أقوى الكتب تأثيرا ... كتاب [الشيطان يحكم][كامل]

[ منتدى قلم الأعضاء ]


النتائج 1 إلى 11 من 11
  1. #1

    الصورة الرمزية ALBRQ

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    428
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي أقوى الكتب تأثيرا ... كتاب [الشيطان يحكم][كامل]









    أول شيء كيفكم يا أعضاء منتدى Msoms المحترمين ؟

    ان شاء الله بخير ... ^^"

    ثانيا : الموضوع

    مثل ما شاهدتوا العنوان .. كتاب رائع جدا ومفيد جدا ونادر أيضا .. ولا يباع في المكاتب

    عندنا في السعودية ... إستطعت أن أحصل على نسخه بصعوبة كبيرة ... كتاب يتحدث عن

    الأمور التي تحدث في زمننا ... أفاد الكثير ممن قرأوه ... وانا أيضا أستفدت كثيرا منه بعد قرائته

    كتاب يفتح العقول ... ويجعلها تنظر الى الحياة بنظرة مختلفة ... نظرة أكثر وضوحا

    ولأنني إستفدت منه ... كتبته كاملا وها هو الآن بين أيديكم .










    معلومات عن الكتاب :

    كتب عام : 1986م إي قبل 22 سنة ..
    اسم الكاتب : مصطفى محمود ... مصري الجنسية ، طبعا يوجد في الكتاب مصطلحات مصرية..^^
    عدد صفحاته : 190 صفحة ..
    عدد مواضيعه : 40 موضوع ..

    .
    اسامي المواضيع :
    .
    هل يسير العالم الى دعارة .
    الشيء التافه .
    الجنون العام .
    أفيون هذا الزمان .
    الوقوع في الفخ .
    أحبوا أنفسكم .
    418 نعشا .
    طالع الشجرة في لندن .
    لماذا الملل .
    الرقص للرقص .
    التقدم الى الخلف .
    من أين تنبع السعادة .
    يد الله .
    بيروت ذات الستمائة ألف وجه .
    السلطان الحقيقي .
    لغز الرقم 7 .
    فرويد الرجل المريض .
    حينما تعجز الكلمات .
    العيال الذين ظنوا أنفسهم كبارا .
    عالم الغيب .
    الذي شنق نفسه بسلك كهرباء .
    حينما يصبح للمرأة ذيل .
    بيت النمل .
    كيف تكسب ألف جنيه فورا .
    التدليك العاطفي .
    أنت إمبراطور .
    الواقع الكذاب .
    الجمع والطرح .
    بعض التواضع .
    يوجا .
    أسرار الحروف .
    قانون عدم المساواة .
    مغرور جدا .
    مخير أم مسير .
    هل كانت صدفة .
    قطار اللذة .
    راعي شرج الملك .
    السم والترياق .
    الرد على التساؤلات .
    إنذار .
    .
    تمت طباعة الكتاب في دار العود في بيروت .









    ملاحظة : يسمح بنقل الموضوع مع ذكر الكاتب والمصدر .. وقد تجدون الموضوع في أحد المنتديات
    بإسم البرق ... هو نفسه ALBRQ (أنا ، وأعوذ بالله من كلمة أنا )..^^

    نبدأ بسم الله ...


    ----------------------


    [ الشيطان يحكم ]





    هل يسير العالم الى دعارة :
    .
    .
    الهر يواخيم دريسن يهودي الماني 36 سنة صاحب مجلة " سانكت باولي تسايتونج " في هامبورج انشأ حزبا
    سياسيا جديدا اسماه " حزب الجنس " وشعار هذا الحزب هو المطالبة بالحرية الجنسية للجميع .. وتدريس العميلة
    الجنسية للأولاد والبنات عمليا وعلى الطبيعة من سن التاسعة واباحة الزواج المشاعي " وهو أن يتزوج جماعة من الرجال بجماعة من النساء ويتبادلون الزوجات فيما بينهم " .. واباحة زواج الرجل الشاذ بالرجل الشاذ والمرأة الشاذة بالمرأة الشاذة .. والنظر الى الخيانة الزوجية على انها الأمر العادي والطبيعي والمألوف .. ودستور الحزب
    يهدف الى جعل حبوب منع الحمل والاجهاض حقوقا مشروعة توضع في بطاقة التموين وتوزع مع السكر والزيت والشاي وان تكون المخدرات المثيرة للذة شأنها شأن الخبز اليومي .. والحل السياسي لأزمة العالم في نظر الحزب هي " الحب بدل الحرب " .. فتزحف الشعوب بعضها على بعض ليلتقي رجال شعب بنساء الآخر في مؤتمرات للذة بدلا من زحف الجيوش للحرب والقتل .
    ومجلة الهر يواخيم دريسن تبيع مليون نسخة . وهناك ثلاثة آلاف الماني والمانية يدفع كل واحد منهم عشرة ماركات اشتراكا شهريا ورسم ولاء وانضمام لهذا الحزب .
    وسكرتيرة الهر يواخيم فتاة جميلة تجلس في المكتب عارية وتستقبل الزوار عارية على الدوام .
    ومنذ أيام حينما أقيمت على المجلة قضية دعارة ... ذهب الهر يواخيم الى المحكمة محمولا على أكتاف ست فتيات عاريات الصدور.
    واذا تركنا الهر يواخيم وذهبنا الى مهرجان كان السينمائي الأخير فإننا سوف نجد الأخبار التي خرجت من المهرجان تقول ان هناك موجة من الأفلام الجنسية الإباحية تغرق كل شيء .
    في أحد الأفلام التي عرضت خارج المسابقة يرقص الممثلون عراة ويقومون بحركات جنسية خليعة ثم نرى البطلة ترقد عارية في مغارة وامامها على مكان يشبه المذبح .
    يقتل خنزير وتنتزع أحشاؤه لتلقى على جسدها ثم نرى الممثلين يجتمعون حول المذبح ويبولون .
    وفي فيلم آخر نرى امرأة تصعد الى المترو لتأخذ مكانها في مواجهة رجل .. ثم نراها تحدق في الرجل وتسرح بخيالها فتتصور نفسها في احضانة وتمر ربع ساعة نرى خيالها يصور لها نفسها عارية في جميع الأوضاع الممكنة .. ثم يقف المترو في محطة فتنزل المرأة ويتبعها الرجل وقد لاحظ انها كانت طول الوقت تحدق فيه ..
    يغازلها .. تنظر اليه بقسوة .. ثم نفاجأ بأنها تقف وتشكوه لرجل البوليس فيقبض عليه .
    ثم عشرات الافلام تصور اللواط والسحاق .. وتعرض قصص نساء يمارسن الجنس مع حيوانات.
    وفي فيلم " الغاز الجسد " نجد عملاق السينما اليوغوسلافية " ماكافيجيف " يعرض لنا فيلما سياسيا يقول فيه ان الكبت الجنسي هو المسئول عن الفاشية والنازية وعن القهر السياسي والعنف وعن الشخصيات السادية امثال هتلر .. وان حياة بلا ممنوعات هي الحل الوحيد لتحقيق السلام .
    وبرغم هذه الموجة التجارية من التسول الجنسي .. فقد لوحظ ان مبيعات هذا اللون من الأفلام الاباحية قد انخفض بمقدار 45% عما سجله الانتاج نفسه في العام السابق .
    واتجاه السينما الى العري والجنس ظاهرة ملحوظة ومطردة منذ سنوات .
    والمنتجون يتحايلون في اخفاء هذا الطابع الجنسي داخل غلالة من الأفكار والقيم .. فنجد فيلما مثل "هيروشيما حبيبي " يدعو الى السلام ويهاجم الحرب . وكل الفيلم يدور على شكل حوار بين امرأة عارية ورجل عار في الفراش .
    والمتفرج له الحق ان يسأل .
    أما كان يمكن ان ندعو الى السلام ونهاجم الحروب والقنابل الذرية كما نشاء دون ان تكون وسيلتنا الى ذلك عميلة جنسية بين رجل وامرأة في الفراش ؟
    ألا توجد وسية للسلام غير الدعارة ؟
    أم ان اغراق العالم في الدعارة والانحلال هو أمر مقصود .. وان شركات الانتاج " وأغلبها في قبضة اليهود " قد عقدت فيما بينها حلفا سريا بالعمل على افساد الشباب وهدمه وتضليله وانها اخذت على عاتقها تنفيذ هذا البند المعروف في بروتوكولات آل صهيون بافساد العالم بالمخدرات والجنس والجريمة والمال تمهيدا للاستيلاء عليه .
    ان الامر خطير ويستحق منا وقفة تأمل .. فليس طبيعيا ان تدور كل الأفلام حول الجنس والجريمة والدولار والمخدرات والهيبيز .. فمعنى محاصرة شبابنا بهذا النوع من المؤثرات على الدوام .. ان يقعوا هم في النهاية في شرك هذه المؤثرات .
    واتفاق جميع الأفلام على الضرب على هذه الأوتار ليس مصادفة وانما هي علامة على تيار مقصود .
    واذا كانت مبيعات هذا اللون من الأفلام قد انخفضت داخل اوروبا بمقدار 45% عن السنة الماضية فان معنى هذا ان هناك وعيا مضادا لهذا التيار . وان هناك حالة انتباه وغثيان ونفور من هذا اللون حتى داخل اوروبا نفسها وحتى من الشاري الذي يحكمه سوق العرض والطلب . فلا اقل من ان ينمو عندنا ايضا هذا الوعي وان ننتبه لهذه السموم الوافدة علينا .. ونحن اكثر استهدافا لهذه السموم من غيرنا .
    ومقص الرقابة لا يكفي .
    انما علينا ان نحول دون دخول هذه الالوان من الافلام أصلا مهما حملت من مسوغات ظاهرية ومهما لفت بضاعتها السامة في سيلوفان من القيم البراقة والمثاليات الكاذبة .
    اما الزعم الذي يدعيه السينمائي اليوغوسلافي " ماكافيجيف " بانه لن يكون هناك سلام في العالم الا عن طريق الاباحية الجنسية فنرد عليه بان الحيوانات تتصارع بالمخلب والناب مع انها تعيش في اباحية جنسية مطلقة .. ولو انها كانت تمتلك وسائل الحرب الحديثة لاستخدمتها بدلا من المخلب والناب.
    والسلام لا يصل اليه الا انسان استطاع ان يتحكم في نفسه ويخضع نزواته .. هذا الانسان هو وحده القادرعلى ان يتنازع لغيره طوعا واختيارا وان يعطي ويمنح ويجود من ذات نفسه طوعا واختيارا ويحقق السلام بمعناه الايجابي .. السلام بمعنى المحبة والعطاء .
    اما انسان لا يستطيع ان يقاوم نزوة ولا يستطيع ان يكبح رغبة جنسية عارضة ويطلب منا أولا بأول ان نقضي له نزواته .. هذا الانسان هو الذي يسرق ويقتل .. فما حوافز السرقة والقتل الا نزوات مثها مثل نزوة الجنس ، وتراث القيم والاخلاق لم يقم عبثا .
    انه تراكم خبرات وتجارب عبر التاريخ .
    والذي دعانا الى ضبط شهواتنا .. ليس القسيس ولا الواعظ وانما تراكم الخبرات والتجارب عبر ألوف السنين ..
    ملايين الأخطاء والمحن التي مرت بها الانسانية .
    واستولدت منها الحكمة والعبرة والضمير واقامت صرح الحضارة .
    وليس الدين وحده هو الذي يدعونا الى الأخلاق وضبط النفس والتحكم في الشهوات .. وانما حضارتنا وأعرافنا وتراثنا .. ثم خبرة حياتنا الخاصة ومعاناتنا الذاتية وتجاربنا واقتناعنا الشخصي .
    كل هذا الكسب الذي كسبناه بالعرق والدم لا يصح ان نتركه لفنان ساذج مثل ماكافيجيف ليمحوه لنا .
    وعلينا ان نفتح العيون والعقول جيدا .
    فما أكثر الذين يريدون قتلنا باسم الفكر والفكر .
    وما اكثر ما نصفق لأفلام هي الدعارة بعينا .
    وليس كل ما نقرأ من كتب ونرى من أفلام هي محاولات بريئة لتسليتنا .
    وهناك وراء الكواليس عشرات من امثال الهر يواخيم دريسن .. والبروفيسور ماكافيجيف .








    الشيء التافه :
    .
    .
    ما يجري في الكون من احداث مرتبطة ببعضه في سياق دقيق من الاسباب والمسببات كحلقات سلسلة ، لا يهم ان كان بعض هذه الحلقات صغيرا وبعضها كبيرا ، فلا فرق بين انكسار حلقة صغيرة او انكسار حلقة كبيرة ، فالنتيجة واحدة في الحالين هي تحطم السلسة وانفراط عقدها .
    نحن نقول عن واحد انه اتفه من ذبابة .
    هل فكرت ماذا يمكن ان تصنع ذبابة ؟!!
    ان ذبابة واحدة تافهة يمكن ان تحمل على أرجلها الدفتيريا والسل والدوسنتاريا وشلل الاطفال والكوليرا ، ويمكنها ان تبيد أمة وتفني جيلا وتقلب دفة النصر في معركة .. تفعل كل هذا وهي ذبابة .
    ان ميكروبا لا يرى بالعين قتل في سنة 1919 اكثر من عشرين مليون ضحية .
    وراهب منقطع في دير تمر به وتقول ما اتفه هذا الرجل .. ماذا يفعل في هذه الدنيا .. لماذا لا يخلع ملابس الرهبنة وينزل الى خضم الحياة ويعمل ويؤثر في الاحداث .. مثل هذا الراهب ليس تافها فهو يمكن ان يكون مندل الذي اكتشف قوانين الوراثة وهو يلقح ازهار حديقته ويتأمل في نسلها .
    وهذا الكيميائي الذي يترك كل شيء ويكتب بحثا في العفن لا تتهمه بالجنون لانه لم يبحث لك كما تريد في مبيدات قواقع البلهارسيا او دودة القطن .. فالعفن ليس شيئا تافها .. الم يخرج لنا البنسلين ..؟!
    وما اتفه الذرة .. اليس كذلك .
    انها لا ترى باكبر ميكروسكوب .
    وهي ليست سوى فرض من فروض الكيمياء .
    ومع ذلك فان تلك الذرة المفترضة هي التي انهت الحرب العالمية الثانية وجعلت اليابان تركع على قدميها .
    وهي التي سوف تقود أول سفينة الى المريخ .. والملازم ديغول فعل ما لم يستطع ان يفعله الماريشال بيتان ..
    وام بيتهوفن لا احد يعرفها وهي في عصرها كانت امرأة من ملايين لا تقدم ولا تؤخر .
    ولكن الم تنجب لنا هذه الام بيتهوفن ولولاها لما جاء الى الوجود ..
    انها سلسلة من الحلقات كما قلت .. سلسلة مترابطة لا يهم ابدا ان يكون بعض هذه الحلقات صغيرا وبعضها كبيرا .. فبدون أي من تلك الحلقات لا يكون للسلسلة وجود ..
    لا يوجد تافه وشيء عظيم ..
    والذي يقول لك انت تافه لانك لم تفعل في نظره شيئا ذا بال .. اما يدل بكلامه على جهله .. فمن يدري ماذا تفعل غدا .. ومن يدري ماذا يترتب على مجرد وقوفك بدون فعل .. ان عدم الفعل يكون في دورة الاحداث اثره مثل الفعل .. والسكوت يكون احيانا اخطر من الكلام .
    الحضارة المادية عظيمة .. الم تصنع لنا القطار والطيارة والسيارة والراديو والتلفون والتلفزيون والمدفع والقنبلة .
    والحضارة الروحية تخاريف .. هكذا يقول البعض .. فما هو دور يوجا منقطع للتأمل في كهف من كهوف التيبت .
    ولكن من يدري ؟
    لو كنت حكيما لقلت من يدري .. فقد تحطم هذه الحضارة المادية نفسها بنفسها وقد ترسل العالم بقنبلة من قنابلها الى قاع المحيط فتصبح هي ذاتها خرافة مثل خرافة " الاتلانتيس " القارة التي غرقت بمن عليها في قاع المحيط ... ولا يبقى للدنيا الا سلالة ذلك اليوجا تبدأ من عنده العلوم والمعارف والمدينة من جديد .
    الم تبدأ بشائر هذه المهزلة بالفعل .. فما هي امريكا تدمر الآخرين وتدمر نفسها ...
    ساذج العقل من يقول لك انت تافه .. فلكل شيء في هذه الدنيا خطره مهما كان صغيرا ضئيلا .. وقد تغير انت الدنيا .. وقد تفتح عينك غدا فتكتشف شيئا .. وقد تكون انت الجندي اليوم قائد المعركة غدا .
    لا تستخف بذبابة تقف على طعامك .. فهؤلاء الرجال كالثيران يدوخون العالم وقد تصرعهم ذبابة .
    والاسكندر المقدوني قتلته بعوضة .
    انها ليست نكتة ولكنه التاريخ فالاسكندر الذي خرج من مقدونيا فاتحا وهب على العالم القديم كالاعصار لم يعد ابدا الى بلاده فقد مات بالملاريا اثناء عودته من الهند بلذعة بعوضة .. ولا احد يدري اين دفن .
    وقد تعبث بقدمك تحت شجرة غدا فتكتشف قبر الاسكندر وتصبح اغنى رجل واشهر رجل في الدنيا حديث الصحف لعدة سنوات .
    فقط لا تقل على احد انه تافه .. احترم كل شيء مهما صغر شأنه .. الطفل .. والحشرة .. وزبال الطريق .. وجرسون المقهى .. وبهلوان السيرك .. ومن لا حيلة له ولا صولجان في يده .. اذا فعلت هذا فانك سوف تخطو أول خطوة لتكون رجلا حكيما .









    الجنون العام :
    .
    ليس هناك عادة أغرب من شرب الدخان .
    ان يصرف رجل عاقل نقوده في احراق بعض المخلفات واستنشاق دخانها اللاسع الخانق الكريه .
    يدخن ويسعل ويبصق .. ثم يعود فيبتلع الدخان ويسعل ويبصق .. ويقول بصوت اجش مشروخ انه يشكو من برد مزمن وانه لهذا اسبب قد استبدل الدخان الانجليزي بالدخان التركي .
    ثم ينفث حلقات الدخان وهو يحملق في الفراغ وفمه مفتوح وقد وضع ساقا على ساق وسبح بخياله في حالة انعدام وزن يفكر في لا شيء .
    مشهد كاريكاتوري من مسرح لا معقول .
    قصه بلهاء من خمس دقائق تبدأ بشطة عود كبيرت ثم حراكات استعراضية من رجل عجيب يأخذ اوضاعا بهلوانية في كرسيه ويسترخي ويسرح ويشفط وينفخ ويسعل ويبصق .
    ونفهم من القصة انه يدفع من قوته وقوت عياله في سبيل الدخان .
    ثم يعود فيدفع مرة اخرى ليعالج نفسه من هذا السعال والدخان .
    ثم يعود فيدفع مرة ثالثة لينظف اسنانه من أوساخ هذا الدخان .
    ثم يروي لنا انه قرأ في المجلة خبرا عن تسبب التدخين في السرطان وفي نفس الصفحة قرأ اعلانات عن فوائد التدخين .
    فاذا سألته وماذا ستفعل ؟
    قال لك سأستبدل لفافة التبغ بالسيجار او السيجار بالشيشة او الشيشة بالجوزة .
    وتراه يصوم عن الأكل ولا يستطيع ان يصوم عن السيجارة .
    وتراه يستمر في هذا الانتحار الصغير كل يوم فيلقي بنقوده وصحته في البحر ويقف يتفرج على الاثنين يغرقان وهو يسعل ويبصق ويلهث .
    رجل مخبول تماما .
    ولكن هذا المخبول هو كل الناس .
    كل الناس ينتحرون لسبب غير مفهوم .
    العملة الصعبة التي تنفق في استيراد التبغ والسيجار والمعسل في العالم كافية لحل مشاكل المجاعة والفقر والجهل
    والمرض .
    والانسان المجنون ابتكر وسائل انتحار اخرى .. غيرالتبغ .. مثل الافيون والحشيش والكوكايين والهيروين وعقار L. S. D. والخمور بأنواعها .
    ولم يكتف بهذا فاخترع اسلحة القتل السريع الاكيد مثل الرصاص والقنبلة والغاز السام .
    ثم عاد فابتكر الاعذار والمبررات الجاهزة للقتل .. مثل الصراع الطبقي .. وتغيير التاريخ .. وانقاذ الحرية .
    والحرية ذاتها كانت دائما هي المخدر الأكبر ..
    المدخن يقول لك .. انا أدخن لأني حر ..
    ومدمن المخدرات .. يقول لك أنا حر ..
    والذي يطلق اول رصاصة يطلقها ليكون حرا ..
    ودائما الحرية هي الضحية .. والانسان القاتل والمقتول هما الصحية ..
    والجنون العام هو الحقيقة .. وهو طابع هذا الانسان العاقل اللامعقول اللغز .









    أفيون هذا الزمان :
    .
    تتبارى أجهزة التليفزيون والاذاعة والسينما وصفحات المجلات والجرائد على شيء واحد خطير هو سرقة الانسان من نفسه .. شد عينيه وأذنيه وأعصابه وأحشائه ليجلس متسمرا كالمشدود امام التليفزيون أو الراديو او السينما وقد تخدرت اعصابه تماما كأنه أخذ بنج كلي وراح يسبح بعينيه مع المسلسلة ويكد ذهنه متسائلا من القاتل ومن الهارب .. وبين قاهر الجواسيس وريتشارد كامبل والافيشات العارية في المجلات والعناوين الصارخة في الجرائد ينتهي اليوم والليلة ويعود الواحد الى فراشة وهو في حالة خواء وفراغ وتوتر داخلي مجهول السبب وحزن دفين كأنه لم يعش ابدا ذلك اليوم .
    والحقيقة انه لم يعش بالفعل وان حق الحياة سلب منه وانه سلب من نفسه واخرج عنوة وألقي به في مغامرات عجيبة مضحكة وتساؤلات لا تهمه على الاطلاق .. من الذي قتل شهيرة هانم ولماذا تخون كلوديا كاردينالي زوجها في رواية " الذئب في فراشي " واين الكنز في مسلسل عبيد الذهب .. واين الحقيقة في رواية ارحمني
    يا حبيبي .
    ويمر يوم تلو اليوم .. وتظل هذه الاجهزة تقوم بما يشبه العادية السرية للمتفرجين وتغرقهم في نشوات مفتعلة الى درجة التعب ثم تلقي بهم الى الفراش آخر الليل منهوكي الاحاسيس لا يدري الواحد منهم ماذا به بالضبط .. لماذا يشعر بأنه مجوف تماما .. وانه لا يعيش ابدا .. وانه لا يقول ما يريد ان يقوله ولا يسمع ما يريد ان يسمعه .. وانما هو يربط في ارجوحة تظل تدور به دورانا محموما حتى يغمى عليه تماما وينسى ما كان يفكر فيه وما كان يريد ان يقوله وما كان يريد ان يسمعه وما كان يملأ منه القلب والعقل .. ويتحول الى حيوان اعجم مربوط العقل والاحساس الى هذه الاجهزة الغريبة التي تفتعل له حياة كلها كذب في كذب .
    وهذه الظاهرة ظاهرة عالمية .. بل هي من سمات هذا العصر المادي الميكانيكي الذي تحولت فيه اجهزة الاعلام الى أدوات للقتل الجماعي ..
    وهو نوع من القتل الجميل الرائع .. تخنق فيه العقول بحبال من حرير وتخنق الخيالات بالعطور الفواحه .. وتخاط فيه الشفاه بجدائل من شعر بريحيت باردو وأرسولا اندرس .
    وكلما زادت مقاومة المتفرج لهذا الافيون كلما زاد المخرجون من المساحة العارية المسموح بها من صدر الممثلة ومن ساقيها وكلما سكبوا كمية من الدم اكثر في رواياتهم وكمية من البترول المشتعل اكثر على اعصاب الناس .
    وحينما تنفجر الاعصاب في ظواهر متشابهة مثل ظاهرة الخنافس والهيبز ورقصات الجرك المجنونة وأدب الساخطين والغاضبين واللاعنين فهي دائما نتائج ذلك البخار المضغوط في جماهير الشباب التي قضي عليها بأن تعيش أسيرة عنكبوت الإعلام والاخطبوط ذي الالف اسم .. الاذاعة السينما والجرائد .. ذلك السجن ذي القضبان الجميلة من الاذرع العارية في المجلات والروايات لتعيش معزولة عن معركة المصير وعن الادلاء برأي في مأساة الحياة والموت التي تجري على مسرح العالم كل يوم .
    وحينما يدور الكلام عن مخدر الـ ل. س . د . والماريجوانا والحشيش والهيرويين والكوكايين .. والعصابات التي تروجه .. فانهم ينسون دائما مخدرات اكثر انتشارا وأخطر أثرا .
    مخدرات تخدر كل بيت من تحت عقب الباب وتقتحم على كل واحد غرفة نومه وتزاحم افطار الصباح الى معدته وفنجان الشاي الى شفتيه .. وتلك هي وسائل الاعلام التي تكاتفت فيما بينها وكأنما بتعاقد غير مكتوب على ان تقتل الناس بقتل وقتهم وتميتهم بالضحك والاثارة والنكتة البذيئة وتلك الكلمة الغامضة اللذيذة التي اسمها التسلية .
    وتحت شعار قتل الوقت يقتل الانسان ويراق دم اللحظات ويسفك العمر .. فما العمر في النهاية الا وقت محدود .. وما الانسان الا فسحة زمنية عابرة اذا قتلت لم يبق من الانسان اي شيء .
    وانها مسؤلية كل مفكر وكاتب ان يخرج على الخط ويتمرد على هذا الاتفاق غير المكتوب .. بقتل الوقت .. في محاولة شريفة لإحياء وقت الناس بتثقيفهم وتعليمهم والبحث عن الحق لا عن التسلية واشراك الناس في مأساة مصيرهم واعادة كل واحد الى نفسه وقد ازداد ثراء ووعيا لا سلبه من نفسه وسرقته من حياته .. ورفع شعارات الحرية لتفصح الروح الانسانية عن مكنونها .
    على وسائل الاعلام ان تتحول من افيون الى منبه يفتح العيون والاحاسيس على الحقيقة ويدعو كل قارئ الى وليمة الرأي ويدعو كل عقل معطل الى مائدة الفكر فتكون كرحلة تحشد الحماس عند كل محطة تقف عندها لا كخيمة للغاز المسيل للدموع مضروبة على الناس او قنابل دخان تطلق للتعمية .
    ان حضارة الانسان وتاريخه ومستقبله رهن كلمة صدق وصحيفة صدق وشعار صدق .. فبالحق نعيش وليس بالخبز وحده ابدا .
    واذا كان السؤال المطروح الان .
    ما هي صحافة المعركة ؟ .
    وكيف تساهم صحافتنا في المعركة ؟
    فهأنذا اقول لكم الجواب ..
    ان نقول الحق .
    وان نقول الجد .
    وان نقول المفيد والنافع والصحيح .
    وان نحيي وقت القارئ لا ان نقتل وقته .









