التكملة ،،


مضى يوم ويومان ، وأسبوع وأسبوعان لم تذق فيهم عيناي طعم النوم أبداً .. فقد كنت أقضي ليلي كاملاً ساهرة ، تارة أدعو لزينب ، وتارة تنهمر العبرات من عيني بلا توقف ، وتارة أخرى أصلي عدة ركعات ، وتارة أستعيد تلك الأيام والذكريات الجميلة التي قضيتها مع زينب ، أتذكر كيف كانت تنصحني باستمرار ، كيف كانت دائماً ما تذكرني عندما أغفل ، كيف كانت توقظني لأصلي ركعتين في جوف الليل ، كيف كانت تشجعني لحفظ كتاب الله ، كيف كانت تمسح دموع الأسى والحزن عن خدّي . لقد كانت أكثر من صديقة ، بل وأكثر من أخت .. والآن أين هي ؟! إنها تحت الأرض وأنا فوقها !! لقد أبعد الموت جسدها عني لكنه لم يبعدها عن ذاكرتي وقلبي ..


أحياناً كنت أتساءل ، كيف سأتابع بقية حياتي من دونها ؟! هل أستطيع على المتابعة بقوة بدون تلك الشمعة التي كانت تنير لي الطرق وسط الظلمة !! وبعد هذه التساؤلات يأتيني الجواب من أعماق نفسي .. أسمع صوتاً دافئاً يخرج من داخلي .. يقول لي : ستكملين الطريق، نعم ستكملينه، فأنت لست وحدك ، رب البرية معك دائماً وزينب بقربك أيضاً وطالما أنك لم تنسها فهي ستبقى بجوارك باستمرار ..

وفي يوم مشمس دافئ ، ذَهَبَت بي أمي إلى بيت خالتي لكي أقضي معهم اليوم بأكمله على أمل أن يذهب ما بي من حزن وكآبة ، وكالعادة ومنذ وفاة زينب بقيت صامتةً غارقةً في بحر الذكريات،

ولم أهمس بكلمة !! وبعد مرور عدة دقائق توجهت إلى الشرفة لأتأمل المناظر التي تطل عليها.. كانت شرفة منزل خالتي تطل على مقبرة قديمة جداً ، لم تعد ملامحها إلا كحديقة مهجورة ، ولكن شد نظري في تلك المقبرة قبر مُسَوَّر يتوسط ما بها من أشجار .. بقيت أتأمل ذلك القبر .. فتذكرت صديقتي الحبيبة التي تسكن الآن في مكان مشابه ، واستعدت ذلك المنظر المؤلم ، منظر زينب بالكفن !! ثم تذكرت العبارة التي كانت ترددها زينب دائماً (تمضي بنا الأعمار ومصيرنا القبور .. هل حفرة من نار أم روضة من نور!! ).. فقلت في نفسي : بل روضة من نور بإذن الله يا زينب ..

وفي هذه الأثناء اقتربت مني ابنة خالتي ، وضعت يدها على كتفي ، ربتت عليه بحنان وقالت : أيعجبك المنظر من هنا يا عائشة ؟! فأجبت بصوت منخفض : ليس كثيراً ، ولكنه أعاد إلي بعض الذكريات !! ثم أردَفَت حديثها قائلة : لا تحزني يا عائشة ولا تيأسي ، لن تكون زينب سعيدة إن رأتك هكذا ! هذه هي حال الدنيا يا عزيزتي ، لن يبقى الأصدقاء معنا إلى الأبد ولا حتى الأهل ! لذلك اعملي جاهدة لكي تنالي الجنة ورضا المولى سبحانه وتعالى ..

بعد أن سمعت تلك الكلمات ، نظرت إليها ، وتبسمت ، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أبتسم بها بعد تلك الحادثة ، ثم قلت في نفسي : لن يكون ذلك اللقاء هو الأخير يا زينب ،بل لقاؤنا القادم هناك ، تحت عرش الرحمن بإذن الله تعالى ، لن أيأس ولن أجعل الحزن يسيطر على حياتي ، سأبقى أذكرك ما حييت يا زينب ، ثم سيأتي اليوم الذي سألحق بك فيه إلى هناك ، نعم سألحق بك ، فهذه هي حالنا جميعاً ، وكلنا لها ..




انتهت قصتي ،، أتمنى أن تكون قد نالت اعجابكم ،، والسلام عليكم ورحنة الله وبركاته ،،

في أمان الله ،،