حكاية روان وهديل

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 5 من 5

مشاهدة المواضيع

  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,307
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي حكاية روان وهديل

    حكاية روان وهديل
    سليم رجل فريد من نوعه في دعائه العجيب، إنَّه يدعو ربَّه بأن يرزقَه بنتًا! وماذا في ذلك؟ هل نعترض لأنَّنا نوافق على ذكوريَّة المجتمع الذي ينظر إلى البنات كأنَّهنَّ درجة ثالثة؟ لا، في الواقع دعاء سليم كان عجيبًا؛ لأنَّ سليمًا عازب، ويدعو بأن يرزقه الله بنتًا يدلِّلها ويحبُّها ويشتري لها كلَّ ما تريد، وتكون أسعد طفلة في الدُّنيا.
    سليم لم يغيِّر رأيه من بعدما تزوَّج، ظلَّ يردِّد دعاءه، وكم كانت سعادته عظيمة! رزقه الله تعالى بطفلة، أسماها هديل، أحبَّها كثيرًا، لكنَّ الحياة لا تسير كما نحبُّ لها أن تكون دومًا، والدة هديل لم تَعُد تطيق صبرًا على الحياة التي تحياها، وضع سليم المادِّيِّ محدود، عملُهُ في تصليح الأدوات الكهربائيَّة لا يُدرُّ سوى القليل من المال، افترق الزَّوجان، لكنْ، هديل ما تزال رضيعة، مع ذلك لن يتخلَّى عنها سليم.
    هل نقول إنَّ هديل نشأت تفتقد حنان الأمِّ؟ ربَّما كان الأمر كذلك، لا نستطيع أن ندرك ما في نفسها تمامًا، لكنَّنا نعلم أنَّ سليمًا لم يقصِّر في حقِّها، وعوَّضها حنان الأمِّ وحسم الأب، وكان لها خير والد وسند، لكنَّ الحياة لا تسير كما نحبُّ لها أن تكون دومًا (قلنا ذلك من قبل، لكنَّ هذا ليس تكرارًا)، فهديل لن تبقى طفلة إلى الأبد!
    هديل فتاة جامعيَّة، هذه السَّنة الأخيرة، سنة التَّخرُّج، بينها وبين زميل دراسة لها علاقة احترام متبادل وإعجاب كبير، تقدَّم الشَّابُّ إلى والد هديل، دخل من الباب كأيِّ إنسان مهذَّب، لم يُعلِّق هديل بآمال هوائيَّة، لم يستغلَّ مشاعرها، شعر سليم بالوحدة! صحيح أنَّ الخطبة ستكون بعد شهور، لكنْ، ماذا سيفعل سليم وهذه ابنته الوحيدة، حبيبة قلبه، بل نبض كيانه، ستذهب من حياته؟
    الغريب المنطقيُّ، بل المنطق الغرائبيُّ، أنَّ سليمًا شعر بغتة بأنَّه يحبُّ بشكل جنونيٍّ، فتاةً في سنِّ ابنته أو أصغر منها، فتاةً لم يكن يعرف اسمها آنذاك، لم يسمع صوتها حتَّى، جاءت إلى محلِّه معَ أمِّها أكثر من مرَّة، في المرَّة التَّالية طلب سليم موعدًا للزِّيارة من الأمِّ، وكم كان طلبه مفاجئًا لها، لكنْ، لا بأس!
    شقيقة سليم لم يعجبها الوضع، هديل لم يعجبها الوضع، سليم لم يبالِ بهما! ذهب يخطب الفتاة، علم أنَّ اسمها روان، شعر بأنَّه يحبُّها أكثر! لكنَّ سليمًا انزعج كثيرًا من والد روان ووالدتها، والدها طلب أن يُسجِّل بيته لروان مهرًا لها، أنت في الخمسين، وهي لم تصل إلى العشرين بعد! ربَّما هذه نزوة عابرة وترمي ابنتنا بعد ذلك!