    الوقوع في الفخ :
    .
    كل فتاة تحب ان يقال انها حلوة وساحرة وفاتنة وملكة جمال والسؤال هو :
    ما الجمال ؟!!
    هل الجمال هو البودرة والاحمر والكريم والروج والكحل ؟
    هل هو لون الشعر ... وطول الشعر ... وشكل التسريحة ... ومقاس الصدر ... ومحيط الوسط ... وخرطة الرجلين ... واستدارة الردفين ؟
    هل الجمال فستان وباروكة وبوستيش وشنطة وجزمة ونظارة ؟
    المرأة يخيل لها ذلك ..
    كل تفكير المرأة في شكلها ... في مقاساتها الخارجية ... في اللون والنقشة التي ترسمها حول العين والحاجب والشفة .
    يخيل لها ان الجمال يمكن رسمه على الوجه ويمكن تفصيله بالتحزيق والتقميط والمكواه والمشط .
    وتنسى ان كل هذا طلاء ودهان ... وانه سوف يذوب ساعة ان تضع رأسها تحت الحنفية .. وسوف يتحول الى وجه بلياتشو بعد اول موجة من العرق .... وانها بعد مشوار في الحر سوف تتحول الى امرأة اخرى .
    لان كل ما صنعته كان ديكورا من الخارج ... كل ما فعلته كان سلسلة متقنة من الاكاذيب ... وعملية رائعة من التلفيق اشترك فيها العطار والصيدلي والخردواتي .
    وهو تلفيق لا يمكن أن يكتب له الدوام ..
    حتى الجسم ومقاساته كذبة كبيرة اخرى سرعان ما تفتضح من اول حمل فيتحول الغزال الى حصان بلدية ، وخصر المها الى خصر سيد قشطة .
    والوجه الجميل والتقاطيع الدقيقة الحلوة هي نوع من الجمال يفقد تأثيره مع التعود والمعاشرة .
    التعود يفقد الشكل طرافته وجدته وحلاوته .
    وهذا حكم الجمال الخارجي ... مصيره دائما الى الزوال وفقدان الاثر .. الجمال الخارجي مجرد مصيدة وجر رجل ... منحة سخية من الطبيعة للمرأة لتصطاد بها رجلا ... نوع من خداع البصر ... فاذا تم المراد ووقع الصيد
    السمين في الفخ وعقد العقد ووقع المأذون وانتقلت العروسة المزخرفة المزوقة الى العش الموعود ومضى شهر وشهران .. بدأ الديكور يقع وبدأ الطلاء يسقط والدهان يتشقق وبدأت تظهر النفس التي وراء الزواق والطلاء .
    ساعتها يبدو الجمال الحقيقي اذا كان هناك جمال حقيقي .
    والجمال الحقيقي هو جمال الشخصية ... وحلاوة السجايا ... وطهارة الروح .
    النفس الفياضة بالرحمة والمودة والحنان والامومه ... هي النفس الجميلة .
    النفس العفيفة والعفة درجات ... عفة اللسان وعفة اليد وعفة القلب وعفة الخيال ... وكلها درجات جمال .
    والخلق الطيب الحميد .
    والطبع الصبور الحليم المتسامح .
    والفطرة الصريحه البسيطة .
    والروح الشفيفة الحساسة .
    كل هذه ملامح الجمال الحقيقي .
    اي قيمة لوجه جميل وطبع قاس خوان مراوغ خبيث .
    واي قيمة لمقاسات الوسط والصدر .. والقلب مشحون بالطمع والدنائة .
    واي قيمة للشفاة المرجان واللسان يقطر بالسم والقطران .
    واي قيمة للساق الجميلة خرط المخرطة التي تمتد لك بشلوت والذراع الفاتنة التي تمتد لك بقبقاب .
    واي قيمة لباروكة لا يوجد تحتها عقل .
    واي قيمة لنهد نافر خصصته صاحبته لارضاع العشاق لا ارضاع الاطفال وارداف تتزين للنزوات وفم فاتن لا ينطق الا الكذب .
    اذا اردت ان تحكم على جمال امرأة لا تنظر اليها بيعينك وانما انظر الها بعقلك لترى ماذا يختفي وراء الديكور .
    وحذار ان تنظر اليها بعاطفتك او غريزتك والا فانك سوف تفقد عقلك من اول نظرة ثم يخيل اليك انك امام فينوس الخارجة من زبد البحر .
    وفي ضباب الحواس وصخب الاثارة تستحيل الرؤية وتتحول حدائق الحيوان الى جنات مغرمين وملامح القردة الى تقاطيع الملائكة .
    المرأة كتاب عليك ان تقرأه بعقلك اولا وتتصفحه دون نظر الى غلافه .. قبل ان تحكم على مضمونه . ذوق الناقد وليس ذوق العاشق هو الذي سوف يدلك .
    ولذلك تحرص المرأة بذكائها على ان تحولك الى عاشق اولا حتى تفقد عقلك فلا ترى الحقيقة .
    وأغلب الرجال لا يرون الحقيقة الا بعد فوات الاوان .
    والذين يرون الحقيقة يتحولون الى فلاسفة فيعشقون الحقيقة لذاتها وينسون المرأة ... ويؤلفون الكتب في دراسة الجمال وفلسفة الجمال وينسون حكاية المرأة الجميلة .
    وحتى هذا الفيلسوف لا تعدم المرأة وسيلة للضحك عليه فتقابله كل يوم وتحت ابطها كتاب .
    لقد وضعت الروج المناسب للرجل المناسب .









    احبوا أنفسكم :
    .
    إن من قتل اخاه لا يكره اخاه ، وانما يكره نفسه .. فاليد لا ترتفع لتقتل الا اذا كانت النفس من الداخل يعتصرها التوتر .
    القاتل لا يعلن الحرب على الآخرين الا اذا كانت الحرب قد أعلنت داخل نفسه واشتد اوارها وثار غبارها فأعمى العيون والابصار .
    المجرم هو دائما انسان ينزف من الداخل .
    اما من يعيش في سلام مع نفسه فهو يعيش دائما في سلام مع الآخرين .. انه لا يستطيع ان يكره .. ولا يخطر بذهنه ان يرفع سلاحا في وجه أحد .. انه قد يطلق ضحكة او يترنم بأغنية ، ولكنه ابدا لا يفكر في ان يطلق رصاصة . وانما تولد الكراهية للاخرين حينما تولد الكراهية للنفس .
    خصومتنا لأنفسنا هي القنبلة التي تنفجر حولنا في كل مكان .
    منذ اللحظة التي نختصم فيها مع نفوسنا لا نعود نرى حولنا الا القبح والدمامة ومبررات القتل والثأر ، ونحن في الحقيقة نحاول ان نثأر لأنفسنا من أنفسنا ...
    وانما تبدأ الهدنة بين كل منا والحياة حينما يرتضي نفسه ويقبلها ويقبل قدره ومصيره ويبني بذلك الجسور السليمة التي يعبر عليها الى جمال الحياة حوله ويراه .. وطيبه الناس حوله ويحس بها .
    انه يشعر ان الزهر يبتسم لانه يرى ابتسامته الداخلية منعكسة عليه .. ويقول ان الدنيا حلوة والحقيقة ان نفسه هي الحلوة لانه لا يرى الدينا ، وانما يرى صورة نفسه كما تعكسها له الدنيا .
    اما الانسان الحقود فهو انسان معقتل من الداخل ، سجين قفصه الصدري لا يستطيع ان يمد يديه الى احد لان يديه مغلولتان وشرايينه مسدودة وقلبه يطفح بالغل .
    كيف يمارس الحب بحرية واختيار وهو ذاته معتقل !
    كيف يدرك جمال الكون وانسجامه وهو ذاته منقسم يفتقر الى الوحده الداخلية والانسجام ؟
    وانما تبدأ المحبه بتلك الحالة من السكينة الداخلية التي يبلغها الانسان وكأنه يفتح عينيه على ثراء داخلي لا حد له .. تلك الحالة التي يتلقى فيها ذلك الضمان الغامض .. ذلك الصك بأنه مؤمن عليه ضد المرض والشيخوخة والإفلاس والحرائق والفقر والحوادث .. تلك الحالة التي يزول فيها الخوف تماما وكأنما برقت البروق لحظة فاذا به يرى سفينته التي تتقاذفها البحار الهوج موثوقة الى الاعماق برباط خفي لا انفصام له .. وكأنما كانت طول الوقت تلقي بمراسيها في بر الامان وان دل ظاهرها المرتجف المتقلب على غير ذلك .
    ذلك اليقين العميق الذي يأتي من مكان ما في النفس ليغمر روح الانسان بذلك الايمان الثابت بانه هنا .. وانه كان هنا .. وانه سيكون هنا .. طول الزمان .. وانه لم يولد ولن يموت .. وانه شاخص حاضر ابدا كلحظة الحضور الأبدي ذاتها .
    تلك اللحظة التي ينتفي فيها الخوف ويزول الاغتراب .. والتي يعود فيها ذلك المنفي ابدا .. الى وطنه ودياره .. ويتعرف ذلك المغترب على ذاته ويبتهج بها اذ يراها خالدة حقيقية لا يمسها الضر ولا ينالها الاذى .. تلك اللحظة التي يفرق فيها بين أعراض الجسد الزائلة وبين ذلك الرسوخ والامان والسكينة الدائمة التي تسبح فيها النفس والتي تكمن فيها في لواذ دائم بتلك الاعماق الهادئة مشرقة على الوجه بالابتسام في احلك الاوقات .
    تلك الهدنة التي تنعقد بين الانسان ونفسه هي النبع الذي تتدفق منه المحبة لتحتضن الآخرين وتعانق الحياة .
    لقد كانوا في الماضي يبشرونكم بان تحبوا الغير ، ولكن أقول لكم احبوا نفوسكم .. احبوا ذواتكم بحق .. فبدون هذه المحبة لا يكون حب الآخرين ممكنا .
    كيف تستطيع ان تصادق الآخرين وانت عاجز عن مصادقة نفسك !
    نحن نظن اننا نحب انفسنا .. ودليلنا على ذلك اننا نسقي انفسنا الخمر كل يوم ونوفر لها المتعة .. وحقيقة ما نفعل يدل على الكراهية لا على الحب ، فنحن نقتل انفسنا بالخمر والتدخين والمخدرات والافراط ولا نطيق دقائق قليلة مع الوحدة مع نفوسنا فنستعين عليها بالمغيبات .. هاربين من هذا اللقاء ..
    نحن اعداء نفوسنا .. وهذه هي الحقيقة المؤلمة .. وما اصعب ان نكون اصدقاء لنفوسنا .. الانبياء وحدهم هم الذين استطاعوا ان يكونوا على وفاق ومحبة مع نفوسهم فاستطاعوا ان يعطونا ويعطوا الدنيا الكثير .
    واللقاء مع النفس شاق .. وتمام الوفاق مع النفس اشق واصعب .. وذلك الانسجام الداخلي ذروة قل من يبلغها .
    ولكن الأمر يستحق المحاولة .










    418 نعشا :
    .
    في احدى المدن الامريكية تحرك موكب من 418 نعشا ..
    المرافقون للجنازة كانوا يلبسون الكمامات . وعلى طول الطريق اعلنت حالة الطوارئ في المستشفيات ووزعت الاقنعة والعقاقير المضادة .
    ومرت هذه الجنازة الغريبة في طريقها لتلقي بحمولتها من النعوش في مقبرتها في قاع المحيط على عمق الف وخمسمائة قدم .
    وكان المشيعون يرتجفون رعبا لا حزنا .. فقد كانت تلك النعوش الرهيبة هي صناديق من الصلب تحتوي اطنانا من غاز الموت .. كل نعش به ثلاثون صاروخا معبأة بغاز الاعصاب القاتل .. اي أكثر من 15 الف صاروخ في مجموعها .. اذا تسرب من احدها الغاز فانه يقتل من يشمه في دقائق .
    وقد قررت امريكا التخلص من هذه الغازات ليس حبا في السلام ولا زهدا في القتل .. ولكن لانها اخترعت وسائل ميكروبية وكيميائية أشد فتكا من هذا الغاز الروبابيكيا ... واستحدثت موضات اسرع في الإجهاز على ضحاياها من هذا الغاز الموضة القديمة .
    لقد بلغت سرعة تطور العلم والاسلحة الفتاكة لدرجة اصبحت المشكلة .. هي كيف السبيل الى التخلص من الاسلحة القديمة ومن وسائل الموت المتخلفة .
    ان اختراع البندقية الرشاش كان ايذانا بنهاية عصر بندقية الخفراء .. وقنبلة الهاون طردت قنبلة مولوتوف من السوق .. والقنبلة الذرية جعلت الحرب التقليدية مثل حرب الهراوات .
    وغاز الاعصاب جعل غاز الخردل موضة قديمة .
    واليوم غاز الاعصاب اصبح روبابيكيا .
    وظهرت موضة حرب " الطولاريميا " وهو توكسين ميكروبي يوضع في الانهار فتموت مدن على بكرة ابيها .
    وقنبلة هيدروجينية مدارية توضع في قمر صناعي يدور في فلك حول الارض ثم توجه للسقوط بأزرار من قواعد الكترونية على الارض فيقع الموت على قارات فيغرقها .
    وفي الطريق قنبلة الكوبالت ..
    وقنبلة النيوترون ..
    وقنبلة النيوترون هذه يمكنها ان تشق الارض نصفين مثل البرتقالة او تنثرها اجزاء .. فتتحول الارض الى سحابة من الحصى تسبح في الفضاء .
    والدول الكبرى تتسابق الآن في التخلص من ترساناتها من الاسلحة القديمة بالقائها في حروب فيتنام وكوريا ونيجيريا وبيعها للدول المتخلفة .. وآخر خبر ان تشيعها في جنازة رسمية وتلقي بها في البحر .. فليس من حسن السمعة ان تحتفظ الدولة الكبرى في ترساناتها بسلاح ضعيف .. وامثال تلك الاسلحة الرحيمة التي لا تقتل الا الوفا يجب ان تدفن في مقبرة تليق بها .
    هي اذن جنازة لتشييع الرحمه والرفق والرقة لتدفن وتغيب عن سمع العصر الجديد وبصره .. عصر الموت الشامل والقتل الصاعق بضغطة على زر بدون حاجة الى مواجهة أو شجاعة .. فالشجاعة والفروسية هي ايضا موضة قديمة يجب ان تدفن .. ونحن اليوم في عصر القتل بنذالة .. وترك الماوجهة ليتولاها ميكروب في الظلام او سم قاتل يتسلل في خفاء الى العروق او غاز بلا رائحة يتلصص الى الصدور بينما اصحاب هذه الصدور يتنفسون غافلين في أمان .
    انها حرب الست ثواني .
    وقتال المكيدة .. والطعن في الظهر .. والشراك الالكتروني الغادر . لن يستطيع الجندي الغالب في حرب المستقبل ان يقول .. انا بطل .. ولا الجندي المغلوب ان يقول .. انا شهيد .. لأن البطولة سوف تتوارى ليحل محلها المكر واللؤم ..
    سوف تنتصر الميكروبات وتكسب لنا الحروب .
    سوف تكون ماريشالات المستقبل .
    يا له من تقدم ؟!!
    أخيرا .. عرف الانسان مكانه .. خلف الميكروب .. ووراء الفيروس .. وتحت قيادة الجراثيم .









    طالع الشجرة في لندن :
    .
    وهي غير الشجرة التي طلعها توفيق الحكيم .
    انها مسرحية تعرض على مسرح " كوين " في لندن ، امتدادا لعرض مستمر ناجح منذ شهور .
    بريجادير انجليزي عائد من الملايو بعد خدمة عشرين عاما في جيش الامبراطورية وعلى وجهه كل كبرياء الضابط الانجليزي حارس الأمجاد التليدة .. وهو يدخل الشقة التي مر عليها عشرون عاما دون ان يراها ليفاجأ بأن أولاده خنافس وهيبز وقد اطالوا شعورهم ووضعوا فيها الريش ورسموا على خدودهم نجوما واقمارا .. وبنته تدخل حاملا في شهرها الأخير .. فيحتضنها الأب ويقول لها : " مبروك ! متى تزوجت ؟ " فتضحك الابنة في مرح قائلة : " أوه بابا جواز ايه وبتاع ايه .. ده جه كده كده من غير جواز ولا حاجة " .. فيقول الاب مبهوتا : " كده وكده ازاي .. اليس له أب ! .." فتضحك الابنة في بساطة : " أوه يا بابا ، انهم كثيرون .. كيف اعرف من فيهم الاب " !
    وبكل برود الأب الانجليزي لا نرى الرجل يشخط وينط ، ولا نراه ينزل في أولاده بالأقلام والشلاليت ، وانما يجلس في هدوء ويجمعهم حوله قائلا في تفكير :
    - يبدو ان هناك اشياء كثيرة حدثت في لندن اثناء غيابي ، فقد اصبحت متخلفا جدا .. أرجوكم تعالوا فهموني .. لابد ان لكم فلسفة معينة في هذه الأمور ...
    - بالطبع يا بابا .. انها مسائل فلسفية بالدرجة الأولى .. انها الحرية .. نحن طلاب الحرية .. لم نعد نريد وصاية من أحد .. الأجداد كذابون والآباء منافقون والوعاظ مرتزقة والشعارات تجارة والمبادئ سلالم وصول .. كفى .. لا نريد من أحد ان يعلمنا الأدب ولا دخول الحمام ولا قص الأظافر .. نحن أحرار .. أحرار .. أحرار .. حتى من العمل .. نعم .. لن نعمل .. سوف نشحذ لنعيش .. الا ترى ان ذلك سيكون أكثر حكمة ؟
    ويفكر الأب قليلا ثم يجيب :
    - والله انها افكار جديرة بالتأمل فعلا .. اعطوني فرصة حتى أحاول ان أفهمكم ...
    فاذا كان الفصل الثاني فوجئنا بالبريجادير يدخل وهو عار وفي رأسه ريش وعلى صدره وشم ورسوم وعلى جبينه عصافير ، يدفع أمامه عربة روبابيكيا مكتوبا عليها " أنا أطرش وأخرس .. ومحارب قديم في جيش الإمبراطورية .. اعطوني شلنا لله ! "
    يدخل البريجادير بهذه الصورة على أولاده فيتجمدون في أماكنهم فاغري الأفواه وكأنما نزلت عليهم صاعقة .. ثم يقول الابن في اشمئزاز :
    - هذا بشع يا بابا .. ماذا فعلت بنفسك !
    - أنا يا ولدي آمنت بفلسفتكم وهذا كل ما حدث .. أنا أيضا حر .. حر في ألا استحم ، وفي أن أسير عريانا وأضع في رأسي ريشا مثلكم تماما .. أنا مقتنع .. اليس لي الحق .
    - ولكن هذا فظيع .. ماذا سيقول عنا الجيران وقسيس الناحية .
    وتصيح الابنة :
    - لقد أنزلت بنا عارا لا يمحى .. سوف نصبح أضحوكة الحي !
    - وأنت يا ماري التي حملت سفاحا .. ألم تنزلي بي العار ..
    - يا الهي لقد كنت أمرح .. هذه مسائل طبيعية جدا .. لماذا نعقد الامور .. وأنا في النهاية حرة .. ولدت حرة مثل شعاع الشمس .. ولي كامل الحق في ان ألعب وأمرح .
    - حسنا يا ابنتي وهذا ما افعله .. أنا أيضا أمرح مثل شعاع الشمس .
    - ولكن ما تفعله شيء فظيع فظيع .. إنك نشحذ .
    - ولكن يا أولادي .. اليست هذه هي آراؤكم نفسها التي تروجونها .. ألا تؤمنون بما تقولون .. أم انها مبادئ للاستهلاك الخاص !
    - ولكن يا بابا انظر لنفسك في المرآة .. وماذا تكتب على هذه العربة .. أطرش وأخرس وتريد شلنا لله .. ياللفظاعة .
    فاذا كانت نهاية الفصل الثاني وجدنا الابناء قد عادوا الى ارتداء ثيابهم النظيفة .. ووجدت الابنة لها زوجا ليسترها ، في محاولة لإغراء الأب بالإقلاع عن هذه البشاعات .
    وترتفع الستارة عن الفصل الثالث لنفاجأ بأن الأب مستمر في الشحاذة وفي تربية اظافره وشعره وهو يقلد أبناءه في هدوء . انه لن يقلع عن هذه الفلسفة الجديدة لأنه ببساطة شديدة مقتنع بها ومؤمن بها بكل حماسة واخلاص .. واكثر من هذا فقد اضاف الى الفلسفة بضعة تعديلات مبتكرة وطورها على حد تعبيره .. فمن اليوم لن يسكن في البيت ولكنه سوف يسكن على شجرة .
    ويصرخ الابناء ويدقون على صدورهم .
    ولكن الدنيا تتغير بسرعة دائما .
    وفي ختام المسرحية نكتشف ان جميع لوردات انجلترا .. كل واحد اختار شجرة ينام فوقها .. وان موظفي السكرتارية لا يعرفون كيف يستدعونهم لاجتماعات مجلس اللوردات !











    لماذا الملل :
    .
    حضارة اليوم طابعها الملل .
    الحب يولد ليموت والمرأة طبق شهي لوجبة واحدة ثم يصفق القلب طالبا تغيير الطبق .. العين تمل واللسان يمل والمعدة تمل ..
    الاسطوانة تكتسح السوق اليوم .. وغدا لا تجد من يشتريها .
    الموضة الفستان الجرار المتهدل على الساقين .
    الموضة فوق الركبة .
    الموضة المفتوحة .
    الموضة المقفولة .
    الموضة الشوال .
    الموضة الممزق .
    التغيير .. التغيير ..
    حتى في الفكر والفن .
    سارتر ينادي بالوجودية .
    سارتر يهجر الوجودية .
    سارتر يقول لنا ماركسي .
    راسل شيوعي .
    راسل يهاجم الشيوعية .
    الواقعية في الفن .
    السيريالية .
    التكعيبية .
    التأثيرية .
    كل مذهب ينتشر يفقد قيمته .
    وكل فلسفة يظهر لها متحمسون فدائيون ثم ينفض من حولها السامر تماما كماركات العربات وتسريحات ذيل الحصان .
    الملل .. الملل ..
    كل جديد يصبح قديم بمجرد تداوله .
    وكل لهفة تتحول الى فتور ثم ضجر قاتل .
    وطريق الخلاص سيجارة وكأس ولفافة مخدر وقرص منوم والف مسكن ومسكن للاعصاب وابونيه عند أطباء الامراض النفسية .
    لم يعد زبون الكباريه تثيره مفاتن الراقصة العارية التي كشفت له مفاتنها ثم دعته الى شقتها .
    ولكن اللذة الطبيعية اصبحت عادية .. والحواس تبلدت .
    والملل يلتمس مهربا اخيرا في الشذوذ .
    ثم في الافراط الى حد الاعياء .
    ولا حل .
    وفي محاولة أخيرة يلجأ الزبون الى مائدة القمار .
    ثم ينحدر برجلية خطوة خطوة في طريق الانتحار .
    أفيشات السينمات .. إعلانات الصيدليات .. عناوين الكتب " مانشيتات " الجرائد .. صور الكاباريهات .. تصرخ نحن في عصر الملل .الوجوه الشاحبة والأذرع المدلاة والعيون المحمرة والأنامل المرتجفة في عصبية .. تصرخ .. نحن في عصر الملل .. الحب كذبة عمرها عمر المناورات والمناوشات .. تذكيها الاثارة .. وحمى يؤججها التمنع والتدلل حتى تصل الى الفراش فتهبط الحرارة ويشفى الحبيبان ويستحمان في عرق العافية ويتحول الحب الى عادة حميدة يعقبها دش مرطب وأكلة طيبة وأمل خبيث في مغامرة جديدة تنعش الذي مات من العواطف .
    النقود تثيرك طالما هي في جيب غيرك فاذا دخلت جيبك فقدت جاذبيتها .
    الشهادة حلمك وغايتك وأملك حتى تحصل عليها فتنسى أمرها تماما .
    الوظيفة هدف براق حتى تنالها فتتحول الى عبء ثقيل .
    لماذا كل هذا الملل .
    لأننا في عصر إفلاس القيم .
    قيمة الحب التي تروجها الأغاني والروايات سقطت و أفلست .. لأن المرأة لا تصلح لأن تكون هدفا يطلب لذاته .
    المرأة طريق .
    نحن نحب المرأة الجميلة كطريق يوصلنا فيما بعد الى محبة الجمال ..
    المرأة نافذة الى شيء وليست هدفا نهائيا .
    واذا اتخذتها هدفا نهائيا كما تقول لنا الأغاني والروايات فاننا سوف نقتل هذا الهدف بحثا في الفراش ولن يتبقى لنا شيء نجري وراءه .
    المرأة زيت يوقد المصباح لنرى على ضوئه اشياء اخرى غير المرأة .. معان وقيما ومثاليات نعشقها بلا ملل .
    وبدون مثاليات وبدون ايمان لا يمكن لحياة ان تعاش وحضارة هذا العصر سقطت لأن ما فيها من فكر مادي أسقط الاديان ولم يستطع ان يقيم لها بديلا روحيا .
    انه يقول لك انك تستطيع ان تدخل الجنة بخمسين ليرة في الكازينو فترى الحور العين من اللؤلؤ المكنون لابسات الحرير وترى انهارا من الخمر وانهارا من العسل وزيادة على ذلك تستمتع بفرق اكروبات وتجرب حظك على مائدة الروليت .
    وفي المدرسة يعلمونك ان آدم ليس من تراب ولكن اسلاف من جنس القرود وانه سليل تطور انحدر من الحشرات وميكروبات المستنقعات .
    وبسقوط هيبة الأديان يقف الانسان وحيدا بلا سند بلا ايمان في انتظار وجود الذي لا يأتي .
    كل ما يملكه حياة فانية بعدها التراب ولا شيء وهو يتحول بهذا دون ان يدري الى يأس قاتم لا مخرج منه .. وعطش لا ارتواء له .. فهو ينتقل من لذة لا تروي .. الى لذة لا تروي .. ولا شبع .. ولا نهاية .
    فهو اكتشف ان لا شيء حقيقي .
    لا قيمة باقية ولا معنى لشيء ..
    الملل هو كل ما تبقى له ..
    وهو ملل لا علاج له الا بالعودة الى فكرة الروح الى الايمان بأن الانسان لا يموت وان في الدنيا قيم خالدة .. وان هناك حقيقة خلف عالم الظواهر والأوهام .
    حقيقة تبث في من يبحث عنها الحماس الذي لا حد له .











    الرقص للرقص :
    .
    اذا كنا نأخذ موسيقى الجاز الان من امريكا فهي أخذتها من قبل من افريقيا ... فهي اذن بضاعتنا ردت الينا في عبوة جديدة .
    والرقص يتطور اكثر فأكثر في اتجاه الايقاعات الزنجية .. انتهى رقص زمان الرومانتيكي الحالم الذي يتلاصق فيه كل راقص مع رفيقته الخد على الخد والصدر على الصدر والفخذ على الفخذ ويتمايل الاثنان ذلك التمايل المخمور البطيء مع التانجو .. والاثنان في أحسن الحالات في دور اغماء عاطفي وفي اسوأ الحالات في دور اغماء جنسي .
    مثل ذلك الرقص القديم كان قيدا أكثر منه حرية .. وكان الفرد فيه يضيع في قبضة العاطفة وكانت الرقصة ذاتها وسيلة تقرب بين الذكر والأنثى وأسلوبا مهذبا من أساليب الغزل .
    اما الآن فإن الرقص تطور الى رعشات فردية مجنونة ورقصة مثل رقصة الجيرك هي رقصة فردية تماما .. يرقص فيها الفرد لنفسه وللرقص .. لا يمسك ذكر بأنثى ولا أنثى بذكر وانما كل واحد في عالمه يغني في واديه . وتتحول الحركة الى وسيلة تعبير عن الخبايا النفسية العميقة والضغوط السيكولوجية والتوترات الذهنية ووسيلة تفريج عن مختلف الطاقات المكبوتة بأسلوب برئ وفني في ابتكار وابداع .. ويمكن ان ترى الشاب في لحظة الاندماج يؤدي ما يشاء من الحركات بدون قانون سوى الموسيقى ذاتها وسوى قانون النفس .. فهو يلاكم الهواء .. أو يلطم .. أو يندب .. أو يلتوي في شاعرية .. أو يضرب نفسه .. أو يتقافز مثل كرة من المطاط .. أو يصفق ويصرخ ويدق الأرض احتجاجا ... وهو مغمض العينين لا يرى أحدا .. وهو لا يتقرب برقصته الى أحد .. ولا يتماسك مع أحد ... وانما هو وحده مع كهنوته الداخلي .. فهي رقصة حرية وفردية .. وهي وسيلة تعبير بالفن والحركة عن المكنونات النفسية .
    ومثلها كثير من الرقصات الفردية العنيفة التي انتشرت في هذا العصر.. وهي اشبه بمظاهرات احتجاج وعرائض شكوى اسلوبها الحركة ولغتها الموسيقى .
    وهذا اللون من الرقص أفضل من الرقص العاطفي المخمور .. وأكثر حرية وأكثر براءة من التانجو الحالم الذي كنا نراه في كباريهات زمان .. وهو لون من التنفيس والتفريج الصحي عن طاقات الشباب العنيفة .. وهو صورة طبق الأصل من الرقصات الزنجية التي شاهدتها في الغابة يرقصها الزنوج عراة في ضوء القمر على نغمات الطبول ولا يتخاصر فيها رجل بامرأة ولا امرأة برجل وانما كل واحد يهيم وحده في عالمه يغني ويصرخ ويولول ويدق على صدره ويشكو الى خالقه من ظلم هذه الدنيا بتلك اللغة الخرساء البليغة التي اسمها الحركة .
    والرقص الآن هو زار مودرن يشترك فيه بنات وأولاد ركبهم شيطان الشباب وجن الرغبات المكتوبة .
    وينفخ الزامر في مزماره ليعلن الشيطان عن نفسه ويخرج من القمقم وتنطلق الاحزان الدفينة كالجن من مخابئها .
    وبعد ساعة من هذه التشنجات تهدأ النفس الثائرة وتعود الى اتزانها .
    وامثالنا من الجيل الوقور المهذب الذي لم تتح له هذه الفرصة للتفريج عن ازماته والتنفيس عن غليانه الداخلي ..
    كانت تنتهي به ازماته الى تشنج مرضي .. فيتشنج المصران ويؤدي الى حالة " قولون " مزمنة .. او يتقلص الشريان التاجي ويؤدي به الى حالة ذبحة .. أو تشنج الشعب الهوائية وتؤدي الى حالة ربو .
    ومثل هذه الرقصات العنيفة هي صمامات أمن ومنافذ وقائية للشخصية المتوترة ... وهي احيانا أدوية أكثر نفعا من أقراص اللومينال والبرترانكيل ... وهي رياضة في عصر هو بحق عصر الانفجار .











