(9)
الكعب العالي
كانت إعتدال على ثقافة عالية في فقه النفس حيث بدأت بعد ذهابنا إلى العاصمة بدأت تعطيني كل سبت رتاجا من الجُرأة وتفصلني تفصيلا كقطعة قماش بين يدي خيّاطة بارعة حرفيّة في مهنتها
بما أنّنا ككُلّ يوم سبت تنتهي حصتنا العاشرة صباحا فيبقى متسع من الوقت قبل منتصف النهار أين تنتهي الدروس في كافة الأقسام فكنا نذهب إلى مكتبة المعهد ثلاثتنا وتبقى نادية في ركن بعيد
وكان من بديع ما أذهلتني يومها -وتلتها أيّام أُخر- أنها قالت لي أشياءكثيرة عن أعماق أعماقي تٌحدّثني عن نفسي في غاية من السلاسة وكأنّها تتصفّح مجلّة علمية عالمة بمفاهيمها أو أو رُقعة بلغة هيروغليفيّة حلّت شفراتها وعلمت مُحتواها وكأنّي أنا من أحدّثها عنها
كنا نراجع أغراض المتنبي الشعريّة وكان معها يومها كتاب 'قوّة الآن ' The Power of Now لايكهارت تولي Eckhart Tolle " المعلم الروحي الأشهر في عصره " كما لقّبته جريدة نيويورك تايمز
حدّثتني عنه لجهلي به ثم عطفت على المتنبّي ونفسيّته المتأرجحة بين المدح والهجاء فكنت أستمع إلى أستاذة متمكّنة ،مثقّفة ، عالمة بفقه النفس ثم أردفت تحدثني عن نفسي
وبدأت بقوة بلا مُقدّمات :
مهما حاولت التكبّر على نفسك وإظهار السعادة التي تغزو ملامح وجهك إلّا أن في داخل أعماقك نقيض السعادة حزنك كبير عظيم دفين يعصر حُشاشة قلبك ليتني أعرف كنهه وماسببه غير أني أعلم علم اليقين أنك لن تخبرني
تتألم ولاتشتكي حتى أن أحدهم لا ينتبه لما أنت فيه من ضنك وربما وأنت مريض، تتمزّق وجعا ومن يراك لايحسّ بشيء ،ليس من عادتها إطلاقا أن تقول لي مارأيك في ماقلته؟ إذا قالت حُذام فصدّقوها، فإن القول ما قالت حُذام
عندما خرجنا من المكتبة في طريقنا وصلنا أمام المسجد فعلتُ شيئا لا أعلم سببه إلى اليوم!
كانت لي قارورة ماء معدني من البلاستيك بقي منها جُريعات ذهبت إلى حنفية المسجد الخارجية وملأتها ماءً ثم ذهبت وسكبت الماء عليها وأعدت الكرّة مرّتين وهي واقفة دون حراك ،دون تفوّه بحرف ،دون دهشة دون إستغراب !
أمّا صديقتها فهرولت مصدومة تمسح لها وجهها بمناديل ،،،
ثُمّ إنصرفتٌ!
يتبع بمشيئة الرحمن
المفضلات