مراجعة كتاب: العبرات - مصطفى لطفي المنفلوطي

[ منتدى قلم الأعضاء ]


مشاهدة نتائج الإستطلاع: إن لم تكن قرأت الكتاب، فهل شجعتك هذه المراجعة على قراءته؟

المصوتون
1. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع
  • نعم

    0 0%
  • لا

    1 100.00%
النتائج 1 إلى 9 من 9

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    الصورة الرمزية أنــس

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    493
    الــــدولــــــــة
    المغرب
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    Book Icon مراجعة كتاب: العبرات - مصطفى لطفي المنفلوطي

    .

    العبرات
    مصطفى لطفي المنفلوطي

    .



    .

    كان كتاب (العبرات) من أوائل الكتب التي قرأتُها في طفولتي المبكرة، وكان – إلى جانب كتاب (النظرات) – هو البوابة التي دخلتُ عبرها إلى عالم الأدب، وإني لأحمد الله أن تفتَّح وعيي الأدبي أول ما تفتَّح على المنفلوطي، فإن للبوابة الأولى التي يلج الإنسان عبرها إلى الأدب أثراً عظيماً لا يزايله مهما تقدم به العمر ومهما تعدَّد اطِّلاعه وتشعَّبت قراءاته، ذلك أن القراءات الأولى تشكِّل في وعي الإنسان (نقطة مرجعية) هو ولا بدَّ عائدٌ إليها في تقييمه لكل ما سيقرأ بعدها، فهو لا يفتأ يقيس عليها ويقارن بها، ويعتدُّها – واعياً أو غير واعٍ – نقطة الارتكاز التي يتوازن عليها مهما تمايل هكذا وهكذا، ذات اليمين وذات الشمال.

    ولقد أعدتُ قراءة (العبرات) فكأن الزمن قد طوي وكأني عدتُ إلى تلك الطفولة المبكرة، فإذا بي أتذكر وأتخيل القصص والمشاهد الموصوفة كما كنتُ أتخيلها في قراءتي الأولى، بيد أني نظرتُ إليها في عمري هذا نظرةً تختلف عن نظرة الطفل الذي لم يقرأ غيرها، ثم ذهبتُ أطلع على آراء الناس فلم أكد أجد في معظمها غير السخرية والاستهزاء بتلك القصص المأساوية الساذجة، والتي لا يُتصوَّر حدوث مثلها في عصرنا هذا ولا في أي عصر قبله.

    وإني لأتفهم هذه الآراء المعاصرة الشائعة في كتابات المنفلوطي التي صارت متجاوَزة تماماً، شكلاً ومضموناً، بمقاييس عصرنا هذا الذي تختلف روحه اختلافاً جذرياً عن عصر المنفلوطي وما قبله. واختلافُ روح العصر ينعكس ولا بدَّ على الأساليب المتبعة في التعبير على الأفكار والمشاعر، فكتاب (العبرات) مثلاً يضمُّ مجموعة قصص بعضها موضوعٌ وبعضها مترجم، ولولا الأسماء الأجنبية لما أمكن التمييز بين القصص الموضوعة والمترجمة، إذ يؤلِّف بينها أسلوب المنفلوطي المتفرِّد إضافةً إلى انتمائها للتيار الأدبي الرومانسي الذي كان شائعاً في أوروبا آنذاك.

    ثم تغيرت الدنيا تغيراً جذرياً وتغير الأدب معها، فصار كتابٌ كـ (العبرات) في ميدان الأدب أشبه بقطع (الأنتيكة) في عالم الأثاث، نتأملها بإعجاب وربما بانبهار، ونتنسَّم فيها عبق الماضي الجميل المفقود، لكننا في النهاية ننظر إليها بتعال، ولا نأخذها على محمل الجد ولا يفكر أحدنا في استحيائها والعودة لاستعمالها، وإنما تظلُّ قطعاً للزينة والتأمل لا أكثر.