    التقدم الى الخلف :
    .
    حينما اكتشف الرجل الأوروبي البخار والكهرباء وصنع الصلب والقطارات والطائرات وأضاء المدن فأحال ظلامها نهارا .. امتلأ شعورا بالسعادة والعظمة .
    وحينما وضع قدمه في أفريقيا السوداء .. نظر اليها نظرة السيد الى ملايين العبيد المتخلفين المتأخرين المتبربرين المتوحشين .. وشعر بأن عليه واجب الأخذ بيد هؤلاء الحيوانات الى نور المعرفة والعلم والوصايا العشر .
    وبين زنوج عراة حفاة وقف المبشر الأوروبي في ثياب نظيفة يقول لكل واحد :
    لا تسرق ...
    ونظر كل عريان بجواره يتساءل .. نسرق ماذا ؟
    لا أحد يملك حتى خرقة على جسده .. والطير يمرح على الشجر لمن يصطاده .. والأرض مجانا لمن يزرعها .. والفاكهة دانية لمن يقطفها ... نسرق ماذا .. ولماذا ؟
    أسهل على الجمل أن يدخل ثقب إبرة من أن يدخل الغني جنة الله ..
    ولكن من هو الغني ...
    الذي يملك أكثر ... الذي عنده نقود أكثر . الذي عنده سندات وعقارات اكثر .
    ولكن ليس بيننا من يملك أكثر ولا من يملك أقل .. ولا نعرف ملكية .. ولا نعرف نقودا .. وليس بيننا من يملك سندات وعقارات .
    هذا عين التأخير والبربرية والوحشية !
    سوف يصك لكم الرجل الأوروبي النقود .. وسوف يجعل بعضكم فقراء وبعضكم أغنياء .. وسوف يجعل بعضكم يملك وبعضكم لا يملك .. وهكذا تنشأ بينكم الأحقاد فتعرفون معنى الوصايا العشرة .
    ولكن ما بال الرجل الأوروبي نفسه لا يعمل بالوصايا العشر ؟
    لماذا يسرق خيرات الغابة ويشحنها في البواخر المتراصة على الشاطئ الى بلاده ... لماذا يقتل العبيد بالصخرة في المناجم .. لماذا يتزوج واحده ويزني بألف .. ولماذا يكذب على نفسه وعلينا وعلى الله ؟!
    وظلت الحياة تسير في رتابة بين المتوحشين المتبربرين تحصدهم الأمراض وتتحالف عليهم الملاريا والحمى الصفراء والحيات والأفاعي ورصاص المستعمرين ..
    وتولى الرجل الأوروبي مهمة قتل نفسه في حربين عالميتين ..
    وتولى حصار المدينة التي اقامها .. كلما بنى هدم .. وكلما أقام حطم ..
    ولكن الأدوات في يديه ظلت تتقدم من طائرات الى صواريخ ومن كهرباء الى ذرة ..
    وها هو اليوم وقد امتلأ شعورا بالثقة وقد ازداد تأكدا انه أصبح السيد بالفعل .
    سيد من ؟!!
    سيد على الطبيعة وعبد لنفسه !
    وهو يزداد عبودية لهذه النفس كل يوم ...
    تستهويه البضائع الاستهلاكية في الفاترينات وتستعبده الثلاجة والغسالة والعربة البويك والريكورد والترانزيستور.
    وسيطرة البضائع الإستهلاكية والترف الشخصي تفرض نفسها على بلد رأسمالي كأمريكا كما تفرض نفسها على بلد اشتراكي كروسيا ..
    ومن أجل مزيد من الترف والبضائع الإستهلاكية لكل فرد ومن أجل السيطرة والتحكم في الآخرين سوف تقوم حرب ثالثة ، فلم تعد المسألة مسألة مذاهب .. وانما حقيقة المسألة ان الانسان لم يتقدم وانما تأخر .. وهو كل يوم يتأخر ..
    الأدوات في يديه هي التي تقدمت وتحول هو من صانعها الى خادمها ثم الى عابدها .
    لكن كل هذه البضائع الاستهلاكية ليست أكثر من لعب أطفال في فاترينة وكل ما أحرزه الانسان من تقدم هو تقدم شكلي ..
    والانسان في أثينا منذ أكثر من ألفي سنة أيام سقراط وأفلاطون وأرسطو .. كان أكثر تقدما .. وكان يعرف طريقة الصحيح الى التقدم بالفعل .. كان يبحث كيف يعرف نفسه وكيف يتخلص من عبوديتها وكيف يحقق الحرية وكيف يحقق العدالة وكيف يصل الى معرفة الله . وكان كل واحد يناقش الآخر في حرية .. أما اليوم فكل واحد يطلق على الآخر الرصاص .. ولا أحد يفكر كيف يعرف نفسه ولكن كيف يشبع نهم تلك النفس الجشعة بلا حدود .
    والنفس تدفن شيئا فشيئا تحت ركام البضائع الاستهلاكية يخنقها طمعها اللانهائي ..
    نحن نتأخر .
    الأدوات في أيدينا تنمو في القوة باطراد حسابي كما تنمو الأموال تلقائيا في البنوك ..
    ولكن التقدم ليس أن تنمو الأدوات انما أن ينمو الإنسان ..
    ليس ان يسيطر الإنسان على الآخرين وانما ان يسيطر على نفسه على غضبه ..
    ليس ان يمتلك الانسان القوة بل أن يمتلك الرحمة .
    ليس ان يفرض الشرق مذهبه على الغرب ولا ان يفرض الغرب مذهبه على الشرق .
    وانما ان ترحب الصدور ليقول كل واحد كلمته .. صحيح اننا الآن نركب صواريخ ونسير بسرعة ولكن الى وراء والى تحت والى خلف والى دغل كثيف نعود فيه حيوانات أكثر إفتراسا من كل الحيوانات .. حيوانات مخالبها ذرية وأنيابها نووية .. مسوخ إختل فيها التوازن فأصبحت لها أبدان هائلة وقلوب ضئيلة وأرواح هزيلة .. الجنس البشري الآن هو الديناصور الجديد الذي سوف ينقرض ..
    واقرأوا التاريخ لتعرفوا كيف كان على الأرض منذ ملايين السنين حيوان هائل ضخم كالجبل يحكم جميع الحيوانات اسمه الديناصور .. ثم انقرض وهلك .. والسبب انه كان قويا جدا ومغفلا ...











    من أين تنبع السعادة :
    .
    منذ الف ينة كان السفر الى اليمن على الأقدام يحتاج الى أعوام .. يحمل المسافر خيمتة وزاده وزواده وزكائب التمر والبلح والخبز المكسر ويتوكل على الله .. وبين الفيافي والجبال والوهاد والأحراش يطل عليه الموت من انياب ذئب جوعان او قاطع طريق متربص او حر لافح يقصم الظهر أو برد قارص يثلج العظم ... فإذا وصل سالما فهو قد ولد من جديد ... وهي الفرحة التي لا تدانيها فرحة .
    والمليونير على أيامها لم يكن يمتاز على الصعلوك الا في الخيول المطهمة .
    كان الفرس هو السيارة التي تختصر الأعوام في شهور وكانت هذه هي سرعة البرق زمان .
    وعرفنا السفن الشراعية لننتقل من أهوال البر الى أهوال البحر .. يقلع المسافر فيمسك بأنفاسه وقد أدرك انه سلم نفسه الى غول لا يعرف الرحمه .. فاذا وصل الى بر الأمان دقت له الطبول والمزامير واستقبلته الأحضان وسجد لله شكرا من فرحة الوصول .
    أما اليوم فنحن نقطع المسافة بين القاهرة واسوان في ساعات بالقطار ونشعر طول الوقت بالملل والضجر والبطء وننظر الى ساعاتنا حتى اذا وصلنا سالمين بدأنا نسب ونلعن لأننا تأخرنا نصف ساعة .
    ونركب الطائرة النفاثة لنصل الى بيروت في دقائق ونشكو مر الشكوى لأن الضباب والعواصف أخرت وصولنا عشر دقائق ..
    وحينما نسافر غدا بالصواريخ الى المريخ سوف نكون أكثر مللا وتعجلا وسنقول .. ما هذه الصواريخ اللكع ..
    الا يعرفون في مصلحة الصواريخ قيمة الوقت ؟
    وسوف تتضاعف قيمة الوقت بالفعل .
    ستكون الساعة كافية للدوران حول العالم وسيكون الشهر مهلة عظيمة لجولة في المجموعة الشمسية .
    وسوف تزداد الإمكانيات ولكن سوف تتضاءل السعادة .
    كلما ازدادت الإمكانيات ازداد الطمع .
    وكلما ازدادت السرعة ازدادت العجلة .
    وكلما ازداد الترف ازدادت الشكوى .
    تماما مثل حكاية الغني الذي يزداد طمعا كلما ازداد ثراء .
    وهذا شأن المكاسب المادية .. كلما ازدادت ازداد الإفتقار اليها والى المزيد منها وبالتالي ازدادت التعاسة .
    لأن السعادة موطنها القلب وليس الجيب ولا عبرة فيها بازدياد الإمكانيات المادية .
    السعادة تنبع من الضمير .. ومن علاقة الانسان بنفسه وعلاقته بالله وهي أصلها شعور ديني وليست شعورا ماديا .
    وهي تنبع من احساس الانسان بأنه ليس وحده وان الله معه وان العناية تحوطه والالهام الخير يسعفه .. وانه يقوم بكل واجباته .
    ولهذا يمكن أن ينتحر مليونير يملك باخرة وطائرة وعدة ملايين من الدولارات بينما تجد الراهب الذي يعيش على الكفاف يضيء وجهه بسكينة داخلية لا حد لها ويسارع الى نجدة الآخرين في محبة وسعادة لأنه يؤمن بان للحياة معنى وحكمة وانها لم تخلق عبثا وانما خلقها العادل الرحيم .











    يد الله :
    .
    هل فكرت مرة في نفسك ؟
    في جسمك وكيف يعمل ؟
    ان علوم التشريح والفسيولوجيا فتحت اعيننا على عجائب ومدهشات يقف امامها العقل مذهولا .
    نعلم الآن بالحساب والأرقام ان الرئتين فيهما من وسائل تنقية الدم وتهويته سبعة اضعاف الحاجة .. أي ان الله وهبنا منذ الميلاد سبعة اضعاف ما نحتاج اليه من النسيج التنفسي ...
    وبالمثل في الكليتين احتياطي فائض عن الحاجة سبعة اضعاف اللازم لحفظ الحياة ...
    ونجد هذا الكرم والسخاء ايضا في نسيج مثل الكبد وعضلات القلب وكرات الدم الحمراء وكراته البيضاء ...
    ومن الحيوانات المنوية نقذف ، في المرة الواحدة أكثر من مائة مليون حيوان منوي اي ما يكفي لإنجاب شعب كامل ... ومن هذه المائة مليون ينتخب واحد هو أقواها ... وهو الذي يصل الى مبيض الأنثى قبل زملائه فيكون تلقيح البويضة وانجاب الوليد من نصيبه .
    هنا شيء أكثر من السخاء والكرم ...
    هنا يد الخالق وحكمته ومحبته مبسوطة على آخرها .
    ويقول لنا التشريح أيضا ان العصب البصري فيه أكثر من مليون خط عصبي تتشابك كلها لتصنع شبكية هي قاع العين حيث تقع الصورة ويتم التقاطها في دقة فائقة .. وحيث نرى العتمة واحيانا في الظلام ونميز بين درجات اللون الواحد وبين أخلاطه ما يذهل .
    أما قدرة الأذن على التمييز بين درجات الصوت ونوعياته فمعجزة تفوق معجزة الإبصار .. فالأم تعجز عن تبين وجه طفلها الضائع في الزحام ولكنها تستطيع ان تميز صوت بكائه من ألف صوت ...
    بل أن الأذن تستطيع ان ترسم صورة كاملة لشخصية انسان من صوته ونبرته ولهجته ...
    بل هي تستطيع ان تسمع الغيب وتصغي الى الهواتف التي تعبر اليها من عالم المجهول ...
    وقد القي الأمر الى الأنبياء سمعا .. كما نعرف .. فاذا وصلنا الى المخ فنحن امام خارقة الخوارق ...
    فها هنا مجمع خطوط عصبية اشبه بسويتش هائل يلتقي فيه أكثر من مائة مليون خط عصبي كلها تعمل معا وفي وقت واحد في تلقي الرسائل وتحليلها والرد عليها ...
    في كل لحظة يصل الى المخ شلال من الاحساسات من الجلد والأحشاء والعين والأذن والأنف واللسان والعضلات والغدد ويخرج من المخ في ذات اللحظة طوفان من ردود الفعل في كابلات عصبية توصل كل رسالة الى مكانها .
    جميع العضلات تبعث الى المخ في ذات اللحظة تفاصيل غاية في الدقة عن ما يطرأ عليها من توتر وانقباض وارتخاء وعلى المخ ان يرد في ذات اللحظة بالتعليمات المطلوبة للحصول على أي وضع نريده ... وهكذا نستطيع ان نقف على رأسنا أو نمشي على أيدينا أو نحفظ توازننا على قدم واحده دون ان نقع .
    وهكذا نجد ان عميلة حفظ التوازن هي عملية معقدة من آلاف الضوابط .. كل عضلة لها مخ الكتروني صغير ومركز تنظيم في الدماغ ... والمراكز العديدة لها مجمع ترابط ينظمها جميعا ... ثم يخضع كل هذا للإرادة والإختيار .
    فإذا عرفنا أن فوق المخ شيء أعظم هو العقل ، وان المخ ليس الا الجانب الآلي من عملية شديدة الغموض .
    وان العقل هو السيد .. هو الذي يأمر وهو الذي يتكلم من هذا السويتش العجيب ... فنحن في النهاية أمام معجزة أكبر ... ذلك العقل الذي حاربنا به الميكروب وروضنا الأسد واصطدنا الذئب وأخضعنا وحوش الغاب ...
    ذلك العقل الذي بنينا به الأهرام والسدود ونقلنا الجبال من مكانها وهدمنا إمبراطوريات وأقمنا إمبراطوريات ...
    وأخيرا صعدنا الى القمر وسبحنا الى النجوم .
    ها نحن كلما اكتشفنا آية من آيات كرم الخالق قادنا تأمل هذا الكرم الى كرم أكبر وعطاء أكبر ...
    ومن وراء العقل يقودنا التأمل الى الروح .. سر الأسرار ... وذروة العطاء الرحماني ...
    وهنا يعجز القلم ويسكت الفكر حياء أمام نعمة لا يملك الخيال ان يحيط بها .. اذ يصفها الخالق بأنها فيض منه فيقول عن خلق آدم " فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " ... فهي نور من نوره .. تعالى وتبارك في سماواته الذي خلقنا باسمه الكريم الوهاب وتناهت عطاياه فما تناهت ... وما استطاع قلم ان يحيط بكرمه او يحصر افعاله .











    بيروت ذات الستمائة ألف وجه :
    .
    بيروت .. المرأة اللعوب .. مستحيل أن تصدر عليها حكما شاملا ..
    انها يمكن أن تهبط بك السلالم الحلزونية الى علب الليل وحانات الستريب تيز .. ولكنها أيضا تصعد بك قمم فيروز والرحباني ..
    وقد تتنافس في بيروت مجلتان .. على الصورة العارية فكرة عادية لرفع التوزيع .
    ولكن بيروت تفاجئك بنفس الوقت بمجلة أخرى على غلافها صورة ملونة لرجل عجوز وقور مثل توفيق الحكيم
    " فكرة لا يمكن أن تصدر عن رغبة في رفع التوزيع أو اجتذاب مراهق جديد الى جمهرة القراء " .
    وفي بيروت شوشو يمثل على طريقة ما قبل الكسار .
    وفرقة أبو دبس تمثل على طريقة ما بعد الكوميدي فرنسيز .
    وفي بيروت تاجر يبيعك بضاعة تالفة بسعر مضاعف .
    وفي بيروت " أبو الشام " الطيب القلب الوديع الشهم الذي ما زال يلبس الشروال والزعبوط ويزرع الضيعة ويبيعك التفاح الفاخر بسعر التراب .
    وفي بيروت من يحارب العروبة علنا ويتكلم الفرنسية ويقول ان لبنان تتبع خريطة اوروبا .
    وفي بيروت من يستشهد في سبيل عروبته وعروبة لبنان .
    وفي بيروت من يضحك اذا كلمته عن الاشتراكية ويعتبرها نكتة ظريفة .
    وفي بيروت شبيبة جديدة . من طلبة الجامعات يطالبون بالتنمية والتصنيع وزراعة الأراضي المهملة وتشغيل الأيدي العاطلة وتوجيه رأس مال الى المشاريع الإجتماعية النافعة بدلا من تركه ليبني العمارات على أرصفة الشانزليزيه في باريس ويتسرب في بالوعة المغامرين والمقامرين والمستغلين .
    وفي بيروت من تتقدم للمنتج والمخرج وصاحب الجريدة لتتدرب في شققهم الخاصة على أول دروس التمثيل والشهرة وصور الغلاف والقبلات المحمومة .
    وفي بيروت العذراء التي يحمر وجهها خجلا وتسحب يدها اذا عاشت اناملك وكأنما لدغها ثعبان .
    وفي بيروت الزوج الذي يغمض عينا عن زوجته التي تدور في حلبة الرقص مع صديق الخد على الخد والساق لصق الساق والشفاه تهمس وتلثم أطراف الاذان .
    وفي بيروت الأخ الذي يقتل اخته غسلا للعار لأنه ضبطها تبتسم لجاره من الشباك وقد يكون الاثنان من سكان حي واحد لا تزيد المسافة بينهما عن محظة أوتوبيس .. ولكن بين كل واحد وآخر في بيروت توجد عصور وأجيال وحضارات وكأنهما من سكان قارتين مختلفتين وليسا من سكان شقتين متلاصقتين في طابق واحد .
    في بيروت تجد عادات البداوة وأخلاق السواحل وبراءة سكان الجبال وانحلال سكان المدن وغلظة الريف ورقة الحضر وقسوة الرأسمالية وأحلام المثالية .
    وفي بيروت تسمع الشعر والهذر .
    وترى الطربوش والميني جوب .
    وترى زبون الاسطوانات الذي يبحث عن اسطوانات الخنافس والى جواره من يبحث عن اسطوانات الشيخ رفعت.
    وكل شيء صواب في بيروت وكل شيء خطأ .
    وكل شيء ممكن وكل شيء مستحيل .
    وأنت حر .. وليست عندك ذرة حرية في نفس الوقت .
    " وبدون ليرات انت مسجون في فندقك .. واذا لم يكن معك أجر الفندق فأنت مسجون على الرصيف " .
    وحتى رصيف الهورس شو يحتاج الى ليرات .
    وتسألني بعد ذلك حكمي على بيروت .
    لي عليها ستمائة ألف حكم بعدد الستمائة ألف ساكن الذين يسكنونها لكل واحد حكم خاص به .
    فكل واحد مدينة في ذاته ولو ان اسم كل هذه المدن بيروت .
    بيروت الغانية ذات الستمائة الف وجه .











    السلطان الحقيقي :
    .
    قل لي فيم تفكر أقل لك من أنت .
    هل أنت مشغول بجمع المال وامتلاك العقارات وتكديس الأسهم والسندات .. أم مشغول بالتسلق على المناصب وجمع السلطات والتحرك في موكب من الخدم والحشم والسكرتيرات .. أم ان كل همك الحريم وموائد المتع ولذات الحواس وكل غايتك ان تكون لك القوة والسطوة والغنى والمسرات ...
    اذا كان هذا همك فأنت مملوك وعبد .
    مملوك لأطماعك وشهواتك وعبد لرغباتك التي لا شبع لها ولا نهاية .
    فالمعنى الوحيد للسيادة هو ان تكون سيدا على نفسك أولا قبل ان تحاول ان تسود غيرك .. ان تكون ملكا على مملكة نفسك .. ان تتحرر من أغلال طمعك وتقبض على زمام شهوتك .
    والقابض على زمام شهوته .. المتحرر من طمعه ونزواته واهوائه لا يكون خياله مستعمرة يحتلها الحريم والطاس والفدادين والأطيان والعمارات والمناصب والسكرتيرات .
    الانسان الحقيقي لا يفكر في الدنايا التي يرتمي عليها معظم الناس .
    وهو لا يمكن أن يصبح سيدا بأن يكون مملوكا ولا يبلغ سيادة عن طريق عبودية .. ولا ينحني كما ينحني الدهماء ويسيل لعابة امام لقمة او ساق عريان أو منصب شاغر .. فهذه سكة النازل لا سكة الطالع .
    وهؤلاء سكان البدروم في عمارة الانسانية لا سكان الأدوار العليا .
    وهم سكان البدروم حتى ولو كانت اسماؤهم بشوات وبكوات حتى ولو كانت القابهم اصحاب العزة والسعادة .
    فالعزة الحقيقية هي عزة النفس عن التدني والطلب .
    وممكن أن تكون رجلا بسيطا .. لا بك ولا باشا .. ولا صاحب شأن .. ولكن مع ذلك سيدا حقيقيا لك عزة الملوك وجلال السلاطين لأنك استطعت ان تسود مملكة نفسك ..
    وساعتها سوف يعطيك الله السلطان على الناس .. ويمنحك صولجان المحبة على كل القلوب.
    انظر الى غاندي .. العريان .. البسيط .. كم بلغ سلطانه ..
    كان يهدد بالصوم فيجتمع مجلس العموم البريطاني من الخوف وكأن قنبلة زمنية ستقع على لندن .. وكان يجمع اربعمائة مليون هندي على كلمة يقولها .. وكأنها السحر ..
    هذا هو السلطان الحقيقي .
    هذا هو الملك الحقيقي الذي لا يزول .
    الحريم والقصور والكنوز والثروات والعمارات مصيرها الزوال ..
    لن تأخذها معك الى تابوتك .. سوف تنقل الى الورثة .. ثم الى ورثة آخرين ثم الى ورثة آخرين ثم تصبح خرائب مع الزمن .
    اما محبة الملايين فسوف تصاحبك في تابوتك وتظل علما على اسمك مدى الدهر .. كما تفوح الذكرى عطرة تضوع بالشذى كلما جاء اسم غاندي على الالسن .
    الغنى الحقيقي ان تستغني ...
    والملكية الحقيقية الا يملكك احد والا تستولي عليك رغبة والا تسوقك نزوة ..
    والسلطنة الحقيقية ان تكسب قيراط محبة في دولة القلوب كل يوم ..
    تذكر ان الذين يملكون الأرض تملكهم الأرض .. والذين يملكون الملايين تملكهم الملايين ثم تسخرهم ثم تجعل منهم عبيدا لتكثيرها .. ثم تقتلهم بالضغط والذبحة والقلق .. ثم لا يأخذون معهم مليما .
    صدقني هؤلاء هم الفقراء حقا ...











    لغز الرقم 7 :
    .
    اليهود يقدسون اليوم السابع من الأسبوع " السبت " ويجعلون منه يوم راحة ... والسنة السابعة ويسمونها سنة السبت .. وكذلك 7×7 أي العام التاسع والأربعون ويسمونه عام العيد .
    وتقول لنا التوراة ان الله خلق العالم في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع .
    وفي الأنجيل يقول لنا يوحنا اللاهوتي في سفر الرؤيا ان الله يوم القيامة يفتح كتاب الأقدار ويفض الاختام السبعة فينفخ سبعة من الملائكة في سبعة ابواق وتحدث سبع كوارث تنتهي بها الدنيا .
    ويحدثنا القرآن عن سبع سماوات وسبع أبواب للجحيم .. وسبع سنوات عجاف مرت بها مصر أيام نبوة يوسف .. وسبع ليال سخرت فيها الرياح المهلكة على قوم عاد .. وسبعين رجلا جمعهم موسى لمياقته مع الله .. وسلسلة في جهنم طولها سبعون ذراعا .. ويقول للنبي الكريم " ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم " .. ويقول ان الله خلق العالم في ستة أيام ثم استوى على العرش في اليوم السابع .
    فاذا وضعنا الكتب المقدسة جانبا وجئنا الى العلم فإنا نجده يقول لنا ما هو أعجب .. فالنور يتألف من سبعة الوان هي الوان الطيف .. من الأحمر الى البنفسجي .. ثم يأتي بعد ذلك سبعة الوان غير منظورة من تحت الأحمر الى فوق البنفسجي وهكذا في متتاليات سباعية .
    والموسيقى يتألف سلمها من سبع نغمات صول لا سي دو ري مي فا ... ثم تأتي النغمة الثامنة فتكون جوابا للاولى ويعود فيرتفع بنا السلم سبع نغمات اخرى وهكذا سبعات سبعات .
    وفي ذرة الايدروجين داخل قلب الشمس يقفز الالكترون خارجا من الذرة في سبع قفزات لتكون له سبعة مدارات تقابل سبعة مستويات للطاقة في كل مستوى يبث حزمة من الطاقة هي طيف من أطياف الضوء السبعة .
    والجنين في بطن أمه لا يكتمل نموه الا في الشهر السابع واذا ولد قبل ذلك لا يعيش .
    وقد توارثنا الاحتفال بأسبوع المولود .
    ثم نحن قسمنا أيامنا الى أسابيع نجد ذلك في جميع الأمم دون أن يكون بينها اتفاق .
    ونحن نجد رقم 7 رقما فريدا لا يقبل القسمة وليس له جذر تربيعي ولا يقبل التحليل الحسابي .. فهو في ذاته وحدة حسابية .

    ونجده مستعملا في جميع طلاسم السحر والاحجية والتمائم وفي التسابيح وفي قراءة الاوراد .
    ونجد للانسان سبع حواس .. حاسة السمع والبصر والشم واللمس والذوق وحاسة ادراك الزمن وحاسة ادراك الوضع في المكان .
    ونجد فقرات الرقبة سبع .. هي كذلك في القنفذ وهي كذلك في الزرافة وهي كذلك في الانسان والحوت والخفاش .. بالرغم من تفاوت طول الرقبة بين أقصى الطول في الزرافة وأدنى القصر في القنفذ .
    هل كل هذه مصادفات .
    واذا صحت مصادفة واحدة فكيف يجوز ان تجتمع كل هذه المصادفات على نفس الرقم .
    يجب ان نعترف انه رقم له دلالة .. وانه رقم مهم وجوهري في بناء هيكل الكون وفي تكوين الانسان .
    وانه يثير التفكير والتأمل .











