عندما أحببت.. (قصة)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 10 من 10

مشاهدة المواضيع

  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    المـشـــاركــات
    44
    الــــدولــــــــة
    فلسطين
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي عندما أحببت.. (قصة)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



    ***

    (1)
    "نبيــــــــــــــــل"

    كنتُ شاباً مثله..
    أجل كنت مثله اتوقد شباباً وحيوية وتفاؤلاً، رغم ظروفنا الصعبة، فرغم أن والدي عامل بناء محترف ومتقنٌ لعمله؛ إلا أنه يتقاضى رواتب متقطعة، بالكاد تفي بحاجاتنا اليومية! وكنتُ سأنضم إليه في عمله، بصفتي ابنه الأكبر والوحيد، لولا أن والدتي أصرّت على إلحاقي بالجامعة، بعد أن أقنعتنا بأن هذا سيكون أفضل للجميع، خاصة وأن علاماتي تؤهلني لدخول أي تخصص أختاره، مما يسهل لي الحصول على وظيفة جيدة فيما بعد، حتى أن أخواتي الثلاث اللاتي يصغرنني بعدة سنوات، كدنَ يطرن من الفرح؛ وهن يعلقن آمالا كبيرة على هذا القرار!
    ورغم التقشف الكبير، الذي ضاعفته أسرتي على نفسها من أجلي- مع حرصي الشديد على الاقتصاد، إذ لم أكن أشتري إلا الكتب، التي لا تتوفر في المكتبة العامة- إلا أن سعادتهم بقطعي لسنوات الدراسة، الواحدة تلو الأخرى بنجاح منقطع النظير؛ كان أكبر محركٍ لي كي أبذل جهدي، وأنا أرى الحياة تبتسم لي، والمستقبل تلوح بشائره المزهرة في طريقي، فسأعمل فور تخرجي، لأحول أحلامهم إلى حقيقة، وأمنياتهم إلى واقع!
    كان هذا هو الأمر الوحيد الذي يشغل تفكيري، ولم أكن أدرك أن هناك أمراً في هذا الكون، قد يشغلني أكثر منه! غير أن التقائي بتلك الفتاة؛ هز وجداني، بل وقلب كياني رأساً على عقب!!
    كنتُ وقتها في السنة الأخيرة، في قسم اللغات والترجمة، وقد تم تقسيمنا إلى مجموعات صغيرة، من أجل مشاريع الترجمة الكبيرة، حيث رأى أستاذنا أن بإمكاننا البدء بترجمة كتب لم يسبق ترجمتها إلى العربية، ومن ثم ترجمة كتب عربية؛ إلى لغات لم يسبق أن تُرجمت إليها، بالطبع كان مشروعا ضخماً، وتحدياً كبيراً، وقد حرصتُ أن أبذل فيه أقصى جهدي، كخيل السباق عندما تقترب من خط النهاية، فلم أنتبه لوجودها معي في المجموعة نفسها، إلا عندما قال لي قائد مجموعتنا "أشرف"- في إحدى اجتماعاتنا لتوزيع جزئيات العمل:
    - لقد أثنى الأستاذ على عملك يا "نبيل" بشكل خاص، يقول أن الجزئية التي ترجمتها ممتازة جداً، بل واحترافية أيضاً.. والشيء نفسه ينطبق على "نائلة"..
    نطق باسمها وهو يلتفت نحوها، متابعاً كلامه:
    - الاستاذ يريد منكِ أنتِ و"نبيل" مقابلته في مكتبه..
    يومها فقط، انتبهتُ لوجود "نائلة" في مجموعتي، تلك الفتاة نفسها التي لفتت نظري أول مرة، في اجتماع السنة الأولى مع رئيس القسم، حيث ألقى محاضرة مطولة عن الترجمة ومجالات الابداع والتفوق فيها، وما إلى ذلك، ثم سألنا عن أهدافنا، التي ننوي تحقيقها من دخول هذا القسم.. بالنسبة لي كنتُ واضحاً منذ البداية، فقد ذكرتُ بصريح العبارة، أنني اخترت القسم فقط؛ لأنني وجدتُه أكثر قسمٍ له مجالات عملٍ واسعة ومربحة، فهدفي هو الحصول على عمل ذو دخل ممتاز! هذا كل ما في الأمر! ورغم تنوع الأهداف التي ذكرها الطلبة، إلا أن "نائلة" تمكنت من لفتِ نظري، لدرجة أنني لم أستطع منع نفسي من الالتفات نحو مصدر الصوت، لأرى من تكون هذه الفتاة!! كانت فتاة أنيقة بحجابها، تلوح الثقة من نظراتها، وتتمتع بشخصية فريدة، تجبرك على احترامها!
