عصر جاهلي أم حضاري؟ د. عمر قزيحه

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي عصر جاهلي أم حضاري؟ د. عمر قزيحه


    ملحوظة مهمة: لم تتغيَّر الظروف كثيرًا، لكن هذا الموضوع، والموضوع اللاحق له (الميثولوجيا العربية في مرآة التراث العربي الجاهلي)، إكرامًا لعينَي أحد الأعضاء هنا، الأخ: BLACKOV

    د. عمر قزيحه
    مجلة المنافذ الثقافية، العدد الثالث والعشرون، ج2، صيف 2018م.


    البحث العلمي المحكَّم
    عصر جاهلي أم حضاري



    ما يزال العصر الجاهلي يحظى بالاهتمام والدراسة، في مناهجنا الجامعية في لبنان، بل إنه حظي باهتمام الكثير من الدارسين العرب، فضلًا عن المستشرقين الأجانب، ذلك العصر المظلم في أذهاننا، فإذ نسمع بلفظ (الجاهلية) أو (العصر الجاهلي) يتبادر إلى الذهن مشهد أناس يتقاتلون بالسيوف والرماح حتى الموت، ويأسرون النساء ليتخذونهنَّ سبايا وإماء، ويقومون ببيع بعضهنَّ، ويتقربون إلى الأصنام والأوثان بالعبادة.
    إنها صورة مظلمة سوداء، تكاد تجعلنا لا نشعر بأن هذا العصر كان عصرًا يعرف العلوم على أنواعها، فالعصر الجاهلي ترك لنا حضارة أدبية كبرى، وكان حافلًا بأنواع العلوم، لكن وفق إمكانيات ومقتضيات تلك الأيام، ولم يكن عصر الجهل المطبق، كما قد نظن، فهو عصر حضاري بكل معنى الكلمة، لا جاهلي كما تمَّ وصمه بهذه الصمة السيئة التي رافقته إلى أيامنا هذه، وربما تبقى وصمة له على مدى الزمان.
    ولكنْ، لماذا سُمِّي العصر الجاهلي بهذا الاسم؟ وهل هناك علاقة لإشكالية البدو والحضارة بهذه التسمية؟ وإن كان هناك علاقة، فهل من المنطقي تسمية العصر بأكمله بالجاهلي، نسبة إلى تصرفات فردية أو قبلية محدودة؟
    يحضرنا في هذا المجال، قول القطامي
    [1]، الشاعر الجاهلي (من الوافر):

    فَمَنْ تَكُنِ الحَضَارَةُ أَعْجَبَتْهُ
    فَأَيَّ رِجَالِ بَادِيَةٍ تَرَانَا

    فهل يعني هذا البيت، أن أهل البدو الجاهليين كانوا مفتخرين بحياتهم البادية، القائمة على الغزو والقتال، ويفضِّلونها على حياة الحضارة؟ أم أنهم كانوا ينظرون إلى الحضارة نظرة تَمَنٍّ، ولكنهم يدركون أن قدرهم أن يكونوا بدوًا، ويفتخرون بذلك؟
    وإذا نظرنا إلى تعريف الحضارة لغويًا، في لسان العرب، وجدنا تعريفًا مطوَّلًا يشمل الكلمة وجذرها واشتقاقها، نورد منه ما يأتي، مما يخدم بحثنا:
    "حَضَرَ: الحُضُورُ: نقيض المغيب والغيبة، حَضَرَ يَحْضُرُ حُضُورًا وحَضَارَةً... والحضر: خلاف البدو. والحاضر: خلاف البادي. وفي الحديث: (لا يَبِعْ حاضِرٌ لِبَادٍ). الحاضر: المقيم في المدن والقرى، والبادي: المقيم بالبادية... ويقال: فلان من أهل الحاضرة وفلان من أهل البادية، وفلان حضري، وفلان بدوي... ورجل حضِر: لا يصلح للسفر... والحضر والحضرة والحضارة: خلاف البادية، وهي المدن والقرى والريف، سُمَّيَت بذلك، لأن أهلها حضروا الأمصار ومساكن الديار التي يكون لهم بها قرار"
    [2].
    إذًا، يَتَبَيَّن لنا، من التعريف اللغوي، والواقع العملي في حياة الجاهليين، أن الحضارة تقتضي الاستقرار حيث تتيَّسر متطلبات الحياة الأساسية، من دون الحاجة إلى التنقل خلف الماء والرزق.
    ولكنْ، هل لنا أن نحكم على العصر الجاهلي، بأن أهله كانوا جميعًا من البدو الرُّحَّل، الذين يقضون حياتهم يتقاتلون فيما بينهم، سعيًا خلف الغنائم؟ أوَ لمْ يشهدِ العصر الجاهلي المدن والممالك، والحياة المستقرة حيث لا ترحال، إذ تتوفر كل المقومات الحياتية التي يريدونها؟ كمدينة يثرب على سبيل المثال، والتي ورد اسمها في القرآن الكريم، بعد أن باتت مدينة رسول الإسلام، في ما بعد؟!
    وأما الحضارة، بمفهومها الاصطلاحي، فقد عَرَّفها ابن خلدون بأنها أتت بعد حياة البادية، وذلك لأن البادية هي الأصل، ولكنه يقول إن البدوي ينظر إلى التمدن كحياة مستقبلية له، يسعى إليها: "ولهذا نجد التمدُّن غاية البدوي... فالحضارة ناشئة عن أحوال البداوة، وهي نمط من الحياة المستقرة يُنشِئ القرى والأمصار، ويُضفِي على أصحابه فنونًا منتظمة من العيش والعمل والاجتماع والعلم والصناعة، وإدارة شؤون الحياة والحكم، وترتيب وسائل الراحة وأسباب الرفاهية"
    [3].
    ويبدو أن ابن خلدون كان يرى في الحضارة خطرًا كبيرًا، وفسادًا يحمل ضمنه الشر، كل الشر: "الحضارة هي نهاية العمران، وخروجه إلى الفساد، ونهاية الشر والبعد عن الخير... وأن الترف والنعمة إذا حصلا لأهل العمران دعاهم بطبعه إلى مذاهب الحضارة والتعلُّق بفوائدها"
    [4].
    بينما ينظر ول. ديورانت إلى الحضارة نظرة مغايرة لنظرة ابن خلدون، فينظر إلى الحضارة من زاويتين أساسيتين، أولهما الثقافة، والثاني الحياة الهادئة الآمنة، كأنما يقول إن البدو لا يتمتعون بالثقافة والإبداع، وحياتهم قائمة على القلق والاضطراب، فيقول عن الحضارة إنها: "نظام اجتماعي يُعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي... وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمِنَ الإنسان من الخوف، تحرَّرت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفكُّ الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها"
    [5].
    ورغم تعارض النظرتين إلى "الحضارة"، إلا أنهما تلتقيان في مفهوم رئيسي، وهو أن الحضارة لا بد أن تكون في بيئة الأمن والأمان، بعيدًا عن الحروب والقتال، إذ يتحلى الإنسان بالأخلاق العالية، ويكون هدفه هو تحقيق الازدهار في الحياة، لكن من دون تبذير أو إسراف، وبما أن الحضارة _ لغويًا واصطلاحًا _ خلاف البادية، فهل يؤكد هذا رأينا الذي نذهب إليه؟
    ولكنْ، إذا نظرنا في تعريف "الجاهلية" لغويًا، سنجد أن "الجاهلية" لا تناقض "الحضارة" إطلاقًا، وقد ورد في لسان العرف تعريف مطوَّل يتناول مفهوم "الجاهلية"، واشتقاقاتها ومعانيها، ونورد من هذا التعريف ما يأتي: "جَهِلَ: الجَهْلُ: نقيض العلم. وقد جَهِلَه فلان جَهْلًا وجِهالةً وجَهِلَ عليه. وتَجَاهَلَ: أظهر الجهل، عن سيبويه.... والتجهيل: أن تنسبه إلى الجهل... والجهالة: أن تفعل فعلًا بغير العلم... قال ابن جني: قالوا جهلاء كما قالوا علماء، حملًا له على ضده... والمجهلة: ما يحملك على الجهل، ومنه الحديث: (الولد مبخلة مجبنة مجهلة)، وفي الحديث: (إنكم لتجهلون وتبخلون وتجبنون)... والمعروف في كلام العرب: جَهِلْتَ الشيءَ إذا لم تعرِفْهُ... وقوله تعالى: يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف
    [6]، يعني الجاهل بحالهم، ولم يُرِدِ الجاهل الذي هو ضد العاقل، إنما أراد الجهل الذي هو ضد الخبرة... وكل ما استخَفَّكَ فقد استجْهَلَكَ، قال النابغة (من الطويل):
    دعاكَ الهوى واسْتَجْهَلَتْكَ المَنَازِلُ
    وكَيْفَ تَصَابِي الْمَرْءُ
    [7] والشَّيْبُ شَامِلُ[8]

