تعيس بئيس! (بقلمي أ. عمر)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 26 من 26
  1. #21


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: تعيس بئيس! (بقلمي أ. عمر)

    تعيس بئيس! (الحلقة الخامسة)
    الكاتب: عمر قزيحة _ عام 1999م.



    قبل أن أقول أي شيء، استطرد المدير بصرخة تقطر غضبًا وحقدًا:
    _ المفتش الذي انتحلْتَ شخصيته!
    وجدتُ نفسي أصرخ مصعوقًا:
    _ ماذا؟؟

    ردَّ المدير، والغضب يقطر من كل حرفٍ من كلماته :
    _ من حسن الحظ أن هاتف المدرسة له شاشة تسجل رقم المتصل، وبعد اتصالك (السخيف) بقليل، أتى عدد لا بأس به من التلاميذ، فاتصلت بالمفتش، لأفاجأ بأن الذي يرد هو صاحب المحل الذي لم ير مفتشًا في حياته، والذي _ وهذا المهم _ أخبرني أن الوحيد الذي اتصل من عنده هو أنت.
    هل رأيت تعاسة أكبر من هذه، أو ألعن؟
    تمت إحالتي إلى مجلس تأديبي لأتعرض إلى استجوابات لا تنتهي...
    لم أكن أفهم ما معنى (مجلس تأديبي) بادئ الأمر، وتخيلت أن (التأديب) سيكون ضربًا عنيفًا كعادتهم الهمجيَّة في التعامل...
    غير أن الناظرة أفهمتني الحقيقة، بمنتهى اللطف والهدوء، وابتسامتها على شفتيها!
    وكأنها تتحدث عن مكافآت سخية سأنالها!
    فمجلس التأديب من صلاحيته طرد التلميذ من يوم إلى ثلاثين يومًا بالحد الأقصى...
    شعرتُ كأنما صاعقة هوت فوق رأسي، ولكنها استطردت مبتسمة:
    _ وفي حالتك، الأمر يختلف!
    هدأت أعصابي قليلًا، لتتابع هي بابتسامتها هذه، حتى تمنيت لو أراها باكية ذات يوم!
    _ حالتك فريدة من نوعها، لقد انتحلْتَ شخصية إنسان آخر، وهذه وحدها كفيلة بإدخالك السجن، لو اشتكى المفتش أو حتى المدير، ولكنهم...
    ارتجف جسدي من فرط الرعب، لهذه (البشارة) الرائعة!
    وشعرتُ بدموعي تسيل خوفَ مجهولٍ ينتظرني...
    هل سأدخل السجن؟
    يا للهول!!
    لم يكن ينقصني إلا هذا!!
    واستطردت الناظرة ضاحكة (هذه المرة لم تبتسم، بل ضحكت)!
    _ ولكنهم سيرحمونك، افرح بذلك، سيطردونك طردًا نهائيًا فقط، وإياك أن تعتقد أن طردك يشمل هذه السنة وحدها، بل هو (تسويد سجلك) عبر إفادة (سوء سلوك)، تمنعك التسجيل في أية مدرسة كانت، رسمية أو خاصة!
    أخذت أرجوها أن تتوسط لي، ولكنها ردت مستنكرة:
    _ اسكت! عليك أن تفرح بهذه النتيجة! غيرك لم يكن يحلم بها!
    لم أفهم لماذا يجب عليَّ أن أفرح بهذه النتيجة (الخياليَّة) التي لا يحق لغيري حتى أن يحلم بها؟!
    ولكني أخذت أتابع الدروس تلك الأيام من دون حماسة، منتظرًا القرار الرهيب...
    وفي اليوم الرابع، فوجئت بأحد الأساتذة يدخل صفنا، بل يقتحمه اقتحامًا، مثل الوحوش الثائرة، صارخًا بي:
    _ حسام، أسرع، أنت وكتبك، أسرع، هيا.
    حملت كتبي، وسط النظرات المشفقة من زملائي، وحتى من أستاذ الصف، الذي نسي أن يلوم صاحبه لهذا الاقتحام العنيف، وهو يتمتم بصوت منخفض:
    _ وفقك الله أينما تذهب يا ولدي!