    فرويد الرجل المريض :
    .
    ما أكثر ما يبدو سطح البحر هادئا ناعما كبساط من حرير يوحي بالسلام والاستقرار والأمان .
    وما أكثر ما يخفي ذلك المظهر الهاديء الخادع صراع الموت والحياة وحشرجات الاحتضار في داخله حيث في العمق تمرح الحيتان وأسماك القرش والثعابين والأخطبوطات ... تأكل بعضها بعضا وتطارد بعضها بعضا في سعار لا ينتهي .
    وكذلك يبدو وجهك في المرآة هادئا وديعا صافيا وفي داخل نفسك تصطرع الغيلان وتشتعل الرغبات وتتأجج الغرائز وتضطرم الأحقاد .
    ولكن أنت أيضا كالبحر اذا تجاوزت الأعماق التي تصطرع فيها الحيتان وصلت الى سكون القاع حيث الأصداف واللآلئ والمرجان .. وكذلك نفسك اذا تجاوزت فيها منطقة الغرائز وصلت الى منطقة الروح حيث ترفرف السكينة ويتلألأ ضياء الحكمة وتتفجر المحبة صافية من بين يدي الخالق الرحيمتين .
    ويقول لنا الخالق انه قريب ... قريب جدا .. أقرب الينا من حبل الوريد .. أقرب الينا من الدم في شراييننا . فهو على عتبة روح كل واحد منا .
    وينكر فرويد هذا الكلام عن الروح ..
    وينكر ان في النفس منطقة روحية تعشش فيها السكينة وتنشر الحكمة والمحبة أنوارها ... وهو لا يعترف الا بالأعماق السوداء الحيوانية التي تصطرع فيها غيلان الغرائز ويقبض فيها سلطان الشهوة على كل شيء .
    والذي يتابع ما يجري في أوساط علم النفس في أوروبا والغرب يجد ان نجم فرويد قد غرب تماما من أفق علم النفس ولم يعد أحد يتكلم عن نظريته البائدة في الحافز الجنسي .
    ومع ذلك ما زلنا نجد لفرويد نفس الهالة القديمة في نفوس شبابنا ربما لنقص أو كسل في المطالعة والمتابعة وربما لان نظريته في الحوافز الجنسية تجد استجابة عند الشباب المراهق أكثر من النظريات الأخرى الأكثر عمقا و وتجريدا .
    ولا شك ان القول بأن الانسان يدور في فلك حول غريزته الجنسية هو قول مريح جدا بالنسبة لشاب في مرحلة مراهقة كل هرموناته وحواسه تدفعه دفعا الى التفكير في المنطقة التناسلية من جسده .
    ولكن هذا الشخص ذاته سوف يغير رأيه في فرويد وفي نفسه حينما يبلغ أوج رجولته وتتسع اهتماماته وتنطلق عواطفه وأفكاره خارج أسوار غرائزة لتحلق في آفاق أوسع وأرحب .. ويجد نفسه يفكر ويتصرف بطريقة غير جنسية فيقاتل ويموت من أجل مبدأ ولا يفعل ذلك أبدا من أجل امرأة .. ويحلم ويقلق من أجل تلك الأفكار والمبادئ
    ولا يحلم أبدا بالأثداء والنهود والحلمات .
    وأكبر مطعن على صحة النظرية الفرويدية هي الطريقة التي استنبطها بها فرويد .. فهو بإعترافه قد جمعها من أفواه مريضات الهستيريا المترددات على عيادته ومن واقع دفتر أحوال حفنة قليلة من ضحايا القلق والأعصاب والماليخوليا والنورستانيا .
    ومن هذه الحفنة القليلة المريضة خرج علينا باستدلالات حاول ان يعممها على الأسوياء الأصحاء ويجعل منها منهج سلوك الانسانية كلها .. وهو أسلوب غير علمي .
    والقول بأنه كلما شاهد أحدنا في الحلم حفرة فإنه يعني بذلك العضو التناسلي لامرأة وكلما أمسك بقلم في الحلم فهو انما يمسك بعضوه التناسلي .. لمجرد ان هذه التفسيرات انطبقت على مريضة بالهستيريا هو السذاجة بعينها .
    والقول بأن الطيران في الحلم رمز لمزاولة العملية الجنسية لمجرد تداعي هذه الصورة في ذهن مريضة بالماليخوليا .. هو سخافة أخرى .
    ولماذا لا يكون الطيران رمزا للتطلع الى الأسمى والأعلى .. لماذا لا يكون رمزا للتحرر من قيد الجسد .. لماذا لا يكون رغبة في التحليق بالفعل كما يتداعى في أذهاننا نحن الأصحاء .
    وفرويد يمضي لأكثر من ذلك فيقول ان هواية جمع طوابع البريد ما هي الا تنفيسا باطنيا لرغبة طفلية هي هواية الطفل لقبض الشرج ليحتفظ بالبراز داخله تلذذا واستمتاعا .
    وليست طوابع البريد الا البديل الرمزي للبراز وجمع الطوابع هي اللعبة الجديدة التي يزاولها العقل الباطن بدلا عن قبض الشرج .
    وسخافة الاستنتاج وسخافة التعميم واضحة .
    ونعرف كيف وصف فرويد تلذذ الرضيع بحلمة الثدى بانه تلذذ جنسي مع ان هذا النوع من التلذذ يستحيل الشعور به الا بعد البلوغ .. وهي حقيقة فسيولوجية أولية .
    ولكن فرويد لم يبن نظريته على الحقائق وانما بناها على الاعتساف والتخمين .
    والى القراء من هواة فرويد ممن صدقوا معه ان الهستيريا والجنون والعصاب اسبابها الكبت الجنسي أقول .. لماذا في بلد مثل السويد حيث لاكبت جنسي ولا حتى وازع ديني وحيث المشكلة بأسرها محلولة والمتعة الجنسية مباحة متاحة يمارسها الكل بلا حرج .. لماذا تقول لنا الاحصائيات الرسمية انه في ذلك البلد السعيد نجد أعلى نسبة للجنون والإنتحار في العالم .
    وأين كلام فرويد من كلام الاحصائيات الدامغة .
    ان إصرار فرويد على رد كل نشاط الى أصل جنسي هو ذاته شهادة على تعسفه .. الفن في نظره تسامى بالطاقة الجنسية وتغزل في الأنثى بالشعر والموسيقى .. حتى الدين في نظره عبارة عن اعتذار للاب " الذي يرغب العقل الباطن في قتله والخلاص منه للانفراد بعشق الام " .. ومن ثم يكون الدين اعتذارا للاب في الأرض وللاب في السماء بتقديم فروض العبادة .
    كل ما هو مستطيل في الحلم فهو عضو الرجل
    وكل ما هو مستدير فهو عضو الأنثى .
    وكل حركة في الحلم هي رمز للعملية الجنسية . الجري المشي التسلق السباحة ركوب الدراجة القفز الطيران
    كلها رموز للعملية الجنسية .
    هذا التعميم والتبسيط الساذج لا يمكن أن يكون مقبولا من عقل علمي .. ولا يمكن أن يقول به الا عقل مريض .
    وهو الفعل الطبيعي من العقلية اليهودية المضطهدة في محاولتها لالقاء القاذورات على وجه الانسانية كلها وتصوير الدنيا في صورة جبلاية قرود .
    لقد كان فرويد مريضا شأنه شأن مرضاه تماما .
    والقصة التي رواها زملاؤه عن علاقته بزوجته وكيف انه لم يكن يقربها وكان يعيش معها في حالة تطهر مسيحي رهباني تؤكد ذلك .
    أما كلام الفروديين المتحمسين عن نجاح التحليل الفرويدي في علاج المرضى فانه لا يقدم حجة .. فالتحليل بأسلوب ادلر نجح في علاج نفس المرضى .. والتحليل بأسلوب " يونج " نجح في علاج نفس المرضى . وهي نكتة أشبه بما كانوا يقولونه لنا في كلية الطب عن مرض الانفلونزا الذي يشفى بالأدوية في اسبوع ويشفى بدون أدوية في سبعة أيام .
    وسر النكتة ان مريض النفس بمجرد الافضاء والافشاء والتعاطف الحميم مع أي انسان على أي مذهب وعلى أي منهج .. لأن سر الشفاء هو في مجرد الإحساس بالصداقة والثقة والتعارف الحميم والإحترام الذي يفتقده المريض في بيئته .
    ولا دخل للهذيان الفرويدي في الشفاء .
    وللذين تصورون مع فوريد ان المشاعر الدينية مصدرها الكبت .. نقول .. ان الشعور الديني لم ينتظر الكبت ليولد .. وانه ولد منذ حياة الغابة ومنذ المشاعية البدائية التي لم تكن فيها حرمات ولم يكن فيها كبت .. لأنه احساس الفطرة بأن هناك خالقا وصانعا وموجها لكل شيء .
    والفطرة كانت دائما المؤشر الذي لا يكذب .. والذي كان يشير الى الحقيقة باصبع ثابتة احيانا ، مرتجفة احيانا .
    قد تهتز اليد التي تشير فيختلط على العقل فكرة الدين بالاسطورة والحقيقة بالخرافة فيبعد الشمس وينسى خالقها ويعبد الرمز وينسى المرموز له .. ولكنه يصل في النهاية الى الطريق السليم بعد رحلة البحث والتخبط ويضع يده على الحق الذي لا ريب فيه .
    والطب بدأ على صورة تعاويذ وأساطير .
    وتاريخ الطب القديم هو الخرافة بعينها .
    ومع ذلك لم يقل أحد بأن علينا ان نرفض الطب الحديث لمجرد انه بدأ على تلك الصورة البدائية .
    وبالمثل لا يمكن لأحد ان يرفض الدين لمجرد انه بدأ في القديم على شكل أساطير .
    ان الحقيقة لا يمكن أن تكتشف دفعة واحدة .. وانما خطوة خطوة تستصفى من الأساطير والألغاز والأحاجي .
    وابراهيم النبي بدأ بالاعتقاد ان القمر هو الله فلما غرب قال بل الشمس هي الله فلما أفلت قال اني لا أحب الآفلين .. لا يمكن أن تكون هذه الظواهر التي تأفل هي الله .. بل هي مجرد ظواهر مخلوقة .. والله الحق هو خالقها جميعا .
    لقد مر بنفس مراحل اكتشاف الحقيقة بادئا بالوثنية حتى انتهى الى التوحيد .
    وهكذا نرى ان تاريخ الأديان بكل ما فيه من أساطير لا يمكن أن يكون مطعنا على الدين الحق . وانما هو رحلة العقل في مسراه وعراجه نحو ادراك الحقيقة .. وهي رحلة شائكة يتخبط فيها العقل ويتوه الوجدان وتدمى الأقدام ويضل المسافر ويصطدم بالعديد من الأزقة المسدودة قبل ان يهتدي الى الطريق المستقيم .
    وما كلام فرويد الا زقاقا من تلك الأزقة المسدودة التي يتوه فيها العقل ويضل الوجدان وينتكس الاسوياء عائدين الى مراهقتهم الأولى .












    حينما تعجز الكلمات :
    .
    الذي جرب ان يصطحب طفله الصغير في نزهة لا شك قد عرف هذه الحيرة التقليدية التي يقع فيها كل أب حينما يسأله ابنه عن الشجرة التي تقف على باب الحديقة ... ما هي ؟.. فيقول الأب .. هي شجرة ... فيسأل الطفل وما الشجرة ... فيقول الأب انها نبات .
    - وما النبات يا بابا ؟
    - ما ينبت الى فروع وأوراق وجذور .
    - وما الجذور يا بابا ؟
    - هي كالأرجل للنبات ...
    - وما حاجة الشجرة الى أرجل يا بابا ... وهي الشجرة تمشي ؟
    - انها تحتاج الى الأرجل لتقف طول الوقت .
    - ولماذا تقف الشجرة طول الوقت يا بابا لماذا لا تقعد وتنام مثلنا ؟
    - هي تنام واقفة .
    - وهل الشجرة صاحية الآن أم نائمة ؟
    وبينما يفكر الأب في مخرج من المأزق ... يفاجئه الطفل بسؤال آخر أكثر تعجيزا :
    - ولماذا سموا الشجرة شجرة يا بابا ؟
    ويسقط في يد الأب تماما ولا يجد مفرا من ان ينهر الطفل بشدة ويأمره بأن يغلق فمه ولا يسبب له الصداع ... ولكن بينه وبين نفسه يكون قد اكتشف ان طفله على صواب وانه جاهل مثل طفله بحقيقة الشجرة ولا يعرف عنها الا انها شجرة ... ولا يدري لماذا سموها شجرة ... ولا ما الشجرة ذاتها .
    انه من كثرة ما ترددت أمامه كلمة شجرة ومن كثرة ما رددها هو نفسه في عباراته خيل اليه انها تعريف واضح مقنع وانها تدل على مدلولها .
    وما فعله الطفل هو انه هتك ستار هذه الالفة فاذا بالأب يفيق على ذهول ... واذا بالكلمة مجرد اصطلاح ... مجرد بطاقة ... مجرد شفيرة ... مجرد حروف ... شأنها شأن نمرة نحاسية على صدر مسجون ... اطلقنا عليه المسجون نمرة 8
    لكن ما معنى المسجون نمرة 8 ؟
    لا معنى هناك ...
    انه رقم شفيري لا أكثر .
    وبالمثل فلان الذي اسمه " منير " .
    ما معنى " منير" .
    انه لا أكثر من اسم اصطلحنا على انه لفلان .
    ولكن لا أحد يعرف معنى " منير " وحقيقته وماهيته .
    حتى " منير" لا يعرف شيئا عن حقيقة نفسه .
    وبالمثل كل ما في الدنيا من كلمات .. هي مجرد اصطلاحات وحروف شفرية لا تختلف عن حروف ج.ع.م ... في الدلالة على مقصودها .
    وهذه الحادثة البسيطة تكشف لنا افلاس اللغة ودورها المحدود ... فهي لا أكثر من واسطة شفرية اصطلاحية للتفاهم حول موضوعات العالم الخارجي مثل كوب وزجاجة ومائدة وكرسي وشجرة ...
    فاذا وصلنا الى داخل الانسان أو ماهية الأشياء فإن اللغة تفلس تماما ... ولا يعود لها دور .
    وفي أعماق الروح لا تعود اللغة قادرة على وصف المكنون الروحي والتعبير عنه .
    وكلنا جربنا حالات من الحب عجزت الكلمات عن وصفها .
    ولحظات من الوجد الصوفي عجز فيها اللسان أمام ولوع القلب وتشوف الوجدان .
    وعرفنا أوقاتا كان الصمت فيها ابلغ من الكلام .
    وفي داخل الروح مملكة المعنى .
    لا حروف ولا كلمات .
    وانما السر .. والمعنى .. والجوهر .. والمكنون .
    ويبدو اننا بعد القيام من الموت وبعد ان نبعث أرواحا سوف نتخاطب بالمعاني والمشاعر مباشرة بدون وساطة الحروف .
    وكما يقول الصوفية في تسبيحاتهم عن الله ... انه السميع بلا سمع والبصير بلا بصر والمتكلم بلا كلام أي بلا حروف ... أي انه يلقي المعنى بالنفس مباشرة ... وهذا شأن عالم الروح في جلاله .
    وهذا شأن فرحة الروح الطيبة عند لقائها بربها .
    ستكون فرحة بلا لسان وبلا كلمات لأنها أعظم من حجم الكلمات وأروع من كل اللغة .











    العيال الذين ظنوا أنفسهم كبارا :
    .
    أحيانا تراودني الرغبة في البكاء مثل طفل صغير يتيم تاهت عنه أمه في الزحام .. وأشعر في تلك اللحظات اننا جميعا أطفال .. لا فرق كبير يذكر بيننا وبين اطفالنا في علمنا ومعارفنا وأخلاقنا .
    يخيل الينا اننا اخترقنا السماوات بعلومنا .. ولو فكرنا قليلا لوجدنا اننا ما زلنا في حروب أ.ب.ت.ث..
    واننا كأولادنا على عتبة واحدة من الحيرة والتساؤل والجهل .
    يقول لك طلفلك وهو يشاور على القمر .. من أين جاؤوا بهذا القمر يا أبي ..
    وتجاوب عليه بكلام كثير .. وتتلو عليه نظريات وافتراضيات .. خلاصتها انه لا أحد يعرف الحقيقة .. ولا حتى أينشتين نفسه .
    ويسألك طفلك عن جده الذي مات أي ذهب بعد موته .
    وعن أخيه الذي ولد أين كان قبل مولده ..
    فلا تعرف جوابا ..
    فلا أحد يعرف ماذا قبل الميلاد وماذا بعد الموت .. ولا من أين .. ولا من أين ..
    ويشاور لك على الكهرباء ويقول ما هذا .. فتقول الكهرباء ..
    ويسألك ماهي الكهرباء فلا تجد جوابا ..
    ويسأل من أين أتت الكهرباء ..
    فتحكي له حكاية طويلة عن ماكينات النور ووابور النور .. وانت لا تدري ما النور .. ولو سألت علماء الطبيعة كلهم ما وجدت فيهم واحدا يستطيع ان يدلك على ماهية النور وكنهه ولا حتى نيوتن ولا أفوجادرو ولا فاراداي ..
    وما أجهلنا على الدوام ..
    ابتكرنا علم النفس وكتبنا فيه المراجع ونحن لا ندري ما هي النفس .
    واخترعنا الساعات لنقيس الزمن ونحن لا نعرف ما هو الزمن .
    وسكنا الأرض من ملايين السنين وما زلنا لا نعرف عنها الا قشرتها .
    ويجتمع شهود الحادثة الواحدة فيختلفون في رواياتهم ويحكيها كل واحد بصورة .. وهذا شأن الحادثة التي لم تمر عليها ساعة فما بال التاريخ الذي مر عليه ألوف السنين وكتبت فيه المجلدات .. وكلها تخييل .
    وما ابعدنا دائما عن الحقيقة .
    وما أقل ما نعلم .
    وما أقرب الفارق بيننا وبين أطفالنا في علمنا ومعارفنا .
    بل ما أقرب الفارق بيننا وبين أطفالنا في أخلاقنا نحن الأوصياء والمربون .. وكل منا يحتضن أملاكه كما يحتضن الطفل لعبته ولا يطيق ان تمسها يد منتفع .
    وفينا البخيل والشره والأكول والطماع ومن يسيل لعابه على المليم .
    والطفل يخطف والكبير يسرق .
    والطفل يضرب والكبير يقتل .
    والطفل يمد يده بالإيذاء والكبير يمد عصاه وسكينه .
    والطفل يرمي بحصاه .. والكبير العظيم يرمي بقنبلة ذرية .
    الا يحق لي بعد ذلك ان أبكي على هذا العالم من العيال الذين ظنوا أنفسهم كبارا !!











    عالم الغيب :
    .
    انت تصادف اليوم نوعا من الناس تجد الواحد منهم يتأبط كتابا ضخما بالانجليزية أو الفرنسية ويبرز من فمه سيجار ضخم ينفث الدخان كمدخنة مصنع في لانكشاير فاذا رفعت يدك بالتحية رد عليك باللاتينية وبلسان معووج يتكلم برطانة أوروبية ... ومع الدخان المتصاعد والفتات المتناثر من عدة لغات يقول لك في نبرة كلها انبعاج وخيلاء :
    - هل قرأت ما يقوله جوستاف لوفافر في الدوجماطيقية والفكر الاستاطيقي والتدهور الرومانطيقي في ملحق مجلة " الميتافيزيقا " ... انه مقال رائع " ويقلب شفتيه "
    ... مالنا نقف هكذا وسط الطريق ... دعني أدعوك على كأس في الهورس شو .. تعال ... سيكون حديثا ممتعا على أكواب البيرة .
    فاذا اعتذرت له بأنك صائم .. حملق في دهشة كأنه يستمع الى كلام ديناصورمنقرض ... وفغر فاه تماما ثم قهقه ... بل انفجر ضاحكا وكأنما ظفر بمعتوه هارب لتوه من مستشفى المجاذيب :
    - تقول انك صائم ؟
    وعاد يقهقه هذه المرة في اشفاق :
    - وهل هناك من يصوم هذه الأيام ... هل تعتقد حقا في هذه الـ ... ثم اذاح بيده استخفافا فالمسألة لا تستحق عنده ان يبحث لها عن اسم .
    وهو يقصد طبعا ... هذه الأديان ... والخرافات ... والأساطير .
    - هل تصدق حقا انك سوف تموت ثم تبعث وتصحو من قبرك وتحاسب ... وان هناك إله .
    ثم راح يلتفت حوله متسائلا :
    - أين هو ؟
    يقصد ... أين الله ... وكأنه يبحث عن سائق تاكسي .
    - أتصدق هذه الغيبيات ... اما زال هناك من يصدق هذه الغيبيات في عصور النور والعلم ... أفق يا رجل من هذه الدروشة ... تعال ... لتكن الدعوة على كأس ويسكي لا بيرة ولتكن معها شريحة لحم خنزير رائعة .
    ويحمل عليك حملة شعواء بجميع اللغات لدرجة تفقدك التوازن وربما الثقة بالنفس فتعود لتتعلل في خجل بأنك ممنوع من الأكل والشرب بسبب التهاب في المعدة .. ويسوق هو في فلسفته :
    - يا أخي نحن في عصر العلم ... ولا يصح ان نستسلم لهذه الغيبيات ... ولا يصح ان نؤمن بشيء الا اذا أمسكناه بحواسنا الخمس ... ورأيناه بالميكروسكوب وشاهدناه بالتلسكوب ورصدناه بالرادار والتقطناه بالراديو ... لا يصح الايمان بغيب ... هذا أمر انتهى .
    الغيب امره انتهى وهو الآن شغلة السذج ... هي كلمات نسمعها الآن عادة من هؤلاء المثقفين .
    ولمثل هؤلاء المثقفين من أصحاب السيجار والياقات العالية والرطانة الأوروبية أقول في هدو :
    - بل هذا العصر هو عصر الغيب ... والعلم ذاته هو اعتراف بعلم الغيب ... والا فليقل لي واحد من هؤلاء العلماء .. ماهي الكهرباء ... اننا نتكلم عن الكهرباء ولا نعرف عنها الا آثارها ... من حرارة وضوء ومغناطيسية وحركة ... اما الكهرباء ذاتها فهي غيب ... نتكلم عن الالكترون ونقيم صناعات الكترونية ولا نعرف ما هو الالكترون ... فهو غيب ... ونطلق الموجة اللاسلكية ونستقبلها ولا نعلم عنها شيئا ... وهي بالنسبة لنا غيب ... بل ان الجاذبية التي تمسك بالأرض والشمس والكواكب في أفلاكها وهي أولى البداهات...
    هي ذروة الغيب ...
    والعلم لا يعرف الا كميات ومقادير وعلاقات .. ولكنه لا يعرف كنه ولا ماهية أي شيء .
    انت تعرف طولك وعرضك ووزنك ومواصفاتك ... لكن ذاتك ... نفسك ... روحك ... لا تعرف عنها شيئا ... انها غيب ومع ذلك هي أكثر واقعية من أي واقع ...
    واذا كان الواحد منا لا يعرف ذاته فكيف يدعي المعرفة بذات الله ومن باب أولي كيف ينفيها ...
    وحينما يقول المفكر المادي ... في البدء كانت المادة .. في البدء الأول قبل الانسان والحيوان والنبات ... ألا يكون كلامه هو الجرأة بعينها على منطقة زمنية هي الغيب المطلق ...
    وحينما يقول ... نضحي بالجيل الموجود في سبيل جيل لم يولد بعد ... الا يكون معنى كلامه ... التضحية بالواقع في سبيل الغيب .
    صدقوني نحن في عصر الغيب ... بل للأسف نحن في عصر الزنا بالغيب والدعارة بالعلم على يد أصحاب السيجار والياقات العالية والرطانة الأوروبية .










    الذي شنق نفسه بسلك الكهرباء :
    .
    روسيا وامريكا التقيا في الفضاء ولم يستطيعا ان يلتقيا على الأرض .
    الانسان قطع ربع مليون ميل الى القمر ولم يستطع ان يقطع بضع خطوات لينقذ جارا له يموت في فيتنام وكمبوديا والقدس .
    المسافات بين قلوب الناس اصبحت أكبر من المسافات بين الكواكب وكل يوم يزداد الاخ عن أخيه تجافيا
    وبعدا .
    انسان اليوم بدل ان يشغل نفسه بقتل الميكروبات اصبح يزرعها ويسمنها ويربيها ثم يصنع منها قنبلة ميكروبية ليلقيها على جاره .
    ويجاوب عليه جاره بنفس اسلوبه ضاحكا في جنون .
    - قنبلة ميكروبية .. وما جدواها .. لقد سبقتك .. لقد اكتشفت غازا للشلل ارميه عليك فترقد مشلولا مثل صرصور قلبوه على ظهره فيصفق الآخر ويهلل كالمعتوه .
    - ... قديمة .. انا عندي صواريخ مدارية تدور الآن في فلك حولك واستطيع بضغطة واحدة على زر ان أنزل عليك الموت كالمطر .
    فيخرج الآخر لسانه ساخرا ..
    - هذه لعبة فات أوانها .. فقد اخترعت صواريخ مضادة تصطاد صواريخك وتفجرها في الهواء .
    فيهتف الآخر :
    - لن تستطيع فقد بنيت شبكة مضادة ضد الصواريخ المضادة .
    فيقهقه صاحبنا :
    - نسيت يا ابله انني بنيت شبكة ضد الشبكة ..
    فيصرخ الأول :
    - ها ها .. انت ************ .. تذكر ان عندي مخزونا من القنابل الذرية يكفي لتمزيق القارة التي تسكنها .
    فيصرخ الثاني :
    - فلتذكر انت أيضا ان عندي مخزونا من القنابل الايدروجينية يكفي لشطر الكرة الأرضية كلها الى نصفين ..
    وأعجب ما في هذا الحوار الهستيري انه يجري بالعلم والعقل والمخترعات والمبتكرات والأفخاخ الالكترونية .. وانه حوار ينزف ذهبا ودولارات وماركات وروبلات وفرنكات بلا نهاية .
    ورجل الشارع البسيط يمشي وسط هذه المظاهرة جائعا عريانا قليل الحيلة لا يعرف بماذا يطلع عليه الغد .
    هل هذا عصر العلم ؟
    أم عصر الجهل ؟
    أم انه جهل العلم ؟
    الله يعطينا الكهرباء .. فماذا نفعل بهذه الكهرباء ؟!
    اننا لا نفكر كيف نحولها الى نور ..
    ولكننا مشغولون طول الوقت في المعامل والمختبرات .. نفكر كيف نحول هذه الطاقة الكهربائية الى ظلام .
    العالم يفكر في أذكى طريقة يلف بها سلك الكهرباء على عنقه لينتحر .
    انه علم الجهل !
    انه العلم الأسود !
    ومثله مثل السحر الأسود الذي كان يحول به سحرة فرعون العصي الى ثعابين .
    لأنه علم بلا دين !
    وعقل بلا قلب !
    لقد طالت مخالبنا فأصبحت مخالب نووية ..
    ونمت انيابنا فأصبحت انيابا ذرية .
    وظل قلبنا على حاله .. قلب حيوان الغاب .. تطور الانسان الى تنين ..
    والنهاية الآن مرهونة بمن يبدأ الحماقة .. من يضغط على الزناد قبل الآخر !
    أو من يفطن الى الكارثة فيقود التطور الى الاتجاه المضاد .. الى اتجاه التسامي بقلب الانسان وروحه ..
    دون اعتبار لقوة يديه ومتانة عضلاته .











