ناولني قلبَك يا علي!! (ذكرى خاصَّة)

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 1 من 1
  1. #1


    تاريخ التسجيل
    Jul 2017
    المـشـــاركــات
    1,306
    الــــدولــــــــة
    لبنان
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي ناولني قلبَك يا علي!! (ذكرى خاصَّة)

    ناوِلْنِي قلبَكَ يا علي!!

    في التَّعليم كذلك، سنة من أعجب السَّنوات، الصَّفُّ الابتدائيُّ الثَّالث، سنعطيكم لمحةً من العذاب المقيم آنذاك، وما من مبالغة فيما نقول أو مجاز: (ماذا تَرونَ في الصُّورة)؟ (شجرة)! (من يخبرنا ما هي فوائد الشَّجرة)؟ (تعطينا الحليب)؟ (تعطيك الحليب؟ ألا تعطيك الحفاض كذلك)؟ (ما هذا؟ تتكلَّم على الماما؟ هذا عِرض هذا شرف)! (تبيض)؟ (ما معنى تبيض)؟ (ألا تعرف ما معنى تبيض يا أستاذ)؟ (لا، أتحفنا)! (تبيض يعني تعطينا البيض)! (تبيض؟؟ الشَّجرة؟؟) (بل الدَّجاجة يا أستاذ! قال الشَّجرة تبيض)! (حمير! حمير)! (عيب! كيف تتحدَّث عن رفاقك بهذا الأسلوب)؟ (لأنَّهم حمير! الشَّجرة لا تعطينا الحليب ولا تبيض، فائدة الشَّجرة أنَّنا نستحمُّ بها)! (لا حول ولا قوَّة إلَّا بكَ يا ربَّ العالمين)!!
    أمَّا عنِ الإملاء، فحدِّث ولا حرج، رموز يابانيَّة وصينيَّة، وكتابة أصعب من الكتابة الهيروغليفيَّة، وإجابات عجيبة مستفزَّة، إملاء على مثال: ($%مبتث^&8لأ@ِ) (ما هذا يا ولد)؟ (لا أستطيع أن أخبرك)! (لماذا؟ هل هذا سرُّ جزيرة الكنز)؟ (بل قلم الرَّصاص يا أستاذ، أعطاني إيَّاه البائع مغشوشًا، لذلك كتب القلم كلامًا غير الذي أنا كنت أكتبه؛ لذلك لم تستطع أنت قراءة ما كتبه القلم؛ لذلك)...أو إملاء (أها بها تها لها بها نها بها سها بها تها بها، فها، شها، أها، قها)... (ما هذا)!! (سأكشف لك السِّرَّ)! (يا سلام! هذا سيكشف لنا سرَّ جزيرة الكنز! تفضَّل)! (أنا أحفظ فعل النِّداء "ها"! وهكذا أضيف إليه أحرف الأبجديَّة في الإملاء، ولا يهمُّ التَّرتيب! ولا يهمُّ التَّكرار! المهمُّ ما هو مهمٌّ أكثر بكثير)! (وما هو)؟ (لا بدَّ أنَّ كلمة في هذه الكلمات ستكون صحيحة)! (هل هناك فعل نداء اسمه "ها" يا صاحب الأسرار المهمَّة)؟ (لا أعرف! لقد اخترعْتُه)! (ما شاء الله! الله أكبر! اخترع فعلَ النِّداء "ها" من عقله، وأضاف إليه أحرف الأبجديَّة، موقنًا بأنَّ الفعل صار فعلًا حقيقيًّا، وأنَّه سيكتب فعلًا كلامًا صحيحًا)!
    لذلك كانَتِ الدَّهشة كبيرة، إذ أقرأ ما يأتي: (بيستي ندى، حبيبتي ندى، يا بيسة قلبي المسكين، أنتِ تعرفين كم أحبُّكِ وكم أهواكِ، أذوب عشقًا في عينَيكِ، ابتسمي تبتسم النُّجوم في السَّماء ولو كانت مختفية خلف ستارة الشَّمس في النَّهار المضيء! لا تحزني كي لا تأتي الغيوم تُرعد فوق رؤوسنا تتوعَّدنا بالعذاب المرير) وما إلى ذلك الهراء، (بيستي ندى) عنوان بالخطِّ الكبير في منتصف الصَّفحة، باقي الكلام تحت العنوان، من صاحب هذا الإملاء؟ من المؤكَّد أنَّه ذلك الكبير الذي يُعيد الصَّفَّ خامس مرَّة! (من هو علي خ. ع)؟ وثب طفل في السَّابعة وأشهر، يهتف متحمِّسًا: (أنا)! سألتُهُ: (ما هذا الذي كتبْتَه)؟ ردَّ في توتُّر: (لا تخبر أحدًا أنَّ بيستي اسمها ندى، هذا سرٌّ)! (لن أخبر أحدًا، لكن أعتقد أنَّ كلَّ رفاقك في الصَّفِّ سمعوك)! أجاب في حزم غريب: (رفاقي في صفِّي، كأنَّهم أولاد حارتي، لكنْ صفوف أخرى؟ لا أبدًا) وهتف في رجاء: (لا أريد لأحد أن "يحطَّ عينيه عليها" وإلَّا فهو مقتول! مقتول)! سألتُهُ: (هل تمزح أم ماذا)؟ ردَّ في فخر: (آه لو تراها! بيستي هذه أحلى من القمر! بيستي هذه حلاوة آخر زمن! أحبُّها وتحبُّني "أد" الجبل والبحر")!
