[إبداع] [ رِوَايـَة] نِدَاءُ قَلِبٍ يُدْعَى..عَذّارِي

[ شظايا أدبية ]


النتائج 1 إلى 2 من 2

مشاهدة المواضيع

  1. #2

    الصورة الرمزية للذكرى حنين

    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المـشـــاركــات
    1,537
    الــــدولــــــــة
    السعودية
    الــجـــــنــــــس
    أنثى
    الـتـــقـــــيـيــم:
    كاتب الموضوع

    Post رد: [ رِوَايـَة] نِدَاءُ قَلِبٍ يُدْعَى..عَذّارِي



    .
    .
    .

    أولًا أعتذرُ لتأخري في إدراج الفصل ، لعدة ظروف





    الفصل الثاني : واكتملَ القِطافُ ..

    أو بعنوان : صَدَاقَة..

    "عندما تشتدُّ العتمة من حولنا ، يظهر ذلك الوميضُ الدافئ لقلوبٍ تشعر بنا ،


    وتغمرنا بضيائها حبًا ووفاءً ، هم لقلوبنا البلسم .. فحقَّ لنا أن نبتسم ، مهما كان عمقُ الألم"





    لستُ أدري لمَ كانت المراحل الأولى من (المراهقة) لديّ أسرع اللحظات نومًا في ذاكرتي، لكنها تتابعُ كلما تذكرتُ واحدًا أو اثنين من مواقفها..
    في طفولتي، تمسكتُ بأختي كثيرًا ، فكيفَ لفتاةٍ في شخصيتي أن تكونَ لوحدها في عالمٍ مجهول؟! أما عندما انتقلتُ إلى المرحلةِ المتوسطة (الإعدادية) فقد قُدّر لي ألا أقبل في مدرستها..وزاد الأمر أن كانت مدرستي بعيدةً عن المنزل..
    أردتُ أختي، لا لأنني أتبعها بل لأنني أقدم على عالمٍ مجهول، وهي كانت كفراشتي المفضلة ألاحقها دومًا وأسترشدُ بها.. لكنني حينها فكرتُ أكثر، وقررتُ أن أبدأ بنفسي.




    ثوبي الكحلي كان مميزًا، ثوبٌ واسعٌ مع حزامٍ في المنتصف، أشبه بفستانٍ يحتوي قطعتين ، الأولى ممسدة والثانية أشبه بمثلثاتٍ بارزة..وحين دلفتُ للمدرسة داهمني الخوف، تراجعتُ قليلًا ثم استجمعتُ شجاعتي وتقدمتُ وللوهلةِ الأولى وجدتُ أن كافة أزياء الفتيات تخالفُ زيي ، فاصطبغتُ حياءً..


    حاولتُ التعرّف على العالمِ الجديد، على فتيات المتوسطة ، لكنني لم أفلح، فخجلي وكذا حذري يمنعاني كثيرًا من أن أتجرأ على البدء بصداقةٍ جديدة..تمَّ توزيعنا على الفصول، ودخلتُ فصلي لأتصفح وجوه زميلاتي ، فلم أجد ضالتي

    ..
    وقت الفسحة ، تراكضت الفتيات خارج الفصل ، وشاهدتُ من بعيدٍ فتاة بيضاء ، بدا لي أنها كما أنا ، نسخةٌ أخرى من روحي البريئة ، فجمعتنا الأيام .
    .
    مرَّ الوقت عندها، كنتُ و (منال) صديقتين رابطهما خيطٌ جميلٌ عنوانه الصداقة الهادئة، لم أكن ممن تحبُّ الصخب أو إثارة المشكلات ، وكانت (منال) شعلةَ نشاطٍ و توقد تفكير..وكانت المواقف معها ذات طعمٍ لذيذ حقًا، يلتصقُ بالذاكرة ولا يغادرها..لكنّنا لم نقترب من بعضنا لنعنون صداقتنا بالـ"حميمة"..