    حينما يصبح للمرأة ذيل :
    .
    الذي ابتكر فكرة " الموضة " كان تاجرا ذكيا جدا .. فهو الوحيد الذي استطاع ان يقنع المرأة بأن تلقي جميع فساتينها بدون سبب .
    اذا كانت فساتينها طويلة اخرج لها موضة قصيرة .
    واذا كانت جميع فساتينها قصيرة اخرج لها موضة طويلة .
    وبهذه الخدعة اللطيفة يوشوش بها في اذنها في حنان وكأن المصلحة هي مصلحتها – سيدتي ان فستانك لا يتمشى مع الموضوة .
    استطاع ان يجعلها تلقي بفستانها الجديد الذي اشترته من شهر لمجرد انه ازرق والموضة بنفسجي .. أو اصفر والموضة أحمر .. أو شوال والموضة ضيق .. أو ضيق والموضة واسع .
    وألاعيب الموضة لا تنفذ في الضحك على ذقن المرأة واثارة غرورها .. مرة تكشف لها صدرها ومرة تكشف لها ظهرها ومرة تشلح لها ساقها ومرة تبرز لها صدرها ومرة ترسم لها حلمة على السوتيان تخرق الفستان .. ومرة تكشف النهر المثير بين الثديين .. ومرة تكشف كتفا وتغطي أخرى .
    من أيام الفراعنة لأيام العصور الوسطى للعصر الفيكتوري لعصرنا الذري .. رحلة تثير العجب .. وتثير الضحك .
    الفرعونية التي كانت تلبس الشوال الضيق وتقول لرجلها تغازله :
    تعال وأنظر الي وانا خراجة من النهر .
    وثوبي لاصق بجسدي يبرز كل تفاصيله .
    الى زوجة لويس الرابع عشر التي تضع على رأسها ريشة وتلبس لحافا وبطانية ومشدات وأحزمة وزنها طن .
    الى امرأة الواحات التي تلبس المجرجر والخلاخيل والشخاشيخ وتضع في انفها حلقة .
    الى اهندية التي تلبس الساري
    والمصرية التي تلتف بملاية
    والعربية التي تلبس العباية
    والباريسية التي تلبس البكيني
    وبنت اليوم التي تلبس الميني جيب والماكسي جيب وتضع على عينيها نظارة ضخمة لها ضلفتين من الزجاج كأنها قمرة سفينة .
    لعبة اشبه بلعبة المهرج .
    ولا استبعد ان تظهر موضة جديدة تصنع للمرأة ذيلا طويلا في مؤخرتها .. وان تدور المشاجرات في البيوت .. وتهدد الزوجة زوجها بطلب الطلاق لأنه لم يشتري لها ذيلا لائقا مثل ذيول باقي صديقاتها .. وانها لا تستطيع ان تمشي في الشارع بدون ذيل .. وان كل الناس يشيرون عليها ويضحكون لأنها فلاحة متأخرة تمشي بدون ذيل .
    ان كل شيء ممكن في عالم الموضة .
    وهيافة الستات وذكاء التجار يمكن ان يؤديا بنا لأي شيء .
    والموضة الان تحاول ان تستدرج الرجل .. بعد ان جعلت منه انثى بقصات الشعر البناتي والقمصان المشجرة والبنطلونات المحزقة .
    ويبدو ان التجار يخططون للضحك على ذقن العالم كله .
    ولعلهم اليهود الأذكياء .
    ولو قالوا انها جزء من بروتوكولات آل صهيون لصدقت .. فهي شيء اشبه بالمؤامرة للسخرية من الانسان واستنزاف وقته وثروته واهتمامه واثارة شهوته وغريزته ليظل في حال حيوانية باستمرار حتى يمكن ركوبه واستغلاله كما يركب الحمار ويستغل ويقضى به الحوائج .
    وأكثر الموضات لا هدف لها سوى الاحتفاء بالغرائز وإثارة أشواقها وتجميل مكامن الفتنة المستورة ولفت النظر بالألوان الباهرة والخطوط المثيرة والعطور المشهية ..
    وهي دائما مؤامرة على الحواس لإيقاعها في حبال الغريزة .. ولكني اغالي كثيرا اذا اتهمت اليهود وحدهم .. فهذا أمر قديم جدا قبل مجيء اليهود الى الدنيا .
    والتاجر المستغل غير ملوم وحده في بناء هذا الصرح من سرك المجاذيب .. وانما كل منا ملوم رجل وامرأة ..
    حينما يترك عنقه لتقوده شهوته وغروره وليترك يد اليهودي تدلك له ذلك الضعف لتستولي عليه وتستغله .. فيخر كما يخر قط على الأرض يهر ملتذا من الأصابع التي تتحسسه ويسلم حافظة نقوده لتنشل .
    صدقوني انه لأمر مخجل جدا .. ذلك الشيء الذي اسمه الموضة .











    بيت النمل :
    .
    هل فكر أحدهم ان يدخل بيت النمل .
    صدقوني انها ستكون زيارة مثيرة .. أكثر اثارة من الصعود الى الفضاء والتجول على القمر .
    ان النمل حشرة صغيرة جدا لا تزيد على ميللمتر ومع ذلك فهي مهندسة معمارية عظيمة تبني القلاع والحصون والغرف والدهاليز والمخازن وتهندس بدرومات كاملة تحت الأرض .
    وهناك نوع من النمل يمارس الزراعة .. فيزرع نبات عيش الغراب ويجلب له السماد من الأوراق المتعفنة .. ثم يحصده عند نضجه ويخزنه في مخازنه .
    وهناك نوع آخر من النمل ... كيميائي متخصص .. يمضغ الخشب ويحوله الى نوع من الكرتون ثم يبني من هذا الكرتون طرازا هندسية معمارية عجيبة .
    وهناك نوع ثالث من النمل الأفريقي يبني بيوتا تشبه المسلات ثم يحقق لها نوعا من تكييف الهواء بفتح نوافذ سفلية لادخال الهواء البارد ونوافذ علوية لاخراج الهواء الساخن .
    ويعيش هذا النوع من النمل حياة طبقية عجيبة .. فنجد فيه الملكة والاميرات والضباط ولكل منها مساكنه الخاصة وباقي الخلية من العمال البروليتاريا تشتغل بلقمتها .
    وهناك نوع آخر من النمل المحارب المقاتل الذي يهجم في جيوش مثل التتار على هذه القصور فيقتل الجيش والحراس ويستولي على مخازن الطعام والتموين وينقل البيض ويتعهده في بيته حتى يفقس ويخرج منه النمل الصغير فيجعل منه خدما وعبيدا في مملكته .
    وهناك نوع آخر من النمل يعيش على الرعي .. فيرعى قطعانا من حشرة المن ويحلبها ويعيش على افرازاتها السكرية .
    وللنمل لغة يتخاطب بها ..
    وبدون هذا التخاطب ما كان يمكن ان يوزع الوظائف ويقيم نظاما اجتماعيا تتباين فيه الاختصاصيات .
    وعلماء البيولوجيا يقولون لنا ان النمل يتخاطب عن طريق القبلات .. بلغة كيميائية خاصة يفرزها مع اللعاب .. وبدل الحروف المنطوقة .. هناك درجات وانواع مختلفة من المذاق .
    وللنملة عقل تدبر به حياتها .
    فهي تجمع في الصيف وتدخر في الشتاء .
    وتدبر ميزانية مجتمع كبير من النمل بلا عدد في مواجهة ظروف من البرد والجفاف بالغة الصعوبة ..
    وأعجب ما في عالم النمل ان هناك نوعا يرفض الحياة في مجتمع ونظام خلايا ويختار ان يضرب الآفاق ويهيم .. كل حشرة تهيم وحدها .. تسكن كل ليلة داخل ورقة ذابله فاذا طلع النهار هجرت مسكنها ورحلت الى مسكن آخر .
    وهكذا تقضي حياتها تتنقل كل ليلة من جرسونيرة الى جرسونيرة بلا مسؤوليات وبلا أعباء مثل حياة الهيبيين .
    عالم مدهش ...
    صدقوني ستتعلمون الكثير اذا دخلتم بيت النمل .










    كيف تكسب الف جنية فورا :
    .
    اطمئن ..
    لن أقول لك اقطع الكوبون في أسفل الصفحة وارسله مع اسمك وعنوانك مع الأجوبة على الاستفتاء كذا .. ولن احول الموضوع الى مسابقة تنفق عليها سيجال او اعلان توزع جوائزه رابسو .
    انما الموضوع جد .
    وسوف أفكر معك بجد .
    ولنبدأ من أمثلة بسيطة .
    وفي مثل هذا البرد الشديد لا بد انك فكرت كيف تتدافأ .
    وكذلك فكر الانسان البدائي عندما داهمته أول موجة برد .. وأعمل ذهنه .. وظل يخبط جبهته بيده ويخبط حجرا بحجر وهو شارد .. واندلعت اول شرارة مصادفة من صك الحجر بالحجر .. وحملق الانسان المذهول في هذه الظاهرة العجيبة .
    ولا شك انه قد اتخذها بعد ذلك لعبة .. حتى امسكت الشرارة ذات مساء بعود قش جاف واضرمته نارا .
    وتعلم الانسان منذ ذلك اليوم كيف يحتطب ويجمع الاخشاب ويشعل النار .. ويرقص حولها ويطهو طعامه ويتدفأ .
    ثم اكتشف الفحم .
    ثم اكتشف البترول .
    ثم اكتشف الغاز الطبيعي القابل للإشتعال .
    ثم اكتشف الكهرباء .
    ثم اخترع جهاز التكييف .
    وكانت أول ثروة طبيعية للإنسان هي يديه وحيلته .
    وعن طريق يديه صنع الأدوات .
    وبهذه الأدوات قطع الأشجار وحفر الأرض لاستخراج الفحم .
    وكان هناك رجل أكثر ذكاء اكتفى بالجلوس بعيدا لا يعمل يديه في شيء وانما يأخذ ما جمعه العامل ليبيعه .
    ثم ظهر ناس أكثر ذكاء لا يفعلون اي شيء سوى ان يقوموا بالوساطة بين الايدي التي تأخذ وتعطي ويقبضون في مقابل هذه العملية سمسرة تفوق ما يربحه العامل والبائع .
    ثم تعقدت أدوات الانتاج لتتحول الى مصانع .
    وأصبح المصنع هو قبعة الحاوي التي يوضع تحتها التراب فيخرج منها حديدا واسياخا وصفائح صلب وسيارات
    واجهزة تكييف .. مع ربح هائل يدخل معظمه في جيب صاحب المصنع .
    ثم ظهرت مؤسسات بهلوانية اسمها الشركات وظيفتها الاعلان والتسويق والترويج والبيع والتجارة في تلك المنتجات .. تقوم بالوساطة بين المصنع وبين المشتري وتكسب من الاثنين أكثر مما يكسبه الصانع وصاحب المصنع .
    ولأن المال السائل في قدرته ان يشتري المصنع ويؤسس الشركة فقد أصبح رأس المال بذاته قادرا على التوالد والتكاثر بدون ان يعمل صاحبه في شيء .. فقط ما عليه الا ان يودعه في بنك فيلد له نسبة مئوية كل سنة .. فاذا اقام به مصنعا أو أسس به شركة فسوف يحصل على نسبة أكبر من الربح .. واذا وقف يقامر به في البورصة على اضطراب الاسعار نزولا وصعودا مع اختلاف العرض والطلب ومع ازمات السياسة وحمى الفقر والغنى التي تتداول الناس والشعوب فسوف يكسب أكثر من الكل لأنه سوف يتاجر في الفلوس ذاتها وسوف يتاجر في التجارة وفي سعر الذهب والورق الذي لا يستقر على حال .
    والأغنياء الأذكياء الجدد الذين اشتروا بأموالهم كل شيء مما كانوا يحلمون به من أرض ودور وقصور ومتاع لم يقفوا عند حد لأن ثرواتهم لم تكن تقف عند حد فبدأوا يشترون الذمم ثم يشترون الأحزاب والحكومات ثم يحركون السلطة لصالحهم فيدفعونها الى تجييش الجيوش وغزو البلاد المتخلفة واستعمارها لتكون اسواقا جديدة ومصادر جديدة للثروة والقوة .
    وآخر صورة محزنة من هذا الذكاء البشري هو ما نراه الآن فالأقوياء الأغنياء لم يعودوا يفكرون حتى في ان يحاربوا .. وانما اكتشفت الدول الكبرى بأن تصنع السلاح ثم تبيعه للأمم الفقيرة الصغيرة لتقتل به بعضها بعضا .. وتطوع الأذكياء باشعال الفتن في هذه الدول الصغيرة البائسة كلما نامت الخلافات اوقدوا نارها .. بين الهندوس والمسلمين في الهند وبين المسلمين والمسيحيين في نيجيريا وبين الكاثوليك والبروتستانت في ايرلندا .. لتظل الحرب مشتعلة تأكل السلاح وتبقي على الصغار صغارا وتجعل الكبار أكبر والاغنياء أغنى .
    وبرغم صراع الاشتراكية ظل القانون القديم سائدا .. ان من عنده يربح فيزداد .. ومن ليس عنده يخسر أكثر فأكثر .. الكبير يزداد كبرا والصغير يزداد صغرا .
    والعلم بتطوره السريع يهدد المتخلفين الذين يزدادون تخلفا في معاركهم مع الكبار .. يهددهم بأن يتحولوا الى قرود .. بالنسبة الى الأدوات العمليه التي تتطور في ايدي الكبار فتحولهم الى عمالقة وانصاف ارباب .
    والدول الكبرى لم تعد تتصرف بحكم المبادئ والايديولوجيات .. وانما اصبحت تتصرف بحكم كونها كبرى ويجب ان تظل كبرى وتصير أكبر في مواجهة دول أخرى كبرى تحاول ان تكون أكبر ..
    وفي حلبة الصراع بين الكبار .. تدوس الأقدام الصغار .. وتدوس مصالحهم وتدوس حياتهم .
    هل فهمت شيئا من هذه القصة
    لقد فهمت شيئا من السياسة .
    وفهمت ان الانسان كان يكسب دائما باستخدام يديه وعقله وحيلته .. وان هناك طريقتين للكسب ان تكسب بالحيلة الشريفة عن طريق عمل يديك وعمل عقلك وأن تكسب بالحيلة الخبيثة عن طريق ايدي الآخرين وعقولهم وان في الامكان أن تكسب الف جنيه بشرف .. وذلك بأن تقدم عملا أو كشفا أو اختراعا أو إمتاعا أو نفعا للناس يساوي تلك القيمة .. ولا عذر لك .. ولا يصح لك ان تتعلل بأن حظك من العلم قليل . فقد بدأ أديسون المخترع العظيم حياته صبيا يبيع الجرائد ثم اخترع لنا المصباح الكهربائي والجراموفون .. كما بدأ عالم الكهرباء العظيم مايكل فاراداي حياته صبيا يعمل في محل تجليد كتب ثم اكتشف قوانين الكهرباء التي اخترعت على اساسها جميع أجهزة اللاسلكي فيما بعد .
    واللاعب البرازيلي بيليه جمع ثروة هائلة من مجرد اتقان الجري .. وأي اجتهاد في أي شيء ولو كان اجتهادا في اللعب .. لا بد ان يؤتى ثمرته .
    اعمل بجد في أي شيء .
    واذا لعبت فالعب بجد .
    وابدأ فورا من الآن .
    لا تبرر كسلك بأن العلم في المدارس والجامعات وانت محروم من المدارس والجامعات .. فالعلم في الكتب والمكتبات .. وهو متاح على الأرصفة أرخص من علب السجائر .
    وهو في دور الكتب مجانا .
    والقدرة على الابتكار موهبة اودعها الله في كل عقل .. كل ما عليك ان تبدأ .
    غادر مقعدك المألوف على المقهى فورا .. واكدح بذهنك ويديك في شيء .. ولا تظن ان الالف جنيه قد وقعت على رأس أي واحد بمجرد التمني ودون ان يجتهد في كسبها .
    وتأكد ان تسخيرك لذكائك أسهل من تسخيرك للجن .
    وثق بأن مفعول ذكائك أقوى من مفعول السحر .
    واذا شككت في كلامي فاقرأ المقال من جديد لتعلم كيف قامت دول كبرى .. وكيف صنع المصنع ما لا تصنعه قبعة الحاوي .. وكيف صعد الانسان للقمر بدون بساط سليمان .. وكيف انك مهدد بأن تتحول الى قرد اذا ظللت جالسا في جلستك اليومية على المقهى لا تجهد ذهنك في شيء .. بينما العالم من حولك في سباق علمي رهيب يفض اسرار الذرة ويسخر القوى النووية في صناعة الأعاجيب .. فيزداد الأقوياء قوة ويزداد الضعفاء ضعفا .. الى ان يصبح المتخلفون في مكانة القرود أو أقل من القرود .
    هل تشعر بأني خدعتك .
    بل لو كنت قلت لك غير هذا لكنت خدعتك .
    صدقني ...










    التدليك العاطفي :
    .
    نظرة سريعة على الافيشات والملصقات وأفلام الحب المرسومة على الجدران .. حب ودماء .. حب وضياع .. حب تحت الشمس .. جنون الحب .. جريمة الحب .. ليلة حب .. وصورة فخذ عريان في بانيو .. وامرأة ملقاة في الفراش وفوقها رجل .. وخنجر مغروز في صدر عريان .. ومدفع رشاش في يد امرأة لابسة مايوه .. ومروض وحوش في يده كرباج وتحت قدميه جينا لولو بريجيدا ومكتوب عليها رغبات شاذ .. ورجل في حضن رجل ومكتوب عليه .. علاقة سرية .. وعجوز متيم بحب لوليتا في الثالثة عشر من عمرها .. وحب سن الثمانين .. وسفاح الحب .. ولهيب الحب .. ونار الحب .. ولذة الحب .
    وما ابعد كل هذا الهذيان عن الحب .
    وما أشبهه بمؤامرة على اعصاب المتفرج وجيبه وعقله .. مؤامرة ابتزاز صريحة تحت شعار انبل المشاعر الانسانية .. مشاعر الحب .
    لماذا لا يسمون الأشياء باسمائها الحقيقية ؟
    ولماذا لا نقرأ الصور بدقة حتى لا تخدعنا العناوين ؟
    لماذا لا نعترف اننا في عصر الترويج العلني للدعارة والشذوذ والجريمة .. وان بلاتوهات السينما تحولت الى مخادع للتفرج المشروع على أساليب الإغراء الجنسي !
    انه الجنس والدم .. ولا شيء آخر ..
    وما أبعد الجنس عن الحب ..
    وما أكثر ما يتم الجنس بلا حب .. بل ومع الكراهية .
    وما أكثر ما يتم شراؤه وبالمال .
    ان الجنس والحب لم يكونا ابدا توأمين .
    والحب الحقيقي هو قطعا شيء آخر غير ما نرى في السينما .
    انه في ذلك الحنان الذي رأيناه بين آبائنا وامهاتنا .. وتلك المودة والرحمة اللتان تؤلفان بين قلب الرجل وقلب المرأة وتصنعان تحالفا هادئا على عمل الخير وعشرة ناعمة خالية من هذه التشنجات الدرامية التي نراها مدسوسة علينا في التلفيزيون والسينما .
    هذه المآسي المفتعلة والمواجع المزيفة والانات الجنسية والرعشات المخبولة هي بضاعة التجار وسلعة المنتجين اليهود يدسونها لنا مع الأفيون والهروين والحشيش والماريجوانا وعقار L.S.D .
    انها جزء من عملية واسعة لتخدير العالم تمهيدا للسطو عليه .
    وشركات التليفزيون والاذاعة والاسطوانات ودور النشر والمجلات تسابقت في نشر هذه الحمى احيانا بقصد واحيانا بغفلة ودون وعي كما يحدث في بلادنا .
    وانتشرت الأغاني التي تقوم بهذا النوع من التدليك العاطفي أمثال ... من سحر عيونك ياه .. وتنطقها المطربة .. من سحر عيونك ياح .. وتعال يالله يالله .. تعال يالله يالله .. في غمضة عين .
    وننام على الحب ونقوم على الحب .
    وعذبني وانا أجري وراك .
    ويا مدوبني دوب .
    وهي أغاني لا تختلف كثيرا عن أغنية كرستين التي تصرخ فيها كرستين بصوت هامس اجش فيه فحيح ..
    أوه يا حبيبي .
    مرة أخرى أرجوك .
    ثم نسمع في المانيا عن الهر يواخيم درسين صاحب مجلة " سانكت باولي تسايتونج " وكيف انه انشأ حزبا في هامبورغ اسماه " حزب الجنس " وشعار الحزب هو الحرية الجنسية للجميع .
    وهذه نهاية التدليك العاطفي .. المؤامرة التي رسمها التجار الأذكياء للقضاء على العالم .










    أنت امبراطور :
    .
    لا تصدقني اذا قلت لك انك تعيش حياة أكثر بذخا من حياة كسرى انو شروان .. وانك أكثر ترفا من امبراطور فارس وقيصر الرومان وفرعون مصر .. ولكنها الحقيقة .
    ان اقصى ما استطاع فرعون مصر ان يقتنيه من وسائل النقل كان عربة كارو يجرها حصان ..
    وانت عندك عربة خاصة وتستطيع ان تركب قطارا وتحجز مقعدا في طائرة !
    وامبراطور فارس كان يضيء قصره بالشموع وقناديل الزيت .. وانت تضيء بيتك بالكهرباء !
    وقيصر الرومان كان يشرب من السقا .. ويحمل اليه الماء في القرب .
    وانت تشرب مياها مرشحة من حنفيات ويجري اليك الماء النظيف في أنابيب !
    وهارون الرشيد كانت عنده فرقة موسيقية تعزف له في أوقات لهوه وفراغه ...
    وانت عندك مفاتيح الراديو توصلك الى آلاف الفرق الموسيقية وتحمل الى اذنك المبهج والمطرب والممتع من كل صوت وكل فن !
    والامبراطور غليوم كان عنده أراجوز ..
    وانت عندك تليفزيون يسليك بمليون أراجوز .
    وعندك السينما سكوب والسينراما .
    ولويس الرابع عشر كان عنده طباخ يقدم له أفخر اصناف المطبخ الفرنسي ..
    وانت تحت بيتك مطعم فرنسي ومطعم صيني ومطعم الماني ومطعم ياباني ومحل محشي ومحل كشري ومسمط ومصنع مخللات ومعلبات ومربات وحلويات !
    وقارون اغنى اغنياء العالم يقول لنا التاريخ ان كل ثروته لم تكن تزيد عن مائتين من الجنيهات بالعملة النحاسية .. وهو مبلغ تستطيع ان تكسبه الآن في شهر .
    وجواري الخليفة تجدهن الآن معروضات في بيجال بباريس بعشرة فرنكات للواحدة .. شقر وسمر وسود وبيض من كل لون اوكازيون .
    ومراوح ريش النعام التي كان يمروح بها العبيد على وجه الخليفة في قيظ الصيف ولهيب آب عندك الآن مكانها
    مكيفات هواء تحول بيتك الى جنة بلمسة سحرية لزر كهربائي !
    أنت امبراطور .
    وكل هؤلاء الاباطره جرابيع وهلافيت بالنسبة لك ..
    ولكن يبدوا اننا اباطرة اغبياء جدا .. ولهذا فنحن تعساء جدا برغم النعم التي نمرح فيها .
    فمن عنده عربة لا يستمتع بها وانما ينظر في حسد لمن عنده عربتان .. ومن عنده عربتان يبكي على حاله لأن جاره يمتلك طائرة .. ومن عنده طائرة يكاد يموت من الحقد والغيرة لأن اوناسيس عنده مطار .. ومن عنده زوجة جميلة يتركها وينظر الى زوجة جاره .
    وفي النهاية نسرق بعضنا بعضا ونقتل بعضنا بعضا حقدا وحسدا .
    ثم نلقي بقنبلة ذرية على كل هذا الرخاء .. ونشعل النابالم في بيوتنا .. ثم نصرخ بانه لا توجد عدالة اجتماعية .. ويحطم الطلبة الجامعات .. ويحطم العمال المصانع ..
    والحقد وليس العادالة هو الدافع الحقيقي وراء كل الحروب .
    ومهما تحقق الرخاء لأفراد فسوف يقتل بعضهم بعضا لأن كل واحد لن ينظر الى ما في يده وانما سينظرالى ما في يد غيره ولن يتساوى الناس أبدا .
    فاذا ارتفع راتبك ضعفين سوف تنظر الى من ارتفع اجره ثلاثة أضعاف وسوف تثور وتحتج وتنفق راتبك في شراء مسدسات .
    لقد اصبحنا اباطرة .. هذا صحيح .. ولكننا ما زلنا نفكر بغرائز حيوانات .
    تقدمنا كمدينة وتأخرنا كحضارة .. ارتقى الانسان في معيشته .. وتخلف في محبته ..
    انت امبراطور .. هذا صحيح .. ولكنك أتعس امبراطور ...
    وسوف تقتل نفسك وتترك بطاقة مضحكة تقول فيها انتحرت بسبب الفقر .. لم استطع ان اعيش امبراطور في عالم كله من " السوبر اباطرة " .











    الواقع الكذاب :
    .
    ما نراه في الواقع ليس دائما هو الحقيقة ..
    حتى ما نراه رأي العين ونلمسه لمس اليد ..
    فنحن نرى الشمس بأعيننا تدور كل يوم حول الأرض ومع ذلك فالحقيقة ان العكس هو الصحيح والأرض هي التي تدور حول الشمس .
    ونحن نرى القمر في السماء أكبر الكواكب حجما مع انه أصغرها حجما .
    ونلمس الحديد فنشعر انه صلب متدامج مع انه في الحقيقة عبارة عن ذرات منثورة في فراغ مخلخل وبين الذرة والذرة كما بين نجوم السماء بعدا .. وما يخيل لنا باللمس انه صلابة وتدامج هو في الحقيقة قوى الجذب المغنطيسي الكهربائي بين الذرة والذرة .. نحن نلمس القوانين بأصابعنا وليس الحديد .
    ونحن ننظر الى السماء على انها فوق والأرض على انها تحت مع انه لا يوجد فوق وتحت .. والسماء تحيط بالأرض من كل جوانبها .
    والهرم بالنسبة لنا شيء لا يمكن اختراقه مع انه بالنسبة للأشعة الكونية شفاف كلوح الزجاج ترى من خلاله وتنفذ من خلاله .
    وصقيع القطبين الذي نظن انه غاية البرودة هو بالنسبة لبرودة أعماق الفضاء جحيم ملتهب .
    وفي الحقائق الانسانية تكذب علينا العين واللسان والأذن اكثر واكثر .. فالقبلة التي تصورناها في البداية مشروع حب نكتشف في النهاية انها كانت مشروع سرقة .
    وجريمة القتل التي أحس الجميع انها ذروة الكراهية يكتشف الجميع انها ذروة الحب .
    وما قد يبدو للزوج انه خيانة من زوجته لفرط احساسها بجمالها قد يكون الدافع الحقيقي له هو احساس الزوجة بقبحها وشعورها بالنقص تحاول الخلاص منه باستدراج اعجاب الرجال والانتقال من خيانة الى أخرى .
    وما تكتب عنه الجرائد بالاجماع على انه بطولة قد يعلم البطل نفسه انه كان انتحارا .
    وفي الحقائق الاجتماعية تتعقد الأمور أكثر ويغرق الحق في شبكة من التزييف تشترك فيها كل الإرادات أو يصبح الحكم على الأمور بظاهرها سذاجة لا حد لها .
    وفي الحقائق التاريخية يكتب المؤرخون في كل عصر ومن ورائهم السلطة وتكتب أقلامهم ما يريد الأقوياء ان يقولوا .
    وما أصعب الوصول الى الحقيقة ...
    ان الوصول الى المريخ أسهل من الوصول الى حقيقة أكيدة عن حياة وردة تتفتح كل يوم عند نافذتك .. بل ان الوصول الى أبعد نجم في متاهات الفضاء أسهل من الوصول الى حقيقة ما يهمس في قلب امرأة على بعد شبر منك ...
    بل ان عقولنا تزين علينا حتى عواطفنا نفسها فنظن ان حب المجد يدفعنا بينما هو الغرور وحب الذات .. ونظن انها العدالة هي التي تدفعنا الى القسوة بينما هو الحسد والحقد .
    من الذي يستطيع ان يقول .. لقد أدركت الحقيقة ؟
    من الذي يجرؤ ان يدعي .. انه عرف نفسه ؟
    ليس من باب التواضع ان نقول .. الله أعلم .
    وانما هي الحقيقة الوحيدة الأكيدة في الدنيا .. اننا نجهل كل الجهل حتى ما يجري تحت أسماعنا وأبصارنا .
    وبرغم جهلنا نتعصب كل فريق لرأي .. وقد تصور كل واحد انه امتلك الحق فراح ينصب المشانق والمحارق للآخرين .
    ولو أدركنا جهلنا وقدرنا لأنفتح باب الرحمة والحب في قلوبنا ولأصبحت الحياة على الأرض جديرة بأن نحياها .
    متى نعرف ؟
    أنا لا أعرف ..؟!!










