بسم الله الرحمن الرحيم
ينتشر في شبكات الإنترنت ما يُسمَّونه حديثًا قدسيًا، تتجلى فيه _ وفق مزاعمهم الباطلة _ عظمة الخالق، وهو باطل جملة وتفصيلًا، ونص هذا الكلام المكذوب: (يا ابن آدم جعلتك في بطن أمك، وغشيت وجهك بغشاء لئلا تنفر من الرحم، وجعلت وجهك إلى ظهر أمك لئلا تؤذيك رائحة الطعام، وجعلت لك متكأ عن يمينك ومتكأ عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فالكبد، وأما الذي عن شمالك فالطحال، وعلمتك القيام والقعود في بطن أمك، فهل يقدر على ذلك غيري؟ فلما أن تمت مدتك وأوحيت إلى الملك بالأرحام أن يخرجك فأخرجك على ريشة من جناحه، لا لك سن تقطع ولا يد تبطش، ولا قدم تسعى، فانبعث لك عرقان رقيقان في صدر أمك يجريان لبنًا خالصًا، حارًا في الشتاء وباردًا في الصيف، وألقيت محبتك في قلب أبوك، فلا يشبعان حتى تشبع، ولا يرقدان حتى ترقد، فلما قوي ظهرك واشتد أزرك، بارزتني بالمعاصي في خلواتك، ولم تستح مني، ومع هذا إن دعوتني أجبتك، وإن سألتني أعطيتك وإن تبتَ إلي قبلتك).

هذا الكلام يصلح كمادة مراجعة لمن يريدون التقدم إلى الاختبارات في دراسة الطب البشري، ليتذكروا أنه عن يمين الجنين الكبد، وعن يساره الطحال، وليتقدموا بأبحاث (علمية) مفادها أن الجنين يقوم ويقعد في بطن أمه، وأنه ينفر من رائحة الرحم، والسبب العلمي لجعل وجهه كالغشاء ألا ينفر من الرحم!

وأما بطلان هذا الكلام الفارغ، فيتجلى في الأمور الآتية:


أولًا: ورد في البيان (حديث قدسي)، وهذا حديث موضوع مكذوب، ولا سند له أساسًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان تأليف الأحاديث عن النبي يورد صاحبه النار، فكيف الحال بتأليفها عن رب العالمين؟
ثانيًا: رُوِي عن محمد بن كعب القرظي، برواية مشكوك في صحتها، أنه قرأ في التوراة أو في صحف إبراهيم، كلامًا مشابهًا لهذا الكلام.
وتفصيل ذلك لمن أحب: روى هذا الكلام الإمام أبو نعيم في كتابه الحلية، في ترجمته العباس بن إسماعيل الطامدي، فقال: حدثنا أبي: قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن خلة الصفار، قال حدثنا محمد بن يوسف الصوفي، قال حدثنا العباس بن إسماعيل الطامدي، قال حدثنا مكي بن إبراهيم بن موسى بن عبيدة الربذي، عن محمد بن كعب القرظي، قال: قرأت في التوراة (أو قال في صحف إبراهيم الخليل)، فوجدت فيها: يقول الله يا بن آدم ما أنصفتني خلقتك... ويتابع بكلام مشابه لهذا الكلام.
ثالثًا: هذا الذي يسمونه حديثًا قدسيًا وينسبونه إلى الله تعالى فيه خطآن علمييان كبيران:
الأول: (وجعلت وجهك إلى ظهر أمك لئلا تؤذيك رائحة الطعام): مكان الجنين لا علاقة له بمكان الطعام، ولا يمكن أن تصل رائحة الطعام إلى الجنين بأي حال كان.
الثاني: وجعلت لك متكأ عن يمينك ومتكأ عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فالكبد، وأما الذي عن شمالك فالطحال)، علميًا: الكبد والطحال ليسا بمتكأ للجنين.
رابعًا: في الحديث المكذوب هذا عبارة: (وأوحيت إلى الملك بالأرحام أن يخرجك فأخرجك على ريشة من جناحه)، وهذا أمر يصلح لأفلام الكرتون المؤثرة، ولا يوجد علميًا ولا دينيًا ولا أي آية في القرآن ولا أي حديث نبوي صحيح، يقول بخروج الجنين على ريشة من جناح الملك.
خامسًا: نذكر بالحديث النبوي الصحيح: (من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)، لذا ليس لنا أن نساعد هؤلاء الكذابين على نشر كذبهم على أنه أحاديث دينية نبوية أو قدسية.