    يومًا ما، كنا معًا نتمشى عبر الممرات ، شاهدتُ فتاتين ترمقاني ، ثم استوقفتانا وسط تعجبي لتسألني إحداهما : ما اسمكِ؟
    - (عذاري)
    بدا وكأن الفتاتين تعرفاني ، وهذا ما أثار فضولي وتعجبي ، ردت إحداهما : يبدو شكلكِ أنكِ من أهل فلان..فوافقتها،لتردَّ: ذلك واضحٌ من تقاطيعِ وجهكِ ، وكذا نحنُ من أهلهم أيضًا، ثم أتبعت كلامها بذكرِ الأسماء ، ويبدو أن هذه كانت بوادرَ توسّع معارفي..فقد كنتُ أشاهد ابنة عمّ والدتي وأعرفها لكنني لا أجسر على التحدثِ معها، وبعد أيامٍ استجمعتُ شجاعتي وذهبتُ إليها ، بعد السلامِ عرّفتني على أخرى من ذات العائلة، ثم حادثتني قريبتي .. وأثناء الحديث ذكرت أنها تركبُ الحافلة ، فتذكرتُ أن أهلي قد اعتزموا إدخالي للحافلة، فقررتُ عندها أن أركب معها الحافلة اليوم..


    ركبتُ الحافلة، وقامت قريبتي بعملية الوصف لطريق منزلي حتى وصلتُ للبيت ، وكانت مفاجأتي الأولى بعد الدخول أن رأتني أمي ثم هتفت : لمَ لمْ تخرجي مبكرًا ؟
    - ماذا؟ خرجتُ مبكرًا اليوم !
    - حسنًا ، أينَ أبوكِ ؟
    - لا أدري!
    - إذن من أحضركِ إلى هنا ؟
    - سيارة الأجرة .( قصدتْ بذلك الحافلة)
    - يا ساتر! ما الذي جعلكِ تركبينها ؟ لم تقولي لنا ، ولم نقُل لكِ !!
    - لكنكم أردتم أن أركبه فركبته !!

    وقتها ، بدا لي أنني وضعتُ خطة سريعة ثم نفذتها بلا حسابٍ لأهلي ، خططتها ببراءةٍ صرفة، على اعتبار أنهم " أرادوا" ففعلتُ ..ثم اتصلت والدتي بوالدي ليرنّ الهاتف في المنزل ويزيد الطين بلّة ..


    والدي المسكين ، كان قد بحث عني ولم يهدأ له بالُ طوال الوقت ، كلّم الحارس ، وطالب بالبحث عني ، وكانت المعلمات يبحثن في كل شبرٍ في المدرسة ، وربما فتشوا الشوارع قرب المدرسة ، وذهب أخي لطمأنة والدي وإعادته..


    وبخني والدي وقتها ، وبكيتُ ، ثم قال : لا تركبي الحافة حتى أخبركِ ..
    - أأركبها غدًا ؟
    - لا ، انتظري حتى أتفق مع السائق ..
    - حسنًا..

    حينها ، أحسستُ أن ضميري ينهشُ فيّ ، وأن التأنيب بدأ يظهر لسرعة تصرفي، ولذا قررتُ انتظار والدي في اليوم التالي وخرجتُ مبكرًا ، لأجده أخي الأكبر ،أردتُ والدي حينها؛ لذا أحسستُ بالضيق ، لكنني علمتُ أن والدي أوصاه أن يوافيني مبكرًا.. وبعد عدة أيام ركبتُ الحافلة بعد اتفاق والدي مع السائق..


    لأعدْ لـ(منال) قليلًا..(منال) صديقتي لم تكنْ لتحبَّ (ندى) القصيرة ، وبالنسبةِ لي فـ(ندى) فتاةٌ عادية ، لم أكن لأعدها في قائمة أعدائي بحجة أن (منال) لا تطيقها، وحدثَ أن مررنا بـ(ندى) يومًا فهتفت منال: الطولُ عزٌّ ، والقصر حبة أرز !
    وقتها ، بدا أن عيوني ستغادر محجريها من المفاجأة ، صمتَّ انشداهًا بكلامها ومرَّ الموقف على خير..


    وبعد شهرٍ ونصف ، افتُتحت مدرسة جديدة قرب المنزل ، فانتقلت إليها مع أختي ، ليعود شملنا من جديد..واعتدتُ على المدرسة الجديدة وكذا فهمت الكثير من مواقف الحياة..وجدتُ هناك (سعيدة) فعادت صداقتنا لتقوى و تكبر..ويشتدَّ عودها..فكنّا ننزلُ من الحافلة قريبًا من منازلنا ، ثم نتسابق للوصول إلى المنزل ، ومرةً دعتني لمنزلها فرضيتُ على خوفٍ مني ، ورأيتُ حديقة مزدانةً بالورود لديهم، ثم أعجبني تصميم المنزل البديع ..لكن زياراتي لم تكن بالكثيرة لها ، وإن شئتُ الدقة فهي نادرةٌ وشبه معدومة..

