الموضوعـ الثاني والثمانــــــــــــين : من ركل القطة ؟!
يقول الشيخـ :::: قبل أن تجيب على السؤال .. اسمع القصة كاملة ..
كان يعمل سكرتيراً لمدير سيء الأخلاقـ ..
لا يطبقـ مهارة واحدة من مهارات التعامل مع الناسـ ..
كانـ هذا المدير يراكم الأعمال على نفسه .. ويحملها ما لا تطيقـ ..
صاح بسكرتيره يوماً .. فدخل ووقف بين يديه ..
قال : سَمْـ .. تفضل ؟ صرخ به : اتصلت بهاتف مكتبك .. ولم ترد ..
قال : كنت في المكتب المجاور .. آسفـ ..
قال بضجر : كل مرة آسفـ .. آسفـ .. خذ هذه الأوراقـ .. ناولها لرئيس قسم الصيانة ..
وعد بسرعة .. مضى متضجراً .. وألقاها على مكتب رئيس قسم الصيانة ..
وقال : لا تؤخرها علينا قال : طيبـ ضعها بأسلوب مناسبـ ..
قال : مناسبـ .. غير مناسبـ .. المهم خلصها بسرعة .. تشاتما .. حتى ارتفعت أصواتهما ..
ومضى السكرتير إلى مكتبه .. بعد ساعتينـ أقبل أحد الموظفين الصغار في الصيانة ..
إلى رئيسه وقال : سأذهب لأخذ أولادي من المدرسة وأعود ..
صرخ الرئيس : وأنت كل يوم تخرجـ ..
قال : هذا حاليـ من عشر سنوات .. أول مرة تعترض عليَّ ..
قال : أنت ما يصلح معك إلا العين الحمراء .. ارجع لمكتبكـ ..
مضى المسكين إلى مكتبه .. وتولى أحد المدرسين إيصالهمـ ..
لما طال وقوفهم في الشمس .. عاد هذا الموظف إلى بيته غاضباً ..
فأقبل إليه ولده الصغير معه لعبة ..
وقال : بابا .. هذه أعطانيها المدرس لأننيـ ..
صاح به الأب : اذهب لأمك .. ودفعه بيده ..
مضى الطفل باكياً .. فأقبلت إليه قطته الجميلة تتمسح برجليه كالعادة ..
فركلها برجله فضربت بالجدار .. السؤال : من ركل القطة ؟
أظنك .. تبتسمـ .. وتقول : المدير ..صحيح المدير ..
لماذا لا نتعلم فنَّ توزيع الأدوار ..
والأشياء التي لا نقدر عليها نقول بكل شجاعة .. هذه ليست في أيدينا .. لا نقدر ..
خاصة أن تصرفاتك قد يتعدى ضررها إلى أقوام لم يكونوا طرفاً في المشكلة أصلاً ..
وانتبه أن يستثيرك الآخرونـ .. ويحرجونك فتضطر لوعود .. قد لا تستطيع تنفيذها ..
انتقل معي إن شئت إلى المدينة .. وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
وقد جلسـ في مجلسه المباركـ .. بعدما انتشر الدينـ .. ووُحِّد رب العالمينـ ..
جعل رؤساء القبائل يأتون إليه مذعنين مؤمنينـ .. ومنهم من كانوا يأتون صاغرين حاقدينـ ..
وفي يوم أقبل رئيس من رؤساء العرب .. له في قومه ملك ومنعه ..
أقبل عامر بن الطفيل .. وكان قومه يقولون له لما رأوا انتشار الإسلامـ ..
يا عامر إن الناسـ قد أسلموا فأسلم .. وكان متكبراً متغطرساً ..
فكان يقول لهم : والله لقد كنت أقسمت ألا أموت حتى تملِّكني العرب عليهم وتتبعَ عقبي ..
فأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش !!
ثم لما رأى تمكن الإسلامـ .. وانصياع الناسـ لرسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
ركب ناقته مع بعض أصحابه ومضى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
دخل المسجد على رسول الله صلى الله عليه وسلمـ وهو بين أصحابه الكرام ..
فلما وقفـ بين يدي النبيـ عليه الصلاة والسلامـ قال : يا محمد خالني ..
أي قف معي على انفراد .. وكان صلى الله عليه وسلمـ حذراً من أمثال هؤلاء ..
فقال : لا والله حتى تؤمن بالله وحده ..
فقال : يا محمد خالنيـ ..
فأبى النبيـ صلى الله عليه وسلمـ .. فلا زال يكرر .. يا محمد قم معي أكلمْك ..
يا محمد قم معي أكلمْك .. حتى قام معه رسول الله صلى الله عليه وسلمـ ..
فاجتر عامر إليه أحد أصحابه اسمه إربد ..
وقال : إني سأشغل عنك وجهه فإذا فعلت ذلك فاضربه بالسيف ..
فجعل إربد يده على سيفه واستعد ..
فانفرد الاثنان إلى الجدار .. ووقف معهما رسول الله صلى الله عليه وسلمـ يكلمـ عامراً ..
وقبض أربد بيده على السيف .. فكلما أراد أن يسله يبست يده .. فلم يستطع سل السيف ..
وجعل عامر يشاغل رسول الله صلى الله عليه وسلمـ .. وينظر إلى إربد ..
وإربد جامد لا يتحرك .. فالتفت صلى الله عليه وسلمـ ..