    ماذا لو هي قالت لم تزوَّجْتُ هذا الشَّايب وطلبَتِ الطَّلاق؟ كلامك منطقيٌّ يا سليم! نضع اتِّفاقًا بأنَّ ابنتنا لو طلبَتِ الطَّلاق بلا سبب تفقد حقَّها في المهر، هل يُرضيك هذا؟ أخبر سليم ابنته هديل بالموضوع، رفضت هديل، أخبرته أنَّ هذه عمليَّة نصب واضحة، تجادلا، ثمَّ أقنع سليم ابنته بالسِّلاح الفعَّال جدًّا: سأتزوَّجها، رغمًا عن رأسِكِ!
    قلنا إنَّ سليمًا انزعج من والدة روان كذلك، لكنَّنا لم نُبيِّن سبب ذلك! سليم ليس مراهقًا أحمق! لِمَ تجلس هذه الوالدة بينه وبين ابنتها خلال فترة الزِّيارة؟ بل لم تجيب بدلًا عنها؟ حين يتكلَّم سليم، يسأل روان عن أيِّ أمر، أو حتَّى يجاملها ويمتدح جمالها، في الحالتين تضع روان عينيها في الأرض، ووجهها يحمرُّ خجلًا، وأمُّها هي التي تجيب!
    تمَّت مراسم الزَّواج، لاحظَتِ النِّساء مدى خجل روان، دائمًا عيناها في الأرض، تردِّد لكلِّ من تحدِّثها تشكرها على مباركتها لها بصوت خافت، أُبلغ سليم بأنَّ حفلة العرس انتهت، جاء إلى بيته يركض، يريد أن يرى عروسه الرَّائعة، أجمل فتاة في العالم، ستتعانق الأصابع، سيضمُّها إليه، سيخبرها كم يحبُّها! لن تردَّ أمُّها هذه المرَّة بدلًا منها! لكن كانت في انتظار سليم مفاجأة سخيفة جدًّا!
    اندفع الرَّجل إلى البيت في انفعال، دخل غرفة نومه، وإذ بالعروس (النَّشيطة) متكوِّمة على السَّرير تشخر!! شعر سليم بالكثير من الإحباط! خرج ونام في الصَّالون على الكنبة، حين أفاق اليوم التَّالي، ذهب إلى غرفة النَّوم ليرى هل أفاقَت عروس الخيال؟ وإذ بصرخة دهشة وغضب ترتفع من فمه رغمًا عنه، جعلت هديل تهبُّ من نومها وتسرع إلى الغرفة لترى ما هناك، ولقد شهقت في دهشة وانزعاج!
    روان ما تزال نائمة في هدوء وسلام، لكنِ انكشفَت أذنها بتراجع خصلات شعرها الطَّويل عنها، في أذنها سمَّاعة حلزونيَّة! هذا تشويه يجب كشفه لمن يتقدَّم إليها قبل أن يتمَّ عقد القران، لكنَّ أهل روان أخفَوا الأمر عن سليم، ثمَّ إنَّ ما تمَّ كشفه بعدها كان أكبر من ذلك وأسوأ وقعًا في نفس سليم، روان – على الرَّغم من السَّمَّاعات في أذنها – لا تسمع إلَّا إنِ اقترب المتكلِّم منها، ووضع فمه في أذنها وصرخ بأعلى صوته!
    انقلبَتِ الأمور! سليم لم يَعُد يطيق رؤية روان بعد أن كان يعشقها في جنون، صار يُسمِّيها النَّصَّاب، وإن كانت لم تفعل شيئًا، هديل التي لم تكن تتقبَّل فكرة زواج والدها بروان، باتت تشفق عليها، وتحاول تهدئة خاطر والدها، وتوصيه بها خيرًا، لكنَّ سليم كان في حالة ذهول من نوع آخر، بيته بات ملكًا لهذه الفتاة؟؟ لو طلَّقها أين يذهب بنفسه وبابنته؟ روان نفسها قالت له، وهي تضحك: هذا أنا! إن أردْتَ أن تطلِّقني، فاخرج من بيتي!