    الجمع والطرح :
    .
    أكثر ما نرويه من قصص الغرام هي في نظري الوان مختلفة من الصراع على السلطة .
    الرجل يحب المرأة ليمتلكها ويعلن عليها الوصاية والحراسة ويعطيها اسمه لتكون مجرد امتداد له .. وما حبه الا انانية وقد وجدت لها اسما جديدا لطيفا مشروعا .
    فاذا اكتفى بها عشيقة في سلك حريمه فهو يحقق بها رغبته الخبيثة في الظهور كدون جوان ذي فحولة ورجولة لا تقاوم .
    والمرأة هي الأخرى تحاول ان تسجنه بوسائلها ، فتحاصره بالغيرة والواجب الزوجي والأولاد . فاذا لم تجد غيرتها بدأت تثير غيرته هو عليها لتجعل حياته جحيما مشتعلا وانحصارا دائما في التفكير فيها وفيما تفعله وأين ذهبت ومن أين أتت ، وهدفها النهائي ان تسجن عقله كما سجن هو جسمها ، فاذا لم تستطع ان تستولي على عقله
    استولت على جيبه أو جعلت منه سلما للشهرة ودعاوة ذائعة عن انوثتها .
    كل منهما يحاول ان يفوز بالسلطة .
    انانية تحاول ان تبتلع انانية .
    وغريزة تحاول ان تلهب غريزة .
    صراع حيواني بالناب والمخلب والأعضاء التناسلية نسميه كذبا وافتراء " الحب " ...
    والنتيجة حاصل جمع الزواج يكون غالبا صفر ..
    انه الواحد والواحد اللذان لا يؤديان الى اثنين ، وانما يؤديان الى صفر .
    المرأة التي تتخيل بعد الزواج انها ستكون لها حريتان .. حاصل الجمع الطبيعي لحريتها وحرية زوجها .. تفقد حتى حريتها الوحيدة .. والرجل الذي يتصور ان حب زوجته سيكون طريقه الى حب الحياة والناس يكتشف ان عليه ان يكره الناس وينفر من الكل وينعزل عن الدنيا ليلقي بنفسه بين احضان زوجته ليكون حبيبا حقيقيا ..
    وكأن الزواج هو حاصل طرح وليس حاصل جمع .
    وبعد معركة دموية يكتشف الرجل في آخر العمر ان ما كان يجري وراءه باسم الحب لم يكن حبا .. وانما كان صراعا على السلطة .. من الذي يحكم ومن الذي يرفع راية الإستسلام ؟
    اما الحب فما أندر وجوده ..
    الحب الذي يتسم بانفتاح كامل على العالم .. الحب الذي تكون المرأة فيه دليل الرجل .. والرجل دليل المرأة في رحلة الحياة .. لا يقف احدهما ليحيط بعنق الآخر ساعيا الى امتلاكه .. وانما كل منهما يطلق الآخر من قيده ساعيا الى تحريره .. حيث يكون موضوع الحب النهائي لكليهما هي الحياة ذاتها يجهدان فيها متشاركين بجهدهما ومساهمتهما .. هذا الحب ما اندره !
    وليس ما نرى حولنا في السينما وفي الكتب الا ذلك الحب الصغير الذي يتألف من الرجل والمرأة والجنس والفلك المقفل الذي يضمهما في عزلة عن كل شيء .. كل منهما هدفه وغايته هو الآخر . ثم فراغ وعدم ولا أحد .. وجوع لا شبع فيه ولا نهاية له .. لأن ما يرتشفه الاثنان لا يروي الغليل فما يرتشفان سوى وهم اللحظات .
    احيانا اشعر ان من عرفوا الحب في هذه الدنيا كانوا قليلين جدا .
    وان المسيح احب كل الحب ، وغاندي احب كل الحب ، لأن كلاهما أعطى ولم يأخذ وكلاهما اتسع قلبه للكل ولا لأحد .
    هل يمكن ان تساعد امرأة زوجها ليكون غاندي ليعطي نفسه للدنيا بدلا ان يعطي نفسه لها !
    لا أدري .. ولا أحب ان اتهم النساء جملة .. ولكني لا أظن اننا يمكن ان نعثر على كثيرات يرتضين لأزواجهن مصير غاندي .
    وفي لندن ذاتها قلعة الحضارة وذروة العقل في هذا العالم ، ما زالت المرأة تفكر بطريقة الرجل الشرقي الذي يحتفل بالجنس والوجبة الطيبة والرصيد الوفير في البنك والعربة الفخمة التي تقف على الباب !
    وفي الريف الفرنسي ما زال الرجل يغار ويقتل زوجته كأي رجل صعيدي .
    وفي محاولة الرجل المتحضر ان يبحث عن الحب الكبير وقع في الشذوذ الجنسي .
    واذا به في الشذوذ الجنسي العشيق الاناني نفسه الذي يغار ويطلق الرصاص على عشيقه الخائن .
    الانانية استبدلت موضوعاتها وهذا كل ما حدث .
    بدلا من ان تستهدف موضوعا طبيعيا .. استهدفت موضوعا شاذا .. وهذا كل شيء .. مجرد تمرد " أو هو في الحقيقة منتهى الاستسلام والخضوع لاستعباد الحواس " ..
    الغرائز رفعت اعلاما مختلفة ولكنها الغرائز اياها .
    اما الحب .. الحب الكبير .. فما زال شيئا ناردا .. واحدى طرائف هذا العصر .










    بعض التواضع :
    .
    نحن في عصر العلم مافي ذلك شك .. صواريخ .. طائرات .. أقمار صناعية .. أدمغة اليكترونية .. ونحن في عصر الجهل مافي ذلك شك .. فكل هذه الوسائل والالمامات العلمية نستخدمها في قتل انفسنا وفي التجسس على انفسنا .
    والذي لا يقتل يقول في غرور .. انا الذي سوف أسبق الى القمر .. أنا شعب الله المختار .. أنا على حق والآخرون على الباطل .. انا أعطي .. أنا أخترع .. أنا أصنع .. أنا أفضل .. أنا أبيض .. أنا جنس آري .. أنا جنس سامي ..
    وبين الغرور والاستعلاء والكبرياء والعدوان يضيع العلم ويفتضح العلم فإذا هو تفاخر الجهلاء بما يصنعون من لعب أطفال .
    وأجهل الجهل .. ان نجهل أمرا جوهريا واضحا كالنهار .
    ان يجهل العالم العظيم والمخترع العبقري أنه مخلوق .. وانه يعيش على سلفة .. على قرض .. السنوات القليلة التي يعيشها هي قرض وسلفة بأجل محدود .. وانه لا يملك هذا القرض ولا يستطيع ان يمدد أجله .
    كل " نبضة قلب " وكل خفقة أنفاس .. وكل خاطر .. وكل فكرة .. وكل خطوة .. هي قرض .. سلفة .. هي قرش ينفق من الرصيد .
    وهو رصيد لا نملكه ولم نبذل فيه جهدا .. وانما هو عطاء مطلق أعطي لنا منذ لحظة الميلاد .
    المخترع لا يخترع وانما يجيئه الخاطر كما ينزل ندى الفجر على الزهر .
    والشاعر لا يؤلف من عدم انما يهبط عليه الهام الشعر فيورق عقله كما يورق الشجر في الربيع .
    فهل يمتلك الشجر أزهاره أم انها هبة الربيع .
    والعلم ذاته هبة .
    الكهرباء موجودة منذ الأزل من قبل ان تكتشف بملايين السنين وهي التي كانت تضيء السماء بالبروق والصواعق .
    نحن لم نخترع الكهرباء ولم نأت بها فهي موجودة . وكذلك اشعاع الراديوم وطاقة الذرة ومغناطيسية الحديد .
    كل هذه كنوز موجودة تحت يدنا ...
    وهي بعض الهبات التي وهبناها دون ان نطلبها .
    نحن العلماء لا ندرك هذا .. وانما نقول اخترعنا ، ابتكرنا ، صنعنا ، الفنا ، صنفنا .
    ثم لا ندرك ما هو أخطر وأكثر وضوحا وبداهة ... ان العمر الذي نعيشه هو أيضا هبة لم نطلبها ولم نجتهد فيها .
    الجميلة لم تجتهد لتولد جميلة .
    والقوي لم يجتهد ليولد قوي .
    والحاد البصر لم يجتهد ليولد حاد البصر .
    ونحن لا نقوم بصياغة هذا الشيء المعقد الملغز المعجز الذي اسمه الجسد الحي .. وانما هو الذي يقوم بصيانة نفسه بنفسه بأساليب محيرة .
    نحن ننفق من شيك لا نملكه .. ومع ذلك نتبجح طول الوقت .. ونقول .. نحن اخترعنا نحن صنعنا .. نحن عباقرة .. نحن عظماء .. نحن على حق والآخرون على خطأ .. نحن بيض وهم حيوانات .. نحن جنس سامي وهم جنس منحط ثم نقتتل على ثروات لا نملكها ولا فضل لنا فيها جميعا .
    ولا فضل لنا حتى في تكويننا الجسماني .
    نحن مجرد مخلوقات تولد وتموت وتعيش على هبة محدودة من الخالق الذي اوجدها ولو كنا نملك انفسنا حقيقة لما كان هناك موت .
    ولكن الموت هو الذي يفضح القصة .
    هو الذي يكتشف لنا ان ما كنا نملكه لم نكن نملكه .
    الشيخوخة هي التي تفضح جمال الجميلة فاذا بجمالها هبة زائرة مؤقتة لا حقيقة باقية .
    ولكننا نحن العلماء نجهل هذه الحقيقة الأولية الشاخصة ملء العين كشمس النهار .
    ولو أدركنا هذه الحقيقة البسيطة لأنتهت الحروب وحل السلام وملأت المحبة القلوب وأشرق التواضع ليجمع العالم في أسرة واحدة .
    لو أدركنا هذه الحقيقة لالتفتنا التافتة شكر الى الوهاب الذي وهب .
    هل أخطئ اذا اعتبرت هذا العصر أظلم عصور الجاهلية ؟!










    يُوجا :
    .
    سعيت وراء علماء التشريح لأعرف ما هو الانسان .. سرت وراء المشرط وهو ينقب في الأحشاء والمصارين واللحم والعظم .. وهو يفتح القلب ويتتبع الأعصاب حتى نهايتها .. وهو يقطع المخ نصفين ثم يقطع كل نصف الى نصفين .
    وبعد ثلاثة آلاف صفحة من كتب التشريح لم أصل الى شيء وكأنما فتحت حقيبة فوجدت داخلها حقيبة ثم حقيبة وفي نهاية المطاف اكتشفت اني ما زلت واقفا في مكاني ادق على الباب نفسه من الخارج لم الج الى الداخل أبدا .
    كنت طول الوقت اتحسس كسوة ذلك الانسان لأكتشف ان القناع الذي يحجبه ليس ثيابه وحدها .. وانما جلده ثوب آخر.. ولحمه وشحمه وعظامه كلها ثياب.. اما هو نفسه فبعيد .. بعيد .. تحت هذه الأقمشة السميكة من اللحم والدم .
    قالت لي كتب التشريح ان الانسان مجموعة من الأحشاء في قرطاس من الجلد .
    ولكنها لم تصف لي الانسان على الإطلاق وانما وصفت ثيابه . أما قلبه ، أما عواطفه ، فإنها ليست في تلك الكتب .. انها فينا نحن الأحياء .
    انها الزامر الذي ينفخ من الداخل في ذلك البوق الجسدي الذي يتألف من الفم واللسان والشفتين واليدين والرجلين فتنطق وتتحرك كأنما هي دمى خشبية تحركها خيوط خفية من وراء خباء .
    انها العاطفة .. الإرادة .. الروح .. النفس .. الـ أنا .. سمها ما تشاء .. ولكنها دائما غاية الوحدة والبساطة .
    وراء هذا العديد المتعدد من الأعضاء هناك وحدة .
    هناك دائما واحد فقط يتكلم من داخل المعمار الجسدي المعقد التركيب المتعدد النوافذ والشرفات .. واحد فقط بالرغم من هذه الالوف المؤلفة من الأنسجة والملايين بلا عدد من الخلايا .
    فاذا نظرت الى الطبيعة حولك بما يتعدد فيها من انسان وحيوان ونبات لمست مرة أخرى نوعا ثانيا من الوحده .. فهذا الشتيت المختلف من أشكال الحياة يخفي وراءة وحدة .
    ليست مصادفة أن تركيب جسمي وتركيب جسمك واحد .
    ولا هي مصادف اننا نحن ، كلانا ، لنا رئتان مثلما للحصان والحوت والعصفور .. وان رقبة الزرافة على طولها بها سبع فقرات مثل رقبتك القصيرة تماما .. وان ذيل القرد لك ذيل مثله ضامر متدامج ملتحم ـ في مؤخرتك .. وبالمثل أجنحة الخفافيش هي أذرع مثل أذرعك لها العدد اياه من الأصابع والعظام والمفاصل كل ما تمتاز به ان جلدها مشدود عليها كالستارة .
    وانت والشجرة تتألفان من المواد ذاتها .. كربون وماء وأملاح معدنية .. وكلاكما تتحولان بالإحتراق الى فحم .
    وكل أنواع الحياة تنهدم بالموت فتستحيل الى تراب .
    وأكثر من هذا ، يقول لك الفلكي . ان هذا التراب يحتوي على المواد نفسها التي تتركب منها الشمس والنجوم والكواكب .. وانك مهما أوغلت في السماء بين النجوم تجد دائما الشيء نفسه .. المواد ذاتها ..
    كل العالم من ماده واحده أولية .
    لا يمكن ان تكون كل هذه مصادفات .
    وانما هي اصبع تشير الى ان هناك وحدة نسيج في هذا الكون المتسع العظيم ، وانه بالرغم من الكثرة الظاهرة والتعدد والاختلاف في الأشياء فانها في الواقع ليست مختلفة .. وانما هي مجرد عمائر وتراكيب مختلفة لشيء واحد .
    كما تظهر الطاقة مرة على شكل كهرباء ومرة على شكل حرارة ومرة على شكل ضوء ومرة على شكل مغناطيسية ، وهي دائما الشيء الواحد ذاته .
    الوحدة ..
    هذا هو موضوع اليوجا .
    والمعنى الحرفي لكلمة يوجا بالهندية هو " الاتحاد وإدراك الوحدة في الأشياء " .. ان لا تنظر الى الدنيا على انها انا وانت وهو وهي وهم .. ثم تتقاتلون جميعا .. فهذه خدعة .. وانتم جميعا واحد وما يقع للآخر يقع عليك من حيث لا تدري .. والألم الذي توقعه بالآخرين يجرحك حيث لا تحس في أعماق الأعماق .
    هذا الصراع بينك وبين الآخرين هو تخريب اساسي لفطرة واحدة .
    اذا اردت ان تعيش بكل وجودك فعليك ان تفتح ذراعيك لتحتضن كل شيء .
    وحيثما توجهت فلن تكون في غربة فالطبيعة حولك هي أنت .. والناس هم انت ..
    والوردة هي أنت .. والنجوم أنت .
    أنت وانا وهم شيء واحد .
    هل تستطيع ان تدرك هذه الوحدة ؟
    علم اليوجا تقول انك لا تستطيع ان تدركها الا اذا تحررت من تقاليدك .. وأخضعت جسدك وعواطفك وغرائزك وعقلك تماما .
    اذا أردت ان تسمع صوت الواحد في داخلك فلا بد من اسكات صوت المتعدد أولا .. لا بد من اسكات صوت الجسد والنفس والغريزة والرغبة والعقل .
    واخضاع الجسد تختص به علوم " الهاتايوجا " وهي التمرينات الرياضية المعروفة .
    واخضاع العقل تختص به علوم " الراجايوجا " .. وهي تمرينات على التأمل والتركيز .
    واذا استطعت اسكات كل شيء فسوف تسمع من أعماق الصمت في داخلك صوت الواحد .
    سوف تشعر بالقرابة الحميمة بينك وبين الأشياء .. سوف يعزف داخلك لحن الإنسجام بينك وبين العالم اذ تدرك التوافق العميق بين عناصرك وعناصره .. وتسودك طمأنينة قدسية فلم يعد هناك داع للتعجل .. ما يفوتك باليمين سوف تحصل عليه باليسار وفي الهند يسمون هذا الواحد " اتمان " .. وفي صلاة هندية قديمة لهذا الواحد يقول الشعر السنسكريتي :
    اذا ظن القاتل انه قاتل
    والمقتول انه قتيل
    فليسا يدريان ما خفي من أساليبي
    حيث أكون الصدر لمن يموت
    والسلاح لمن يقتل
    والجناح لمن يطير
    وحيث أكون لمن يشك في وجودي
    كل شيء حتى الشك نفسه
    وحيث أكون انا الواحد
    وانا الأشياء .
    وكأنما شعر جميع المفكرين بهذا الواحد الخفي وحاول كل منهم ان يعبر عنه بطريقته .. في فلسفة شوبنهور كان اسمه " الإرادة " ، وفي فلسفة نيتشه كان اسمه " القوة " ، وفي فلسفة هيجل " المطلق "
    وفي فلسفة ماركس " المادة " ، وفي فلسفة برجسون " الطاقة الحية " ، وفي الأديان السماوية اسمه الله ..
    اتفقت جميع الأصابع التي تشير على ان هناك شيئا داخل خباء ذلك الكون يحرك خيوطه .. وكل الخلاف هو خلاف اسماء .
    ولهذا تقول علوم اليوجا .. لا تحاول ان تسمي ما لا يمكن تسميته ..
    تأمل .. لا تنطق بحرف .
    عليك بالإصغاء الى صوت الصمت .










    أسرار الحروف :
    .
    لكل حرف من الحروف سر ...
    حرف مثل الحاء تجده يدخل في كل ما هو ساخن ملتهب مثل .. حب ، حرب ، حريق ، حارق ، حار ، حراق ، حمى ، حرارة ، حامي ، حك ، حكة ، والطفل حينما يلمس سطحا ساخنا يصرخ في تلقائية ,, أح ، لا يرد على لسانه الا حرف الحاء ... فينطلق الهاما بلا تعلم .
    ان في ذات الحرف سر ومعنى .
    وحرف مثل الضاد تجده يدخل في كلمات الشدة والغلظة والأذى مثل .. ضر ، وضرر ، وضغن ، وضرب ، وضراوة ، وضيق ، وضائقة ، وضنى ، وضنك ، وتضعضع .
    ان في ذات الحرف سر لا شك فيه .
    وحينما وقف المفسرون امام الحروف الواردة في القرآن مثل ا ل م ... كهيعص .. طسم .. ن .. ص .. حاروا في معانيها واختلفوا .. البعض قال انها حروف يتألف منها اسم الله الأعظم .. البعض قال انها صنوف من القسم .
    أقسم بها الله كما نقسم نحن بالكعبة والكتاب الشريف .. والبعض قال انها رموز كل حرف منها يرمز الى شيء .. الالف مثلا ترمز الى الله والميم ترمز الى محمد صلى الله عليه وسلم .. تماما كما نقول " صلعم " بدلا من صلى الله عليه وسلم ، وكما نقول ج.ع.م. بدلا من الجمهورية العربية المتحدة .
    والبعض قال ان الله قدم بها السور ليقول لنا .. هذه هي الحروف التي خلقت منها القرآن .
    والبعض قال .. لا أعلم .
    ولكني اعتقد ان مفتاح معناها فيما قدمت في بداية مقالي .. من ان كل حرف له سر ومعنى خاص به وذاتية .. كل حرف له مكامن ومغاليق .
    هل كانت مصادفة اننا نسمي الوالد في لغتنا العربية .. أب ..
    وفي اللغة الفرنسية .. بابا .. وفي اللغة الزنجيه .. بوبا ..
    وهل هي مصادفة ان الوالدة باللغة العربية .. أم .. وبالانجليزية ماما .. وبالفرنسية مامون .. وبالزنجية .. موما ..
    كما ان الكهف بالعربية كهف وبالانجليزية Cave وبالايطالية Cave .. وهو نفس النطق تقريبا .
    انها ليست مصادفات .
    انها التقت في التركيب بالرغم من اختلاف اللغات لأن الحروف لها ذاتية واحدة .
    وهي مخلوقة ومنزلة من ضمن ما خلق الله وانزل علينا .. معان واسرار وارزاق .. ونحن لم نخترعها اختراعا .
    والقرآن يقول لنا ان الله علم آدم الأسماء كلها . والأسماء قد تكون اللغات أو الحروف أو المعارف أو العلوم أو هي جميعها ..
    وقد تعلمت من طول التأمل الا استهتر بحرف ولو كان حرفا واحدا .. فان الحروف تؤلف الكلمات .. والكلمات تنقل الجبال وتهدم الامبراطوريات وتبني حضارات وتدك حضارات ...
    وكلمة تخرج من فمك قد يكون فيها موتك أو ميلادك
    والله خلق العالم بكلمة .. كن ..
    وبين الكاف والنون ولد الكون ..
    وفي الكاف الالهية اسرار ..
    وفي النون الالهية اسرار ..
    وبين الكاف والنون طلاسم مطلسمة لا علم لأحد بها ونحن لم نكتشف من أسرار الحروف ووظائفها الا أقل القليل ..
    ومن الحروف التي نعلمها يمكن ان توجد لغات لا نعلمها .. غير العربية والانجليزية والفرنسية والألمانية وغير اللغات التي نتبادلها على الأرض ...
    والحروف مثلها مثل الأرقام جاءتنا الهاما من الواحد الى العشرة .. لم نخترعها وانما ولدنا بها .. وبالمثل اوليات الحساب .
    2 + 2 = 4 حقيقة ولدنا بها .
    وكل ما يحدث في تعلم جدول الضرب اننا نجاهد لنتذكره فكل ما في جدول الضرب عبارة عن أوليات مكنوزة ومذخورة في عقولنا منذ الميلاد .
    ومن الحروف والأرقام يتألف العالم .. وتنبني القوانين التي تمسك بالنجوم في أفلاكها والشموس في مجراتها ..










    قانون عدم المساواة :
    .
    الدنيا ليس فيها مساواة .
    لا مساواة في أي شيء .
    كل وردة لها رتبة مختلفة من حيث الشكل والرائحة والجمال . لا تتساوى وردتان .
    وفي نفس عائلة القطن نجد السكلاريدس .. وجيزة 7 .. وجود فير .. وفولي جود فير .. وطويل التيلة وقصير التيلة .. لا يتساوى اخوان في العائلة الواحدة .
    وفي الفاكهة نجد في عائلة واحدة كالبلح مثلا عشرات الرتب والدرجات والأصناف .. الزغلول والسماني والحياني والاسيوطي والرشيدي وبلح عيشا .. وكل صنف له طعم ونكهة ومذاق .
    وعلماء الحشرات يصنفون لنا من الحشرة الواحدة كالنمل أكثر من الف نوع وكل اسرة من اسر النمل يقولون لنا ان فيها أكثر من مائة مصنف ومصنف .
    وفي الانسان يزداد التفاوت والتفاضل .. فنجد الذكي والغبي والأحمر والأسود والأصفر والأبيض والأشقر والطويل والقصير والسمين والأصلع والكثيف الشعر .. ونجد من يولد بحنجرة من ذهب ومن يولد بحنجرة من خشب .. ومن يولد جميلا ومن يولد قبيحا ..
    بل ان كل انسان يحمل بصمة اصبع مختلفة .
    وكل انسان هو رتبة في ذاته .
    كل انسان يتسلم لحظة ميلاده بطاقة تموين واذن صرف وشيك وثروة من المواهب والتسهيلات خاصه به .
    وأكثر من هذا يولد كل مولود بعدد من خلايا المخ محدود غير قابل للتجدد أو التكاثر وما يموت من هذه الخلايا لا يستحدث .. ولكل واحد منا عدد من هذه الخلايا هي كل ثروته .. وكل واحد يوهب عددا من هذه الخلايا مختلفا عن الآخر .
    ومعنى هذا ان الدنيا كلها تقوم على قانون التفاضل والتفاوت .. وان عدم المساواة هو القاعدة في كل شيء .. في النبات والحيوان والانسان والجماد .. حتى الجماد كل مادة فيه لها بلورتها الخاصة ولها وزنها الذري ووزنها الجزئي ولها هندستها الخاصه في توزيع الالكترونات وعددها .
    لا مساواة على الاطلاق .
    هكذا أراد خالق الكون لخلائقه .
    هو اراد لحكمة يعلمها ان يخلقنا درجات .
    ولعله خلق فينا القوي والضعيف ليختبرنا وليظهرنا على نفوسنا .
    هل يأكل القوي الضعيف أم يحنو عليه ويعطف عليه ويساعده .
    هل يدرك القوي ان قوته من الخالق وانها هبة بأجل وان مصيرها الزوال .. لو أدرك هذا فإنه سيكون المؤمن الذي يوظف قوته لنجدة الضعيف لأنه يعلم انه سيصبح يوما ما أضعف منه .
    أم انه سيخيل اليه ان القوة قوته هو والعنفوان عنفوانه هو ويمضي يضرب باليمين وبالشمال .
    لو فعل هذا فهو الملحد المنكر الذي لا يتصور وجودا لقوة أعلى منه .
    والواقع ان الفرق بسيط .. فرق شعرة .. بين ان تحس بأنك قوي .. وبين ان تحس انك وهبت هذه القوة .. وان قوتك عطية ومنحة .
    ولكن هذا الفرق البسيط هو فرق هائل بين عقليتين وبين سلوكين .. وهو مفرق الطريق بين الإيمان والإلحاد .
    ويبدو ان الدنيا هي الفرصة التي اتاحها الخالق لمخلوقاته لتختار طريقها بالفعل .. ليظهرنا على انفسنا .. ويعرفنا على حقيقتنا .
    وهو يعلم من البداية استحقاق كل واحد منا وقيمته .. ولكن نحن لا نعلم .. ويتصور كل منا انه الكامل الفاضل الذي يستحق الجنة .. ولهذا اراد بالدنيا ان تكون المحنة والامتحان الذي يعرف فيه كل واحد نفسه وقيمته .. حتى اذا انتهت الدنيا وانتهى الزمن .. وأعيد ترتيب النفوس في درجاتها الحقة .. ونزلت النفوس منازلها ومراتبها الصحيحة .. علمت كل نفس انه العدل .. وعلم الاسفل انه الاسفل بالفعل .. وانه لابث في هذه المنزلة السفلى الى الأبد .. ولا ظلم في ذلك .. لأن هذا مكانه .. وهذا هو الجحيم وهو حق . كما ان الجنة حق .. وما الجحيم الا الرتبة السفلى وما الجنة الا الرتبة العليا وهذا هو التفاوت والتفاضل الطبيعي بين أعمال تتفاوت وتتفاضل بطبيعتها .
    وقانون التفاوت والتفاضل هو قانون الوجود وهو العدالة بعينها .
    وانما الظلم بعينه ان يتساوى غير المتساوين .
    وقصارى العدل الأرضي هو ان يساوى بين الفرص والتسهيلات وان يمنح كل فرد حق الدواء والكساء وفرصة التعلم .. ولكنه لا يستطيع ولا يصح له ان يساوي بين الناس ذواتهم .
    والى ان تنتهي الدنيا سوف يظل هناك الأعلى والأدنى .
    وفي العالم الآخر سوف يكون هناك الأعلى والأدنى .
    وكل الفرق ان الأرواح في عالم الأبد سوف تنزل منازلها الحقيقية .. بينما في الدنيا يحاول كل انسان ان يغتصب ما لا يستحق ويحاول ان يعلو على الآخر غدرا وغيلة .