    ما زالت كلماتها ترن في أذني:
    "أريد أن أترجم كُتباً للتعريف بالأسلام، لعل الله أن يجعلني سببا في هداية الخلق!"
    صحيح أن شعور الإكبار لهذه الفتاة تملكني تماماً وقتها، غير أن مسؤولياتي تجاه أسرتي، كان أكبر همي، فسرعان ما نسيتها، في خضم الواجبات المزدحمة!
    كثير من أصدقائي يطلقون عليّ لقب "الابن البار"، غير أنني لا أفعل أكثر مما يحتمه الواجب عليّ، بل لا أتخيل أن هناك من يمكنه فعل غير ذلك، لو كان في مكاني!
    لم أدرك أن مشاعري تجاه "نائلة" كانت خامدة في قلبي منذ ذلك الوقت، وإلا.. فما معنى أن يهيج بركان قلبي فجأة؛ بمجرد أن ذّكّرّ "أشرف" اسمها معي!!
    لقد وجدتُ نفسي مرتبكاً جداً، ونحن نسير تلبيةً لدعوة الأستاذ، وقد حرصتُ على أن أجعل خطواتي سابقة لخطواتها، خشية أن تفلتَ مني نظرة خاطئة نحوها، فقد كانت أجلُّ قدراً، من أن تدنسها نظراتٌ آثمة!
    تهلل وجه الأستاذ لرؤيتنا، وأشار إلى مقعدين أمام مكتبه، فجلّسَت "نائلة"، ثم جلستُ أنا...
    كان الأستاذ منفعلاً جداً، بدرجة لم آلفها فيه من قبل، بل إن كرمه علينا بالثناء والمديح، أنساني معظم ما قاله، غير أن بعضاً من كلماته علقت بذاكرتي:
    - أنتما أفضل اثنين قمتُ بتدريسهما حتى الآن، إنني حقاً فخورٌ بكما، فلا أكاد أصدق أن بين طلبتي في هذا السن، من يمتلك مثل هذه الاحترافية..
    بدا الأستاذ منفعلاً بإنجازنا بلا شك، أما أنا؛ فقد كنتُ أخشى أن يسمع أحدهما تسارع نبضات قلبي، كلما ذكرني معها بلفظ المثنى!! وعندما سألنا عن أهدافنا وطموحاتنا، شعرتُ برغبة في أن أجيبه جواباً يُبهرها، غير أنني لم أكن لأقول شيئا لا أتمثله، فأخبرته بصراحة عن رغبتي في العثور على عمل ذو دخل ممتاز!
    وقتها شعرتُ بأنني سكبتُ ماءا مثلّجاً على رأسه، لأنه نظر إليّ بوجوم:
    - أهذا كل ما في الأمر!! لا أصدق أنك "نبيل أكرم" الذي يتحدث جميع من في القسم عنه! ألا يوجد لديك طموحات، أهداف عظيمة، مشاريع مستقبيلة، أفكار عالمية،...
    لا أعرف ما الذي كان يريد الأستاذ سماعه تحديداً، مما جعله يتابع كلامه بإصرار:
    - ألا تفكر في إكمال دراسات عليا!!! أتعرف ما الذي يعنيه أن تكون محترفاً بالترجمة في أربع لغات حيوية عالمية، كتابةً ومحادثة؟؟ إلا تدرك أن اتقانك للترجمة الفورية بهذه اللغات؛ يُعد عملة صعبة في هذه الأيام!!! أنت تمتلك كنزاً لا يقدر بثمن، ويمكن أن تصاحب الوزراء، بل وجلالة الملك نفسه!! ألا تدرك قيمة ذلك!!! الجميع يتحدث بموهبتك الفريدة، وكل ما تريده في النهاية؛ هو الحصول على عمل ذو دخل ممتاز فقط!! لماذا تجهد نفسك كل هذا الجهد إذن!!