    بعد تناول طعام الإفطار، ولا أحد يعلم كيف نزل الأكل في معدته، تثاءبت روان وذهبت إلى فراشها تتابع النَّوم! دُهش سليم! هذه الفتاة تبقى نائمة أكثر ممَّا تبقى مستيقظة بكثير! ولقد تكرَّر منها هذا الأمر، سليم أبغض روان، وقرَّر أن يقتلها ويرتاح منها، هكذا بكلِّ بساطة، لكن كيف يفعل ذلك، من دون أن يذهب إلى المشنقة؟؟
    جاءته الفرصة بعد مدَّة طويلة، برد الطقس كثيرًا، في جهاز روان لحاف كهربائيٌّ، وجدَتْه معطَّلًا، طلبت من سليم أن يصلحه لها، ويا لها من فرصة نادرة! سليم كهربائيٌّ بارع، ومن أهون الأمور عليه أن يُصلح اللحاف، بالعكس طبعًا، بأن يعكس دوائره الكهربائيَّة، وقد فعل ذلك بكلِّ براعة، ويا للأسف!
    بدأ ذلك اليوم بداية تقليديَّة للغاية، انتهى الثَّلاثة من تناول طعام الإفطار، ذهبَت هديل إلى جامعتها، الدَّوام طويل، بخاصَّة أنَّها سنة التَّخرُّج، عادة ترجع بعد العصر، قرَّب سليم فمه في أذن روان يهتف بكلِّ ما أوتي من قوَّة، يخبرها بأنَّه أصلح لحافها، سُعدَت روان كثيرًا، غادر سليم إلى عمله، وقلبه يرقص طربًا، الأكثر أهمِّيَّة عنده أنَّ الجريمة ستحدث في غياب هديل حبيبة قلبه؛ كي لا تعيش كابوسًا مرعبًا ربَّما لن يُمحى من ذاكرتها ما عاشت، غاب سليم في عمله، وهو يرتقب الخبر السَّعيد، مضَت ثلاث ساعات أو أربع، ذهب سليم إلى بيته محضِّرًا نفسه (كي يتفاجأ) بموت امرأته التي يحبُّها كثيرًا، و(يموت باسمها)، ويمثِّل دور المفجوع بالمصاب الكبير!
    ضغط سليم جرس الباب، لا صوت هناك، وضع المفتاح في ثقب الباب ليفتح، قبل أن يُكمل العمليَّة، فُتح الباب من الدَّاخل، ارتجف سليم! هل هناك أشباح؟ ارتعد جسد سليم في عنف، وارتجفَت أطرافه كلُّها، التي فتحَت له هي روان! نظر سليم إلى لوحة مفاتيح الكهرباء، وجدها كلَّها قد سقطت، تحتاج إلى من يرفعها، ما يؤكِّد حدوث مسٍّ كهربائيٍّ فظيع الشَّكل، إذًا، كيف؟؟
    هل نامَت روان في لحافها، ووضعت القابس في المقبس الكهربائيِّ، فسحب اللحاف كمِّيَّة هائلة من الكهرباء تكفي لتشوي قبيلة وسقطت مفاتيح الكهرباء؟ هذا ما يتبيَّن من لوحة مفاتيح الكهرباء بالفعل، إذًا، كيف تقف روان أمامه سليمة معافاة، هل هي محصَّنة ضدَّ الكهرباء؟ أمر مستحيل بالفعل! إذًا هل خالفت روان عادتها ولم تَنَمْ بعد أن تناولوا الطَّعام باكرًا؟ ما الذي تسبَّب في هذا المسِّ الكهربائيِّ إذًا؟
    أسرع سليم إلى الدَّاخل، إلى غرفتهما، وجد اللحاف مسودًّا، لكنْ، تحت اللحاف يبدو جسد ما! بدأ سليم يزيح اللحاف، وهو يرتجف، انتفض جسده في عنف ورعب حين رأى روان خلفه تنظر إليه في هدوء، وهنا يطرح السُّؤال نفسَه، أهناك أمل في أنَّ سليمًا لم يفعل شيئًا فعليًّا وأنَّه يعيش كابوسًا ما سيستيقظ منه بعد قليل ويتابع حياته بحبِّ هديل وبغض روان؟ أو أنَّ في الأمر آلامًا هائلة، تكفي لإصابته بالجنون، بلا أدنى رحمة؟؟

  2. الأعضاء الذين يشكرون أ. عمر على هذا الموضوع:


المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...