أفكار عبقرية


يا للهول!
الناظر ينطلق نحونا مثل الدبابة، ويصرخ في توحش، واللعاب يتطاير من فمه!
صرخ بي رفيقي مرعوبًا (ماذا نفعل)؟
طلبتُ إليه، من دون خوف، أن يجري للفرار بحياته
وكيف أخاف، والرعب يسيطر على كياني كله؟!

أخذنا نجري في الممر بين الصفوف بأقصى ما تستطيعه أقدامنا الضعيفة
ولكن الناظر كان سريعًا جدًا، ومن دون أن أتوقع أنه قد وصل إلينا سمعتُ ذلك الصوت الرهيب
لقد أهوى الناظر بقبضة يده على رقبة رفيقي، بضربة غير منطقية، ليسقط الأخير أرضًا صارخًا بألم هائل
ويتابع رحلة الفرار زحفًا
ووصل المتوحش إليَّ... ها هو يرفع يده ويَهُمُّ بضربي
وها أنذا أثبِّتُ قدميَّ في الأرض، قبل أن أثب بعيدًا، سعيدًا بنجاتي
ولكن السعادة لم تكتمل على الإطلاق

بكل بساطة حوَّل الناظر هدفه من رقبتي لتهوي في منتصف ظهري، وأنا في الهواء!
سقطت على الأرض صارخًا بألم هادر، وجسمي يزحف رغمًا عني من قوة الضربة الصاعقة
ولا أعرف كيف تمالك رفيقي نفسه ليقف على رجليه؛ برقبة مائلة في اتجاه واحد؛ ويفتح باب الصف ويختفي داخله مغلقًا الباب خلفه، لا يتذكر أنه قد تركني في يدي وحش مخيف.
وارتفعت صرخة المعلمة المستنكرة: (ما هذا؟ هل تظن نفسك داخلًا في قن الدجاج أم في...)؟
فتحتُ الباب هنا، بحركة عنيفة جدًا، لأدخل راكلًا الباب خلفي بساقي مغلقًا إياه بوجه الناظر تمامًا، بل وتمنيتُ أن يكون الباب قد صدم أنفه وحطمه!
وشهقت المعلمة من المفاجأة، وصرخت: (كَـ...)
فتح الناظر الباب هنا، بل اقتحمه اقتحامًا، مثل دبابة بشرية، صارخًا في جنون (هااااااع)!!
كادت المعلمة تقع ميتة بالسكتة القلبية لفرط المفاجأة والرعب، بل إن كل التلاميذ قد صرخوا مرعوبين، ونظر الناظر نحونا بنظرات مخيفة، وفجأة لانت ملامحه، وابتسم لنا ابتسامة هادئة، قائلًا وهو يغمز بعينه، بصوت لطيف خفيف: (كما اتفقنا، لا تنسيا)!
لا ننسى؟! نرجو أن تبتلعك حية كبيرة وتنسى أن تلفظك من فمها!

خرج الناظر بأفعاله الذكية من الصف، لنباغت بدهاء المعلمة!
لقد طلبت إلينا أن ننتظرها قرب الحائط، واقفين على ساق واحدة، وذلك كي نتعلم
كي ندق الباب المرة المقبلة!
وماذا عن هذا الوحش الذي دقَّ عظامنا وكاد يصيبنا بالشلل؟!
حاولنا أن نخبرها بما حصل، لكنها رفضت أن تستمع المبررات، فرفضنا نحن ما تطلب،
لكنها أصرَّت، بل وقالت إنها ستضربنا ضربتين لكل واحد منا على يديه، فأخبرناها بأنها تحلم.

لكنها لم تكن تحلم!
إذ قالت لنا ببساطة تامة إنه إما أن نفعل ما تطلب أو أنها ستنادي الناظر ليتولى المهمة بدلًا منها!
وهكذا، أسرعنا نلبي طلبها بكل حماسة، ونقف قرب الحائط ونمد أيدينا، منتظرين الضرب!
بل إن رفيقي هتف بها بحماسة: (ضربتان وأربع، لا، بل ست ضربات، بأمرك مدام)!

ولم تخيب المعلمة هذا الطلب
لينال كل منا ست ضربات لعينة
والألعن... سبب المشكلة كلها محمد كان جالسًا مكانه!
لقد (حزنت) المعلمة لأنها علمت أنه مطرود، فسامحته بقلبها الحنون الذي لا يتحمل حزن الأطفال!

وفي اليوم التالي، أتى والد رفيقي ليسأل عن الذي حصل، ولماذا تعاني رقبة ابنه هذا الالتواء
فكان رد الناظر أنه لم يحب أن يعذبنا، فركض خلفنا ليصعد الصف معنا، ويخبر المعلمة بأننا أبرياء وذلك لتتركنا ندخل
ولكننا لم ننتبه إليه، فأخذ ينادينا! (إذًا، هذا سبب الجاعور الناعم يا رجل)!
(ثم ما الداعي لننتبه إليك، وسرعتك مثل سرعة الضوء)!
وإذ رآنا الناظر نركض، ظن بأننا اثنان غير الاثنين اللذين كلماه
وبالتالي لا بد أننا قد ارتكبنا خطأ ما، فأسرع خلفنا، ولكن حينما دخلنا الصف
دخل خلفنا فتأكد أننا الاثنان الأولان اللذان كلماه، ولسنا اثنين آخرين!
(لو أن هذا الأخ لم يتعلم جدول الضرب والجمع والقسمة والناقص في حياته، لكان أولى له)!