    واستطرد الولد يشرح لي أنَّها على العيد اشترت له هديَّة، تنُّورة على ذوقها؛ وهكذا في العيد القادم يقدِّم لها هديَّة، هديَّتها هذه! ويحقِّق أمرين، الأوَّل أنَّه (اشترى) لها هديَّة على (ذوقها)، والثَّاني أنَّه لم يدفع ولا ليرة! و(قهقهقهقهقهقه)!! ثمَّ كانَتِ المفاجأة الثَّانية (بيستي ندى عمرها ستُّ سنوات)! قلْتُ له غير مصدِّق ما يقول، إنَّ علامته صفر في الإملاء، صاح مستنكرًا: (كلُّ هذا الكلام الذي قلتُهُ لك "وحدك" عن بيستي ندى؟ وصفر)؟ قاله لي "وحدي" في حضور حوالي 37 ولدًا في الصَّفِّ! طلب علي علامة واحدة؛ ليحصل على (الحلوان) من بيسته ندى! قلْتُ له سأعطيك علامتين، كاد يرقص من السَّعادة، لكن وضع شرطًا عجيبًا، العلامتان دين، أحسمه عليه على دفعات؛ لأنَّه (لا يشحذ)!
    بعد وقت لاحظْتُ أنَّه حزين، ماذا هناك يا علي؟ قال لي: (بيستي ندى، وضعها لا يُحتمل، غيرة غبيَّة، أحبَبْتُ "عليها" بيسة ثانية، تعبْتُ حتَّى أختار بنتًا حلوة اسمها ندى؛ كي لا أظلمها! سأتزوَّج اثنتَين حين أكبر، ندى وندى! هل تتخيَّل ندى أن أتزوَّج عليها "حَسْنَا"؟ لتتخيَّل أنَّني أخطأْتُ وناديتُها "حَسْنَا"! كم ستنقهر؟ لكنْ "نسواني" الاثنتين ندى، لا يوجد خطأ، نياهاهاهاهاها)!!!
    كي لا نستغرب، وقدِ استغربْتُ في المرَّة الأولى، لا أعتقد أنَّه قد حدث أيُّ شيءٍ ممَّا يقول! بلى! هو يحبُّ بنتًا صغيرةً، وقد يكون اسمها ندى فعلًا، لكنْ كلُّ ما تبقَّى خيال، من هذه الطِّفلة التي عمرها ستُّ سنوات، ويسمح لها أهلها بإرسال هديَّة إلى صبيٍّ عمرُهُ سبع سنوات؟ لكنْ، حالة عليٍّ حزينة، من المرَّة الأولى سألْتُ وعلمْتُ أنَّ والدَه متزوِّج ثلاث نساء، وعنده قبيلة من الأولاد، كلُّهم في الشَّوارع من الصَّباح إلى المساء، بل أحيانًا ينادي ولدًا في الشَّارع، هل أنت من أولادي؟ نعم؟ ابن أيَّة واحدة! لا! اذهب إذًا، اغرب عن وجهي، ومن هنا فكرة الزَّواج المتعدِّد في ذهن هذا الطِّفل، فكرة العدل بين (نسوانه) المستقبليَّات، وإدخال السَّعادة إلى قلوبهنَّ؛ لأنَّه يفتقد كلَّ هذا في حياته، الهديَّة يتلقَّاها من محبوبته، كتب هذا لأنَّه لم يتلقَّ أيَّة هديَّة من أحدٍ عليٌّ يحبُّه، وربَّما ذاك لا يبالي بوجوده أو يشعر بأنَّه إنسان أساسًا، ويردُّ الهديَّة ذاتها إلى محبوبته، من دون أن يدفع شيئًا؛ لأنْ ليس في جيبه شيء! هذا ما توصَّلْتُ إليه من معلومات واستنتاجات في ذلك الوقت، بالأخصِّ أنَّ أحدًا في الصَّفِّ لم يشهد لعليٍّ بوجود هذه البيسة، ولو علموا بوجودها لشاركوا في الحديث حتمًا، هذا وفق تحليل منِّي، لكنِّي لا أجزم بشيء، بل أقول ربَّما!

    د. عمر قزيحه (2024)
    ذكرى في السَّنة الدِّراسيَّة 2003-2004 (أو 2004-2005)، والله أعلم.


  2. الأعضاء الذين يشكرون أ. عمر على هذا الموضوع:


المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...