    كان موقفًا مؤثرًا دمعت له عيناي، ولم أعد أعرف هل أنا أبكي لأنني مطرود نهائيًا، أم أبكي لحنان شعرت به فجأة وسط ظلمات الحياة القاسية؟!
    ما كدت أصل إلى الإدارة، حتى صرخ المدير في وجهي، بلهجة مشفقة:
    _ تماك أعصابك، مات أبوك!
    شعرتُ بجسدي يرتطم بالأرض بعنف، وبأن سماء الملعب تدور يمينًا ويسارًا، ثم شعرتُ بمن يحملني ويضعني فوق شيء ما، وتأرجح وعيي بين الحضور والغياب، بين التركيز والذهول، وبعد أن استرجعت بعض قوتي، ترك لي المدير المجال للاتصال برقم منزلنا، فاتصلت بأصابع ترتجف، وكانت المفاجأة العنيفة!
    لقد سمعتُ صوت والدي يرد:
    _ نعم؟ من المتحدث؟
    شعرتُ بجسدي يضرب الأرض بعنف، وبآلام هائلة في رأسي قبل أن أفقد وعيي، وحينما أفقتُ بعدها كنتُ في حالة يُرثى لها من الضعف...
    وأخذت أفكاري تذهب يمينًا ويسارًا...
    كيف خرج أبي من قبره لِيَرُدَّ عليَّ؟!
    لا، إنهم لم يدفنوه بعد بكل تأكيد!
    لكنه مات، فكيف ردَّ عليَّ وهو ميت!
    يبدو أنني أصبْتُ بالجنون!
    أظلمت الدنيا أمامي بغتة، واستغرقت بعض الوقت لأفهم أن مصدر الظلام هذا هو المدير الضخم الذي مال بوجهه فوق وجهي، ليصرخ بغتة، ما كاد يمزق طبلة أذني:
    _ يا لك من مسكين أبله! وصل إلينا خبر موت رجل في الضيعة، له اسم والدك نفسه، لكن اسم العائلة يختلف، لكني ظننتُ أنك أنت، أعني أنه والدك، لكني...
    صرخت في وجهه، من دون أن أتمالك نفسي:
    _ لكنك غبي! كدت تصيبني بالجنون! لكنك كدتَ تكسر رأسي! لكنك...
    قاطعني بصفعة قاسية دار لها رأسي، قبل أن يبتعد قليلًا، وهو يقول:
    _ اليوم صدر قرار المجلس التأديبي، كتبك معك هنا، احملها وإلى بيتكم، طرد بلا رجوع، ملفك (الأسود) لا يشفع لك!
    يا للهول!!
    صدر قرار بطردي نهائيًا من المدرسة...
    أية مدرسة...
    وكان الانهيار العصبي أكيدًا...
    وبعد خروجي من المستشفى، ذهب بي أهلي إلى منطقة منعزلة تقريبًا في الجبل للاستجمام والنقاهة...
    وكانت منطقة رائعة للغاية...
    تتوسطها ساقية ماء باردة إلى حد التجمد...
    كنا نتسابق، أنا وأخي التوأم، وبعض سكان المنطقة المعدودين، على من يستطيع الصمود، ويده في الساقية المتجمدة، أكثر من سواه...
    وصدقًا كانت آلامها قاسية لا يمكن احتمالها!
    تضع يدك في الساقية لتشعر كأن هناك من يبتر أصابعك، وتخرجها لا تستطيع تحريكها بسهولة، ولا تصدق نفسك متى تسترجع دفئها!
    وهناك، في تلك المنطقة المنعزلة، اقتحمت عالم التأليف القصصي...
    وبجوار الساقية كنت أجلس لأكتب فصول روايتي التي بَنَيْتُ عليها آمال مستقبلي...
    ومرَّت الأيام هادئة...
    وفي اليوم الذي وصلت فيه إلى نهاية القصة، وبينما كنت أكتب الحرف الأخير...
    وجدت ذهني يتجه إلى الأيام السوداء التي مرت كالكابوس...
    وأخذت أتساءل:
    _ هل انتهت هذه الأيام إلى الأبد، وعادت بي الحياة إلى مجراها الطبيعي؟!
    وقبل أن ينتهي التساؤل، انزلقت بغتة لأسقط وروايتي هناك...
    في الساقية...
    شبه المتجمدة!!

