"الأصل" (Origin) هي آخر رواية من تأليف الكاتب الأمريكي الغنيّ عن التعريف "دان براون".
الرواية بشكل عامّ مثيرة ومليئة بالغموض والتشويق، وتحتوي على العديد من المعلومات
التاريخية والفنية والعلمية والدينية المثيرة للاهتمام، وأتوقّع بأنها ستنجح في الوصول
إلى السينما ويتم تجسيدها في فيلم سينمائيّ كعادة مؤلفات بروان.

تدور أحداث الرواية حول فكرة محوريّة واحدة: الصراع التاريخي المحموم بين العلم والدين.
كما تتناول العديد من السياقات التي تناقش أصل ومستقبل الإنسان. إذا أعجبتك المؤلفات
السابقة للكاتب، فإن هذه الرواية الأخيرة ستعجبك هي الأخرى بلا شك.

أثناء قراءتي لرواية "الأصل" مررتُ على هذا النصّ المقتبَس أسفله، حيث يتحدّث فيه الكاتب
على لسان شخصيات الرواية (إدموند وَلانغدون) عن النهضة العلمية التي كانت مزدهرة
إبّان حكم الخلافة العباسية في بغداد. شاركتُ هذا الاقتباس بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية
العامَ الماضي، لأنه يصف تأثير اللغة العربية على المصطلحات العلمية الحديثة.


"وتحوّلت الصُّوَر في السقف إلى رسمٍ لمدينة مسوّرة قديمة، مدينة دائريّة تماماً تقع على ضفاف
نهر يجري في الصحراء. عرف لانغدون على الفور بغداد القديمة، بمخططها الدائريّ المُدَعّم بثلاث
جدران متّحدة المركز تعلوها الشرفات وأبراج المراقبة.

قال إدموند: 'في القرن الثامن الميلاديّ، برزت بغداد كأكبر مركز علميّ على وجه الأرض،
واستقبلت جميع الديانات والفلسفات والعلوم في مدراسها ومكتباتها. وعلى مدى
خمسمائة عام، تدفقت الابتكارات العلمية من المدينة على نحوٍ لم يشهد له العالم مثيلاً،
ومازال تأثيرها ملموساً حتى اليوم في علومنا وثقافتنا المعاصرة'.


في الأعلى، عادت النجوم إلى الظهور، والكثير منها مع أسمائها: إبط الجوزاء (Betelgeuse)،
رجل الجبار (Rigel)، ذنب الدجاجة (Deneb)، العقرب (Acrab)، المنطقة (Almintaca)..
'وجميع أسمائها مشتقة من اللغة العربية. وحتى هذا اليوم، يحمل أكثر من ثلثي نجوم
سماء الليل أسماءً عربيّة الأصل لأنها اُكتُشِفَت على أيدي علماء فلك من العالم العربي'.
سرعان ما شعّت السماء بعدد كبير من النجوم ذات الأسماء العربية، حيث أوشكت
أن تحتجب خلفها، ثمّ تلاشت الأسماء مجدّداً من صفحة السماء.

'وبالطبع، إذا أردنا أن نعدّ هذه النجوم: V، IV، III، II، I ... توقفت الأرقام فجأة واختفت.
قال إدموند: 'فإنّنا لا نستخدم الأرقام الرومانية، بل الأرقام العربيّة'. بدأت الأرقام بالظهور مجدّداً
باستخدام نظام الترقيم العربي: 1، 2، 3، 4، 5 ... 'ربّما ستعرفون أيضاً أنّ هناك الكثير
من المصطلحات التي تُنسَب إلى علماء مسلمين، ومازلنا نستخدم أسماءها العربية'.
ظهرت كلمة الجبر (Algebra) في السماء، محاطة بسلسلة من المعادلات الرياضية
ذات المجاهيل، وأتت بعدها كلمة الخوارزمية (Algorithm) مع مجموعة متنوّعة من الصِّيَغ.
ثمّ أتت كلمة السّمت (Azimuth) مع رسم بيانيّ يصوّر زوايا على أفق الأرض.
وتتابع سيل الكلمات: الكيمياء (Chemistry)، شيفرة (Cipher)، الإكسير (Elexir)،
الكحول (Alcohol)، صفر (Zero)...

ومع تتالي الكلمات العربية المألوفة، فكّر لانغدون كم أنّه من المأساويّ أن يتخيّل الكثير
من الأمريكيّين مدينة بغداد كواحدة من مدن الشرق الأوسط المغبّرة التي تمزّقها الحروب،
كما تظهر في نشرات الأخبار، من دون أن يعرفوا أنها كانت في ما مضى مركز التقدّم العلميّ الإنسانيّ."


وهذا اقتباس آخر يصف فيه الكاتب التطوّر العلميّ السريع الذي نعيشه ونلمس آثاره المباشرة اليوم:

"استغرق البشر ما يزيد عن مليون سنة للتقدّم من اكتشاف النّار إلى اختراع العجَلَة،
ثمّ احتاجوا إلى بضعة آلاف من السّنين لاختراع المطبعة، ولم يمضِ سوى مائتي عام بعد ذلك
حتى صنعوا التلسكوب، وفي القرون التي تلَت ذلك، وعلى فترات زمنية أقصر من ذي قبل،
انتقلنا من المحرّك البخاريّ البدائيّ إلى محرّكات السيارات الحديثة، ومن ثمّ إلى المكّوك الفضائيّ!
ولم يلزمنا بعد ذلك سوى عقدين من الزمن لنبدأ بتعديل حمضنا النووي (الهندسة الوراثية).

نحن نقيس الآن تقدّمنا العلميّ بالأشهُر، ونتقدّم بسرعة مذهلة. ولن يمضيَ وقت طويل
قبل أن يبدوَ أسرع جهاز كمبيتور خارق في يومنا هذا قديمَ العهد، وتصبح الوسائل الجراحية
الأكثر تقدّماً بربريّةً، وتبدو مصادر الطاقة التي نستخدمها في عصرنا غريبة علينا،
تماماً مثل استخدام شمعة لإنارة غرفة!"