حكاية نورا (مأساة من صلب الواقع) بقلمي عمر قزيحه

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي حكاية نورا (مأساة من صلب الواقع) بقلمي عمر قزيحه

    حكاية نورا
    نورا طفلة من خيال، نورا فتاة جافَتْ عالم الجمال، وحين نذكر نورا، نعلم أنَّ في النفوسِ أمورًا، قلبُ طفلةٍ يكتوي نارًا ونورًا!
    نورا وحيدة والدَيْها، ولا يعني هذا لها الدلال، أو أنَّها كانت تعيش في الأحلام العاجيَّة، رغم أنَّها كانت في دراستها متفوِّقةً بادئ سنواتها الدراسيَّة، كانت مضرب الأمثال ذكاءً واجتهادًا، حتَّى فاجأتها الحياة بخلافاتٍ حادَّةٍ بين أبَويها، وكلٌّ منهما يتَّهم نفسه بالغباء لأنَّه (يدفن نفسه بالحياة) إذ يعيش مع الآخر!
    ونورا تستمع وتتألَّم، ومن مصائب الدنيا تتعلَّم، وفي خلافاتِ الأهل لا تتكلَّم، في بيتها سكتَتَ طويلًا، وفي مدرستها سكتَتْ أكثر، وأظلمَتِ الدنيا في عينَيْها فأهمَلَتْ دراستَها، بل أهمَلَتْ نفسَها، وكم مرَّةٍ جاءت مدرستَها، وزيُّها المدرسي يفتقر إلى التناسق، بل إنَّ زملاءها وزميلاتها أخذوا يَرْجُونَها أن تتكرَّم على زيِّها هذا بالمكواة، ونورا تبدو كأنَّها نائمة تمامًا وهي بينهم تسير!
    ورسبَتْ نورا المسكينة بعد أن كانَتِ الأولى، زملاؤها وزميلاتها حَزِنوا لأجلها، وهي لم تبالِ بذلك، فكلُّ ما في عينَيْها أنَّ أبويْهَا سينفصلانِ لا محالة، وسيكون أمامها أن تختار واحدًا منهما لتعيش معه، وسيكون أمامَها بديلٌ للآخر لا تحبُّه، فالأب يهدِّد في كلِّ ثانيةٍ بأنَّه سيتزوَّج امرأة أخرى، تفهمه ويفهمها، ولا يؤلمه رأسه حين يراها، والأم تَرُدُّ بأنَّها ما تزال صبيَّة في مقتبل حياتها، وأنَّها حتمًا بعد العِدَّة سترى مستقبلها هي الأخرى، وذهن نورا يرسم صورة مرعبة لزوج أم، أو لامرأة أب، ينظران إليها في كراهية ويسيئان معاملتها.
    لكنْ، في قلوبِ الحجر قد نجد الرحمة، وربَّما حتَّى بين أنياب الأفاعي تبرز الشفقة ويتدفَّق الحنان، وإلَّا ما حَنَا ثعبان على أمِّ الشوايل في جبِّ البئر! فَمَا الحال بأبٍ يفتخر بابنتِهِ الوحيدة ولو كَرِهَ أمَّها؟ وما الحال بأمٍّ عاشَتْ مع هذه البنت أحلى ذكرياتها حتَّى قبل أن تراها أمام عينَيْهَا، فكانت – وهي بعدُ في رحِمِها – تناغيها وتناجيها، وتكلِّمها بما تريد أن تحقِّقَه في حياتها ومستقبلها؟
    وفي صفِّ نورا، كانت الأستاذة تعطي الدرس، والكلُّ في اهتمام يستمع، ونورا في عالم الشرود وأحلام الرعب القادم، والموجِّهة التربويَّة تدقُّ الباب ثمَّ تدخل، مناديةً نورا كي تذهب إلى مكتب الإدارة حالًا، وبما أنَّ هذا لا يحدث إلا في مواقف نادرة، فإنَّ نظرات الشفقة لاحقَتْ نورا، يبدو أنَّها ستتلقَّى توبيخًا عنيفًا وعقوبةً قاسيةً، كما يحصل لأيَّةِ تلميذةٍ يستدعونها إلى الإدارة، قامت نورا لتلبِّي النداء، وفي أعماقها مشاعر عدميَّة، لا فضولَ لها لتعلم سبب استدعائها، ولا خوفَ في أعماقها لتشعر به ممَّا ينتظرها من اللوم والعقاب، ولكنْ مشاعر نورا المتحجِّرة تحرَّكت في عنف، قبل أن تدخل الإدارة مباشرة!
    فهناك كان والدها ينظر إليها في صمتٍ، وقبل أن يتكلَّم لسانه نَطَقَ قلبُهُ بكلمات اللوم والعتاب: نورا! ابنتي الرائعة! نورا مغزى قلبي ونبض كياني ووجودي، ترسبين وقد كنتُ أفتخرُ بكِ في كلِّ مكانٍ أنَّكِ الأولى؟ نورا أين أنتِ يا ابنتي؟ دمعت عينا نورا رغمًا عنها، وفوجئ المدير بالأب يمسك يد ابنتِهِ ويبتعد بها إلى غرفة خاصَّة هناك، يدخلها الغرفة ويعطيها كيسًا كان في يدِهِ منذ البداية، ولم تَنْتَبِهْ إليه نورا، قائلًا لها في لهجة آمرة حازمة أن أسرعي، ويخرج مغلقًا الباب.