    يغلب على قصص (العبرات) طابعٌ كئيبٌ مفرطٌ في سوداويته، حتى إنك لتشعر أحياناً أن الكاتب يلوي عنق الأحداث لياً كي ينتهي بها نهايةً مأساوية، وفي رأيي أن النهاية المأساوية الحقيقية هي أن قصص (العبرات) بعد أن كانت مضرباً للمثل في قدرتها على استدرار الدموع واعتصار الكآبة في قلب القارئ، فإنها صارت اليوم شيئاً أقرب للكوميديا! وإني لأقرأ المشهد في القصة يُفترض أنه يمزِّق نياط القلوب، فلا يثير فيَّ إلا الابتسام والضحك! ولا سيما حين أقرأ الجملة المنفلوطية الشهيرة التي تتكرر في كل قصصه، وربما تكررت أكثر من مرة في القصة نفسها: (وصرخ صرخةً عظمى ثم سقط مغشياً عليه)!

    وليس شيءٌ من ذلك لأن القلوب قست، ولكن لأن انفعال الإنسان المعاصر بالأدب يختلف عن انفعال الإنسان القديم، واليوم قد تصدر رواياتٌ مبكيةٌ لكنها حتماً لن تكون كـ (العبرات) ولن يكون أسلوبها كأسلوب المنفلوطي.

    على أنني وإن وجدتُ نفسي أنساق وراء موجة الضحك والسخرية من قصص (العبرات) وأسلوب المنفلوطي عموماً، إلا أن ذلك – علم الله – لا ينطوي على شيء قليل ولا كثير من التنقُّص أو الازدراء، وفي رأيي أن الذين يسخرون من (العبرات) وكاتبها إنما قرؤوها منتظرين أن يجدوا قصصاً تصف الواقع كما هو، فلذلك وقعوا في المقارنة بين الموصوف في القصص والواقع المُعاش، وكان المفروض أن تُقرأ (العبرات) على أنها قصصٌ (فانتازية) لها قانونها الخاص القائم بذاته، وباستيعابنا لهذا القانون نستطيع أن نُدخل أنفسنا في جوِّ القصص تماماً كما ندخل في جوِّ أيِّ رواية خيالية أو مسلسل فانتازي نشاهده.

    هذا ومكانة المنفلوطي محفوظةٌ لا يُنال منها، وأياديه البيضاء على الأدب أعظم من أن تُنكر، وحسبه فضلاً أنك إلى يوم الناس هذا لا تسأل كاتباً ولا روائياً ولا أديباً عن بداياته إلا ويجيبك بأنه دخل الأدب من باب المنفلوطي، وأن هذا الرجل هو الذي حبَّب إليه القراءة ورغَّبه فيها، وقدح فيه من ذلك رغبة الكتابة، وما زلنا إلى اليوم لا يُذكَر الأدب العربي المعاصر إلا ويُذكر المنفلوطي في كبار روَّاده بل في أوائل مؤسِّسيه.

    وأختم بهذه الملاحظات الطريفة الباسمة التي قيَّدتُها أثناء قراءتي للعبرات، وفيها توصيفٌ عامٌّ لملامح أسلوب المنفلوطي الذي طبع كل نتاجه الأدبي من القصص القصيرة والروايات الموضوع منها والمترجم:

    – كل القصص قصص حبٍّ عنيفٍ تنتهي نهايةً مأساوية.

    – كل القصص تنتهي بالموت، يموت البطل وتموت البطلة، ولو كان هناك راوٍ خارجيٌّ للقصة فسيموت هو أيضاً!

    – كل الشخصيات تمرض مرضاً شديداً وتقع طريحة الفراش حين يُحال بينها وبين من تحب.

    – كل الشخصيات تصرخ صرخةً هائلة وتقع مغشياً عليها حين تتلقى صدمةً عاطفيةً أو خبراً مؤلماً.

    – ليس هناك حواراتٌ قصيرةٌ بين الشخصيات، الحوار هو عبارةٌ عن خطبٍ مطوَّلةٍ تلقيها كل شخصية على مسامع الأخرى، وبلغة عربية شديدة الفصاحة والبلاغة، بل قد تتخلَّلها أبيات شعرية!

    – الشخصيات حين تبكي لا تكتفي دموعها بالسيلان على الخدود فقط، بل تنهمر انهماراً وتسقي تربة الأرض (في إحدى القصص انصرفت شخصيةٌ باكيةٌ فأتى الراوي إلى مكانها فوجد تراب الأرض مخضلّاً بدموعها)!

    أنس سعيد محمد
    21/06/2019

  2. 5 أعضاء شكروا أنــس على هذا الموضوع المفيد:


المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...