    ولا نرى، في هذا التعريف، ما يَصِمُ العصر الذي يسبق الإسلام بالعصر الجاهلي، رغم الحديث النبوي: (إنَّك امرؤ فيكَ جاهليَّة)، فالجهل يدلُّ على الاضطراب، يدلُّ على عدم العلم بالدين، لكنه لا يَدُلُّ، إطلاقًا، على عدم العلم بشكل مُطْلَق، فكيف كانت حياة الجهل السائدة في ذلك العصر؟ ولماذا سُمِّي العصر بأكمله بالجاهلي؟ بل ما مدى الظلم الكامن خلف هذه التسمية لذلك العصر؟!
    فإذا أردنا الأخذ بالقول، إن الجاهلية تعني الجهل بالدين، ولذلك سُمِّي العصر الجاهلي بهذه التسمية، إذ إن أهل ذلك العصر كانوا يعبدون الأصنام والأوثان
    [9]، ومصداق ذلك في القرآن الكريم: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى[10]، إلا أننا لا نقبل بهذا الرأي، فهناك عصور أخرى سابقة للعصر الجاهلي، شاعت فيها عبادة الأصنام، ولم يُسَمُّوها بالجاهلية! وقد ذكرها القرآن الكريم كذلك، كما في في مناظرة نبي الله إبراهيم مع قومه، وإذ لم يقنعوا بدعوته، كسر آلهتهم المزعومة تلك، ليؤكد لهم وحدانية الله تعالى: قالوا أنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون[11]، وكذلك المؤمن الذي كان يكتم إيمانه في قوم موسى: وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم[12].
    ولعل مشكلة عبادة الأصنام والأوثان، هي المشكلة الأولى التي جعلت ذلك العصر يتَّسِم بسمات الجاهلية، ويحمل هذا اللقب، إلا أننا، وللإنصاف، علينا بأن نذكر أن العصر الجاهلي عرف الأديان التي تنادي بعبادة الله تعالى "بل إن الوثنيين في شمالي بلاد العرب كانوا أكثر حماسة من غيرهم وأشد تعصبًا لدينهم، لاتصالهم بالمسيحيين في الشام وفلسطين، وكذلك كانت الحال في اليمن، لاتصالهم بالأحباش الذين كانوا يدينون بالمسيحية"
    [13]، وربما كانت اليهودية أسبق من المسيحية في دخول بلاد العرب، فقد "انتشرت اليهودية في جزيرة العرب قبل ظهور الإسلام، ولا سيما في اليمن، كما انتشرت في وادي القرى وخيبر وفدك وتيماء ويثرب... وكذلك انتشرت المسيحية في قبائل تغلب وغسان وقضاعة في الشمال، وفي بلاد اليمن في الجنوب"[14].
    ومرة أخرى، نتوقف عند هذا الأمر، أيُعقَل أن نصف عصرًا بأكمله بالجهل، وهو عصر قد حمل ملامح أدبية مميزة، ومعارف علمية، وفق إمكانيات تلك المرحلة الزمنية، بسبب انتشار الأصنام؟ أوَ لم يعرف العرب عبادة الإله الواحد، وقد عرفوا اليهودية والمسيحية؟ لا، بل إن الجاهليين أنفسهم، عبدة الأصنام، كانوا يعبدونها للتقرب إلى الإله الواحد، والقرآن الكريم يُقِرُّ هذه الحقيقة: ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى
    [15].
    لا، بل إن العصر الجاهلي شهد ما هو أكثر غرابة، وذلك "أن النظرة الفاحصة المدقِّقة، تكشف أن وثنيَّة ذلك العهد، لم تكن _ كما قد نظن _ اعتقادًا متينًا بالأصنام، فقد كان كثير منهم، وبخاصة الأعراب، يسخرون منها ويهزأون بها، ولم يكونوا يؤمنون أن هذه الأوثان والأصنام خالقة مدبِّرة قادرة... قال صاعد الأندلسي: "وجميع عبدة الأوثان من العرب موحدة الله تعالى، وإنما كانت عبادتهم ضربًا من التَّدَيُّن بدين الصَّابئة في تعظيم الكواكب والأصنام الممثَّلة بها في الهياكل، لا على ما يعتقده الجهَّال بديانات الأمم وآراء الفرق من أن عبدة الأوثان ترى أن الأوثان هي الآلهة الخالقة للعالم، ولم يعتقد قطُّ هذا الرأيَ صاحبُ فكرة، ولا واتَرَ به صاحب العقل"
    [16].
    فإذا كان أهل ذلك العصر ينظرون إلى الأوثان والأصنام وفق هذا المنطلق، إما لتقرِّبهم إلى الله تعالى، وإما نظرة السخرية والهزء بها، فهل من المنطقي أن نعتبر أهل العصر جاهليين، لأنهم كانوا يعبدون الأصنام، أم أن ذلك كان بسبب حياة الثأر والطيش التي كانت سائدة لديهم، آنذاك؟
    يحضرنا، في هذا المقام، كيف يصف لنا هذا الشاعر حياة القتال الدائمة، المتلاحقة، فلا تكون القبائل إلا في إحدى حالتين، إما غازية، وإما مَغْزُوَّة (من الطويل):

