سم الوداد (بقلمي: عمر قزيحه)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي سم الوداد (بقلمي: عمر قزيحه)

    لم؟ (تمهيد)

    ترى، أكانَتِ ابتسامَتُها ابتسامةَ سعادةٍ، أو أنَّها بَسْمَةُ غيظٍ وأسى؟
    اليومَ ارتَدتْ لباسَ التخرُّجِ، وكانَتْ بِهِ فِرِحَةً مزهوَّةً بنفسِهَا كأنَّمَا حقَّقَتْ إنجازًا فذًّا!
    ولكنَّ لمحةَ الأسى نَغَّصَتْ عليها، إذ لم تَجِدْ مِنْ حولِهَا أبًا لها أو أمًّا!
    كانَتْ نفسُها تَميلُ إلى أن تعانِقَ والدَهَا الذي أنفقَ ما أنفَقَهُ من دماءِ قلبِهِ لأجلِ تعليمِهَا...
    واشتعلَتْ نفسُهَا غيرةً من زميلاتِهَا، كلُّ واحدةٍ منهنَّ تحقَّقَ لها ما تحبُّ وتهوى...
    وعادَتِ الفتاةُ إلى بيتِهَا تَدُقُّ البابَ بِدَقَّاتٍ ملهوفةٍ، لكنَّ أحدًا لم يَسْتَجِبْ لها...
    فَتَحَتِ البابَ مغتاظةً، أبوها وأمُّها لَيْسَا هنا، وكانَتْ تأملُ في أن يُباركَا لها فَرحةً كبرى بِتَخَرُّجِهَا...
    ولكنْ، لا! إنَّهُمَا هنا! على بلاطِ المطبخِ يَسْتَلْقِيَانِ، يَحْتَضِنَانِ بَعضَهُمَا بِشِدَّة...
    ترى، ما حصل؟ كانا لا يَكادَانِ يتكلَّمَانِ معًا إلا نادرًا، وبكلماتٍ جَافِيَةٍ جَوفاءَ...
    فَمَتَى أحَبَّا بعضَهُمَا؟
    ولكنْ، لا! لا لا وألفُ لا! الأيدي مَتَجَمِّدَةٌ، والعيونُ شاخصةٌ...
    هذا لَيْسَ احتضانَ المحبَّةِ، بلِ احتضانُ الموتِ!
    أبُوهَا جثَّةٌ هامدةٌ، وكذلك أمُّهَا!
    وقريبًا منهما كوبٌ منَ العصيرِ...
    تَكادُ محتوياتُهُ تَنْفَد!


    (عمر قزيحه – في 3-7-2020م – الساعة: 1:42 ليلًا)

    يتبع في
    سمُّ الوداد

  2. #2


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: سم الوداد (بقلمي: عمر قزيحه)

    سمُّ الوداد!

    أمامَ مرآتِهَا ذاك المساءَ وقفَتْ!
    وقفَتْ شاردةً في ذهنِ الزمانِ المرتجفِ، وأجملَ ما كانَتْ تَرْتَقِبُ قد نَسِيَتْ!
    اليومَ ابنتُهَا أنهَتْ دراسَتَهَا الجامعيَّةَ، ومنْهَا في حفلٍ بهيجٍ قد تخَرَّجَتْ، لكنَّ الأم أمامَ مرآتِهَا ذاكَ المساءَ وقفَتْ، وفي مكانِهَا جَمَدْتْ، وأعصابُهَا تجمَّدَتْ!
    من زوجِهَا نَفَرَتْ، ومن ابتسامتِهِ خَافَتْ، ومن خَشيةِ المَوتِ أعصابُهَا انْهَارَتْ!
    قد قَالُوا لَهَا عَنْهُ قولًا أليمًا فارْتَعَشَتْ، أخبرُوهَا عن خفايَاهُ سِرًّا عَظِيمًا فارْتَعَبَتْ!
    قالُوا لها زَوجُكِ عينُهُ إلى سِواكِ زائغةٌ، أَمَا تَلْمَسِيْنَ فِيْهِ جفاءً مِنْكِ ونُفُورًا؟
    قالُوا لَهَا إنَّهُ يُريدُ مَصَاغَكِ الذهبيَّ وأموالَكِ، وحتمًا سَيَقْتُلُكِ لِيَتَزَوَّجَ فتاةَ الأحلامِ الجميلةِ التي تَفُوقُكِ حُسْنًا، وما كانَ كلامُهُمْ في أذُنَي قلبِهَا حَسَنَا!
    أمامَ مرآتِهَا ذاكَ المساءَ وقفَتْ!
    قرَّرَتْ أنْ تَكونَ البادئةَ...