    تابعوا معنا!

    ملحوظة أولى: حادثة المدير الذي قال للتلميذ: (تمالك أعصابك، أبوك مات)، حادثة حقيقية، لكن ما قبلها خيال، كذلك ما بعدها، كنا آنذاك في آخر سنة لنا في المرحلة المتوسطة، وفي صفنا تلميذ، وأخوه في صف أصغر منا، وصل خبر موت والدهما إلى المدرسة، فأرسل المدير يستدعيهما، وابتدر الأخ الأكبر صارخًا في وجهه: (تمالك أعصابك، أبوك مات)! والحمد لله أنه لم يوقعهما بالسكتة القلبية وقتها!
    ملحوظة ثانية: الساقية شبه المتجمدة وما وصفتها به هنا، ساقية في منطقة ما، كنا نذهب إليها أحيانًا قليلة في طفولتنا، مع أهلنا لزيارة بعض معارفهم، وبالفعل لم نكن نستطيع وضع أيادينا في مياهها سوى ثوانٍ قليلة جدًا، ولا أذكر أن أحدًا منا تجاوز الثلاث ثوانٍ أو ربما الأربع لـ(البطل فينا)! ولكن، بكل تأكيد، لم أر أحدًا يسقط فيها، ولم أسمع عن شخص حصل له ذلك، والحمد لله!


  2. #22


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: تعيس بئيس! (بقلمي أ. عمر)

    تعيس بئيس! (الحلقة السادسة)
    الكاتب: عمر قزيحة _ عام 1999م.


    انزلقت بغتة لأسقط وروايتي...
    هناك في الساقية، شبه المتجمدة!!
    حاولت الصراخ لكن لم أستطع، ربما بسبب الآلام الفظيعة التي ملأت كياني كله...
    ومَرَّ بغتة رجل، فحاولتُ أن أمدَّ يدي بقدر المستطاع نحوه، لكنه لم يبادر بالمثل!
    فوجئت به يهتف في ذهول:
    _ واااااو!! كيف تجرؤ على السباحة هنا؟؟
    لم أفهم بادئ الأمر هل يتكلم بجد أم أنه يمزح، لولا أنه تابع بانبهار:
    _ الله، الله، الله، الله... ما أروعك! أنت مدهش، أنت بطل، أنت قمت بما لم يفعله أحد من قبلك، على الأقل منذ ولدتُ أنا، أي منذ خمسة وخمسين عامًا، لا، لا... بل منذ خمسة وخمسين عامًا وستة أشهر وثلاثة أيام، و...
    كنت هنا قد تهاويت تمامًا، وشعرت بالساقية تكاد تجرفني في مياهها، وأنني أرى الموت بعينيَّ...
    عينيَّ المسكينتين اللتين اتسعتا عن آخرهما ذهولًا وقهرًا وغضبًا، والرجل يصرخ متحمسًا:
    _ انظروا إليه انظروا! يا لها من مهارة في السباحة، (فشر في عين) سمك القرش نفسه أن يسبح مثله!
    تلاشى وعيي، ولم أشعر إلا بأيادٍ تمسك بي وتجذبني بقوة، وأصوات ملهوفة تصرخ في أذني لتسألني عن أمور لم أفهمها، وكنت أستعيد وعيي أحيانًا لأرى أنني ممدد قرب نيران مشتعلة، وأنني أبكي مما أشعر به من التجمد...
    لقد أفادني صراخ الرجل الأبله في شيء واحد، أنه جذب بعض الناس إلينا، ولولا ذلك لكنت قد متُّ، وهو يتفرج ويصرخ متحمسًا منبهرًا بي!!
    قضيت ساعات ممددًا تحت أشعة الشمس، بجانب النيران، ليستعيد وجهي لونه الحقيقي، ويستعيد جسدي القدرة على الحركة...
    وكان أول ما أعلنته رغبتي في العودة إلى قريتي وعلى الفور...
    فلقد كرهت ذلك المكان كرهًا شديدًا...
    ومع عودتي، وعجز ذهني عن إعادة إنتاج تلك الرواية، واكتفائي بقصص قصيرة، كان لا بد من ملء الفراغ...
    لذا اشتريت مسدسًا...
    دمية بالطبع، وليس حقيقيًا...
    ووضعته في حزامي...
    وأحسست أنني أصبحت رجلًا...
    وأنه لا يمكنني السير بدونه...
    وبدأت أعجب كيف لم أشترِ مسدسًا من قبل...
    من المؤكد أنه لو كان معي مسدس، لما جرؤ المدير أو الأساتذة، على معاملتي إلا كما يحلو لي!!
    هذه طبعًا خواطر سخيفة لا محل لها من الإعراب...
    لكنني كنت مقتنعًا بها...
    آهٍ من المراهقة!!
    وآهٍ من التعاسة!!
    فحتى في أحلامي لاحقتني تعاستي ...
    ذلك اليوم، كنت مارًا قرب شلة من الشباب الأشقياء، فخطر لي أن أتباهى بأنني أملك مسدسًا ليعترفوا بزعامتي!!
    وهكذا كشفت قليلًا عن القميص لأظهر مقبض المسدس...
    لكن أحدهم لم يُعِرنِي انتباهًا...
    فأعدت الكرة...
    أكثر من مرة...
    حتى بدأوا يشيرون إليًّ...
    وقبل أن أعبر عن سعادتي اتجهوا نحوي...
    وجمدت مكاني من الخوف...
    وبابتسامة شريرة، سحب أحدهم المسدس مني...