أعتقد أن هذه الأستاذة كانت أستاذة علوم
لكن أطرف مواقفنا مع أساتذة العلوم حصلت مع ثلاثة أساتذة
وتكاد هذه المواقف تشكل معظم طرافة قصص المرحلتين الابتدائية والمتوسطة

ولنبتدئ، أو لنتابع، مع المرحلة الابتدائية
وأول أستاذ علوم من هؤلاء الأساتذة

كان المسكين كل مرة يشرح لنا بطريقة مدهشة
ومن تلك الشروحات الدرس الآتي:
_ حين نفتح زجاجة المياه هل نرى لون المياه؟
_ نعم.
_ لااااااا
_ حين نفتح زجاجة المياه هل نشم رائحة المياه؟
_ نعم.
_ لااااااا
_ حين نفتح زجاجة المياه ونشرب من المياه هل نذوق طعم المياه؟
_ نعم.
_ لااااااااا!! ألا تعلمون أن الماء لا طعم له ولا لون ولا رائحة؟
_ كيف يا أستاذ؟! الماء له طعم ولون ورائحة!
ويحمل الأستاذ العصا صارخًا بغضب:
_ نعم نعم؟!
فنهتف نحن بحماسة نادرة:
_ لا لون ولا طعم ولا رائحة للماء، ولا ماء حتى للماء!
فيهتف الأستاذ مسرورًا:
_ أحسنتم! أحسنتم!
وذات يوم، كان الأستاذ يشرح لنا، من دون طريقة الأسئلة والإجابات الخاطئة هذه، لنفاجأ بأن رفيقًا لنا، سنسميه هنا باسم (وليد) شرد تمامًا، ثم سأل الأستاذ سؤالًا غريبًا جدًا:
_ نحن من أول ما وُلِدنا إلى الآن، نأكل ونشرب، كيف لم تنتفخ بطوننا وتتمزق أمعاؤنا إلى الآن)؟!

ولا داعي لذكر ما حصل آنذاك، لأني أظن ذلك سيتنافى مع الذوق العام
ولكن الختام كانت بضربة هائلة من الأستاذ إلى وجه وليد الذي خفض رأسه لتصيبني في أنفي
وتكاد تكسره قسمين!

غير أن قصص الطرافة عند هذا الأستاذ، والتي تجمعني ووليدًا سويًا كانت
قصة المسابقة التي لم أكن أعلم بها...
آنذاك، رأيتُ بمجرد دخولي المدرسة، صديقي هذا يحمل كتاب العلوم يدرس فيه بحماسة،
فسألته مستنكرًا:
_ لماذا تحمل كتاب العلوم؟ ليس عندنا علوم اليوم!
لِيَرُدَّ باستنكار أشد:
_ نعم؟ نعم؟ ومسابقة ماذا؛ إذًا؛ الحصة الأولى؟!

يا أمي! علوم ومسابقة؟
ليس عندي أدنى علم بهذا الأمر!
والأستاذ جزار لا يرحم أحدًا

_ وليد، حبيبي وليد، أنا...
_ من قال لك ألا تدرس؟
_ وليد! كنت أظنك صديقي الوحيد، والآن تتخلى عني، لتنال علامة مرتفعة، وأنا أنال صفرًا، ويضربني الأستاذ، وتفرح أنت!
_ ولكن...
_ وليد، حبيبي! أنت تحبني، أليس كذلك؟ أنا أعرف أنه لا أحد يحبني سواك في المدرسة كلها، الله يوفقك لا تنسني! الله يرضى عنك!

أظن أن وليدًا كان يمر بصراع عنيف ما بين (المبادئ) و(الحب)!
فهو كان (مثاليًا) في أمور الغش، لا يرضى بأن ينقل حرفًا، حتى لو كان سينال صفرًا

_ ولكن، يا عمر، أنا!
_ قل ذلك يا وليد، لا يهمك أن آخذ صفرًا، ويضربني الأستاذ! وأنا الذي كنتُ أعتبرك صديقي وأخي...
_ حسنًا حسنًا، أنا لستُ مستعدًا لأساعدك ولا بكلمة!
_ ولكن...
_ عليك أن تدرس جيدًا، ولا تنتظرني! ولكن، أنا لم أكمل كلامي، سأفتح مسابقتي أمامك،
اكتب معي كل ما تريد، لكن حينما أقلب الصفحة لأتابع الكتابة، فلن أرجع لأفتحها لك مرة أخرى، مفهوم؟

كان عرضًا رائعًا، فيه الأمل من النجاة من النتيجة المزدوجة المقبلة، الصفر والضرب، فأجبتُ متحمسًا بسعادة:
_ مفهوم، تسلم يا حبيـ...
قاطعني وليد بصرامة:
_ انتظر، أنا لم أكمل كلامي، عندي شرط!

شرط؟
هل يريد المال؟!
يا له من خسيس!!

_ أنا أريد...
(يبدو أنني على حق)!
_ ورقة مزدوجة أكتب عليها، لأن الأستاذ لا يرضى بورقة منفردة.
_ تكرم عيونك!

لم تكن حماستي نابعة من فراغ، بل من فكرة رائعة خطرت لي وقتها
فكرة ولا أروع منها، ولا أظن أحدًا من تلاميذ الكرة الأرضية قد فكر بها قبلي
على الإطلاق!


تابعوا معنا.
[SUB][/SUB]