    يُغَارُ عَلَيْنَا واتِرِيْنَ فَيُشْتَفَى
    بِنَا إِنْ أُصِبْنَا أَوْ نُغِيْرُ عَلَى وَتْرِ

    قَسَمْنَا بِذَاك الدَّهْرَ شَطْرَيْنِ بَيْنَنَا
    فَمَا يَنْقَضَي إِلَّا وَنَحْنُ عَلَى شَطْرِ
    [17]

    ولا يعني الشاعر موقف قبيلته هنا، فهو معها في القتال، سواء أكانت على حق، أم على باطل (من الطويل):

    وَهَلْ أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ
    غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
    [18]

    ومن المؤكد أن الشاعر لا يعبِّر عن حالة شخصيَّة به، بل يعرض الحالة الاجتماعية العامة التي كانت تسود أهل القبائل في العصر الجاهلي.
    وإن أخذنا كلمة الجهل ومرادفاته، بمعنى التسرع والطيش في الردود، كما في معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي، الذي ينتشر في كلام كل من يذكر العصر الجاهلي، ويريد أن يصمه بصمة الجهل (من الوافر):
    أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا
    فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِيْنَا
    [19]

    ولكن، لم ننظر، فقط، إلى معنى "الجهل" بهذه الطريقة، ولا ننظر إلى استخدام اللفظة ذاتها، من قبل شعراء الجاهليين، بمعنى قلة الوعي، وليس بمعنى التعصب الأعمى الذميم، الذي يُبْقِي نارَ الحروب مُتَّقِدَة؟
    أوَ لم يقلِ النابغة الذبياني، في حق عامر بن الطفيل، الذي لم يُثْبِت رجاحة عقله، وبقيت أقواله دالَّة على انعدام الحكمة لديه، داعيًا إياه أن يكون مثل أبيه وسواه من الحكماء (من الوافر):

    فَإِنْ يَكُ عَامِرٌ قَدْ قَالَ جَهْلًا
    فَإِنَّ مَطِيَّةَ الْجَهْلِ الشَّبَابُ

    فَإِنَّكَ سَوْفَ تَحْلُمُ أَوْ تَنَاهَى
    إِذَا مَا شِبْتَ أَوْ شَابَ الغُرَابُ

    فَكُنْ كَأَبِيْكَ أو أَبِي بَرَاءٍ
    تُوافِقْكَ الحُكُومَةُ والصَّوَابُ
    [20]

    أو حتى بمعنى انعدام العلم، كما في مخاطبة الشاعر عنترة العبسي مخطوبته عبلة، ليسبق وصفها بأنها لا تعلم أمرًا ما، ب(الجهل)، فيقول لها (من الكامل):

    هَلَّا سَأَلْتِ الخَيْلَ يَا ابْنَةَ مَالِكٍ
    إِنْ كُنْتِ جَاهِلَةً بِمَا لَمْ تَعْلَمِي

    موضحًا، بذلك، حقيقة معنى (الجهل)، فهو ضد العلم بالشيء، كما بَيَّنَها سواه بأنها نار انتصار للقبيلة، سواء أكانت على باطل أم على حق، واتباعها بغير هدى، وبمعنى قلة الحكمة والاتزان في الأقوال والأفعال، لكنها صفة اتَّصف بها عصر بكامله، بما كان يحتويه من أخطاء حياة القتال الدموية والثأر، من دون سبب، إلى جانب الكرم والشهامة، والعلم كذلك!
    نعم، فلو أردنا أخذ (الجهل) بمعنى (عدم العلم)، فإن الجاهليين _ كما يُسَمُّونَهم _ لم يكونوا جاهلين، فلقد برع العرب في الشعر والنثر على حَدٍّ سواء، وتلك معلقاتهم تشهد لهم ببراعة الأسلوب، وجمال المعاني، وقوة النظم، وترابط الأفكار، والقدرة على الاستطراد متى أرادوا، وكيفما أحبوا، من دون إشعار السامع، أو القارئ، بالملل.
    وشعرهم فخم الأسلوب، رائع النغم، ونثرهم كذلك، وهل أَدَلُّ على ذلك من تحويل الخليل بن أحمد الفراهيدي الشعرَ علمًا له مصطلحاته ورموزه؟ ألا يدفع هذا بنا إلى التساؤل عن أي براعة كان يمتلكها الشاعر العربي، الذي ينظم قصيدة من عشرات الأبيات، محافظًا على توازن الشطرين ووحدة الروي والقافية، دون الإخلال بأيٍّ منها؟
    وإذا كانت هذه القصيدة أكثر تداولًا في ألسنة الناس من النثر، لرائع نَغَمِها، وارتياح الأذن لسماعها، وكذلك لأهميتها، إذ كان لكل قبيلة شاعر يتحدث باسمها ويدافع عنها، إلا أن النثر أسبق من الشعر في كلام الناس، لكن طبيعة العصر الجاهلي اقتضت أن تُعلِيَ شأن أصحاب الشعر أكثر من أصحاب النثر، لكن ذلك لم يمنع النظر، بإجلال وتقدير، وحفظ كلمات خالدة لحكماء وخطباء، أمثال قُسٍّ بن ساعدة الإيادي
    [21]، وأمامة بنت الحارث التي وجَّهَت نصائح ذهبية لابنتها، يوم زفافها، إلى ملك كِندة، وظلَّت نصائحها ماثلةً يؤخذ بها إلى يومنا هذا.
    ويحضرنا هنا القول الشهير: "ما تكلَّمَت به العرب من جيِّد المنثور أكثر مما تكلَّمَت به من جيد الموزون، فلم يُحفَظ من المنثور عُشرُه، ولا ضاع من الموزون عُشرُه"
    [22].
    وفي أشعار الجاهليين الكثير من المعاني الرقيقة، كما نقرأ لامرئ القيس في معلَّقته، إذ يقف على الأطلال، وكذلك حَفَلَت بالحِكَم أحيانًا، كما يحاول طرفة بن العبد تبرير تبذيره في معلَّقته، بوصف الموت وكيف أنه لا يفرِّق بين فقير وغني، بل تتساوى القبور، ولا أظن أنه من المبالغة القول إن شعر العرب ونثرهم يستحقان الخلود في الحياة الأدبية، لما يشتملان عليه من روعة المعنى وروعة المبنى على حدٍّ سواء.
    ولئن قلنا إن لكل عصر من يعبِّر عن أحداثه، ويُظهِر لنا طبيعته، وإن ذلك لا يدلُّ على الحضارة، فإننا ننظر في الحياة العلمية التي عرفها أولئك الجاهليون، إذ لم يكونوا بمعزل عن العلوم وتطوراتها، ولنقرأ في قصائد طرفة بن العبد، وصفه حركة السفن الضخمة في البحر (من الطويل):
    كَأَنَّ حُدُوجَ المَالِكَيَّةِ غُدْوَةً
    خَلايَا سَفِينٍ بالنَّواصِفِ مِنْ دَدِ