    مغرور جدا :
    .
    الانسان مغرور جدا ينظر الى نفسه باعتباره مركز الكون ويتصور ان النجوم علقت كالفوانيس في السماء لتضيء له طريق العودة الى البيت وهو سكران .
    واذا كانت في الدنيا بهائم فهي مخلوقات ليركبها .
    واذا كانت للخيول ذيول فليصنع منها المنشآت .
    واذا كانت الزهور تعشش على شباكه فقد فعلت هذا مع سبق العمد والترصد لتقدم له فروض التحية والولاء وتضرب له سلاما .
    ودود الأرض منتظر في الطين طول الوقت حتى يلتقطه بيديه الكريمتين ويجعل منه طعما لصيد السمك .
    والغزلان الجميلة تسرح في البراري في انتظار رصاص بندقيته المكرمة لتسقط عند قدميه مهللة مكبرة .
    والذهب في أعماق المناجم ينتظر بفارغ الصبر اللحظة السعيدة التي يتكوم فيها في خزائنه او يتبعثر على مائدة قماره .
    وابليس نفسه خلق ليكون في خدمته في البارات والنوادي الليلية والبيوت السرية ..
    الكل يعمل من أجله .. هو .. سيد الخلائق .. الذي خلقه الله على صورته ..
    ومن الطبيعي ان يفكر الفلكيون البسطاء في العهد الغابر بنفس الطريقة فيتصورون ان الكرة الأرضية هي أيضا مركز الكون تدور حولها الشمس ونجوم الفلك العظيم كله .
    ولكن الأمر تغير كثيرا حينما انطلق التليسكوب الحديث يتأمل السماء وبدأ الانسان يبحث عن مكانه الحقيقي في هذه المتاعة التي اسماها الدنيا .
    ومن هذا اليوم فقد الانسان مركزه وسقط من حالق وصفعته الحقيقة المرة تلو الحقيقة المرة .
    اكتشف ان الشمس ليست من توابع الأرض وانما العكس هو الصحيح والأرض هي التي تدور مع ثمانية من توابع أخرى في فلكها ..
    ثم اكتشف ان المنظومة الشمسية كلها تدور حول مجمعة نجمية هائلة وتقطع دورتها الكاملة كل 225 مليون سنة حولها ..
    هذه المجمعة النجمية الهائلة هي بقية عائلة الشمس من النجوم واسمها المجرة وتتألف من حوالي مائة الف مليون نجم وكثير من هذه النجوم له توابع وكواكب مثل الشمس .
    الى هذه الدرجة تضاءلت الأرض نسبة الى الكون وتضاءل الانسان من فوقها .. فأصبحت ذرة رمل في متاهه .
    ولكن الأمر تفاقم أكثر وأكثر وازداد حال الأرض مهانة وحال الانسان ذلا حينما راح يبحث ابعد وابعد في أعماق السماء .
    اكتشف ان مايراه في السماء ليس مجرة واحدة وانما عديد من المجرات مرتبة في عناقيد ..
    عناقيد من المجرات .
    عنقود مجرتنا يحتوي على حوالي 17 مجرة وهناك عناقيد تحتوي مئات المجرات .
    ويبلغ عدد المجرات التقريبي في مدى الرؤية الممكنة حوالي مائة الف مليون مجرة .
    وفي كل مجرة مائة الف مليون نجم ..
    ولكل نجم كواكب .
    والأرض بجلالة قدرها ليست سوى احد هذه الكواكب .. والانسان ليس سوى أحد المخلوقات على هذه الأرض .
    وبهذا فقد الانسان كرامته تماما .
    لم تبق له الا كرامة إدراك هذا كله .. والا ان يعترف في امانه وصدق بمكانه وقدره الحقيقي في فضاء الكون وقد تضاءل الى برغوث وأتفه من برغوث .. مجرد هيأة معلقة في ظلمة السماء هو والأرض التي يقطن عليها .
    والعلم لم يتركه في حاله .
    وانما راح العلم يقدم الدليل خلف الدليل على احتمال وجود الحياة في كواكب أخرى .. بل وفي النجوم أيضا .. بل وفي كل مكان .
    فهناك كواكب ظروف الطقس والجو فيها مشابهة لضروف الأرض .. ثم انه ليست من المحتم ان تكون كل حياة هي حياة من لحم ودم معتمدة على الأكسجين والماء ودرجة الحرارة المعتدلة ..
    من الممكن أن تكون للحياة صور اخرى تعتمد على غازات أخرى لتتنفس وتعتمد على درجات حرارة عالية مناسبة لتقوم بوظائفها .
    ممكن أن توجد مخلوقات اجسامها من الالكترونات والايونات والحرارة الملائمة لوظائفها هي الحرارة في جوف الشمس ..
    لا توجد حدود لتصانيف الحياة الممكنة .
    وليس هناك معنى لان نحدد امكانيات الحياة بخيالنا نحن .. هذا غرور انتهى زمنه .
    وهناك علامات تبعث على الشك والريبة . فالنجوم والكواكب كلها ترسل اشارات لاسلكية وبعض الاشارات لها نظام خاص .. ومن الممكن ان تكون شفرة ولغة لا نفهمها .
    وعلى المريخ خضرة تنحسر تبعا لفصول اشبه بالربيع والخريف عندنا .. وفيه طواقي من الثلج تذوب من على القمم في فصل الصيف .
    وفي أعماق السماء وبين النجوم والكواكب التي لا حصر لها تتباين الظروف في تباديل وتوافيق لا حصر لها أيضا ويمكن ان تنشأ حيوات من كل جنس ونوع .

    ***

    وفي الكون الأصغر ما هو أعجب من الكون الأكبر . في قطعة حديد لا تتجاوز رأس الدبوس حجما عالم من الذرات كل ذرة اشبه بفلك مصغر نواة تدور حولها الالكترونات مثل الشمس وكواكبها .. وفيها قوة لو انطلقت يمكن ان تغرق قارة بأسرها في قاع المحيط .
    ثم ان نواة الذرة ليست مجرد نواة بسيطة كما كان معتقدا .. وانما هي منظومة شديدة التعقد مؤلفة من أكثر من 32 جسيما مختفا .
    ثم هناك أكثر من نوع من المادة شكرا للعلم الذي عقد لنا المسائل أكثر فالمادة في نظره لم تعد هي المادة الواحدة وانما هناك مادة موجبة ومادة سالبة .. مادة عادية ومادة مضادة .
    والمادة المضادة لها قوانين مضادة لكل ما نعرف من قوانين فاذا كانت تفاحة نيوتن تسقط من على الشجرة على الأرض تبعا لقانون الجاذبية فإن التفاحة المصنوعة من المادة المضادة تطير مبتعدة عن الأرض وملقية بنفسها في الفضاء في لحظة انفصالها من شجرتها وتبعا لقانون الجاذبية أيضا .. لأن قصورها الذاتي سالب وليس موجب .. الخ .. الخ .. الخ ..
    وهكذا يمكن أن تتخيل لنفسك عالما عجيبا من المادة المضادة يسير فيه كل شيء بالعكس حتى الزمن يسير بالعكس فيتطور الى الماضي بدلا من المستقبل .
    والعلم يمكن ان يقودك الى الجنون اذا لم تترفق بنفسك وتأخذ منه جرعة حسب طاقتك .

    ***

    والعلم لا يستبعد احتمال ان تكون الأطباق الطائرة هي بداية غزو فلكي للأرض من العالم الخارجي .. محاولات أولى استكشافية . وكل شيء أصبح ممكنا بعد ان سقط الانسان من برجه العاجي وفقد غروره الساذج الذي كان يتصور فيه انه جالس على عرش الكون .
    وغريب ان يظل الغباء مسيطرا بعد كل هذا ويظل الانسان يتصرف بعقلية ارضية محلية فيقاتل جاره على قطعة أرض .. وتذبح دول كبرى غنية دولا صغرى فقيرة لتستعمرها وتحتلها بينما كنوز الكون كله مفتوحة أمامها والعلم مفتاحها السحري في يدها .. وفي امكانها ان تمتلك المحال وتغزو المجهول وتضع يدها على التراث اللانهائي للقوة والمعرفة .
    ولكن يبدو ان ذلك المغرور بالرغم من كل شيء لم يفقد غروره بعد وهو أكثر من مغرور .. فهو غبي أيضا محدود الأفق .. جاهل بالرغم من وسائل العلم في يده .
    الطاقة الذرية التي اكتشفها سوف يقتل بها نفسه بدلا من ان يفتح بها الكون ..
    ووسائل الدمار سوف يوجهها الى نفسه بدلا من ان يوجهها الى المرض والوباء والشيخوخة .
    واذكر الآن كلمة لحكماء اليوجا الهنود .. ان العالم مبني على العدل ولا ظلم هناك .. وما ينزل بالانسان من قدر هو بالفعل يستحقه .. وكما يفكر الانسان يكون .. وكما تضمر في نفسك تسير حياتك ..
    فهل سوف نثبت بأفكارنا وأفعالنا نحن المغرورين الأغبياء اننا لا نستحق الحياة.
    وهل نحن ننزل بأنفسنا العقاب كل يوم وننفذ بأيدينا ناموس العدالة .
    وهل جنسنا الى فناء .
    أم ان المنقذ سوف يظهر في اللحظة الأخيرة .
    المخلص الذي سوف يسمع الكل كلمته .
    ان اجراس العلم تدق الانذارات كل يوم ولا اذن تسمع .. والمفكرون يدقون على القلوب .. والقلوب مغلقة .. ربما لأن ضمائر هؤلاء المفكرين انفسهم يسكنها نفس الزيف والنفاق والغرور .. وشعاراتهم لا تنفذ الى القلوب لأنها شعارات المرتزقة وأكاذيب المنتهزين .
    والانسان يتحدث بغرور عن الأغبياء والأذكياء .. عن البيض والسود .. عن المتقدمين والمتخلفين .. وهو لا يدري ان الكل سود والكل اغبياء والكل متخلفون والفرق بينهم هو فرق عدد المخالب التي يقتل بها كل واحد نفسه ويقتل بها أخاه .
    العلم ينبت مزيدا من المخالب .
    والتقدم ينبت مزيدا من المخالب .
    واذا كان العلم يعطي مزيدا وفائضا من القمح فإنهم يلقونه في البحر حتى يزيد سعره .
    وهذه هي أخلاق انسان هذا العصر .
    متى يفيق هذا الانسان ويعرف نفسه ويعرف الهوة التي يسير اليها .









    مخير أم مسير :
    .
    يسألني القراء دائما في استغراب ... كيف وصلت الى قرارك الذي تردده في كل كتبك ومقالاتك بأن الانسان مخير لا مسير .
    كيف يكون الانسان مخيرا وهو محكوم عليه بالميلاد والموت والاسم والأسرة والبيئة ولا حول له ولا قوة ولا اختيار في هذه الأشياء التي تشكل له شخصيته وتصرفاته .
    والقراء يقعون في خطأ أولي منذ البداية حينما يقيمون علاقة حتمية بين البيئة والسلوك .. وبين الأسرة وتقاليدها وبين الشخصية ... وهو تفكير خاطئ ... فلا توجد حتمية في الأمور الانسانية ... وانما يوجد على الأكثر ... ترجيح ... واحتمال ... وهذا هو الفرق بين الانسان والجماد ... وهذا هو الفرق بين الانسان وبرادة الحديد .
    برادة الحديد تطاوع خطوط المجال المغنطيسي في حتمية وجبرية وتتراص في خطوط المجال حتما حينما نرشها حول المغنطيس .
    أما الانسان فإن علاقته بظروفه لا تزيد عن كونها احتمالا أو ترجيحا .
    الابن الذي ينشأ في عائلة محافظة محتمل ان ينشأ محافظا هو الآخر مجرد احتمال ... وكثيرا ما يحدث العكس فنرى هذا الابن وقد انقلب متمردا ثائرا على التقاليد محطما لها ...
    وهذا هو الفرق بين المسائل الآلية الميكانيكية والمسائل الانسانية ... ونفس الكلام يقال في البيئة ... البيئة تشكل الانسان ... ولكن الانسان أيضا يشكل البيئة .
    ونظرة سريعة في المجتمع العصري حولنا سوف ترينا كيف اخضع الانسان مشاكل الحر والبرد والمسافات بعقله وعلمه واستطاع ان يسودها فهو يكيف الهواء بالمكيفات وهو يهزم المسافات بالمواصلات السريعة والبرق والهاتف .
    الانسان ليس كتلة هلامية سلبية تشكلها حتميات البيئة ... ولكنه ارادة صلبة في ذاتها لها حريتها في توجيه الأحداث .
    وهذا هو الانسان الذي ولد طفلا تحكمه اسرته وبيئته ومقتضيات اسمه وتقاليده ... ها هو ذا يهاجر ويغير اسمه وبيئته وينتقل الى مجتمع جديد فيصنع انقلابا في هذا المجتمع الجديد ويغيره من أساسه .
    وها هو ذا يموت فيترك كتابا .. فاذا بالكتاب يغير التاريخ .
    وصحيح ان الانسان قليل الحيلة في الطريقة التي يولد بها وفي الطريقة التي يموت بها ... ولكنه بين ميلاده وموته يصنع حضارة ... الله أعطاه القدرة على ان يبني ويهدم ويحرر ويتحرر ويفكر ويبتكر ويخترع ويفجر ويعمر ويدمر ... وسلمه مقاليد الخير والشر وحريه الاختيار .
    وحواجز البيئة وضغوط الظروف لا تقوم دليلا على عدم الحرية بل هي على العكس دليل على وجود هذه الحرية ... فلا معنى للحرية في عالم بلا عقبات ... وفي مثل هذا العالم الذي بلا عقبات لا يسمى الانسان حرا اذ لا توجد لرغباته مقاومات يشعر بحريته من خلال التغلب عليها .
    والحرية لا تعبر عن نفسها الا من خلال العقبات التي تتغلب عليها .. فهي تكشف عن نفسها بصورة جدلية من خلال الفعل ومقاومة الفعل .
    ولهذا كانت الضغوط والعوائق والعقبات من أدلة الحرية وليس العكس .
    والفيلسوف الغزالي يحل المشكلة بأن يقول ان الله حر مخير مطلق التخيير والمادة الجامدة مسيرة منتهى التسيير ..
    والانسان في منزلة بين المنزلتين ... أي انه مخير مسير في ذات الوقت ... مخير بمقدار مسير بمقدار .
    وتوضيحا لكلامه أقول ان الانسان حر مطلق الحرية في منطقة ضميره ... في منطقة السريرة والنية ... فأنت تستطيع ان تجبر خادمك على ان يهتف باسمك أو يقبل يدك ولكنك لا تستطيع ان تجبره على ان يحبك ... فمنطقة الحب والكراهية وهي منطقة السريرة منطقة حرة حررها الله من كل القيود ورفع عنها الحصار ووضع جنده خارجها ... لا يدخل الشيطان قلبك الا اذا دعوته انت وفتحت له الباب .
    وقد اراد الله هذه النية حرة لأنها مناط المسؤولية والمحاسبة .
    اما منطقة الفعل فهي المنطقة التي يتم فيها التدخل الالهي عن طريق الظروف والأسباب والملابسات ليجعل الله أمرا ما مسيرا أو معسرا حسب نية صاحبه .
    " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى "
    يمهد الله اسباب الشر للأشرار ... ويمهد أسباب الخير للأخيار ... ليخرج كل منا ما يكتمه ويفصح عن سريرته ونيته ويتلبس بفعله .
    وبهذا لا يكون التسيير الالهي نافيا او مناقضا للتخيير فالله يستدرج الانسان بالأسباب حتى يخرج ما يكتمه ويفصح عن نيته ودخيلته ويتلبس باختياره .
    الله بإرادته يفضح ارادتنا واختيارنا ويكشفنا أمام انفسنا .
    ومن ثم يكون الانسان في كتاب الله مخيرا مسيرا في ذات الوقت .. دون تناقض ... فالله يريد لنا ويقدر لنا حتى نكتب على انفسنا ما نريده لأنفسنا وما نخفيه في قلوبنا وما نختاره في اعمق الأعماق دون جبر او اكراه وانما استدراجا من خلال الاسباب والظروف والملابسات .
    وفي امكان الواحد منا ان يبلغ ذروة الحرية بأن تكون ارادته هي ارادة الله واختياره هو اختيار الله وعمله هو أمر الله وشريعته .. بأن يكون العبد الرباني الذي حياته هي طاعة الناموس الالهي ... فيعبد الله حبا واختيارا لا تكليفا ... فيكون الحر الذي يقول عنه الله :
    " عبدي أطعني أجعلك ربانيا تقل للشيء كن فيكون " .
    انه الحب الذي قال عنه المسيح :
    " لو كان في قلبك ذرة ايمان وقلت للجبل انتقل من مكانك لأنتقل من مكانه " .
    كما يحدث ان نعطي من ذات نفوسنا لمن نحب كذلك يعطي الله من ذاته لأحبابه فيحقق لهم ما يشاءون فيكونون الأحرار حقا مثلما هو الحر حقا .










    هل كانت صدفة :
    .
    يحلو دائما للمفكر المادي ان يقول ان الانسان خلق صدفة ...
    من اخلاط المواد المتخمرة في طين المستنقعات منذ خمسة آلاف مليون سنة حدث بالصدفة تفاعل أدى الى نشأة الخلية ... وهو لا يقول لنا كيف حدث هذا التفاعل ولا كيف حولت الصدفة الطين الى خلية حية .. وانما هو يقول ان هذا الأمر لا بد قد حدث .. واننا لا يجب ان ندهش فالخمسة آلاف مليون سنة زمن طويل جدا .. ولو ان قردا جلس يدق على آلة كاتبة ويلهو بأصبعه مدى خمسة آلاف مليون سنة من الزمان فإنه لا بد سيحدث بالمصادفة أن يكتب بيتا لشكسبير .
    حسنا ... صدقنا وآمنا انه بصدفة فردية لا أحكام فيها ولا تدبير تحول الطين الى خلية حية ... وماذا بعد ... ان المفكر المادي يعود فيهرش مخه ليقول انه بصدفة أخرى تطور الكائن الوحيد الخلية الى كائن متعدد الخلايا .
    ثم يعود فيهرش رأسه ليقول انه بخبطة عشوائية ثالثة تفرع طريق الحياة الى سكتين .. سكة الحياة النباتية التي اختارت النمو الثابت في الأرض .. وسكة الحياة الحيوانية التي اختارت الحركة وراحت تقتحم البر والبحر والجو بنسلها المغامر الطموح .
    وهو لا يكتفي بهذه الصدف وانما يعود فيهرش رأسه ليختلق سلسلة من المصادفات قادت التطور من حيوانات البحر الرخوية الهلامية الى الحيوانات القشرية الى الأسماك الى الضفادع الى الزواحف الى الطيور الى الثدييات ثم يعود فيهرش قفاه ويخرج بمجموعة مصادفات أخرى ليحول بها الكلاب الى حمير الى خيول الى زراف الى نسانيس الى قرود .
    وهي مصادفات يخجل مؤلف سينمائي درجة ثالثة يكتب وهو مخمور فيلما لبنانيا ساقطا ان يكتبها في روايته .
    ولكن المفكر المادي الذي لا يؤمن بالخجل والذي يعتقد انه حفيد بالصدفة لجد ************ يعود فيخلق سيلا من المصادفات يحول بها الشمبانزي الى غوريلا والغوريلا الى انسان .. ثم يفرك يديه ويتنفس الصعداء فقد انتهى من المشكلة وأثبت ان الانسان خلق بالصدفة ويموت بالصدفة .
    ولا أفهم لماذا لا يتركنا المفكرون الماديون نعيش اعتباطا وعلى مزاجنا ما دمنا قد جئنا بالصدفة ونموت بالصدفة
    وما دامت الحياة من بدئها الى نهايتها خبط عشواء في خبط عشواء .. وليس بعدها الا التراب .
    لماذا يثيرون هذه الحروب الدموية ويضربون الناس بعضهم ببعض في معركة مذاهب لا نهاية لها ؟
    لماذا هذا العنف والقهر والجبر والسحق ؟
    ومن أجل ماذا ولا حق هناك .. انما هي مهزلة من المصادفات جاءت بنا الى الدنيا بدون حكمة ثم هي تقضي علينا بدون معنى .. ثم يكون الصمت والتراب والعدم بلا بعث وبلا حساب .. هكذا يقولون .. وهكذا يعتقدون .. فلماذا هذا الجنون ولماذا قتل الناس وذبح الناس .. اذا كانت هكذا عقيدتهم ...
    ولن أناقش حكاية الصدف الساذجة فهي لا تحتاج الى مناقشة ...
    ويكفي ان ننظر الى جناح فراش بنسجه والوانه ونقوشه لنعرف اننا أمام فنان مبدع وريشة ملهمة لم تترك بقعة واحدة ولا خطأ واحدا للصدفة .. وانما هي سمفونية رائعة من الخطوط والألوان .
    بعوضة تافة تضع بيضها على الماء فنكتشف حينما ننظر ان كل بيضة لها كيسان للطفو ...
    من علم البعوضة قوانين أرشميدس لتصنع هذه الأكياس الهوائية لتعويم بيضها على الماء ؟
    أشجار الصحاري وهي تنثر بذورها .. فاذا لكل بذرة أجنحة ..
    من علم الأشجار قوانين الحمل الهوائي ؟
    وكيف أدركت تلك الأشجار التي بلا عقل ان على بذورها ان تقطع مئات وآلاف الأميال في الصحاري بحثا عن ماء فزودتها بهذه الأجنحة .
    من علم الكتكوت ان يدق بمنقاره على أضعف مكان في البيضة ليخرج ؟
    من علم الحشرات فنون التنكر فراحت تتلون بألوان بيئتها لتختفي عن الأنظار ؟
    من علم النحل قوانين العمارة لتبني هذه البيوت السداسية الدقيقة الجميلة من الشمع بدون آلات حاسبة وبدون مسطرة ؟
    من يهدي الطيور في رحلة الهجرة السنوية من نصف الكرة الأرضية الى نصفها الآخر بدون بوصلة وبدون رادار .. عائدة الى أوكارها ؟
    ومثلها مثل الأسماك التي تهاجر عبر المحيطات والبحار لتضع بيضها .
    لماذا لا نعترف ببساطة وبدون مكابرة ان هناك خالقا .. وانه هو الذي هدى رحلة التطور من الخلية الى الانسان .. وانه خلق كل شيء لحكمة وخلق الانسان لهدف !
    لماذا لا نعود الى البداهة والفطرة السوية السليمة التي ترى الإبداع في كل شيء من الذرة الى ورق الشجر الى جناح الفراش الى الشموس والمجرات في السماء ..
    فنصل الى النتيجة البسيطة .. ان مثل هذا الابداع ومثل هذا الخلق لا يمكن أن يكون سدى .. والانسان لا يمكن ان يخلق عبثا ليموت عبثا .. وانما للقصة بقية .. وللموت ما بعده ...
    أم ان الجد الحمار قد خلف آثاره التي لا علاج لها في احفاده المفكرين الماديين الذي يقتتلون على الهباء ويدورون في الخواء .










    قطار اللذة :
    .
    منذ الف سنة كان أقصى ما يطمح فيه انسان ... قطعة أرض وبضعة رؤوس من الماشية .. كان هذا هو الثري الأمثل في ذلك العصر .. وكان أقصى ما يحلم به ذلك الثري هي عربة مطهمة يجرها حصان ليدخل بها مجتمع الوجهاء وأهل الشياكة .
    واليوم نقول عن من يملك العربة والحصان انه عربجي وهو في اعتبارنا من الناس الدون .
    اما أهل الشياكة والوجاهة فقد استبدلوا الأرض بالعمارات .. ثم استبدلوا العمارات بالشركات .. ثم استبدلوا الشركات بمجرد دفتر سندات أو دفتر شيكات بحجم الجيب ... مجرد رأس مال يتوالد من تلقاء ذاته بالأسهم في أي مشروع .
    وانتهى اسطبل المواشي ليحل محله كراج عربات مرسيدس .
    ثم انتهى أمر الكراج وتركه الأغنياء للسوقه والناس الدون ... وصار الواحد منهم يمتلك طائرة خاصة أو مرسى لليخوت أو باخرة .
    وغدا تصبح الطائرات من أملاك الفقراء ويظهر الأغنياء الوجهاء الذين يملكون الصواريخ والسفن الفضائية والأقمار الصناعية وتصبح رحلة الويك اند عشاء ساهرا في المريخ .
    الزمن استدار وانتقل الناس من حال الى حال بسرعة غريبة وأحلام زمان أصبحت الآن متاحة للكل .
    والفلفل والحبهان الذي كانت تحمله السفن من الهند عبر رأس الرجاء الصالح في رحلات مهلكة محفوفة بالأخطار ليوزن بالذهب ويوضع في الخزائن مع المجوهرات ولا يظهر الا على موائد أصحاب الملايين .. ومثله مناديل الحرير الهندي التي كنا نقرأ عنها في بيوت اللوردات في روايات زولا وبلزاك .
    كل هذا نزل ليصبح في متناول السوقة .
    والفلفل والحبهان الآن عطارة الفقراء .
    والحرير طرده النيلون والداكرون والتريلين من السوق فهبط الى نصف ليرة للمنديل وأصبح زينة متاحة للخدم وعاملات المحلات . اي انسان من مستويات الدخل البسيطة يستطيع الآن ان يحصل على كثير من وسائل الترف التي كانت تحلم بها جدتي وجدي ويسيل لها اللعاب .
    ومع ذلك فالبؤس موجود والتعاسة ما زالت هي القاعدة والشكوى مستمرة على جميع المستويات ... تشهد بذلك أعمدة الصحف والأغاني والكتب واخبار الإذاعات ووجوه الناس المربدة المتجهمة في الشارع ومشاكساتهم الدائمة وصدورهم الضيقة بكل شيء .
    لا شيء مما تصور الانسان انه سوف يسعده قد أسعده وهو ما كاد يمتلك ما كان يحلم به حتى زهد فيه وطلب غيره .. وهو دائما متطلع الى ما في أيدي الآخرين غافل تماما عما في يده .. ينسى زوجته ويرغب في زوجة جاره وزوجته أحلى وأجمل .. ولكنها الرغبة التي لا تشبع والتي يتجدد نهمها دائما وتتفتح شهيتها على كل ممنوع ومجهول .
    ولهذا أقام بوذا ديانته على قتل الرغبة والخلاص منها بإعتبارها سبب الشقاء ولا خلاص من الشقاء الا بالخلاص من الرغبة وقتلها والوصول الى حالة من السكينة الداخلية الزاهدة في كل شيء العازفة عن جميع الرغبات .
    والله يكشف لنا الحقيقة بشكل أعمق في القرآن فيقول انه خلق الدنيا ولها هذه الطبيعة والخاصية فهي " متاع " .
    "وانما هذه الحياة الدنيا متاع " .
    و " المتاع " هو اللذة المستهلكة التي تنفد .. من خصائص الدنيا كما أرادها خالقها ان جميع لذاتها مستهلكة وتنفد وتموت لحظة ميلادها .
    في كل لذة جرثومة فنائها ..
    والملل والضجر والعادة ما تلبث ان تقتلها ..
    هي الطبيعة التي أرادها الله للدنيا لأنه أرادها دار انتقال لا دار قرار .. ولهذا جعل كل لذة بلا قرار ولا استقرار .. لانه لم يرد لهذه اللذات ان تكون لذات حقيقية وانما أرادها مجرد امتحان لمعادن النفوس .. مجرد إثارة تختبر بها الشهامة والنبل والعفة وصدق الصادقين وإخلاص المخلصين .
    والذي يدرك هذا سوف يستريح تماما ويكف عن هذه الهستيريا التي تخرجه من شهوة لتلقي به في شهوة وتقوده من رغبة لتلقي به اتون رغبة وتجره من جنون لترمي به في جنون .
    سوف يريح ويستريح ويحاول ان يروض نفسه ويستصفي روحه ويطهر قلبه ويعمل للعالم الآخر الذي وعد به الله جميع ابنائه بأنه سيكون العالم الذي تكون فيه اللذة حقيقية .. والألم حقيقيا .
    وهو لن يندم على ما سوف يفوته من لذات هذه الدنيا لأنه علم تماما وبالتجربة والممارسة انها لذات خادعة تتفلت من الأصابع كالسراب .. وهو قد قرأ التاريخ وعرف ان مال قارون لا يزيد الآن بالحساب الحالي عن مائتين من الجنيهات بالعملة النحاسية .. هكذا قدرت جميع خزائنه بالاسترليني .. وما أكثر من يملك المائتي جنيه الآن من سكان بيروت ويشكو الفقر ويلعن اليوم الذي ولد فيه .. مع انه بحساب التاريخ أغنى من قارون .
    انها الخدعة الأزلية ..
    تحلم بامتلاك الأرض فاذا بالأرض هي التي تمتلكك وهي التي تكرسك لخدمتها ...
    تتصور ان المال سوف يحررك من الحاجة فاذا بالمال يفتح لك أبواب مطالب أكثر وبالتالي يلقي بك في اهتياج أكثر .. وكلما أحرزت مليونا احتجت الى ثلاثة ملايين لحراسة هذه المليون وضمانه ...
    وتدور الحلقة المفرغة ولا نهاية ..
    وهذه طبيعة عالمنا الكذاب الذي نمتحن فيه .
    كلنا نعلم هذا .. ومع ذلك لا نتعلم أبدا .