    وعاد ذهن نورا إلى الواقع بعد غيابِهِ في عالم من النجوى الصاخبة، لتفتح الكيس وتجد فيه زيًا مدرسيًا جديدًا لامعًا، يبدو كأنَّما خرج لتوِّه من المصنع، وشعرَت نورا بأنَّها بدأت ترجع إلى الحياة قليلًا، زيُّها الآن يمتلئ ببقع الزيت، يا لبشاعته! بل يا لبشاعتها هي أن تخرج في هذا المنظر! نزعَتْ نورا هذا الزيَّ المقرف، وحملَتْ الجديد، وضمَّتْهُ إليها، لتقبِّله في سعادة، وتدور به قليلًا، ثمَّ ترتديه فوق ملابسها المهترئة قليلًا، وفي قلبها لوم وعتاب، لماذا لم يشترِ لها والدها قميصًا وبنطالًا جديدين؟ لكنْ، هؤلاء هم الرجال كما تقول أمُّها دومًا، البخل في دمائهم يسري!
    وخرجَتْ نورا متَّجهةً مجدَّدًا إلى غرفة الإدارة، لِيُطْلِق والدها صفيرَ إعجابٍ مصطنعٍ بها، ثمَّ يمسك بيدها مرَّةً أخرى، ويُقْدِم على عملٍ لم يَرَ المدير له مثيلًا من قبل قطُّ، لقد انحنى وقبَّل يد ابنتِهِ في صدق المشاعر، هامسًا لها:
    _ نورا، يا بابا، كوني واثقةً بأنَّني لن أتخلَّى عنكِ أبدًا، لكن عِدِيْنِي بأن ترجعي نورا المجتهدة المميَّزة كما كنتِ من قبل، أرجوكِ يا ابنتي.
    ولم ينتظر الأب ردًّا، ربَّت بِيَدِهِ شعرَ ابنته وانصرف، ونورا ما تزال في ذهول لما فعله أبوها، إذ لم يسبق له أن قَبَّل يدها حتَّى في البيت! وكانت تعتقد أنَّ من واجب البنت أن تقبِّل يد أبيها، أمَّا أن يحصل العكس؟ فهذا أمرٌ محالٌ! وعادت نورا إلى الصفِّ، وقد قرَّرت أن تُسعِد والدها كما أسعدَهَا، تكفيها كلماته وعدًا لها وعهدًا، بأنَّ الزمان لن يغدر بها، وشاركت نورا في الحصص اللاحقة بكلِّ تميُّز وإبداع، وعادَتْ بعد ذلك إلى البيت لتبشِّر والدها بأنَّها، بأنَّها... لكنْ، ما هذا؟؟ يا للهول!!
    رجال الشرطة وسيَّارات الإسعاف هنا؟ ماذا يحدث؟ وأمام عينَينِ لن تَنسيا هذا المشهد ما دامَتْ صاحبتُهما على قيد الحياة، خرج رجال الإسعاف من البيت، ومعهم محفَّة يرقد عليها رجل تعلم ملامحه جيِّدًا، وصرخَتْ نورا في جنون:
    _ بابااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا اا.
    كان الخطأ فادحًا منهم! كيف ينقلُون ميتًا كأنَّهم ينقلُون نائمًا؟ لماذا لم يضعوا فوق الجثَّة غطاء؟ هذا ما صاح به سائق سيَّارة الإسعاف في وجوه زملائه، لكن بعد فوات الأوان، نورا وقعَتْ مغمًى عليها، واستغرق إسعافها وقتًا طويلًا، ولم تعرف هي شيئًا ممَّا حصل، إلَّا أنَّها أفاقَتْ على أصواتِ شجارٍ يحتدم في البيت، هيَّأ لها عقلها أنَّ هذا والدها وقد عاد من الموت، بل لم يكن ميتًا إنَّما مريض قليلًا، ويتشاجر مع أمِّها كالمعتاد، وتعمَّق الشعور في نفسها وقلبها، إذ تسمع صوتِ أمِّها الغاضب، وبعضًا من الكلمات المعتادة في الشجار: (نورا)، (البنت)، (الرجل)، (البيت)...
