطري" : (قتلُ رجلٍ في صلاح الناس غير منكر ، وللإمام أن يحكم بما رآه صلاحًا ، وليس للرعية أن تعترض عليه) فتنكّر له "عبد ربه" في جماعة من أنصاره وتغيّرت قلوبهم على [قطريّ] .. فـ كرهوه .. لكنهم لم يفارقوه . [الآن انظر خطوة "المهلب" المجنونة بعدما بلغه خبر الخلاف بينهم]
.
فبلغ "المهلب" ما جرى بين القائد والأمير ، فدسّ رجلاً نصرانيًا إلى "قطري بن الفجاءة"وأوصاه إذا رأى "قطريًا" أن يسجد له ، وقال للنصراني : (إذا نهاك فقل : إنما سجدت لك) ، فذهب النصراني وسجد والخوارج ينظرون ، فقال له "قطري" : (إنما السجود لله) فقال النصراني : (ما سجدت إلا لك) فقال رجل من الخوارج لقطريّ : ( قد عبدك من دون الله ، وتلا "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون") [جهل] فقال "قطري" : (إن هؤلاء النصارى قد عبدوا عيسى بن مريم فما ضر ذلك عيسى شيئًا) ، فقام رجل من الخوارج إلى النصراني فقتله ، فأنكر عليه "قطري" وقال : (قتلت ذميًا) ، فاختلفت الكلمة وتنازع القوم .
[بقي الخطوة الثالثة .. "المهلب" يغذّي الخلاف عن طريق استغلال نزعة التكفير والجهل]

.
فبلغ ذلك "المهلب" .. فوجّه إليهم رجلاً يسألهم سؤال جاهل مستفتٍ عن مسألةٍ عقديّة لقّنها له "المهلب" ، فأتاهم الرجل فقال : (أرأيتم رجلين خرجا مهاجريْن إليكم فماتَ أحدهما في الطريق ، وبلَغَكم الآخر فامتحنتموه فلم يجز المحنة [الاختبار] ما تقولون فيهما ؟) [كان السؤال أمام الجميع وهذا مقصود] ، فقال بعضهم : (أما الميت فمؤمن من أهل الجنة وأما الآخر الذي لم يجز المحنة فكافر حتى يجيزها) ، وقال قوم آخرون : (بل هما كافران حتى يجيزا المحنة) فكثر الاختلاف ، فتركهم "قطري" وخرج إلى حدود [مدينة] "اصطخر" وخرج معه بضعة عشر ألفا ، وانشق عنه -بسبب حيلة المهلب - ثلاثة من القادة في ثلاث فِرَق : "عبدربه الكبير" ومعه سبعة آلاف ، و"عبدربه الصغير" ومعه أربعة آلاف ، و"عبيدة اليشكري" ومعه جماعة .. فاقتتلوا فيما بينهم قتالًا شديدا ، فأرسل "الحجاج" إلى "المهلب" يستحثه على انتهاز الفرصة والقضاء عليهم ، فقال له "المهلب" : (إني لست أرى أن أقاتلهم ما دام يقتل بعضهم بعضًا ، فإن تمّوا على ذلك ، فهو الذي تريد وفيه هلاكهم ، وإن اجتمعوا لم يجتمعوا إلا وقد رمق بعضهم بعضًا ، فأناهضهم حينئذ ، وهم أهون ما كانوا وأضعفهم شوكة إن شاء الله تعالى) ، واستمر القتال بين الخوارج شهرًا كاملًا يفني بعضهم بعضا .. فلما خارت قواهم وضعفت شوكتهم ، أرسل "المهلب" إلى كل مجموعةٍ أحد قادته ، فتمكن من القضاء عليهم إلى الأبد .
.
فقط ، وفهمكم كفاية : ) •

----
طبعا القصة منقولة، وبنقلي لها طرأت لي فكرة موضوع جديد فإن أعجبتكم القصة فتعليق أو رسالة أو على أقل تقدير تقييم تبين مستوى التفاعل وتشحذ همتي للمزيد وطرح الموضوع الجديد..