ونعيد النص السابق، ولكن بنمط تفسيري هذه المرة:
ماما ضابط مخابرات
تظن بعض الأمهات أن عليهن معاملة بناتهن بطريقة رقابية، والتدخل في شؤون البنت الخاصة كلها، ولا تعتبر الأم أن تكوين شخصية ناجحة لابنتها، يكون بمعاملتها إياها كرفيقة لها، بل تظن ذلك خطرًا عليها، لأنها سهلة الخِداع، فإذا راقبتها ليلًا نهارًا، وأخذت تستمع إلى مكالماتها مع زميلاتها، علمت أدق تفاصيلها، وحافظت عليها!
وتغفل الأم أن هذه الطريقة تدمر العلاقة نهائيًا في ما بينها وبين ابنتها، فيما بعد، أما الطريقة الثانية، أي طريقة الصداقة والزمالة، فإنها تجعل البنت ممتنة لأمها تلك المعاملة، إذ تشعر أنها رفيقتها المقربة، وموضع أسرارها، فتستشيرها في كل أمورها، وتستنير برأيها.
وينقسم المجتمع العربي، تقريبًا، بين هذين الاتجاهين وحدهما، من دون سواهما، إما أن تكون الأم رفيقة ابنتها، أو تكون ضابط المخابرات المكلف بالحصول على أدق أسرارها!

حين تراقب الأم ابنتها بهذه الطريقة، فإنها تغرس في نفسها الضيق الشديد، والشعور بالنقص، خاصة إن لم تسمح لها بالجلوس مع رفيقتها التي تزورها، إلا إن جلست الأم معهما، تستمع إلى كلامهما، وتتدخل في كل شيء، ما يعمِّق الشعور في ذهن البنت وقلبها أن أمها لا تثق بها، فتؤذي الأم ابنتها من دون أن تشعر، وقد تتسبب بأن تخفي الفتاة أسرارها عن أمها بقدر الإمكان، حتى لو كانت أشياء بسيطة، إذ إن الفتاة ستعتقد أن أمها ستلومها حتى لو لم تخطئ، وذلك لأن الأم لم تقم بتربية ابنتها بما يكفل لها قوة الشخصية ومواجهة صعاب الحياة بوعي وحكمة.

فإذا ادَّعَت الأم أنها تحمي ابنتها بهذه المراقبة من الأخطار، رفضت البنت هذا الادعاء، إذ إنها لا تعتقد بوجود أخطار تعرفها أمها وتجهلها هي، بينما إن رافقتِ الأم ابنتها، عمَّقَت ثقة ابنتها بها، وحصدت محبة كبرى منها، غير أن الغريب أن كثيرًا من الآباء يوافقون الأمهات في هذه التربية، ويعتقد أن كل الناس يريدون أن يضحكوا على ابنته، ولا ينقذها إلا رقابة أمها هذه، ولكن الأب لا يراقب، كذلك الأم، الابن الشاب، وينظرون إلى حركاته مع البنات نظرة فخر، وذلك لأنه، برأيهما، قد أصبح رجلًا! فإن فعلت البنت شيئًا من ذلك، فيا ويلها!
الأستاذ عمر قزيحة: شباط/2018