    ثم بدأت الملحمة!!
    ضربوني بمسدسي، حتى جعلوه غير واضح المعالم...
    وكذلك وجهي!!
    فرميت المسدس مقسمًا على ألا أقتني غيره أبدًا...
    وبدا لي في تلك اللحظة كم كنت تافهًا...
    وأخذت أسأل نفسي: متى كان المسدس يجعلنا رجالًا؟!
    الهاتف الخلوي هو الذي يفعل ذلك!!
    كيف لم أفكر في ذلك من قبل؟!
    يا للغباء!!
    اشتريت جهازًا (تالفًا بالطبع)...
    أنت ترى أنني تافه؟؟
    لكنك ستفعل نفس الشيء لو كنت في موضعي...
    فمع كل الأسى واليأس اللذين مررت بهما، كان من المحتم أن أبحث عما أشعر معه بالأمان...
    نعم، الأمان...
    لن يضربني أحد لأنني أحمل جهازًا تالفًا...
    بل لن يعرف أحد أنه تالف...
    يمكنني التذرع بأنني لا أملك وحدات اتصال لو طلب أحدهم استعمال هاتفي...
    لكن تعاستي لم تترك الأمر يمر بسلام...
    فبعد أيام قليلة، ذهبنا إلى عرس أحد أصدقاء العائلة...
    واجتمع الرجال أمام مائدة حَوَتِ المتناقضات من المأكولات والمشروبات...
    وما زلت لا أفهم كيف يجتمع عصير الأناناس المجلد مع القهوة الملتهبة؟!
    المهم أن أحد الرجال تذكر بغتة أنه نسي إخبار أولاده بشيء بالغ الأهمية يتعلق بعمله...
    وبتوتر سأل:
    _ هل يمتلك أحدكم جهازًا خليويًا؟
    وبلا أدق تفكير أجبته:
    _ نعم، أنا.
    نظر إلي والدي بدهشة، لكني أبرزت جهازي وأنا أسأل الرجل:
    _ كم الرقم؟!
    أملاه عليَّ، فأخذت أضرب الأزرار، ثم وضعت الجهاز على أذني للحظات قلت بعدها:
    _ الهاتف يرن، لكن لا أحد يرد!!
    وهنا حُلَّتْ عقدة لسان والدي، فسألني:
    _ من أين لك هذا الهاتف الخليوي؟!
    أجبته بترفع وكبرياء:
    _ كل الرجال لديهم هاتف خليوي.
    وكانت إهانة غير مقصودة، فقد بدأ الهمس والغمز تجاه والدي، وأنقذني من حرجي هتاف الرجل المتضرع :
    _ هل تستطيع إعادة الاتصال؟!
    أجبت بغرور :
    _ بضربة زر أعيد الاتصال كله، إنها التكنولوجيا التي يمتاز بها جهازي.