    لا أعرف لمَ بدا الأستاذ ممتعضاً من إجابتي في ذلك الوقت، فقد اختصرتُ ما قاله لي؛ في جملة واحدة، لا أكثر ولا أقل!! ثم إنني حريصٌ على اتقان عملي مهما يكن، فهذه صفة ورثتها عن والدي.. سواء عملتُ في مكتبٍ صغير، أو مع وزير... اتقان العمل؛ أمرٌ مفروغ منه بالنسبة لي! ولا أدري كيف ستكون ردة فعل الأستاذ، لو أخبرته بأن دراستي لأكثر من لغتين حسب المقرر، كان من اقتراح أمي، التي قالت بأن هذا سيزيد من فرصة حصولي على عمل!! لذا آثرتُ الصمت..
    بالطبع كان عقلي وقتها منشغلاً بما ستجيب به "نائلة"، وبكل ثقة؛ أجابت بما كنتُ أنتظر سماعه، وخفق قلبي بشدة.. ولم أكن أدري، هل خفق من روعة ما نطقت به، أم لشيء آخر لم أكن أدركه!
    لا أدري كيف مرت الأيام بعد ذلك، غير أنني بتُ متأكداً من أن "نائلة"؛ هي الفتاة الوحيدة التي ملكت قلبي، لكن مشاعري تلك؛ لم تتجاوز حدود صدري، فما زال أمامي سنة لأتخرج! بقيتُ كما أنا، غير أن تعديلاً طفيفاً وهاماً في الوقت نفسه؛ طرأ على خطتي، بعد أن أصبحت "نائلة" جزءا من هدفي! وكثيراً ما تأملتُ اسمينا معاً.. "نبيل ونائلة"، وكأننا خُلقنا لبعضنا البعض!!
    وبدأ المستقبل يلوح أمامي أكثر إشراقاً، سأتخرج وأعمل، وأساعد والدي وأُسعد أسرتي، ثم سأخطب "نائلة" بالتأكيد، ولم أكن لأغرق في أحلام اليقظة، فاتخذتُ من ذلك حافزاً، يزيد من عزيمتي لأمضي قُدُما..
    وجاء اليوم الموعود، فبعد أن تخرجتُ بدرجة الشرف الأولى، واجتزتُ اختبارات القبول لعدد من الوظائف المختلفة، أتاني اتصال هاتفي من رقم خاص.. السفير يطلب مقابلتي شخصيا!!
    يومها أقامت أمي حفلة في بيتنا بهذه المناسبة، ورقصت أخواتي طرباً، وكانت كبراهن لا تزال في المرحلة الثانوية، أما أبي.. فقد لمحت دمعة نفرت من عينيه تأثراً، ولا أنسى كلماته لي أبداً:
    - رضي الله عنك يا بني وبارك فيك.. إنني حقاً فخور بك..
    وبدأت أحلامي تكبر، ستكون فرصة لي لأجوب العالم، وستكون "نائلة" برفقتي، وستحقق أهدافها في الدعوة أيضاً.. وسيدخل الناس في دين الله أفواجا..
    غير أن أحلامي السعيدة تلك، ما لبثت أن اصطدمت بالواقع المرير!!
    فعندما قابلتُ السفير في مكتبه، فوجئت بوجود زجاجات خمرٍ أمامه هو وضيفه، والذي علمتُ فيما بعد؛ أنه ممثل لإحدى الدول الأجنبية الكبرى! لا أدري لماذا دعوني لمباشرة العمل فوراً، بدل أن يحدثني السفير على انفراد، لنتفق على طبيعة العمل قبل أي شيء!! لقد فوجئت به يحييني بابتسامة ودودة، ويدعوني للجلوس معه هو وضيفه، قائلا لي، بأن هذا عملاً مستعجلاً، وهو بحاجة لمن يترجم له المحادثة، مع هذا الزائر الهام!!
    لا أدري كيف تمكنتُ من استيعاب كلماته وقتها، فقد كانت عيناي زائغتان تماماً، بعد أن لمحتُ تلك الزجاجات!! كيف لي أن أجلس في مجلسٍ كهذا!!