    عُدُوْلِيَّةٌ أو مِن سَفِينِ ابْنِ يَامِنٍ
    يَجُودُ بها المَلَّاحُ طَورًا ويَهْتَدِي
    [23]

    كما نقرأ وصف هذه السفن التي تشبه الجبال لضخامتها، في القرآن الكريم: وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام
    [24].
    وفي المعلقة نفسها كذلك، نقرأ وصف عملية البناء، ومدى الاهتمام بإتقانها، بل ويُشَبِّه ابن الرومي ناقته بالبناء المتكامل (من الطويل):

    كَقَنْطَرَةِ الرُّومِيِّ أَقْسَمَ رَبُّهَا
    لَتُكْتَنَفَنْ حَتَّى تُشَادَ بِقِرْمِدِ
    [25]

    كان عرب الجاهليين حضاريين، لم ينحصروا في بيئتهم الضيقة، بل كانوا يسافرون ليلتقوا بالقبائل والبيئات والبلاد الأخرى، كما في رحلة أهل قريش التي ذكرها القرآن الكريم، في الشتاء والصيف، ويذكر المفسرون أن رحلة الشتاء كانت إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام، أوَ لم يتقابل أهل الجاهلية، كذلك، مع بعض ملوك الأعاجم في رحلاتهم؟ إنهم لم يكونوا يحيون في بيئة البدو القتالية فحسب، بل كانوا يعرفون الحضارة بأنواعها، بل وكان فيهم المتعلمون، ولعل أفضل استشهاد يؤكد ما نذهب إليه، الأسئلة التي طرحها الدكتور ناصر الدين الأسد، مؤكدًا وجود الحركة العلمية والمعلمين والمتعلمين: "فإذا كان القوم، أو بعض القوم، يعرفون الكتابة وبعض ضروب المعرفة الأخرى، فأين تراهم تعلموها؟ أتناقلوها تناقلًا شفهيًا عابرًا من غير أن يقصدوا إلى تعلمها قصدًا، ومن غير أن يعمدوا إلى معرفتها عمدًا؟ أم أخذوها عن معلِّمين كانوا منقطعين إلى تعليمها في أماكن خاصَّة أُعِدَّت لتلقي هذه الضروب من المعرفة"؟ مقرِّرًا حقيقة تناقلتها المصادر المتنوِّعة، كما أورد ذلك: "أما وجود المعلِّمين في الجاهلية، فأمر ثابت منصوص عليه في وضوح لا يقبل الشك، فقد عقدت بعض المصادر العربية فصلًا خاصًا أثْبَتَتْ فيه جريدة بأسماء المعلِّمين في الجاهليَّة والإسلام، والطائف هي التي أخرجت يوسف بن الحكم الثقفي، وابنه الحجاج بن يوسف، المعلِّمَيْن"
    [26].

    ولم تَغِبِ العلوم الطبِّيَّة عن العرب رغم جاهليَّتهم، وربَّما تكون تلك العلوم مكتسبة من بلاد أخرى، وربمَّا تكون تجارب شخصيةً، ثمَّ تَمَّ توارثها، وأيًا كان الأمر، فقد عرف العرب الطب والأدوية، والنبي صلى الله عليه وسلم يؤكد لأصحابه أهمية التداوي، بقوله: "إنَّ الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتَدَاوَوا ولا تَدَاوَوا بحرام"، ومن المؤكد أن الأدوية لم تكن اختراعًا ظهر بظهور البعثة النبويَّة، بل كانت معروفة، من قبل ذلك، في العصر الجاهلي، بل لعل أهل الجاهليَّة كانوا يتنافسون في إثبات براعتهم الطبِّيَّة، كما يتبيَّن لنا ذلك، من خلال شعر ابن أوس، في قصيدة له، يذكر فيها اسم طبيب لديهم، عجز عن معرفة حل مسألة عُرِضَت عليه (من الطويل):

    فَهَلْ لَكُمُ فِيْهَا إلَيَّ فَإِنَّنِي
    بَصِيْرٌ بِمَا أَعْيَا النِّطَاسِيَّ حِذْيَمَا
    [27]