    قال أحد الحضور، وهو رجل محترم:
    _ هذه ليست ميزة لهاتفك، فلدي تلفون عادي، وزر redial كفيل بإعادة الـ...
    قاطعته بازدراء:
    _ لا يتحدث في الخليوي إلا من يفهم به!!
    احمر وجه الرجل، حتى غدا كالطماطم الناضجة، ولولا تضامن الناس مع صاحب الاتصال لأوسعوني ضربًا...
    المهم أنني تظاهرت بإعادة الاتصال مرات عدة، حتى أصابني الضجر، فقلت للرجل:
    _ لا فائدة، الهاتف يرن ولا أحد يرد، من المؤكد أن شيئًا قد حدث لهم!!
    كاد الرجل يفقد وعيه رعبًا، وعلى الفور استعد الجميع للذهاب معه إلى بيته، لولا وصول آخر الحضور في تلك اللحظة، وكان (للأسف) يحمل جهازًا خليويًا، وفور معرفته بالأمر، تطوع لإجراء الاتصال، فأسرعت أتظاهر بإعادته، وهززت رأسي آسفًا، لكنه تجاهلني، وضرب الرقم و...،
    وحدث الاتصال!!
    وأخذ الرجل يصرخ غاضبًا عبر الجهاز :
    _ ماذا أصابكم؟! كم مرة يجب أن يرن الهاتف كي تتفضلوا بالرد؟!!
    صمت لحظة قبل أن يهتف بدهشة:
    _ ماذا؟! إنها المرة الأولى التي يرن فيها الهاتف؟!!
    خفض والدي رأسه خجلًا، وواصلت طعامي وشرابي كأن شيئًا لم يكن، فانقض الناس عليَّ، وأخذوا يغمرونني بأصناف الطعام والشراب، وبدأت أتنقل من الجليد إلى الجحيم في لحظات، ونالني من الصفعات ما لا يعد ولا يحصى، ولولا كرامة والدي لأجهزوا علي حتمًا...
    هل رأيت مدى تعاستي؟!
    لعلك ترى أنني أستحق ذلك؟!
    ولكن، ما لا أستحقه، أن الجميع اتخذوا من ذلك مادة للسخرية مني...
    فقررت ترك قريتي فترة ما...
    ومن دون أن أخبر أهلي، ذهبت إلى المنطقة المجاورة بالتاكسي...
    ثم توجهت إلى موقف الحافلات...
    وركبت أول حافلة صادفتها من دون أن أسأل عن وجهتها...
    وفي الطريق، وبسبب السرعة الفائقة التي ينطلق بها السائق، والحركات البهلوانية التي يقوم بها رغم اعتراض الركاب... اصطدمت الحافلة بعمود كهرباء بعنف، وانقلبت، وأخذت تتدحرج مرات عديدة...
    ثم استقرت...
    وقد اشتعلت فيها النيران!!