    راعي شرج الملك :
    .
    من أطرف ما في كتاب الدكتور بول غاليونجي عن طب الفراعنة هذه الفقرة عن الطبيب " خوي " ..
    وقد وجد اسمه مدونا على جدران معابد سقارة وأمامه هذه الألقاب : طبيب القصر الملكي ، عميد أطباء القصر الملكي .. المسيطر على سم العقرب .. المبجل لدى اله الطب .. المقرب لدى أنوبيس . كبير أطباء الوجهين البحري والقبلي .. راعي الشرج .
    كان الطبيب خوي هو راعي شرج الملك تيتي وهذا يعني ان البواسير والناسور مشكلة قديمة قدم التاريخ وانها كانت من أمراض الملوك وانها كانت من الأهمية لدرجة ان يلقب كبار الأطباء بأن الواحد منهم راعي شرج الملك
    . ولم أكن وحدي اذن الذي أصرخ من آلام البواسير فقبل ذلك بثلاثة آلاف سنة كان هناك فرعون عظيم يصرخ مثلي من البواسير اسمه تيتي .
    كانت هذه الحقيقة التاريخية فيها بعض السلوى لي .. والذين جربوا آلام جراحة البواسير يعرفون قيمة لحظة سلوى في زوبعة العذاب التي تثيرها تلك الجراحة .
    وضعت الكتاب جانبي على سرير المستشفى وقد أسعدني ان حالي هو حال الملك تيتي .
    وأعطيت ذراعي في لهفة الى الممرضة لتغرس فيه حقنة المورفين وقد تصورت اني الملك تيتي فعلا .
    وماذا تعني ثلاثة آلاف سنة في عمر الأبدية .
    انها لا شيء .. لا أكثر من ثلاث لحظات .. كل ما تغير في الأمر ان الطبيب " خوي " هو الآن المبجل سليل الآلهة الدكتور عبدالله صبيح .. والمكان مستشفى الشبراويشي ..
    والزمن يناير 69 بعد ساعات من إجارء الجراحة .
    والألم الآن يذكرني بنفسه .
    وكل ما فعله المورفين أني أصبحت أحلم بالألم بدلا من معاناته بعينين مفتوحتين .. وقد كان حلما بطول الليل كله .
    وفي الحلم كنت أرى اني الفرعون تيتي الكافر الذي ألقي في جهنم .
    وفي جهنم اجتمع حولي الزبانية يضعونني على خوازيق من نار ..
    السماء فوقي حمراء كنحاس منصهر .
    والزبانية لا يرحمون .
    والعذاب سوف يكون بطول الأبد .
    وفي الحلم نسيت تماما أنها جراحة ..
    وكان هذا بتأثير المورفين الذي صور لي من الألم المؤقت دراما لا نهائية من العذاب .
    وكانت أسعد مفاجأة ان يطلع علي الصبح ويتبخر ضباب المورفين وأكتشف اني اتألم من جراح سوف تشفى .
    وحمدت الإله الرحيم .
    ما أجمل ان يهبنا الله الزمن الذي لا يدوم فيه شيء .
    كل شيء يمضي ثم يصبح ذكرى .
    أشد الآلام تتحول الى مقالة طريفة تروى وأحاديث حول فنجان شاي .
    أليست معجزة أكبر ان تشفى وتلتئم جراح مفتوحة في مجرى الشرج تتلوث كل لحظة بما يلفظه الجسم من فضلات .. تشفى وتلتئم تلقائيا بدون بنسلين وبدون صبغة يود .. بالقدرة الالهية التي وضعها الخالق في الأنسجة .
    ومن عجب ان الله حشد كل جنده عند مدخل الجسم وعند مخرجه .. عند الفم والحلق واللوزتين تشفى الجراح المفتوحة وتلتئم وهي في مجرى اللعاب الملوث والأنفاس المحملة بالأتربة والجراثيم .. وتقطع اللوزتان فيلتئم مكانها بلمسة ساحر .
    وعند الشرج حيث تخرج الفضلات تموج بالميكروبات القاتلة تلتئم الجراح المفتوحة بقدرة القادر الذي سلحنا بأمضى أسلحته .
    ولعل هذا هو السبب في الآلام حول منطقة الشرج حيث وضع الخالق أقوى شبكة من الأعصاب ونشر قنوات وأنهارا من الدم والليمف ورصد الملايين من الكرات البيض والخلايا الحارسة التي تلتهم كل ميكروب وافد فلا تبقي عليه .
    وبعد هذا يشك شك في العناية والرحمة .
    ويقول مفكر سطحي مثل سارتر اننا قد القي بنا في العالم بدون عون وقذفنا الى الوجود لنترك بلا عناية وبلا رعاية .
    ولو أن سارتر تعلم الطب كما تعلم الأدب ودرس الانسان كما درس الوجود لعرف حقيقة نفسه ولقال كلاما آخر .
    ولهذا تخطر لي أحيانا فكرة الحاق كلية الأدب بكلية الطب .. فالانسان والوجود حقيقة واحدة . ولا يمكن ادراك الواحد دون ادراك الآخر . وملامح الروح مكتوبة على الخلايا وليست على كتب ارسطو .
    وشفرة العناية الالهية مكتوبة على أوراق الشجر وعلى مناقير الحمام وبتلات الورد .. الدودة التي يجعلها الله خضراء بلون الغصن الأخضر ليجعلها أقدر على الإختفاء عن عدوها .. والفراشة الملونة بلون الوردة .. والسلحفاء الصفراء بلون الصحراء .
    بشرة الزنجي التي تتلون في الشمس الإستوائية فتصبح سوداء كمظلة منصوبة عليه طول الوقت لتقيه لفح الشمس.
    والبشرة البيضاء البللورية الشفافة لأهل الشمال حيث تختفي الشمس طول الوقت خلف الضباب وحيث يشح الضوء لدرجة تجعل الجسد في حاجة الى امتصاصه عن أي طريق مثل تلك البشرة الشفافة الزجاجية .
    أجسام الحيتان التي صاغتها العناية تلك الصياغة الانسيابية كغواصات .. وكل سمكة وقد منحتها الطبيعة كيسا يفرغ ويمتلئ بالهواء لتطفو وتغوص كما تريد .
    أفواه الحشرات وقد شكلتها العناية على الف صورة وصورة حسب وظائفها .. الحشرة التي تمتص كالذبابة تشكل فمها على صورة خرطوم . والحشرة التي تلدغ كالبعوضة تشكل فمها على صورة ابرة . والحشرة التي تقرص كالصرصور زودتها الطبيعة بمناشير ومبارد .. والدودة التي تتطفل على الأمعاء زودتها الطبيعة بخطاطيف وكلابات حتى لا تقع في تجويف الأمعاء وتجرفها الفضلات .
    وكلما تكاثر الأعداء على مخلوق أكثر الخالق من نسله فدودة الاسكارس تبيض أكثر من مليون بيضة في الشهر وتنجب أكثر من مليون دودة .
    وفي متاهات الصحاري حيث يشح الماء وتندر العيون خلق الله للأشجار بذورا مجنحة لتطير مع الرياح في الجهات الأربع وتحط في الف شبر وشبر من الأرض وترحل مسافات شاسعة وكأنها بعثات استكشاف تذرع الصحاري .
    والخفاش الأعمى والذي لا يطير الا في الليل زودته الطبيعة بأمواج الرادار يستكشف بها طريقه .
    والكتكوت الوليد ترشده الغريزة الى أضعف مكان في البيضة فينقرها ليخرج الى الوجود .
    والزنبور يعرف مكان المراكز العصبية عند فريسته فيحقنها بالسم ويشلها وكأنه جراح ماهر درس التشريح .
    والنمل الذي قادته فطرته الى اكتشاف الزراعة وتخزين المحصولات قبل ان يكتشفها الانسان بملايين السنين .
    وحشرة الترمبيت التي عرفت تكييف الهواء في بيوتها قبل ان يعرف الانسان الأبواب والشبابيك .
    ان كل خطوة تخطوها في الطبيعة حولك تجد فيها أثر الرحمة والعناية والرعاية .
    لم يقذف بنا الى الدنيا لنعاني بلا معين كما يقول سارتر .
    ان كل ذرة في الكون تشير بأصبعها الى رحمة الرحيم .
    حتى الألم لم يخلقه الله لنا عبثا .. وانما هو مؤشر وبوصله تشير الى مكان الداء وتلفت النظر اليه .
    ألم الجسد يضع يدك على موضع المرض ..
    وألم النفس يدفعك الى البحث في نفسك .
    وألم الروح يلهمك ويفتح آفاقك الى إدراك شامل فالدنيا ليست كل شيء ولا يمكن أن تكون كل شيء وفيها كل هذه الآلام والمظالم . وانما لا بد وان يكون وراءها عالم آخر سماوي ترد فيه الحقوق الى أصحابها ويجد كل ظالم عقابه .
    وبالألم ومغالبته والصبر عليه ومجاهدته تنمو الشخصية وتزداد الإرادة صلابة واصرارا ويصبح الانسان شيئا آخر غير الحيوان وغير النبات .
    ما أكثر ما تعلمت على سرير المستشفى .
    وشكرا لأيام المرض وآلامه .










    السم والترياق :
    .
    لكل شيء آفة من جنسه
    حتى الحديد سطا عليه المبرد
    الله خلق لكل شيء آفته التي تعتدي عليه ...
    خلق القطن وخلق دودة القطن
    خلق النبات وخلق الجراد
    خلق الاسنان وخلق السوس
    خلق العين وخلق الرمد
    خلق الأنف وخلق الزكام
    خلق الثمرة وخلق العفن
    خلق الانسان وخلق معه جيشا من الأعداء لإغتياله من قمل وبق وبراغيث وبعوض وديدان وبلهارسيا وميكروبات وسل وجذام وتيفود وتيفوس وكوليرا وقراع وصديد .
    وخلق الحياة وخلق الحر والبرد والصقيع ورياح السموم .
    لم يرد بالدنيا أن تكون دار سلام ... وانما دار حرب وصراع وبلاء وشد وجذب وكر وفر .
    لأنه علم بحكمته ان حياتنا الدنيوية اذا اخلدت الى الراحة والأمن والدعة والسلام ترهلت وتخنثت وضعفت وانقرضت .
    وعالم الفسيولوجيا يقول لك ان سم الميكروب يحفزالنسيج الى الاحتشاد ... كما تدفع لسعة البرد الدم الى الشرايين .
    ان العدوان المستمر الذي جعلته الطبيعة شريعتها في الأرض اراده الله لمخلوقاته تحديا مستمرا .. ليشحذ كل مخلوق وسائله ويبدع ويبتكر ويحتشد ويخرج أحسن ما يختزن من طاقات
    ويكون دائما على أكمل الصور الممكنة .
    وبدون هذا التناقض والصراع والجلاد كان مصير الحياة الى ضمور وتجاذل وتكاسل ثم انقراض تدريجي ...
    وهذا ما نشهده في الأفراد والأمم حينما تخلد الى الراحة والترف ويطول بها حبل الأمن والسلام والدعة .
    وكما خلق لنا الله المرض خلق لنا الدواء في عشب ينمو تحت أقدامنا .. وفي شراب في الينابيع التي تتفجر حولنا في كل مكان ... وفي العناصر الكثيرة تحت الأرض وفوقها ... وأمدنا بالعقل الذي يبحث وينقب .
    وللحكمة ذاتها القى الله وسط الدول العربية المتخاذلة المترهلة بعدو شرس هو اسرائيل ... ومكن لهذا الجسم الغريب ليكون حافزا الى اليقظة والاحتشاد .
    اسرائيل هي الميكروب .
    هي التحدي القائم في الجسم العربي ليثبت حيويته ويشحذ طاقاته ويهب من نومه الطويل وينتفض من تخلفه .
    وبرغم كل ظواهر اليأس فأنا متفائل شديد الثقة بالمستقبل .
    فالسنن الكونية والقوانين الالهية تعمل عملها في الكيان العربي .
    وما نعيش فيه من كارثة أراها على العكس مظهرا من مظاهر القانون الأزلي لتصحيح الأشياء ... فبهذا التحدي المستمر وبهذا الخنجر المسموم المغروس في أحشائنا سوف نحتشد في جسم موحد طال بنا الزمن أو قصر ... لنواجه محنه ان نكون أو لا نكون ... وما نعيش فيه الآن هي أيام الحمى التي تسبق الشفاء .
    ان خلافاتنا الداخلية وانقساماتنا الداخلية اشبه بالصديد الذي يتخلف في الجراح من جراء التهاب النسيج بالسم الميكروبي والأجسام المضادة التي يفرزها ...
    وهي مرحلة يليها تدفق الدم من النسيج المحتقن ليغسل كل شيء ثم يعقب ذلك الالتئام والشفاء .
    هي أشياء نتعلمها مما يجري على النسيج الحي حين يعدو عليه الاعداء .
    وهي قوانين ازلية وضعها الله للخلية والجسم الحي والأمة والامبراطورية ... ولا يستطيع ان يشذ عنها مخلوق .
    ان الذي يجعل من واقعنا الحالي سببا لليأس لا يفهم الدنيا ولا يفهم التاريخ .
    لقد تقاتلت الأمة الأمريكية قبل ان تتوحد في حرب شرسة بين شمالها وجنوبها ... وكذلك الصين ... فلم يقل أحد انها انتهت أو انها كتبت وثيقة فنائها ... بل العكس هو ما حدث ... فقد كتبت بهذا الدم ميلادها ...
    وفي الحساب الأزلي للأرباح والخسائر ... وفي سجل التاريخ ... لا تضيع نقطة دم واحدة ... ولا تهدر ضحية ... وانما لكل شيء دوره في صياغة النصر النهائي .
    والنصر دائما للحق والخير .









    الرد على التساؤلات :
    .
    تصلني أحيانا من القراء تعليقات حادة وتساؤلات حول مقالاتي الأخيرة ... والبعض يلتقط عبارات من كتب قديمة صدرت لي منذ عشرين عاما محاولا ان يشهد الناس ... كيف كنت ملحدا ثم أصبحت مؤمنا ... يا له من تناقض وجريمة لا تغتفر لمفكر ...
    ويبدو ان المفكر الأمثل عندهم هو قطعة رخام لا تنتقل من مكانها أو مستنقع أسن لا يتجدد ماؤه أو حياة خاملة راكدة آلية لا تتطور ...
    ويتصور الواحد منهم الفضيلة والذمة في ان يكتشف الكاتب خطأه فلا يصححه ولا يرجع عنه .
    ويتصور الكمال في العجرفة الفكرية والجمود والتعصب والثبات ولو على خطأ " طالما ان هذا الخطأ في صالحهم " .
    ولو كنت مؤمنا تحولت الى الالحاد لأخذوني بالأحضان ولقالوا هذا هو الفكر الشريف بحق ... هذا هو رائد النقد الذاتي .
    ولكن لما كان نقدنا لذواتنا على غير هواهم اصابهم عمى الألوان فرأوا الأبيض أسود ورأوا الفضيلة رذيلة والذمة خيانة .
    ولقد حارب خالد بين الوليد ضد الإسلام بشراسة وانزل الهزيمة بالمسلمين في أحد ... ثم آمن وحمل لواء الدعوة وأصبح سيف الله المسلول فلم يقل أحد انه رجل متناقض بلا مبدأ .
    وحارب عمر بن الخطاب الدعوة الإسلامية في بدايتها بضراوة ثم اعتنق نفس الدين الذي سبه وسفهه وحاربه ... فلم يشكك أحد في ايمانه ولا في صدقه ولا في ذمته .
    والانسان في شبابه مندفع بطبيعته يؤمن بالساذج البسيط الواضح الملموس امامه ولهذا فهو يستريح الى المادية والفكر المادي لأنها لا تطالبه بشيء غير الوجود امامه فهي تبدأ من القريب المحسوس ولا تتجاوزه ولا تجهد الذهن استخلاصا للحكمة من ورائه ... بل انها لا تعتقد في وجود حكمه ... لا شيء سوى المادة التي تتطور تلقائيا بقوانينها الجدلية الخاصة .
    والمفكر المادي لا يحاول حتى ان يسأل نفسه من الذي وضع في المادة قوانينها الجدلية هذه .
    وهو يرفض الدين لأنه غيبيات .
    وهو نفسه غارق في الغيبيات الى اذنيه
    بل ان العلم نفسه الذي يتشدق به ويحتكم اليه غرق في الغيبيات هو الآخر .
    العلم يتكلم عن الاكترون على انه حقيقة ... ولم ير احد الالكترون ... ولا نعلم عن الالكترون الا آثاره ... أما الالكترون ذاته فهو غيب .
    وبالمثل الموجه اللاسلكية لا نعلم عنها الا آثارها في عمود الإرسال وجهاز الإستقبال ... لم ير تلك الموجه الأثيرية ولم يعرف أحد كنهها .
    بل الكهرباء ذاتها هي الأخرى طاقة لا شك فيها ومع ذلك فهي مجهولة الهوية تماما ... ولا نعرف عنها الا مجموعة آثارها الظاهرة من حرارة الى ضوء الى حركة مغنطيسية .
    فاذا قلنا لهم ان الله بالمثل عرفناه بآثاره وان هويته غيب لم يعجبهم كلامنا .
    بل ان المفكر المادي يقول في جرأة عجيبة ... " في البدء كانت المادة ثم تطورت المادة الى كافة صور الحياة والفكر " وكأنه كان موجودا لحظة بداية الخلق متربعا في كرسي بلكون يتفرج على ميلاد الدنيا .
    هو يتكلم عن الغيب ويبدأ من غيب ... ولا يملك الا افتراضات واحتمالات ونظريات .. ثم يتهمنا نحن بالغيبية .
    وهؤلاء هم دراويش المادية لا وسيلة لإقناعهم لأنهم لا يريدون اقتناعا ... وانما هم اختاروا الجمود العقائدي وتشنجوا عليه واستراحوا الى ما فيه من تبسيط مخل وتلخيص ساذج للحقائق الكونية ... وليس أبعث للراحة من اعتقاد الانسان انه لا مسؤولية هناك ولا بعث ولا حساب وان له ان يفعل ما يشاء لا رقيب عليه ولا حسيب سوى البوليس والمخابرات .
    ومثل هذه العقيدة المادية أقرب الى قلب الشباب المندفع الذي يريد ان ينطلق على هواه بلا علامات مرور وبلا ضوابط وبلا مساءلة .
    وليس صحيحا ان المفكر المادي هو الذي اعطانا حياتنا المتقدمة بما فيها من قطارات وعربات وطائرات وصواريخ وراديو وتلفزيون ... فهذه الأشياء هي عطاء العلم ... والعلم تراث متاح للكل ... ولا مذهب له ... يطلبه رجل الدين كما يطلبه رجل الفكر من يمين ويسار .
    كان العلم يرفع راياته في مصر الفرعونية الوثنية كما كان يرفع راياته في صدر الإسلام .
    العلم تراث بشري لا يستطيع ان يدعي أحد ملكيته وليس صحيحا ان الدين يناقض العلم .
    وديننا يأمر بالعلم في أول آية من القرآن " اقرأ " .
    امر صريح بالعلم والتعلم في أول حرف نزلت به تعاليمنا السماوية .
    والعلماء عندنا هم ورثة الأنبياء وهم في القرآن في درجة الملائكة " شهد الله انه لا اله الا هو والملاكة وأولو العلم " . والذي يتصور تناقضا بين الدين والعلم لا يعرف ما الدين ولا ما العلم ... وانما هو يريد ان يختلق لنفسه مبررا للرفض . وما أسهل الرفض .










    إنذار :
    .
    اربطوا الأحزمة على المقاعد
    هذه العبارة التي تظهر بالنور الأحمر في كل طائرة كلما بدأت في الهبوط أو الإرتفاع منذرة بأن تغييرا خطيرا يقع .. أشعر الآن بأن مثل هذه العبارة تظهر في عربة الحضارة التي نركبها جميعا نحن الجنس البشري في هذا الزمان منذرة بالهبوط الى أسفل..
    اسمع هذا النذير .. بأننا يجب ان نربط الأحزمة على المقاعد .. ليس لأننا نرتفع .. وانما لأننا نهبط .. ونهبط .. ونتدهور ..
    المذابح في فيتنام .. القتل الجماعي في نيجيريا .. احراق اللاجئين في الأردن .. تفجير القنابل الهيدروجينية تحت الأرض وتحت البحر .. واطلاق صواريخ مدارية تحمل الموت في أحزمة حول الأرض ..
    في الشرق والغرب يخرج الوحش البشري مخالبه ويلوح بأنيابه .. لم يعد يستحي ولم يعد يخجل .. لم يعد يلجأ الى اسلوب الديبلوماسي المهذب الذي يتكلم باسم الحرية والديمقراطية وتحرير الشعوب من الاستغلال والاستعباد .. لم يعد يرفع راية السلام ويردد الشعارات النظرية البراقة ويسوق المنطق الفلسفي المحكم .. وانما كشف النقاب فجأة عن حقيقته .. فاذا بنا أمام دول كبرى تريد ان تسود .. وقوى تتصارع على السلطة لا غير .. المعسكر الشيوعي خرج منه عملاقان يبادلان بعضهما العداوة أكثر مما يبادلان عدوهما المشترك الرأسمالية .. مناقضين بذلك منطوق الشيوعية ذاتها وكأنه مجرد حبر على ورق .. لم يعد التاريخ يحركه صراع الطبقات فها هنا معسكران هائلان .. بروليتاريا .. وبروليتاريا وكلاهما يتصارعان ..
    والرأسمالية بدورها تمارس علنا أبشع جريمة في التاريخ على أرض فيتنام .
    والأساطيل راحت تذرع البحار تستعرض عضلاتها .
    والطائرات انطلقت تزمجر في الجو وتتنافس في بث الرعب .
    والأقمار الصناعية راحت تتسابق في التجسس .
    والصواريخ .. كل صاروخ يقول للاخر .. أنا أطول منك مدى .
    القوة .. القوة .. القوة ..
    الحضارة المادية انتهت الى تسخير العلم لصناعة القوة .. لابتكار وسائل الموت .. المجاعة ونقص التغذية والفاقة تفترس قارات .. والملايين والبلايين ترصد للسلاح .. وفائض القمح يلقى في البحر ليرتفع سعره .
    لقد افلست الحضارة المادية ..
    وأني اعلن افلاسها .. وأشعر بأن عربة الحضارة تهبط بنا الى أسفل وأسفل وأسفل ..
    وأن علينا ان نربط الأحزمة على المقاعد استعدادا للخطر الماحق ..
    وعلينا ان نواجه انفسنا بالحقيقة ونكف عن ترويج الأكاذيب ونكف عن التشدق بحريات لا وجود لها ..
    فقد عادت عصور المرتزقة والانكشارية ..
    وهناك الوف يقبضون مرتباتهم لأنهم يقتلون تحت أي راية .
    والجاسوسية تحولت الى فن .. " كيف تكون جاسوسا مزدوجا " تتجسس لأمتك وضدها وتعمل بذمتين ولحساب من يدفع أكثر ..
    والمذاهب تحولت الى ذرائع للسلطة وللاستهلاك الصحفي وتبرير تحكم الأقوياء في الضعفاء وظلم الأقوياء للضعفاء واستبداد الأقوياء بالضعفاء .. وهذا اعلان افلاس حقيقي ..
    لقد عجزت الفلسفة المادية ان تصنع انسانا وان كانت قد صنعت قنبلة ونحن ماضون الى سقوط محقق ان لم نبادر الى تغيير دفة المركبة الحضارية كلها في اتجاه آخر .
    هذه المرة ليس نحو فلسفة مادية .. ولكن نحو فلسفة تعترف للانسان بروح وذات خلقها الله حرة جديرة بالخلود .
    العودة الى فلسفة روحية تأخذ من العلم كل ما يعطيه وتضيف عليه من خصبها .
    ومن أين تخرج مثل هذه الفلسفة الا من الشرق !!
    فهل يعود الالهام فينبع مرة أخرى .. وهل تشرق شمس جديدة .. أم اننا نهبط الى هوة النهاية ؟.






    وهكذا تم الإنتهاء من الكتاب ... أرجوا أن تستفيدوا منه .. كما استفاد غيركم من قبلكم

    ولكل من لم يقرأ الكتاب ... أنصحه بشدة على قراءته ... قد لا تحب القراءة مثلي .. لكن

    هذا الكتاب سيعجبك جدا ... على خلاف بعض الكتب الأخرى التي قد تكون مملة نوعا

    وأعتذر ان كانت هناك أخطاء إملائية

    وفي النهاية .. أتمنى من الله أن يوفقني ويوقفكم لكل ما يحبه ويرضاه . وأن يحسن خاتمتنا


    وفي حفظ الرحمن ورعايته

    أخوكمـ --- ALBRQ





    التعديل الأخير تم بواسطة ALBRQ ; 22-7-2008 الساعة 10:04 AM

  2. #2

    الصورة الرمزية دونا كارولينا

    تاريخ التسجيل
    Oct 2006
    المـشـــاركــات
    589
    الــــدولــــــــة
    اليابان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: أقوى الكتب تأثيرا ... كتاب [الشيطان يحكم][كامل]

    تمت المصادقة على الموضوع

  3. #3

    الصورة الرمزية الفجر القريب

    تاريخ التسجيل
    May 2008
    المـشـــاركــات
    6,398
    الــــدولــــــــة
    لا يوجد
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: أقوى الكتب تأثيرا ... كتاب [الشيطان يحكم][كامل]

    أخي العزيز
    يعجز اللسان على شكرك
    جهد مبذول عليه لإفادتنا بارك الله فيك

  4. #4

    الصورة الرمزية الحائر !

    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المـشـــاركــات
    4,660
    الــــدولــــــــة
    استراليا
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: أقوى الكتب تأثيرا ... كتاب [الشيطان يحكم][كامل]

    أعجبتني فقرة .. 418 نعشاً ..

    شدني العنوان .. فقرأتها ..

    مشكووووووور أخوي على الموضوعـ .. وبالتوفيقـ .. ^_^

  5. #5


    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المـشـــاركــات
    355
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: أقوى الكتب تأثيرا ... كتاب [الشيطان يحكم][كامل]

    أن تكتب كل هذا بنفسك ...هذا أمر يثير اﻻعجاب

    جزاك الله خيرا
    احتفظت به على جهازي في ملف وورد ﻷني ﻻ أستطيع قرأته مرة واحدة

    أتمنى أﻻ تحرمنا من هذه الكتب نادرة الوجود

  6. #6

    الصورة الرمزية سومرايا

    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المـشـــاركــات
    180
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: أقوى الكتب تأثيرا ... كتاب [الشيطان يحكم][كامل]

    مشكووووووووووووور اخوي

    يــعطيك ألــف ألــف ألــف عــافية

    سومرايا

  7. #7

    الصورة الرمزية ،، سيجان ،،

    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المـشـــاركــات
    1,868
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: أقوى الكتب تأثيرا ... كتاب [الشيطان يحكم][كامل]

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بارك الله فيك اخي .... مجهود جبار وكله بخط اناملك

    فجزاك الله كل الخير ...

    اعجبتني بعض النقاط ولي عودة لقراءة التفاصيل

    بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء

  8. #8

    الصورة الرمزية hitomy

    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المـشـــاركــات
    736
    الــــدولــــــــة
    اليابان
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: أقوى الكتب تأثيرا ... كتاب [الشيطان يحكم][كامل]

    تسلم ALBRQ على الكتاب
    مجهود فعلا قوي
    لكن لدي سؤال بسيط
    لم لا يباع الكتاب في المكتبات ؟؟
    أبه بعض الافكار المضللة أم ماذا ؟
    سلام

  9. #9

    افتراضي رد: أقوى الكتب تأثيرا ... كتاب [الشيطان يحكم][كامل]

    السلام عليكم
    شكرا على المجهود الرائع وبعض المواضيع اعجبتني كثيرا

  10. #10

    الصورة الرمزية Rima Black

    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المـشـــاركــات
    22
    الــــدولــــــــة
    مصر
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: أقوى الكتب تأثيرا ... كتاب [الشيطان يحكم][كامل]

    من أروع الكتاب الذين قرأت لهم هو مصطفي محمود

    و شكراً علي مشاركتنا الكتاب و هو فعلاً جميل

    و سأقراءه كاملاً إن شاء الله

  11. #11

    الصورة الرمزية ~ MissCloud ~

    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المـشـــاركــات
    2,373
    الــــدولــــــــة
    مصر
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: أقوى الكتب تأثيرا ... كتاب [الشيطان يحكم][كامل]

    يالله ما هذا المجهود الجبااار...

    جزاك الله كل كل خير...


    وسلمت يدا حضرتكــــ ...

    وكاتب مثل مصطفى محمود جدير بقراءة اي كتاب له...

    واكرر شكري الجزيل

    أتوقف عند هذا القدر...


    يوتشيها ساسكي !

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...