    أما مستواي الدراسي، فلم يكن في السنة الدراسية الأولى ليصل إلى درجة الممتاز، وظل كذلك حتى السنة الثانية ثم تغير بسبب حادثةٍ صغيرة ، حيثٌ تألفت الامتحاناتُ من نظام يقضي بتقسيم الدرجات إلى قسمين على امتحانين : أحدهما يحوي 8 درجات والآخر يحوي 7 درجات ، وكانت معلمتي لمادة التوحيد صارمةً في صياغة الأسئلة ؛ للدرجة التي أطلقت الفتيات على أسئلتها وصف " النار المشتعلة" ووافقتهم أختي في وجهة النظر تلك، وكان مني أن آخذ الكلمات بصدقٍ خالصِ، ولذا قلقتُ كثيرًا ، لكن يقيني أنني إن قلتُ لشيءٍ : هذا صعب فسيكون كذلك ، وأنني إن قلتُ العكس لكانه ، فعزمتُ أن أكسر مقولة العجز تلك ، وأحرزتُ الدرجة 8 من 8، فطرتُ فرحًا ، وعند تصفحي لورقتي وجدتُ أن معلمتي قد أكرمتني بزيادةِ درجة ، فحذفتها وأصلحتُ العلامة ، ثمّ عدتُ للبيتِ جذلى أركضُ لأخيتي وأريها ، هتفتُ : انظري أختاه ، أحرزتُ هذه العلامة، أتذكرين يوم قلتِ ( نار) وما شابه ؟! انظري ..
    نظرت إليّ شزرًا ثم ردت ببرود : لكنكِ لم تأخذي الدرجة الكاملة*؛ ولذا احتسبي أن سؤالكِ الذي أخطأتِ فيه صعبٌ .


    رددتُ: بل هي سهلة ، لكن هذا خطأ واحد فقط ، ثم إن معلمتي احتسبت الأمر خطأ فعدت الإجابة صحيحة
    .
    ساد الصمتُ وتضاربت داخلي مشاعر أخرى ، تساءلتُ : لمَ لم تهنئني بدل الاحتجاج ؟ ، لكنني كنتُ أيضًا سعيدة بنجاحي وتخطيَّ عقبة " لا أستطيع ، إنها صعبة ..إلخ"، ومن يومها رسمتُ نصّي **، فهمتُ ما تعني كلمة (حياة) وما يعني أن يكون للمرء فكر ، وطريق .. وعيتُ الكثير من الأمور ووقتها ..خططتُ لي شارعًا في مدينة الحياة ، وكانت أولى خطواتي المرسومة هي أن أحصل على المركز الأول..ونتج عنها أن حصلتُ عليه على مستوى فصلي ، و أحرزتُ المركز الثالث على مستوى فصول سنتي..


    عجِبت الفتيات مما أحرزتُ ، وبدأت بعض النفوس تتضح ، فهذه تحزن وأخرى تسأل ، وبدأ سباق التحدّي لأكون من ركب الأوائل.



    وحينما لامس الشتاء أجفان الدنيا ، دلفتُ مرةً إلى غرفةِ المعلمات لأسلّم الدفاتر ، رمقتني المعلمةُ ثم ابتسمتْ ، وتمتمت بتعبيرٍ يصفُ وجهي بالبراءة ، خرجتُ حيرى مما قالت، وتوجهتُ لمرآةٍ معلّقةٍ وحملقتُ فيها لفترة ، بحثتُ عما يعني وصف "براءة" لديها، فوجدتُ أنفًا أحمر، ووجهًا شاحبًا بفعلِ البرد ، فكرتُ في نفسي : لكن شكلي عادي ، لم قالتْ ذلك ؟!
    وللحافلة حكايةٌ أخرى هنا ، فقد كانت مزدحمةً بشكلٍ لا يصدّق ، لكأنما ترى أكداسًا من الناس تلتهم المكان ، ولذا فقد آثرتُ الجلوس بجوار الباب ، لسببين : أن بيتي قريبٌ جدًا ، والآخر أن صوتي لن يصل إن تراجعتُ للخلف ..