    تابعوا معنا!

    ملحوظة: حادثتا المسدس الزائف وجهاز الخلوي التالف حقيقيتان، حصلتا لشخص عرفناه تلك الأيام، وكان يحب التفاخر بما هو موجود وغير موجود، وبما لا يصدقه العقل نهائيًا، غير أنه في الحادثة الأولى رحمه الأولاد الأشقياء حينما أخذ يبكي ويسترحم ويؤكد أنه كان يمزح معهم فحسب، ولم يكسروا المسدس على وجهه، بل ربما اكتفوا ببعض اللكمات لا أكثر، وحادثة محاولة اتصاله في العرس حقيقية بتفاصيلها كلها.
    (وطبعًا الحوار والوصف في الحادثة من عندي).


  3. #23


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: تعيس بئيس! (بقلمي أ. عمر)

    تعيس بئيس! (الحلقة السابعة)
    الكاتب: عمر قزيحة _ عام 1999م.


    مشهد مخيف نبدأ به...
    النيران تنتشر في الحافلة المقلوبة...
    وأنا في صراع مستميت مع قفل حزام الأمان...
    والآن، إذ أستعيد ذكريات الساعات الماضية، أشعر أن معجزة قد
    أنقذتني...
    ففي آخر لحظة، تمكنت من حل الحزام، وقفزت من نافذة الحافلة...
    وأخذت أعدو مبتعدًا...
    لكني توقفت بغتة...
    ما الذي سيحلُّ بالركاب المساكين؟!
    ولم لا يرتفع الصراخ المذعور؟!
    هل فقدوا وعيهم جميعًا؟!
    وبعزم وإصرار، عدت إلى الحافلة...
    وأخذت أخرج الركاب...
    واحدًا تلو الآخر...
    كنت أجرُّهم على الأرض وأبعدهم قدر الإمكان من الحافلة...
    لكن إنقاذ الجميع كان مستحيلًا...
    إذ امتدت النار بسرعة مذهلة...
    ثمَّ دوى الانفجار العنيف...
    ولم أصب بشظية واحدة...
    رغم أن جميع من أنقذتهم أصيبوا!!
    وهنا تصورت أن تعاستي قد فارقتني...
    وأن عائلات كثيرة تدين لي بالفضل...
    ولكن، حدث العكس تمامًا!!
    فعائلات الذين ماتوا أهدروا دمي لأني لم أنقذهم...
    وحتى الذين نجوا أعلنوا مسؤوليتي عن إصاباتهم...
    وأكدوا عزمهم على الانتقام...
    هل رأيت تعاسة تفوق هذه!!
    لقد عضضت أصابعي ندمًا على إعطائي تفاصيل حياتي لمذيعة التلفاز...
    لأني جعلت بذلك من نفسي صيدًا سهلًا، وبدأت بالفعل أتعرض إلى محاولات اغتيال...
    ومع هذا الخطر والتوتر، مات قريب بعيد لنا...
    وورثنا مبلغًا من المال...
    فقرَّر أهلي السفر إلى الخارج، وأخذي معهم...
    على أن يبقى توأمي هنا لمتابعة دراسته...
    وفي تلك الليلة، اجتاحتني عاصفة من الانفعال والتوتر حرمتني النوم...
    بل أصبت بحماقة جعلتني أفتح درج خزانتي مرة كل عشر ثوان لأتأكد من جواز السفر...
    وأخذت أردد لنفسي: "بعد الفجر ستقلع الطائرة "، بدون كلل، كي لا أنسى...
    وبعد أن أجبرت نفسي على التمدد في السرير، وأغلقت جفني، تناهى إلى مسامعي صوت سيارة تحت منزلنا مباشرة...
    فأدركت أن موعد السفر قد حان...
    وكالمجنون وثبت من فراشي، وركضت بسرعة فائقة، لأقذف بنفسي داخل سيارة التاكسي، وإن لم أدرِ كيف تمكنت من اللحاق بها!!
    ويبدو أن هذا المجهود الذي بذلته في العدو، أصاب جسدي بإنهاك عجيب...
    فاسترخيت في مقعدي لدقائق...
    ثم استيقظت على الحقيقة المرة...
    وانتبهت إلى أخطائي...
    جواز السفر ما يزال في البيت...
    وأنا بملابس النوم...
    والأسوأ من هذا وذاك...
    أن أهلي ليسوا في هذا التاكسي!!

    تابعونا


  4. #24


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: تعيس بئيس! (بقلمي أ. عمر)

    تعيس بئيس! (الحلقة الثامنة)
    الكاتب: عمر قزيحة _ عام 1999م.