    اندفعَتْ نورا في سعادة، تريد معانقة أبيها، غير أنَّها لم تَجِدْه طبعًا، فأنَّى له أن يعود من القبر إليها؟ والشجار لم يكن وهمًا، استغرقَتْ نورا قليلًا حتَّى تفهم، وليتها ما فهِمَتْ! هؤلاء أعمامها الأحبَّة، يهدِّدون أمَّها بأن تترك بيت (أخيهم العزيز)، لأنَّه ليس لها، رغم أنَّها قد اشترَتْ فعلًا نصف البيت في بداية الزواج، والمستندات العقاريَّة تثبت ذلك! هذا لو قلنا إنَّهم سيحاولون حرمانها الميراث، فليس لهم أن يسرقوا نصف البيت المسجَّل باسمها، لكنَّهم كانوا حازمين في ذلك، أخونا لم يكنِ معكِ سعيدًا، لكِ أن تنصرفي، سنعطيكِ بعض المال لا تخافي، وستبقى نورا هنا، وربَّما نطلبها لتنظِّف لنا بيوتَنـ... نقصد لنعتني بها ونحبَّها، وصرخت نورا هنا مثل لبؤة تستعدُّ لالتهام فريستها!
    أجفل الجميع، وبَدَتْ لهم نورا شيطانًا رجيمًا، ولم تخفِّف نورا هذا الاعتقاد من أذهانهم، اندفعَتْ إلى المطبخ، وعادت بساطور تقطيع اللحوم، وانقضَّت على أحد أعمامها تضع الساطور في رقبته مهدِّدةً إيَّاه بذبحِهِ والأوغاد الذين معه جميعًا، لينصرفوا في سرعة راكضين يتدافعون على الدرج ويتعثَّرون ببعضهم، ووالدة نورا في ذهول لما فعلتْهُ ابنتُها! ورغم مشاعر الامتنان في أعماق الأخيرة لأبيها، هتفَتْ غاضبةً تتَّهم أباها بأنَّه السبب في هذا الأمر، لكنَّ الأمَّ بَكَتْ هنا وأخبرَتِ ابنتها بالحقيقة التي علِمَت بها اليوم فحسب، أبوها مات في المستشفى وهو ينتظر دوره للمعاينة في العيادات الخاصَّة، إذ كان يعاني السرطان المتقدِّم في رأسه، ويعلم أنَّ أيَّامه في الدنيا معدودات، وربَّما بتصرُّفاته هذه كان يريد أن يدفع بهما إلى كراهيته كي يكون موته خفيفًا عليهما، وانهارت نورا تبكي، لم يذهب أبوها إلى المستشفى ليتابع شؤونه الخاصَّة على صعوبة وضعه، قبل أن يذهب إلى المدرسة ليتابع شؤونها هي، ويهتمَّ بها وبأناقة مظهرها!
    عاهدَت نورا نفسها بأنَّها ستلبِّي نداء والدها، وعادت رغم آلامها تدرس بكلِّ جدِّيَّة واجتهاد، وتشعر ببعض الراحة والسلوى إذ تنال علامة جيِّدة، تتخيَّل والدها ينظر إلى ورقة إجاباتها في فخر، ويشير إلى علامتها مبتسمًا في سعادة، ولكنْ، في ذلك اليوم كانت المعلِّمة تشرح مضمون قصيدةٍ غزليَّةٍ، فاستفاضَتْ في شرحِها وتفاصيلِ حياة عنترة بن شدَّاد، من الواقع ومن خيال ذهنها الخاصِّ، حتَّى توحي لتلاميذها أنَّها تعلم كلَّ شيء، حتَّى سألها أحد التلاميذ ممَّن يحضِّرون كلَّ درسٍ مسبقًا، ولم يسمع بهذه المعلومات قطُّ، أنْ كيفَ تعلم كلَّ هذا؟
    ابتسمَتِ المعلِّمة في فخر بنفسها، رغم زيف ما تقول، أمَّا نورا فهَتَفَت في تقدير تامٍّ لمعلِّمتها أنَّ هذا السؤال ليس بمنطقي، فالمعلِّمة خبيرة في الـ... وبتَرَت المعلِّمة كلامها بصراخ أشبه بالسيف القاطع أن هل أنتِ حمقاء يا قليلة الأدب؟ أنا خبيرة في الحبِّ؟ أتعلَمينَ أنَّ أباكِ إنسان حقير؟ أتعلَمينَ لماذا؟ لأنَّه تزوَّج أمَّكِ الغبيَّة التي لم تَقُمْ بِتَربِيَتِكِ! أتعلَمينَ أنَّ أمَّكِ إنسانة يجب شنقها؟ أتعلَمينَ لماذا؟ لأنَّها تزوَّجت والدَكِ الأخرق الذي...
    وصرخَتْ نورا كأنَّها وحش ثائر، وهبَّت من مقعدها نحو المعلِّمة تبغي ضربها! لولا أنَّها استعادَت عقلَها في الثواني الأخيرة لفعلَتْ ذلك حتمًا! وبدون أن تلتفَتَ خلفَها أو تفكِّر في حقيبتها المدرسيَّة، فتحَتْ نورا باب الصفِّ وغادَرَت، ومرَّتْ بمكتب الناظر، ثمَّ بمكتب المدير، متجاهلةً نداء هذا وذاك! وفتحَتْ نورا باب المدرسة لتخرج منها بلا رجوع، أين ذهبَتْ نورا؟ لا أحد يعلم! لم يسمع بها أحد من بعدها قطُّ، لكنَّهم كانوا يعلمون أمرًا واحدًا لا غير، أنَّ اسم نورا بات ذكرى! أجل! ذكرى روحٍ صامتةٍ لا تريد أن تثورا!

