يقول تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ "
أي: اجتهدوا في إصلاحها, وكمالها, وإلزامها سلوك الصراط المستقيم.
فإنكم - إذا صلحتم - لا يضركم من ضل عن الصراط المستقيم, ولم يهتد إلى الدين القويم, وإنما يضر نفسه.
ولا يدل هذا, أن الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, لا يضر العبد تركهما وإهمالهما.
فإنه لا يتم هداه, إلا بالإتيان بما يجب عليه, من الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر.
نعم, إذا كان عاجزا عن إنكار المنكر, بيده, ولسانه, وأنكره بقلبه, فإنه لا يضرة ضلال غيره.
وقوله " إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا " أي: مآلكم, يوم القيامة, واجتماعكم بين يدي الله تعالى.
" فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " من خير وشر.
فما شاع في بعض أوساط الناس الغفلة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
واعتبرهم ذلك تدخلاً في شؤون الغير؛ هذا يعتبر من قلة الفهم ونقص الإيمان،
فعن أبي بكر رضي الله عنه قال: يا أيها الناس! إنكم لتقرؤون هذه الآية:
{ يا أيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم }
وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
« إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه »
[رواه أبو داود].
أقــــــــــــــــــــــــراء
{ لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً }
{ الذين إن مّكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبةُ الأمور }
{ ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون . يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويُسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين }
{ التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين }
{ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله }
و لو تدبر أصحاب هذه الشبهة في الآية نفسها لما نطقوا بها .
اشترط الله تعالى لعدم إصابة الضرر بسبب ضلال الآخرين أن يكون الشخص
مهتدياً
حيث قال تعالى : (( لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم )).
ولا يصير الشخص مهتدياً إلاّ إذا أدى ما أوجبه الله عليه .
وممّا أوجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر .
فالذي لا يقوم بهذا لا يكون مهتدياً لأن فوات الشرط يستلزم فوات المشروط .
وقد بيّن هذا بعض الصحابة والتابعين وكثير من المفسرين والعلماء القدامى والمتأخرين .
فعلى سبيل المثال فقد نقل الإمام ابن جرير الطبري عن حذيفة رضي الله عنه
في تفسير هذه الآية أنه قال: (( إذا أمرتم ونهيتم )).
كما نقل الإمام الطبري عن سعيد بن المسيب في تفسير الآية أنه قال :
(( إذا أمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت )).
ويقول الإمام أبو بكر الجصاص في تفسيره الآية :
(( ومن الاهتداء اتباع أمر الله في أنفسنا وفي غيرنا ، فلا دلالة فيها إذا على سقوط فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )).
ويقول الإمام النووي :
وأما قول الله عز وجل : (( عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ))
فمعناه : أنكم إذا فعلتم ما كُلِّفتم به فلا يضركم تقصير غيركم .
,إذا كان كذلك ، فمِمّا كُلِّف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه ،
فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول .
والله أعلم .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الصدد :
(( والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب ، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضلال )).
إضافة إلى ذلك بيّن بعض العلماء أن قوله تعالى :
(( عليكم أنفسكم )) في بداية الآية نفسها
يدل على وجوب القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
حيث أمر الله تعالى المؤمنين بأن يهتموا بأنفسهم
، ومن الاهتمام بالأنفس القيام بأداء الواجبات ،
ومن الواجبات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وفي هذا يقول عبدالله بن المبارك :
(( هذه الآية آكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن معنى ((عليكم أنفسكم ))
احفظوها والزموا صلاحها بأن يعظ بعضكم بعضاً ويرغّبه في الخيرات وينزه عن القبائح والسيئات )).
و السلام
المفضلات