    صرخت في السائق: "توقف... توقاااااف"...
    وقبل حتى أن يفعل غادرت سيارته، ثم أطلقت لساقي العنان، والسائق يلعنني لأنني لم أدفع...
    وبينما كنت أعدو، انتبهت فجأة إلى أمر بالغ الأهمية...
    الطائرة ستقلع بعد الفجر...
    وهذا يعني أن ننطلق قبل ساعتين على الأقل...
    وأنا كنت أظن أننا سنذهب إلى المطار بعد الفجر...
    وهكذا، ضاعفت من سرعتي، لاعنًا غبائي المزدوج...
    فبعد أن اتهمت نفسي بالغباء لخروجي في هذا الوقت المبكر، أدركت أن الوقت متأخر جدًا...
    وأنني لن أفوز في هذا السباق...
    لولا أن ظهرت سيارة تاكسي...
    فقفزت داخلها بلهفة...
    ولم أبال بضحكات السائق التي دوت داخل السيارة حين رآني بملابس النوم...
    وما إن وصلت حتى أنشأت أعدو...
    وخلفي السائق هذه المرة...
    لكن، ويا للأسف، وصلت متأخرًا...
    توأمي الوغد سرق جواز السفر، وسافر على أنه أنا...
    ولقد لوَّح لي بيده من سيارة التاكسي التي استقلها أهلي، والتي لم أكد ألمحها لأكثر من ثانية...
    هل عرفت مصيبة أسوأ من هذه؟!
    الجميع، القريب والبعيد، يفرقون بسهولة بيني وبين توأمي...
    محاولات الاغتيال تؤكد ذلك، إذ لم يقترب أحد من توأمي...
    وحادثة انتحالي شخصية المفتش من قبل...
    لكن أهلي خُدعوا...
    وكانت هذه بداية لمصائب لا تصدق...
    سائق التاكسي لحق بي، فأعطيته أجره بعد أن صعد معي إلى البيت...
    ولما نزل، وجد سيارته قد اختفت...
    فاتهمني بأنني كنت الطعم لسرقة سيارته!!
    وذهبت إلى المخفر، لأحبس على ذمة التحقيق...
    ثم قبضت الشرطة على العصابة...
    فخرجت بعد عشرة أيام قضيتها مع حثالة المجتمع لأجد البيت مسروقًا عن آخره، حتى قصصي القصيرة...
    وقبل أن أتجاوز الصدمة، جاء رجل يطالب بعشرة آلاف دولار!!
    وبعد صياح وصراخ متبادلين، أبرز الرجل تعهدًا خطيًا، يفيد بأن توأمي سيرد هذا المبلغ إلى الدائن اليوم...
    والكارثة أن الأحمق قد استخدم توقيعي...
    لذا عدتُ إلى السجن لعشرة أيام أخرى...
    ولولا إلقاء القبض على الدائن لمخالفته القانون، لما خرجت إطلاقًا...
    ولكني كنت أدرك أن بقائي حرًا مرهون ببقاء الدائن في السجن...
    ولم يدم ذلك لأكثر من ثلاثة أيام...
    وبينما كنت أنتظر زيارة الدائن مساء، حدث أمر لا يصدق...
    أتى عدد كبير من الناس لحضور الخطبة!!
    هل تفهمون شيئًا؟!!
    سأشرح لكم...
    استدان أخي المبلغ ليقدمه هدية إلى الفتاة كي ترضى بخطبته!!
    ومرة أخرى، استخدم اسمي...
    وبصعوبة تمكنت من إفهام الناس أنه ليس هناك خطبة...
    فغادروا وهم يَسُبُّون ويلعنون...
    لكن المهم أن والدة الفتاة ألقت في وجهي بالعشرة آلاف دولار قائلة إنها وابنتها لا تستجديان...
    وشعرت بالسعادة...
    أعطيت الدائن حقه...
    ولن أرجع إلى السجن...
    لا، بل رجعت!
    وفي اليوم التالي...
    مباشرة!!