    لكنّ مشرفة الحافلة كانت تردّني للخلف دومًا فأرفض بحجة أنني أصلُ أولًا ، لم أكنْ لأريد أن يترك السائق منزلي ثم يعود إليه ، فغضبتْ المشرفة وتوعدتْ أن سيكونُ لي عقابٌ السبت القادم*** ، فبتُّ الأربعاء والخميس والجمعة ، كمن يترقب موعد الشنق ويشطب الأيام لتصل اللحظة الحاسمة ، فَرَقًا لا حُبًا ، لم أكنْ لأريد أن تتبدل صورة الفتاة الهادئة المتفوقة في عيون الطالبات وأمامهن ، لم أكن أريد أن تسمع معلماتي (فدوى) و(أمل) اسمي ينادى به كما لو كنتُ أساقُ لمذبحتي، لكنَّ كلَّ مخاوفي تحققت بعد الاستماع إلى الإذاعة الصباحية ، نودي باسمي وبأسماء خمس فتيات ، حينها ، احترق جسدي حزنًا ، بدت الأعين كسهام مصوبة نحوي لا أحسنُ تخيل عدم وجودها ، ولا أحسنُ الركض خارج مسرح هذه اللعبة ، والأدهى ماذا سأقول؟!


    كنتُ أعلمُ ، كم عينًًا أحببتُها تنظرُ إليّ الآن، أو تسمعُ أن (عذاري) تتحركُ للعقاب، وسواءً أُلبستُ ثوبًا غير ثوبي لديهن أم لا ، فقد كانت خطواتي أثقل ما وجدتُ ، وكانت خفقاتي تتصاعدُ في حلقي المرتعش ..


    وبختنا المراقبة وقتها ، أردتُ أن أبرر ما حصل ، فلم أجدْ أصدق من دمعي المترقرق ..فرحمتْ المراقبة كما ظننتُ وضعنا ، فسكتت و أمرتْ بانصرافنا..وبقي شجنُ ذلك اليوم يتردد على مخيلتي..


    في السنة الثالثة من المرحلة المتوسطة ، أردتُ التقدير "ممتاز" ، وكانت المنافسة على أشدّها ، لكن النفوس صفت وارتقت ، فأحرزتُ المركز الخامس على مستوى الفصول..وكانت فرحة قلبي الصغير تكادُ تطيش منه حين كرّمتُ أمام طوابير الفتيات..


    وفي الحفلِ ، شاركتُ في أنشودةٍ عن الأم ، على أملِ أن تسمعني أمي وأنا أشدو : أنتِ أحبُّ الناس إليَّ أنتِ أحبُّ الناس ، أنتِ أعز الناس عليَّ أنتِ أعز الناس ..أمي أنتِ حياة الروح، أنتِ الأغلى من عينيَّ.
    .
    ركضتُ في نهاية الحفل أبحثُ عن والدتي ، رأيتُ الكثير والكثير ، لكنني بحثتُ عن وجهٍ واحدٍ انتظرته ، وانتظرته طويلًا حتى نهاية اليوم ولم يأتِ ..





    تلك كانت قصاصات دفتر مذكرات المتوسطة ، و بقي من روحي الكثير لأعيرها إليكم ..


    *وهذا من الأساليب غير الجيدة مع من أنجز إنجازًا جميلًا ووقف أمام التحديات ، فالأفضلُ " برأيي " أن تهنئها حتى لو لم تكن أنجزت مثلها .
    ** أي أنها أصبحت تضع أفكارها لنفسها لا تقلّد ما تسمع .
    *** وهذا أيضًا كما أراه غير مجدٍ لفتاة في المتوسطة ، أجل أسلوب العقاب جيد لكن التشهير بالبعض قد يحبط الفتاة لدرجة تمنعها فيما بعد من المواصلة على ذات المنوال بحجة أن النظرة تغيرتْ عنها .


    الفصل القادم : .....


    .
    .
    .


    التعديل الأخير تم بواسطة للذكرى حنين ; 4-8-2008 الساعة 04:57 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...