    يتبــــع إن شاء الله تعالى
    تابعوا معنا

  3. #3


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: سم الوداد (بقلمي: عمر قزيحه)

    أمامَ مرآتِهَا ذاكَ المساءَ وقفَتْ!
    قرَّرَتْ أنْ تَكونَ البادئةَ، فَوضعَتِ السُّمَّ في شرابِهِ المحبَّبِ إليْهِ، وهوَ غائِبٌ لا يرى...
    وأسْرَعَتْ تَرْتَدِي لباسَهَا تُريدُ الفرارَ قبلَ أن يعودَ، لِتَخْدَعَ عينَ العدالةِ ببراءتِهَا...
    ومعَ الوقتِ المتسارعِ في نبضاتِ ثوانيْهِ، لمْ تَنْسَ أن تقف أمامَ مرآتِهَا لحظاتٍ أخرى، لِتُلْقِيَ نظرةً مُتَفَحِّصَةً على تناسقِ لباسِهِا وزينتِهَا الخفيفةِ...
    عكسَتْ لَهَا المرآةُ صورةَ شيطانٍ رجيمٍ، فَخَدَعَتْهَا نفسُهَا...
    سَوَّلَتْ لهَا نفسُهَا أنَّها لا ترى إلَّا ملاكًا هادئًا لطيفًا!
    وانطلقَتِ الخائفةُ نحوَ بابِ البيتِ، وإذ بِهِ ينفتحُ بغتةً لِيَدْخُلَ قاتلُهَا المحتملُ!
    وتكادُ هيَ تنهارُ رعبًا!
    جَمَدَتْ مَكَانَهَا لا تدري ماذا تفعلُ، ثمَّ سمعَتِ اسمَهَا يتردَّدُ بِحَزْمٍ قاسٍ!
    وأفاقَتِ المرأةُ من وهمِ سجنِ الشُّرودِ، لِتسألَ نفسَهَا محتارةً متى مضى الرجلُ من أمامِ عينَيْهَا!!
    لكنَّهَا لَبَّتِ النِّداءَ طائعةً، والذعرُ ينهشُ قلبَهَا...
    وهناكَ كانَ الرجلُ ينظرُ إلى كوبِ الشَّرابِ المخصَّصِ لَهُ، الموضوعِ على الطاولةِ، ويبتسمُ ابتسامةً حارَتِ امرأتُهُ في فهمِ مغزاها!
    أأدركَ الرجلُ ما ينتظرُهُ؟ هل علمِ أنَّ شرابَهُ مسمومٌ؟ أو أنَّهُ...

    _ اشربي أمامِي!
    قالَهَا بِحزمٍ، وارتجفَتِ المسكينةُ...

    تابعوا معنا


  4. #4


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,290
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: سم الوداد (بقلمي: عمر قزيحه)