    ويبدو أن السفير تضايق قليلاً من ترددي، وربما أدرك ما يجول في ذهني، فحاول تلطيف الجو بقوله:
    - لستَ مضطراً للشرب، فهذه رسميات ضرورية، وأمور دوبلوماسية هامة! اجلس فقط..
    غير أنني أجبته بأدب:
    - أرجو المعذرة.. لا يمكنني قبول الوظيفة..
    وابتسمتُ لضيفه مُحيياً، ثم خرجت!
    غير أن موجةً من الحزن انتابتني بشدة؛ بمجرد أن وطأت قدماي رصيف الشارع! بأي وجه أعود لوالداي وأخواتي الآن، وهم لا يزالون في نشوة الفرح!! ثم تراءت لي "نائلة".. كيف سأتقدم لخطبتها، إذا لم أحصل على دخلٍ جيد!!! صحيح أن الفرصة لا تزال أمامي في أماكن أخرى، رغم أنني أعلنت انسحابي من معظمها، ولكن.. أحلامي التي بنيتها منذ اتصال السفير؛ تهدّمت، والهوة بيني وبين "نائلة" اتسعت!
    مشيتُ على غير هدى، وقادتني قدماي لأقرب مسجد، صليت ركعتين وبكيت بحرقة.. (اللهم اجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها)..
    مكثتُ في المسجد وقتاً أطول مما تخيلت، إذ لم انتبه إلا على صوت أذان العصر، فأديتُ الفريضة، وما أن سلمت؛ حتى تفاجأتُ بـ "أشرف" عن يساري! لم أكن قد رأيته منذ أن تخرجت، ففرحتُ لرؤيته، وعرفتُ أنه تزوج من ابنة عمه، بعد أن طالت خطوبتهما أكثر مما ينبغي، إذ كانت مخطوبة له منذ سنته الجامعية الأولى! ثم باغتني بسؤال لم أتوقعه منه:
    - ومذا عنك أنت يا "نبيل"؟ ألم تفكر بالزواج بعد؟!!
    أطلقتُ وقتها تنهيدة طويلة، فحالتي المادية، والتزاماتي تجاه أسرتي، لا تسمح لي بالتفكير بذلك أصلاً! وأمامي صمتي، رمقني "أشرف" بابتسامة غريبة:
    - ألم تحدثها بشيء بعد؟
    حملقتُ فيه بدهشة حقيقة وقتها، إذ لم أكن أتخيل أن مشاعري تجاه "نائلة"؛ ظاهرة إلى ذلك الحد! لكنني سألته باهتمام:
    - من تقصد؟
    فما كان منه إلا أن أردف بقوله:
    - لا تتظاهر بالسذاجة.. أقصد "نائلة" بالطبع، ومن غيرها!!
    كانت صدمة حقيقية بالنسبة لي، إذ لم يحدث أن نطقتُ باسمها أمام أحد، بل لم يحدث أن تبادلتُ معها كلمة واحدة، خارج نطاق الضرورة القصوى! بل لم يحدث ذلك أكثر من مرتين على الأكثر!! غير أن "أشرف"؛ كان لا يزال مصراً على كشف أوراقي علانية أمامه، فقال بثقة وكأنه قرأ أفكاري:
    - حتى إن لم تخبر أحداً بذلك، فإعجابك بها واضحٌ جداً، ولا عجب في ذلك، فبينكما الكثير من القواسم المشتركة..
    كانت جملته تلك مفاجأة أخرى بالنسبة لي، فهل يُعقل أنني أتقاسم مع "نائلة" الكثير من الصفات!! لكنني سرعان ما عزيتُ ذلك إلى كون الأستاذ نادانا معاً في ذلك اليوم، لكن "أشرف" أصرّ على أن يسلك في حديثه منحى مختلفاً عما يدور في ذهني، بقوله:
    - كلاكما متميزان، وله جاذبية كبيرة، فهي رغم حجابها؛ من أكثر الفتيات جاذبية، ولولا أنها تعرف كيف ترسم الحدود جيداً، لتهافت الشباب عليها؛ مثلما يتهافت الفراش على النار! وأنتَ أيضا تمتلك الجاذبية نفسها بالنسبة للفتيات، لولا أنك تتجاهل هذه الحقيقة دائماً باصرار، وأعتقد أن أي شاب آخر لو كان في مكانك؛ لأصبح له شأنا مختلفا تماماً!! ألا تنظر لنفسك في المرآة؟؟ وأنت إضافة إلى وسامتك الظاهرة؛ متحدثٌ لبق، ونبرة صوتك وأسلوبك في الكلام يأسران الآذان.. وحتى هدوؤك وصمتك، وتركيزك على دراستك، ومدح الأساتذة لك... كل هذا يجعلك فارس أحلام مثالي بلا شك...