    عمر قزيحه: 2022م.

  2. الأعضاء الذين يشكرون أ. عمر على هذا الموضوع:


  3. #2

    الصورة الرمزية Jomoon

    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المـشـــاركــات
    5,622
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: حكاية نورا (مأساة من صلب الواقع) بقلمي عمر قزيحه

    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    قصة مؤلمة!
    الأم والأب!!
    لو أبعدوا بنتهم عن مشاكلهم الخاصة!!
    رحمت الأب ليه كذا؟!!
    وفي الأخير حسن معاملته!!
    المعلمة قهرتني!

    ربي يبارك فيك
    ويكتب لك كل خير يارب
    في حفظ المولى،،

    ~

  4. #3


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,305
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    افتراضي رد: حكاية نورا (مأساة من صلب الواقع) بقلمي عمر قزيحه

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Jomoon مشاهدة المشاركة
    السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته~

    قصة مؤلمة!
    الأم والأب!!
    لو أبعدوا بنتهم عن مشاكلهم الخاصة!!
    رحمت الأب ليه كذا؟!!
    وفي الأخير حسن معاملته!!
    المعلمة قهرتني!

    ربي يبارك فيك
    ويكتب لك كل خير يارب
    في حفظ المولى،،

    ~
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    موقف المعلمة وقبله وقوف نورا في وجه أعمامها، هذا من الواقع تمامًا
    بل إن كلمات المعلمة قيلت حرفيًا وفعليًا في أحد الصفوف
    وما عدا ذلك كله خيال في خيال...

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...