    ولا ننسى العلوم الفلكيَّة التي استنبطها الجاهليون، بإدراكهم مواقع النجوم وحركاتها، فاستطاعوا، من خلالها، تحديد طرقاتهم في أسفارهم، منجاة لهم من الضياع: وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر
    [28]، كما تمكنوا من تحديد الأيام، وإدراك الشهور، ومرور السنين، وأدركوا علم الحساب، وذلك بمراقبتهم حركة الشمس والقمر المستمرة: هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورًا وقدَّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب[29].
    لقد كان عصر الجاهلية عصرًا علميًا، بما يناسب إمكانيَّات حياة الناس به آنذاك، ولا ننكر أن العصر الجاهلي شهد حياة عصبية ومعارك، ربما كان معظمها لأسباب لا معنى لها، واستمر بعضها عشرات السنين، ليشيب من كانوا يافعين، ويتابعوا المعركة مع أبنائهم في ما بعد!
    تلك حياة جاهلية، لا شك في هذا، وبسبب ذلك، ننظر إلى العصر على أنه (جاهلي)، ونتناسى الشجاعة والحميَّة التي تميَّز بهما العرب الجاهليون، واندفاعهم إلى نصرة المظلوم، ورَدِّ الظالم حتى لو كان من أشرافهم، ويشهد لنا بذلك حلف "الفضول".
    بل إننا لا نرى من ذلك العصر، سوى حياة البوادي وقتال أبناء الصحارى لطلب الرزق، وننسى أنهم كانوا يعتمدون الزراعة والتجارة، ونتناسى وجود الحواضر لديهم، بما تحمله من الحياة المستقرة الرغدة.
    لقد عامل العرب النساء بقسوة، كونهم كانوا في مجتمع يعتمد القوة البدنيَّة للقتال، وبالتالي كانت المرأة، في معظم الأحوال، تجد نفسها طوع أمر وليِّها، يزوِّجها من أراد متى أراد، كما وأد العرب بناتهم خائفين من العار المحتمل، ولكننا ننظر إلى كل ما هو سلبي في ذلك العصر، ورأينا أنه يستحق لقب (الجاهلي)، لكننا لم ننظر إلى إيجابيَّاته الكبرى، ولا إلى علومه السائدة آنذاك.
    ولئن وصمنا العصر بالجاهلية، بسبب الحروب، فإن الحروب وإراقة الدم، لم تتوقف عبر التاريخ، وربما نلتمس العذر للجاهلي الذي يضطر إلى الإغارة على قبائل أخرى، لأجل الحصول على أرض خصبة للزراعة وبعض الغنائم، لكن الحروب التي قامت بين الدول، طمعًا في احتلال أراضٍ ومناطق كاملة، بل ودول أخرى، كما استمرَّت الحرب الكبرى بين فرنسا وإنكلترا مئة وثلاثين سنة، ثم الحربين العالميتين الكبريين، لا نصنِّفها على أنها جاهليَّة!
    وإذا كان سبب تسمية العصر الجاهلي بهذا الاسم، ما كان النساء يلاقيْنَه من التعنُّت وحرمان الحقوق الأساسيَّة كالميراث، فإن عصرنا الحالي هذا، يشهد وجود مجتمعات يعاني فيها النساء مثل أسلافهنَّ في الجاهلية، من تزويجهنَّ من دون رضاهنَّ، وحرمانهنَّ الميراث، بدعوى أنَّ رزق الوالد سيذهب إلى الغريب، فيما لو تَمَّ توريث البنات.
    بل دعنا ننظر في واقع النساء عبر العالم، لنرى أن المجتمع الإقطاعي جعل المرأة تعاني الكثير من ويلاته، خاصة على صعيد العمل، ولم يكن النظام الرأسمالي بأفضل حالًا، بل حمل أمراضًا صحيَّة ونفسيَّة واجتماعيَّة للنساء العاملات، إذ نادى بحرِّيَّة النساء، لتجد نفسها كأنها في عصر الإماء، وكان من نتيجة ذلك انتشار الأمراض الجنسيَّة، كما تمَّ هدر كرامة المرأة العاملة في كثير من ميادين العمل واستغلال جسدها الذي أصبح سلعة مباحة للمتعدِّين عليها، كما عاملتها أوروبا العصور الوسطى قبل ذلك، ككائن منبوذ
    [30].
    وسنقدِّم بعض الإحصائيات في العصر الحديث، في عام 1990 ميلاديَّة، قدَّم 130 ألف امرأة في إسبانيا، بلاغات بالاعتداء الجسدي والضرب المبرح من قبل الرجال الذي يعيشون معهن، سواء أكانوا أزواجًا أم أصدقاء، والشكاوى بلغت، بعد ذلك بسبع سنوات، 54 ألف شكوى وفق أحد المحامين، وتقول الشرطة إن الرقم الحقيقي عشرة أضعاف هذا العدد! وهناك بلاغ يومي عن قتل امرأة بأبشع الطرق على يد الرجل الذي تعيش معه، وفي أمريكا كانت الإحصائية عام 1986 أنَّ 27% من المواطنين يعيشون على دخل النساء، وشهدت الولايات المتحدة الأمريكية، وفق بعض الإحصائيات، عام 1995، 82 ألف جريمة اغتصاب، وتقول الشرطة إن الرقم الحقيقي 35 ضعفًا، وفي عام 1997، أوردت جمعيات حقوق المرأة خبرًا عن اغتصاب امرأة كل ثلاث ثوانٍ، والجهات الرسميَّة تعترض، قائلة إن هذا الرقم مبالغ به، والرقم الحقيقي حالة اغتصاب كل 6 ثوان!