    تابعوا الحلقة الأخيرة مساءً إن شاء الله تعالى




  5. #25


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: تعيس بئيس! (بقلمي أ. عمر)

    تعيس بئيس! (الحلقة التاسعة "الأخيرة")
    الكاتب: عمر قزيحه - 1999م

    أعطيْتُ الدائن حقه...
    ولن أرجع إلى السجن ...
    لا، بل رجعت...
    وفي اليوم التالي...
    مباشرة!!
    والتهمة أنني سرقت عشرة آلاف دولار!!
    وشهد الدائن أنه قد أخذ مني حقه بالأمس، بعد أن أنكرت منذ أسبوعين فقط قدرتي على جمع مئة دولار فقط...
    وشهد ضابط السجن معه على ذلك...
    ومع تطابق أرقام الأوراق النقدية مع تلك التي سرقتها _ كما يزعمون _ وأعطيتها الدائن، رفض أحد تصديق قصة الخطبة...
    الطرف الآخر لم ينكرها، لكنه أنكر رد المال إليَّ...
    لذا حللتُ ضيفًا في السجن المركزي لحين انعقاد المحاكمة...
    وحصل معي ما أكد تعاستي تمامًا...
    رجل متهم بالتجسس وينكر ذلك...
    وأرادوا استجوابه...
    ودوري معه...
    لكنهم استبدلوا الأمر تمامًا...
    كنت أنوي الاعتراف بالسرقة لأنجو من العذاب...
    لكني وجدت نفسي متهمًا بالتجسس...
    ونالني لذلك عذاب فظيع...
    لم ينفعني الاعتراف...
    كانوا يريدون معرفة أسماء العملاء الذين أتعامل معهم...
    وسألوني عن أشياء لم أسمع بها قط في حياتي كلها ...
    وبعد أن كدت أجن تحت وطأة الجلد والكهرباء والنار، انتبه الشباب إلى خطئهم!!
    المهم أن المحكمة حكمت بانتقال بيتنا إلى ملكية عائلة خطيبة أخي بدلًا من ذلك المبلغ المسروق...
    وذلك لاعتباري الوريث الوحيد للبيت...
    وبإعادتي عامًا كاملًا إلى جحيم السجون ...
    ولكن خطيبة أخي تنازلت عن حقها، لموافقتها على العريس الجديد، والذي لم يكن سوى ضابط السجن ...
    وبعد اعتذار خطي موقع مني للفتاة وعائلتها، وتعهد ألا أعيد ما فعلته، أطلق سراحي...
    وبينما كنت أسير في الشارع، أفكر بتعاسة أنني مشرد لا بيت لي، وأذكر ما لاقيته من العذاب بسبب أخي الوغد...
    خطرت لي فكرة لم أكن قد انتبهت إليها مسبقًا في غمرة الخوف خلال المحاكمة...
    وتوقفت هاتفًا:
    _ يااااا إلهي!!
    فالفكرة كانت رهيبة للغاية...
    ولكن الأسوأ أنها لم تقفز إلى ذاكرتي إلا في منتصف الطريق...
    حيث كانت تنطلق سيارة بسرعتها الفائقة وفوجِىءَ صاحبها بي أقف أمامه بغتة...
    ولما استعدت وعيي في قسم العناية الفائقة، علمت أن يدي اليمنى قد نجت من البتر بمعجزة...
    ولكن أصابعها فقدت القدرة على الكتابة نهائيًا...
    كما فقدت أنا القدرة على السير...
    كما انجلى الغموض عن كلام القاضي (باعتباري وريث البيت الوحيد)...
    فأهلي قد ماتوا في الغربة إثر انفجار في المطعم الذي كانوا يتعشَّون فيه...
    اللعنة !!!
    ما الذي تريده بعد لتقنع بأنني تعيس؟!
    تعيس جدًا؟!
    تعيس فقد القدرة حتى على الكتابة إليك لينفث قليلًا من نيران ألمه وعذابه...
    وماذا بعد أن عجزت عن الكتابة سوى أن أقول لكم "إلى اللقاء"؟!
    بل وداعًا...
    وإلى الأبد!



  6. #26


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: تعيس بئيس! (بقلمي أ. عمر)

    تاريخ الكتابة: 1999م
    بتعديلات طفيفة في 2019م، شهر 11

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...