    لا أدري ما الذي شعرتُ به تحديداً، عندما تفوه "أشرف" بكل تلك الكلمات، غير أنني آثرتُ الصمت، فيما تابع كلامه:
    - وأظن أن "نائلة" معجبة بك أيضاً.. بل أكاد أجزم بذلك، وربما تنتظر اللحظة التي تتقدم فيها لخطبتها، فلا تتأخر عليها..
    كانت تصريحاته تلك؛ كفيلة بزلزلة قلبي، فلم يعد قادراً على مزاولة عمله بهدوء، حتى خشيت أن يسمع وجيبه! فما كان من "أشرف" إلا أن ربت على ظهري، وهو يهم بالخروج، قائلاً:
    - آمل أن لا تتأخر عليها، فالفتاة لن تنتظر شخصاً لم يَعِدها بشيء، والخطّاب كثيرون!!
    كانت تلك الحقيقة المرة، بمثابة الخنجر المسموم، الذي اخترق قلبي دون أدنى رحمة! وكأن "أشرف" أدرك ما يلوح على وجهي من ألم وهم، فقال لي محاولاً طمأنتي:
    - إنني واثقٌ من أنها لن ترفضك، فتقدم لخطبتها بسرعة، ولا تتردد..
    غير أنني كنتُ واثقاً من إجابتي هذه المرة:
    - الزواج مسؤولية كبيرة يا "أشرف"، ولدي التزاماتي تجاه أسرتي قبل ذلك، فهل تريد مني أن القى مصير بطل قصة "الحب والخبز" لـ "أوغست سترندبرغ"؟؟
    فما كان من "أشرف" إلا أن انفجر ضاحكاً:
    - هكذا إذن!! أنت واقعي بدرجة كبيرة يا صديقي، لدرجة أن الأحلام لا تجرؤ على لمسك!! حسناً... بالطبع لا يمكنك الاقدام على زواج؛ دون امتلاكك للقدرة المادية، ولكن على الأقل حاول أن تتواصل معها، وتخبرها بأنك تنوي خطبتها حالما تتوفر لديك الإمكانية، وستنتظرك بالتأكيد..
    لا أدري كيف تمكنتُ من السيطرة على غضبي، جراء اقتراحه ذاك، فبأي حق أتواصل مع فتاة بطريقة ملتوية، أتجاوز فيها أهلها!! لكنني كظمتُ غيظي، واكتفيتُ بقولي:
    - لا يمكنني أن أعد أحداً بشيء، لا أثق بقدرتي على الوفاء به! حتى الرسول صلى الله عليه وسلم في حثه على الزواج؛ قال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"، ولستُ بالذي يحدّث فتاة؛ قبل أن يتأكد من قدرته على الارتباط بها رسمياً..
    وكأن "أشرف" شعر بأنه ضايقني بكلامه، فأسرع يعتذر بقوله:
    - صدقني.. لم أكن أقصد سوى الخير لك، فسامحني إن أزعجتك، وحظاً موفقاً لك..
    إلا أنني بعد ذلك، لم أكن لأشعر بأي ضيق منه، بل إن كلامه أشعرني بنوعٍ من الراحة، فربما يكون عرف شيئا عن "نائلة" من زوجته، فهما صديقتان على ما يبدو، وهذا ما أوقد عزائمي من جديد، لأباشر البحث عن عمل، وفي أسرع وقت..
    ومما خفف عني تلك الليلة، أن والداي باركا موقفي من وظيفة السفير، وقد أكّد أبي عليّ بقوله:
    - المال مهم جداً لنا بالطبع، لكن الأهم هو أن يكون حلالاً، ومن طريقٍ حلال..

    (يتبع)

  2. 4 أعضاء شكروا مدرسةالفروسية على هذا الموضوع المفيد:


المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...