فرأى أربد وما يصنع .. فقال : يا عامر بن الطفيل .. أسلمـ ..
فقال عامر : يا محمد ما تجعل لي إن أسلمت ؟
فقال صلى الله عليه وسلمـ لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم ..
قال عامر : أتجعل لي الملك من بعدك إن أسلمتـ ؟
لم يشأ النبيـ صلى الله عليه وسلمـ أن يعد عامراً بوعد قد لا يتحققـ ..
فكان صريحاً جريئاً معه .. وقال : ليس ذلك لك ولا لقومكـ ..
فخفف عامر الطلب قليلاً .. وقال : أسلم على أن لي الوبر ولك المدر ..
أي أكون ملكاً على البادية وأنت على الحاضرة ..
فإذا به صلى الله عليه وسلمـ .. أيضاً لا يريد أن يلزم نفسه بوعود .. لا يدري تتحقق أم لا ..
فقال : لا ..عندها غضبـ عامر وتغير وجهه .. وصاح بأعلى صوته ..
والله يا محمد .. لأملأنها عليكـ خيلاً جرداً .. ورجالاً مرداً .. ولأربطن بكل نخلة فرساً ..
ولأغزوك بغطفانـ بألف أشقر وألف شقراء .. ثم خرجـ يزبد ويرعد ..
فجعل صلى الله عليه وسلمـ ينظر إليه وهو مولٍّ ..
ثم رفع صلى الله عليه وسلمـ بصره إلى السماء وقال : اللهم اكفني عامراً .. واهْدِ قومه ..
خرج عامر مع أصحابه حتى إذا فارق المدينة .. تعب من المسير ..
فصادف امرأة من قومه يقال لها سلولية وكانت في خيمة لها .. وكانت امرأة فاجرة ..
يذمها الناسـ ويتهمون من دخل بيتها ..فلم يجد مأوى آخر ..
فنزل عن فرسه مضطراً ونام في بيتها ..
فاخذته غدة وانتفاخ في حلقه كما يظهر في أعناق الإبل فيقتلُها .. ففزع واضطربـ ..
وجعل يتلمس الورم ويقول : غدة كغدة البعير .. وموت في بيت سلولية ..
أي : لا موتـ يشرّف .. ولا مكانـ يشرّف ..
كان يتمنى أن يموتـ في ساحة قتال .. بسيوف الأبطال ..
فإذا به يموت بمرض حيوانات .. في بيت فاجرة !!
تباً .. للذل والمهانة ..
فأخذ يصيح بهم : قربوا فرسيـ ..
فقربوه .. فوثب على فرسه .. وأخذ رمحه .. وصار يجول به الفرسـ ..
وهو يصيح من شدة الألمـ .. ويتحسس عنقه بيده ..
ويقول : غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية ..
فلم تزل تلك حاله يدور به فرسه .. حتى سقط عن فرسه ميتاً ..
تركه أصحابه .. ورجعوا إلى قومهمـ ..
فلما دخلوا ديارهم .. أقبل الناس إلى إربد يسألونه : ما وراءك يا أربد ؟
فقال : لا شيء .. والله لقد دعانا محمد إلى عبادة شيء ..
لوددت لو أنه عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله ..
فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له ليبيعه ..
فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما .. وأنزل الله عز وجل في حال عامر وأربد ..
" اللّهُ يَعْلَمُ مَاتَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَاتَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَاتَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ
وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِاللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَيُغَيِّرُ مَابِقَوْمٍ
حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَابِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَمَرَدَّ لَهُ وَمَالَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ * هُوَ الَّذِي
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَ طَمَعًا وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ
وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ * لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَيَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَاهُوَ بِبَالِغِهِ
وَمَادُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ " ..
نعمـ .. لا تلتزمـ إلا بما تثق أنه يمكنك الوفاء به .. بعونـ الله ..
قام صلى الله عليه وسلمـ مرة خطيباً في الناس .. فتكلم عن الآخرة وأحوالها ..
ثم صاح قائلاً : يا فاطمة بنت محمد .. سليني من مالي ما شئتـ ..
فإني لا أغنيـ عنك من الله شيئاً ..
وأخيراً .. مع التأكيد على أهمية عدم الالتزامـ بالشيء إلا وأنت قادر عليه ..
إلا أنه ينبغي عند الاعتذار أن نستعمل أسلوباً ذكياً ..
فمثلاً : جاء إليك لتبحثـ لأخيه عن وظيفة .. لأن أباك مسؤول كبير .. أو أخاك .. أو أنتـ ..
فاعتذر بأسلوب يحفظ ماء وجهه ويجعله يشعر أنك تشاركه الهم .. قل .. مثلاً ..
يا فلان .. أنا أشعر بمعاناتكـ .. وأخوك أعتبره أخيـ ..
ولئن كان إخواني خمسة فهو السادس .. لكن المشكلة أنني لا أستطيع أن أفعل شيئاً الآن فاعذرني ..
وأسأل الله أن يوفق أخاك .. مع ابتسامة لطيفة .. وتعبيراتـ وجه مناسبة ..
فكأنك بهذا الرد الجميل قضيت له ما يريد .. أليس كذلكـ ..؟

:: وجهة نظر ::
كن صريحاً مع نفسك .. جريئاً مع الناس .. واعرف قدراتك والتزم بحدودها ..