بسم الله الرحمن الرحيم
••
- أمي لقد كسرت أختي مقبض باب غرفتي !
انفجر الصغير بالبكاء، وهو يركض باحثًا عن والدته، بينما بقيت هي واقفة أمام حجرته، تنظر بتعجب للضحية التي قتلتها بلا قصد ! مهلا كيف انتهى الأمر هكذا ؟!
هذه ليست المرة الأولى .. قبل يومين مروحة الشفط في الحمام، ومقبض نافذة المطبخ بالأمس، والكمبيوتر المحمول الذي اشتراه والدها بعد معاناة، كانت سببًا في إتلاف كل ذلك ! رغم أنها لم تستخدم قوة أكثر من اللازم، كانت تتعامل بطريقتها المعتادة فقط .. ما الذي يحدث ؟!
حين سمعت صوت الخطوات التي تصفع الأرض بغضب، ألقت ما في يدها وهربت إلى غرفتها،
لكن صرخات أمها تبعتها كرماح لا تخطئ هدفها، واخترقت طبلتي أذنيها دون شفقة :
- هل تنوين تدمير المنزل أيتها الحمقاء ؟ ما هذه التصرفات ؟ ... إلخ
" الحمد لله تمكنت من إيصاد الباب بالمفتاح "، ارتمت على سريرها بشكل عرضي، رفعت كفيها تتأملهما بتعجب، كيف لهما فعل هذا بجدية ؟!
~
فتح عيناه ببطء، وحين اطمأن أنها من تحمله، أغمضهما مجددًا، وأرخى رأسه على كتفها مكملاً نومه، دون أن يعلم أين هم تحديدا .. كانت تتنفس بصوت مسموع، العرق يبلل ظهرها .. النسمات القوية الباردة تهب على فترات متباعدة، والحشائش اليابسة تتكسر على وقع خطواتها ..
دوى الهواء قويا، فبعثر أوراق الجافة في أرجاء، وأحنى رقاب الأغصان حتى كادت تتحطم !
شعرت أن المكان بأكمله انتفض حين أصبحت وجهًا لوجه أمام ذلك البيت المخيف الذي تحيطه الأشجار الكثيفة من جانبيه، وفي اللحظة التي تليها هدأ كل شيء فجأة، باستثناء قلبها، فقد ارتفع وجيبه بطريقة جنونية، شدت جسد أخيها لصدرها، ربما لتسكن الرجفة التي تعتريها وتزيدها توترًا ..
أهي النهاية ؟! ..
الحلقة الأولى من مسلسل الرعب ابتدأت في وقت متأخر، يماثل هذه الليلة تماما ..
- أنتِ أسوء جليسة أطفال رأيتها في حياتي
كيف ترد عليه ؟ يا إلهي التهديد لم يعد يجدي معه نفعًا، ومع ذلك ابتعدت عن فراشه وهي تحدجه بوعيد :
- سأجعلك ترى شيئًا أسوء مني بمئات المرات إن لم تنم الآن
هتف بانفعال :
- أنتِ لا تخيفيني، سأخبر أمي بذلك حين تعود
سحبت الغطاء ورمته على وجهه بغضب :
- لا تجادلني واخلد للنوم سريعًا
بعد شد وجذب، غط مصدر إزعاجها في سبات عميق .. انسحبت إلى غرفتها مباشرة، ألقت نفسها على السرير متنهدة براحة " ما أجمل الحرية " .. كانت على وشك الاستسلام للخدر الذي سرى في جسدها لكنها ألقت نظرة للكتاب الموضوع بإهمال فوق المنضدة القريبة، تنهدت بضيق، ثم التقطته وفتحته، فسقطت ورقة صغيرة على فراشها، قطّبت بتعجب وهي ترفعها .. لحظات ولمعت عيناها وهي تعيد قراءة ذلك السطر [ هل تريد تكوين صداقة مع غير البشر ؟ ]
قلبت الورقة ولم تجد أي اسم، لكنها لم تأبه لذلك كثيرًا، وتابعت قراءة المكتوب، وقد نسيت أمر امتحانها تمامًا
~
تجلس في فترة الفسحة مع بعض الزميلات، نظراتها تجوب الساحة بتملل .. أنهت طعامها وعادت إلى الصف ..
- عذرًا ..
أبعدت رأسها عن الطاولة ورأت تلك الواقفة بتردد، تعتصر أناملها، وابتسامتها تلوح وتختفي بذات السرعة .. هذه الفتاة في نفس فصلها إن لم يخب ظنها
- ماذا ؟
- هل يمكنني الجلوس معك ؟
نظرت لعينيها ثم قالت بلا اكتراث وهي تعود لوضعيتها السابقة :
- آه كما تشائين
من الوهلة الأولى يظهر أنها لا ترحب بوجودها لكن الحقيقة عكس ذلك، ثمة شيء يزعجها .. لم تسمع صوت سحب مقعد ولا أي كلمة أخرى من الفتاة، لا تدري هل رحلت أم لا، ولا تهتم بمعرفة ذلك، فالألم زاد عليها،
كأول مرة أرسلت فيها ردًا على تلك ال ... !
رفعت رأسها بسرعة، ولم تجد أحدا غيرها في المكان، اتسعت عيناها ذهولاً .. أهذا يعني أنها أخلت بأحد الشروط ؟!
لم تلبث أن ابتسمت باستخفاف .. وكأن ذلك سيحدث فعلاً ..
~
دارت هذه المقتطفات في ذاكرتها .. لم تعد هذه الصداقة العقيمة عليها سوى بالمصائب .. في البداية كرهت التخلص من الفرد الأخير في عائلتها، إلا أنها أيقنت أنه سيتعذب معها، وبعد تفكير قررت أن الموت أرحم لهذا الصغير، لذا هي هنا الآن .. سيرحل بنفس الطريقة التي رحل بها والداها ! وستعيش هي وحيدة، لكن على الأقل سيفك عنها هذا الطلسم ! تغير صوت تنفسها للهاث مخيف، لم تنظر للأسفل، كانت تشعر أن أظافر قدميها استطالتا بطريقة بشعة، لا وقت لديها ! رفعت يدها و ...
تشششك !
كان هذا صوت التلفاز الذي أغلق فجأة .. استدرت بسرعة لأجد أخي الذي يمسك جهاز التحكم ويحرك حاجبيه بمشاكسة .. كنت في ذروة اندماجي وحماسي، قلت بانفعال وأنا أقفز ناحيته :
- لحظة ! كيف تفعل هذا بي ؟! ليس عند هذه اللقطة
بعد شد وجذب شغلت التلفاز، استقبلتني أغنية النهاية الكئيبة، وشاشة سوداء تعرض أسماء الممثلين وغيرهم ..
وبالطبع لم أعرف، هل سلمت الفتاة شقيقها للغول أم ماذا ؟!
المفضلات