    وفي العام نفسه، 6 ملايين امرأة يعانِيْنَ سوء المعاملة الجسدية والنفسية بسبب الرجال، و70% من الزوجات يعانِيْنَ الضرب المبرح، و4 آلاف يُقْتَلْنَ كل عام ضربًا على أيدي أزواجهن أو من يعيشون معهن
    [31]، بل إنَّ الصور تنقل إلينا أن المرأة كانت تخرج من المنزل بقناع له قفل يغلق فمها، وذلك في إنكلترا القرن السادس عشر، وبالتالي، أي العصور تستحق لقب العصور الجاهليَّة؟ ذلك العصر الذي شهد أنَّ بعض القبائل كان الرجال يدفنون بناتهم، بعد ولادتهنَّ مباشرة، أم هذه العصور الحالية؟!
    إنَّ الادِّعاء بأن العصر الجاهلي لم يعرف العلوم، ادِّعاء تدحضه الدراسات والنظر في المصادر العربيَّة، ولا يبقى أمامنا سوى احتمالاتٍ أربع لوصم العصر بهذه التسمية، حياة القتال التي كانت سائدة أيامها، وما تزال مستمرَّة، ووفق نطاقات أوسع، ومعاملة النساء القاسية، وقد زادت سوءًا، في بعض المجتمعات العربيَّة والغربيَّة، كما تؤكِّد المشاهدات والدراسات والإحصاءات، فلماذا نَخُصُّ ذلك العصر وحده بهذه التسمية إذًا؟!
    أمَّا إن أخذنا الأمر بالمنظور الدِّيني، وأن عبادة الآلهة المتعدِّدة من دون الله تعالى هي سبب هذه الصفة، فإنَّ بعض الدول، في زماننا، تعبد الأبقار، بل وهناك أناس وجماعات لا يعبدون أحدًا إطلاقًا، وبعضهم يعبدون الشيطان، وبالتالي إنَّ عبادة الأصنام في العصر الجاهلي، تُعَدُّ رحمة كبرى إزاء عصورنا الحاليَّة، فلماذا نسمِّيها بالجاهليَّة، وهناك مثيل لها، ومن تفوَّق عليها، في عصور (التطوُّر) هذه؟!
    ولئن كانت حياة البادية المجافية للحضارة هي السبب في اعتبارنا إياهم أهل جاهليَّة، فإنَّ إشكاليَّة البدو والحضارة لم تَنتَهِ عبر التاريخ البشري، وبالتأكيد ليست إشكاليَّة خاصَّة بالعرب وحدهم، بل إنَّنا نراها حتى عند الغرب، ولنا أن نتساءل، لماذا يُكَنِّي أهل الولايات المتحدة الأمريكيَّة عن الموت، بقولهم: (اشترى المزرعة)؟ ألا تُعبِّر (المزرعة) عن حياة البدو، فلماذا نخصِّصها بالتعبير عن الموت؟ والأمر ذاته، تقريبًا، في الكناية الإنكليزية عن الموت، بتعبير (عَضَّ التُّراب)!
    ولنبتعد عن التأويلات والتحليلات الشخصيَّة للكناية، لننتقل إلى الواقع الملموس، وإلى المجتمع الصناعي الياباني المتطور، ومَن منَّا لا يعرف بالإنمي الياباني الشهير "مغامرات الفضاء غرندايزر" الذي دبلجته شركة التلفزيون اللبنانيَّة، عام 1979، ولكن من منَّا يعرف أن المجتمع الياباني المتطوِّر صناعيًا، رفض رفضًا مطلقًا أن يُسنَد دور بطولي في مقاتلة غزاة الفضاء في هذا الإنمي إلى الفتاة القرويَّة التي تشتغل في مزرعة والدها، معتبرين أن دور البطولات لا يليق بفتاة قرويَّة، وانخفضت أسهم المسلسل كثيرًا بسبب ذلك، وفي مقابلة أُجْرِيَتْ في غرندايزر رومان ألبوم، مع الممثلة اليابانية كاواشيما شيوكو: Kawashima Chiyoko التي أدَّت دور تلك الفتاة، عَبَّرت الممثلة عن ردَّة فعل الجمهور الياباني إزاء دورها: "لم أتوقع لو لم يَتِمَّ جعل هيكارو مع فريق دايزر لما أصبحت غير مرغوبة عند الجمهور الياباني كما هو الحال الآن، لكن لو تَمَّ جعلها فتاة مزرعة فقط، فهذا سوف يُخفي شخصيتها الحقيقة، وهي أن لديها الجرأة والشجاعة والقوة، الجماهير اليابانية كانت غاضبة جدًا من غو ناغاي _ المؤلِّف _ لأنه أعطى هيكارو دورًا بطوليًا"
    [32]!
    وبعد عرض مسوِّغات تسمية عصر كامل بوصف الجهل، لنؤكِّد أن هذه المسوِّغات لم تكن خاصَّة به وحده، بل هي مستمرَّة في أيَّامنا، وبشكل أشدَّ سوءًا ممَّا كان عليه ذلك العصر، وبالنظر إلى رحلات العرب التجاريَّة، ومخالطتهم الشعوب، ومعرفتهم علوم البناء وتحديد المواقع، وتمكُّنهم من صناعة السفن الضخمة، لا نجد مبرِّرًا واحدًا حقيقيًا يشفع لهذه التسمية الظالمة، فاهتمام العرب بالعلوم المتنوِّعة، ووجود أماكن مخصَّصة للتعليم، وبروز أناس برعوا في الطبِّ، كلُّ ذلك يؤكِّد لنا أنَّ ذلك العصر، مقارنة ببعض العصور اللاحقة، وحتَّى العصور الحاليَّة، يستحق أن نُطلِق عليه وصف (العصر الحضاري) بدلًا من (العصر الجاهلي)!
    ولكن السؤال يطرح نفسه هنا، إن كان هناك بعض المستشرقين، وبعض الدارسين العرب ممَّن حذا حذوهم، أمثال طه حسين، قد نَفَوا الشعر الجاهلي، فهل يمكن أن تظهر دراسة ما مستقبليَّة، تنفي الحياة الجاهليَّة بأكملها، كما نَفَتْ أعظم مصدر فخرٍ لأولئك العرب في تلك الحقبة الزمنيَّة؟