    _ اشربي أمامِي!
    قالَهَا بِحزمٍ، وارتجفَتِ المسكينةُ وهيَ تمسكُ بالكوبِ، وقدْ ذهبَ الرعبُ بِتَوازُنِهَا العقليِّ، فَلَمْ تَجِدْ نفسَهَا إلَّا وهيَ تشربُ رشفةً لا بأسَ بِهَا بِمَرَارَةٍ يائسةٍ...
    وأخذَ الرجلُ الكوبَ من يدِهَا، ووضعَ يدَهُ على كتفِهَا بِحنانٍ، إذ يُدنِي الكوبَ منْ شفتَيْهِ لِيشربَ بسرعةٍ، منْ حيثُ كانَ فمُ امرأتِهِ يشربُ...
    وضمَّهَا إليْهِ، لَيُخْبِرَهَا بِأنَّهُ لَمَسَ منْهَا نفورًا لمْ يفهمْ لَهُ سَبَبًا، فَلَمْ يَجِدْ إلَّا هذِهِ الوسيلةَ لِيُخْبِرَهَا مِنْ خلالِهَا كَمْ يُحبُّهَا!
    وسَالَتْ دموعُ المرأةِ هنا، وأرادَتْ أن تحوطَهُ بحنانِهَا، لكنَّ يدَ الغدرِ كانَتْ أقوى، وها هيَ روحُهَا تكادُ تخرجُ بِتَفاعلِ السُّمِّ في دمِهَا...
    واحتضنَهَا زوجُهَا وهوَ عليْهَا يبكي خوفًا، ويسألُهَا في ألمٍ ما بِهَا، لكنَّ وجهَهُ كانَ شاحبًا، وملامحُ الألمِ تكادُ تفضحُ مقاومتَهُ...
    كانَ السُّمُّ يَنهشُ أعماقَهُ نهشًا أليمًا، لكنَّهُ ظلَّ يَضُمُّ امرأتَهُ إلى صدرِهِ محاولًا حمايتَهَا منَ الموتِ، وما كانَ لَهُ أن يُحقِّقَ ذلكَ، لكنَّمَا الحُبُّ يُذهِبُ العقلَ أحيانًا لِتَفُورَ العاطفةُ كأعماقِ بركانٍ يغلي...
    ظلَّ يقاتلُ الموتَ حتَّى هزمَهُ الرَّدى، ولم يتركِ امرأتَهُ لحظةً...
    وفي صدرِهِ استكانَتِ المرأةُ رغمَ آلامِ الاحتضارِ، أحسَّتْ بالأمانِ هناكَ، على صدرٍ تَرَكَتْهُ المنايا باردًا مثلَّجًا!
    وفي أُذنَي الوهمِ في عقلِهَا المتألِّمِ، سَمِعَتِ الجثَّةَ تتكلَّمُ!
    لكنَّ كلماتِهَا مزَّقَتْ ضَمِيرَهَا، ولوْ لمْ يَكُنْ فِيْهَا معاتبةٌ لَهَا أو لَوْمًا...
    قالَتْ لَهَا جثَّةُ زوجِهَا متحسِّرةً لماذا شَرِبْتِ، وأنتِ تعلمِينَ أنَّ السُّمَّ يملأُ الشَّرابَ؟ لو علمْتُ أنَّهُ مسمومٌ لَشَرِبْتُهُ كلَّهُ طائعًا مختارًا، وهلْ كانَتْ روحِي إلَّا ملكَ يديْكِ؟ أحزَنَنِي أنَّكِ بي لا تَثِقِيْنَ، فَآلَمْتِ نَفْسَكِ، ولمْ تتركِي لِي فرصةَ الاختبارِ لِأُثْبِتَ لَكِ أنَّ حياتِي أقدِّمُهَا مقابلَ لَمْسَةٍ حانيةٍ منْ يَدِكِ!
    وكانَتِ القاتلةُ المحبَّةُ المحبوبةُ تحتضرُ، وصوتُ الدَّقَّاتِ على البابِ يعلنُ عودةَ ابنتِهَا، مهجةِ قلبِهَا، من حفلِ تخرُّجِهَا...
    تمنَّتِ الأمُّ لو تبقى لحظاتٍ في هذِهِ الدُّنيا لِتَحْتَضِنِ ابنَتَهَا وتباركَ لَهَا وتقبِّلَ خدَّيْهَا، ولكنْ...
    دخلَتِ البنتُ متلهِّفةً بعدَ أن فتحَتْ بمفتاحِهَا، لِتَرَى في أبَوَيْهِا في موتِهِمَا ما لم تَرَه في حياتِهِمَا!
    يَحْتَضِنَانِ بعضَهُمَا بِقُوَّةٍ، وعلى الطَّاولةِ كُوبٌ منَ العصيرِ تَكادُ محتوياتُهُ تَنْفَدُ...
    وجمدَتِ البنتُ مكانَهَا في رعبٍ لا تعرفُ ما يحصلُ، ثمَّ انطلقَتْ صرختُهَا الأليمةُ تَشُقُّ فضاءَ المكانِ، لكنْ ما كانَ للصُّراخِ أن يُعِيدَ الحياةَ إلى الموتى!
    وأُسْدِلَ ستارُ حكايةِ الحياةِ على جثَّتَيْنِ هامدتَيْنِ وفتاةٍ باكيةٍ...
    وما يزالُ الشَّيطانُ الإنسيُّ طائرًا...
    على جناحِ غيمةٍ...
    مُتَفَحِّمَةِ السَّوادْ!

    الكاتب: عمر قزيحه
    2-7-2020م: الساعة: 3:23 صباحًا.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...