    مصادر الدِّراسة:
    1_ القرآن الكريم.
    2_ ابن خلدون، المقدمة، دار الرائد العربي، 1982م.
    3_ ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط1، 1992م.
    4_ الأسد، ناصر الدين: مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، دار الجيل، مصوَّرة عن طبعة المعارف، الطبعة السابعة، 1988م.
    5_ البغدادي، عبد القادر: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، الجزء الثاني، مكتبة خانجي، القاهرة، الطبعة الرابعة، مطبعة المدني، المؤسسة السعودية بمصر، 1997م.
    6_ الجاحظ: البيان والتبيين، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، المجلد الأول، دار الجيل بيروت، ودار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.ت.
    7_ الجبوري، يحيى: الشعر الجاهلي، خصائصه وفنونه، مؤسَّسة الرسالة، بيروت، ط5، 1986م.
    8_ حسن، حسن إبراهيم: تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، الجزء الأول، الدولة العربية في الشرق ومصر والمغرب والأندلس، دار الجيل_بيروت، ومكتبة النهضة المصرية_القاهرة، 1996م.
    9_ حسين بن أحمد بن الحسين، الزنزوني: شرح المعلقات العشر، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، 1983م.
    10_ ديورانت، ول. وايريل: قصة الحضارة، ترجمة الدكتور زكي نجيب محمود، إصدار مشترك بين بيروت وتونس، لا.ت.
    11_ الزركلي، خير الدين: الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط16، 2005م.
    12_ الزنزوني، الحسين بن أحمد بن الحسين: شرح المعلقات العشر، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، 1983م.
    13_ الشنقيطي، أحمد أمين: تحقيق شرح المعلقات العشر وأخبار شعرائها، دار النصر للطباعة والنشر، لا.ت.
    14_ صفدي، مطاع/وحاوي، إيليا: موسوعة الشعر العربي، تحقيق أحمد قهالة، شركة خيَّاط للكتب والنشر، بيروت، 1974م.
    15_ عبد الرسول، عمر: سلسلة ذخائر العرب/59، ديوان دريد بن الصمة، دار المعارف، القاهرة، لا.ت.
    16_ عبد الساتر، عباس: ديوان النابغة الذبياني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 1996م.
    17_ عبد الملك بن قريب بن عبد الملك (أبو سعيد)، الأصمعي: الأصمعيات، تحقيق أحمد محمد شاكر أبو الأشبال، وعبد السلام محمد هارون، الطبعة الخامسة، لا.ت.
    18_ فاخوري، حنَّا: الجامع في تاريخ الأدب (الأدب القديم)، دار الجيل، بيروت، 1985م.
    19_ يعقوب بن إسحاق (أبو يوسف)، ابن السكيت: ديوان النابغة الذبياني بتمامه، تحقيق شكري فيصل، دار الفكر، بيروت، لبنان، لا.ت.

    المواقع الإلكترونية:
    1_ مجلة الجزيرة الإلكترونيَّة، العدد 38، الثلاثاء 17 ربيع الثاني، 1424هـ/17 حزيران 2003م.
    2_ مكانة المرأة في المجتمع الغربي"، قدَّمها موقع الشامل موسوعة البحوث للمواضيع المدرسية، بتاريخ: الخميس 16 مارس/آذار، عام 2017م.
    3_ https://bouhoot.blogspot.com/2017/03/blog-post_5.html
    4_ http://kaizu.land/threads/2433-Go-Nagai-and-Grendizer-gt-gt-(-الجمهور-الياباني-Hikaru-)

    الهوامش في البحث:
    [1] خير الدين الزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، ط16، 2005م، ص 199، وانظر؛ كذلك؛ في كتاب حنَّا الفاخوري، الجامع في تاريخ الأدب (الأدب القديم)، دار الجيل، بيروت، 1985م، ص 503.
    [2] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط1، 1992م، مادة حَضَرَ.
    [3] ابن خلدون، المقدمة، دار الرائد العربي، 1982م، ص 132.
    [4] المصدر نفسه، ص 475.
    [5] ول. وايريل ديورانت، قصة الحضارة، ترجمة الدكتور زكي نجيب محمود، إصدار مشترك بين بيروت وتونس، الجزء الأول من المجلد الأول ، ص 3.
    [6] من الآية 273، من سورة البقرة.
    [7] استجهلتك المنازل: حملتك على عدم معرفتها. تصابى المرء: مال إلى الفتوة والجهل. عباس عبد الساتر، ديوان النابغة الذبياني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، 1996م، ص 152. والبيت الشعري هو مقدمة قصيدة النابغة الذبياني "سقى الغيثُ قَبْرًا". وانظر؛ كذلك؛ في ديوان النابغة الذبياني بتمامه، صنعة ابن السكيت، الإمام أبو يوسف يعقوب بن إسحاق، تحقيق شكري فيصل، دار الفكر، بيروت، لبنان، لا.ت. والقصيدة من 31 بيتًا، ص 113_120.
    [8] لسان العرب، مادة جَهِلَ.
    [9] الوثن: الصنم ما كان، وقيل الصنم الصغير، قال ابن الأثير: الفرق بين الوثن والصنم أن الوثن كل ما له جُثَّة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب والحجارة، كصورة الآدمي، تُعمَل وتُنصَب فتُعبَد، والصنم الصورة بلا جثَّة، ومنهم من لم يفرِّق بينهما، وأطلقهما على المعنيين، قال: وقد يُطلَق الوثن على غير الصورة. وعن الأزهري: قال شُمَر؛ فيما قرأتُ بخطِّه؛ أصل الأوثان عند العرب، كل تمثال من خشب أو حجارة أو ذهب أو فضة أو نحاس أو نحوها. لسان العرب، مادة (وَثَنَ) ومادة (صَنَمَ)، بتصرف.
    [10] الآيات 19_21، من سورة النجم.
    [11] الآيات 62_64، من سورة الأنبياء.
    [12] من الآية 28، من سورة غافر.
    [13] حسن إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، الجزء الأول، الدولة العربية في الشرق ومصر والمغرب والأندلس، دار الجيل_بيروت، ومكتبة النهضة المصرية_القاهرة، 1996م، ص 62.
    [14] المصدر نفسه، ص 63.
    [15] الآية الثالثة، من سورة الزمر.
    [16] يحيى الجبوري، الشعر الجاهلي، خصائصه وفنونه، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط5، 1986م، ص 103، 104.
    [17] مطاع صفدي وإيليا حاوي، موسوعة الشعر العربي، تحقيق أحمد قهالة، شركة خيَّاط للكتب والنشر، بيروت، 1974م، ص 577.
    وسلسلة ذخائر العرب/59، ديوان دريد بن الصمة، تحقيق عمر عبد الرسول، دار المعارف، القاهرة، لا.ت. ص 97. والقصيدة من ثمانية أبيات، نظمها في رثاء إخوته: عبد الله، عبد يغوث، خالد.
    [18] ديوان دريد بن الصمة، ص 62. وعبد الملك بن قريب بن عبد الملك الأصمعي أبو سعيد: الأصمعيات، تحقيق أحمد محمد شاكر أبو الأشبال، وعبد السلام محمد هارون، الطبعة الخامسة، لا.ت. والقصيدة في الديوان 46 بيتًا، وفي الأصمعيات 29 بيتًا، وتورد الأصمعيات سبب نظمها أن امرأة دريد سَبَّت أخاه، فطلقها، ونظم هذه الأبيات، وفي الديوان أن هذه القصيدة في رثاء أخيه عبد الله.
    [19] أحمد أمين الشنقيطي، تحقيق شرح المعلقات العشر وأخبار شعرائها، دار النصر للطباعة والنشر، لا.ت. ص 113.
    [20] الديوان بتمامه، صنعة ابن السكيت، ص 155_157، والقصيدة من عشرة أبيات، وفي الديوان، البيت الأول (إن يَكُ عامر)، ما يكسر وزن بحر البيت الشعري، وفي الديوان، تحقيق عباس عبد الساتر، القصيدة من سبعة أبيات، لكن لا كسر في وزن بحر البيت الأول، انظر ص 83_84.
    [21] عبد القادر البغدادي: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، الجزء الثاني، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الرابعة، مطبعة المدني، المؤسسة السعودية بمصر، 1997م، ونقرأ في الكتاب؛ كذلك؛ أشعارًا لقس بن ساعدة الإيادي، ويُذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن قس، ويبدو أن ذلك لبراعته الأدبية، نثرًا وشعرًا، إذ قال النبي بعد ما سمع عن أخباره وأقواله وأشعاره: "رحم الله قسًا، إني أرجو أن يبعثه الله أمة وحده"، ص 80_83.
    [22] يُنسَب هذا القول إلى ابن رشيق القيرواني، لكني قرأتُ للجاحظ أن هذا القول لعبد الصمد الرقاشي، راجع: البيان والتبيين، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، المجلد الأول، دار الجيل بيروت، ودار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.ت، ص 287.
    [23] الحدج: مركب من مراكب النساء، والمالكية منسوبة إلى بني مالك، قبيلة من كلب. الخلايا: جمع الخلية، وهي السفينة العظيمة. النواصف: جمع الناصفة، وهي أماكن تتسع من نواحي الأدوية. دَدِ: اسم واد، وقيل مثل يد، وكلها بمعنى اللهو واللعب. عَدْولِيَّة: قبيلة من أهل البحرين، وابن يامن، رجل من أهلها، والجور: العدول عن الطريق. انظر: الحسين بن أحمد بن الحسين الزنزوني: شرح المعلقات العشر، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، 1983م، ص 92.
    [24] الآية الرابعة والعشرون، من سورة الرحمن.
    [25] القرمد: الآجر، وقيل هو الصاروج. يَشَبِّه الناقة بقنطرة تُبْنَى لرجلٍ روميٍّ، قد حَلَفَ صاحبها ليحاطن بها، حتى تُرفع أو تُجَصَّص بالصاروج أو بالآجر. والشيد: الرفع والطلي بالشيد، وهو الجص. شرح المعلقات العشر، ص 101.
    [26] ناصر الدين الأسد: مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، دار الجيل، مصورة عن طبعة المعارف، الطبعة السابعة، 1988م، الفصل الأول، ص 50، بتصرف.
    [27] يورد البغدادي في خزانة الأدب، أن اسم هذا الطبيب ابن حِذْيَم، وقد حُذِف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، لأنه علم أنَّه العالم بالطب والمشهور به، فإنه ورد في الأمثال "أَطَبُّ من ابن حِذْيَم"، وقال الزمخشري، هو رجل كان من أطباء العرب، وقال أبو الندى: ابن حِذْيَم كان أطبُّ العرب، وكان أطبُّ من الحارث بن كِلدَة _ وهذا يُبَيِّن لنا وجود منافسة على مهارة الطب، بين الأطباء المختلفين في العصر الجاهلي _ انظر المصدر المذكور، ص 370، كما ويورد البغدادي في كتابه بعض أبيات هذه القصيدة، ص 373.
    [28] الآية السابعة والتسعون، من سورة الأنعام.
    [29] الآية الخامسة، من سورة يونس.
    [30] مجلة الجزيرة الإلكترونيَّة، العدد 38، الثلاثاء 17 ربيع الثاني، 1424هـ/17 حزيران 2003م.
    [31] هذه الإحصائيات، من دراسة بعنوان "مكانة المرأة في المجتمع الغربي"، قدَّمها موقع الشامل موسوعة البحوث للمواضيع المدرسية، بتاريخ: الخميس 16 مارس/آذار، عام 2017م.
    انظر:
    https://bouhoot.blogspot.com/2017/03/blog-post_5.html
    [32] هذه النَّظرة الدُّونيَّة إلى المرأة البدويَّة، أوقفت المسلسل آنذاك، ثمَّ تمَّت متابعته بجزء ثان، تُسنَد فيه البطولة إلى فتاة فضائيَّة، ولكن إصرار الكاتب على إعادة ابنة المزرعة إلى دور البطولة، أعاد حالة الغضب وأدى إلى توقف المسلسل، كما قرأنا في الكثير من مواقع الإنترنت من قبل، أما ترجمة مقابلة الممثِّلة اليابانيَّة مع مجلة غرندايزر رومان، فقد عرضها متابعون للإنمي الياباني، متمكِّنون من اللغة اليابانيَّة، وقاموا بترجمتها، في الموقع الآتي:
    http://kaizu.land/threads/2433-Go-Nagai-and-Grendizer-gt-gt-(-الجمهور-الياباني-Hikaru-)

  2. 2 أعضاء شكروا أ. عمر على هذا الموضوع المفيد:


  3. #2

    الصورة الرمزية BLACKOV

    تاريخ التسجيل
    Feb 2008
    المـشـــاركــات
    331
    الــــدولــــــــة
    قطر
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: عصر جاهلي أم حضاري؟ د. عمر قزيحه

    .:: ...........................................................................


    ابتداء
    شكراً على تلبية الطلب ،،



    وتعقيباً على الموضوع

    أنا أميل للرأي القائل ..
    بأن المراد بالجاهلية هو
    قلة الحلم وليس العلم

    ولا يوجد استدلال أفضل على صحة هذا القول من البيت الذي أوردته لعمرو بن كلثوم

    ولكن على ما يبدو إن ما اشتهر بين الناس من ظن واعتقاد بأن الجاهلية هي
    قلة العلم

    فأخذوا ينسبوا كل خطيئة
    وبلوى وتخلف لهذا العصر

    متناسين بأن
    المفردة في اللغة العربية قد تأتي بعدة معاني

    ومتجاهلين للشواهد التي أوردتها التي بكل تأكيد قد مر
    بعضها علينا جميعا في ما سبق

    ..

    قبل لا أختم كلامي :
    أحب أن أشكرك على الجهد المبذول في إعداد هذا البحث

    --

    كلمة أخيرة : يفضل لو لختصم البحث مراعاة
    لاختلاف الجمهور بين مجلة علمية أغلب قراءوها من المثقفين ومحبين القراءة

    وبين منتدى عام يشمل مختلف
    أطياف الناس ..

    أو على الأقل تذييل البحث بملخص .. لتعم الفائدة


    .................................................. ............................................. BLACKOV
    .................................................. ............................................................. ::.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...