لنكون أكبر موسوعة (( أذكار . أحاديث . أدعية ))

[ منتدى نور على نور ]


النتائج 1 إلى 20 من 894

العرض المتطور

  1. #1

    الصورة الرمزية Moroboshi Dai

    تاريخ التسجيل
    Oct 2017
    المـشـــاركــات
    3,485
    الــــدولــــــــة
    تونس
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: لنكون أكبر موسوعة (( أذكار . أحاديث . أدعية ))



    1- رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[([1]).هذه دعوة أصحاب الأعراف، ((والأعراف: موضع بين الجنة والنار، يشرف على كل منهما، وليس هو موضع استقرار، وإنما هو موضع أناسٍ تساوت حسناتهم وسيئاتهم، يمكثون فيه مدة كما يشاء اللَّه، ثم يدخلون الجنة، وفي ذلك حكم نبَّه اللَّه تعالى عليها ...))([2]).وقد ذكر اللَّه دعوتهم في قوله: ]وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[ أي: وإذا صُرفت أبصار أصحاب الأعراف حيال وجوه أصحاب النار، رأوا منظراً شنيعاً في تشويه اللَّه تعالى لهم، وهَوْلاً فظيعاً في ما هم فيه، فتضرّعوا إلى اللَّه ألاّ يصيبهم ما أصابهم، فقالوا: ] رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[: سألوا اللَّه تعالى أن يُعيذهم من سوء حال الظالمين في النار، وهذا يدلّ على شدّة العذاب المحيط بهم، والعياذ باللَّه تعالى: ((وفي وصفهم بـ(الظلم): دون ما هم عليه حينئذٍ من العذاب، وسوء الحال الذي هو الموجب للدعاء إشعارٌ بأنّ المحذور عندهم ليس نفي العذاب فقط؛ بل مع ما يوجبه، ويؤدي إليه من الظلم))([3]) دلالة على سوء هذا الوصف المهين.ولما كان اللَّه تعالى ((قد قضى أنّ أصحاب الأعراف سيدخلون الجنّة، جعل الطمع والرجاء في قلوبهم، والدعاء أن يجيرهم من النار، ولا يجعلهم مع القوم الظالمين في ألسنتهم، والدعاء مع الرجاء والطمع لا تتخلف عند الإجابة))([4]).فالمؤمن ينبغي له أن يلازم سؤال اللَّه تعالى ألاّ يجعله مع القوم الظالمين في الدنيا ولا في الآخرة، فينبغي له أن يفارقهم، ولا يجاورهم في الدنيا، حتى لا يحوطه من العذاب ما يحوطهم، كما قال تعالى: ]وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً[([5]).وحتى لا يكون معهم في الآخرة لما هم فيه من سوء المكان من العذاب المهين، فالنجاة في الابتعاد عنهم، والتمسك بصراط اللَّه تعالى المستقيم.تضمّنت هذه الدعوة جُملاً من الفوائد:1- ينبغي للعبد أن يجتنب كلّ ما يُؤدّي – والعياذ للَّه – إلى سوء المآل والحال إلى جهنم وبئس المصير من الأقوال والأفعال والأخلاق.2- ينبغي الإكثار من هذه الدعوة المهمّة؛ لأنّها تضمّنت الاستعاذة من أسوأ الخصال التي تورد سوء المآل.3- أهمّية الدعاء، فلا غِنى للخلائق عنه حتى في الدار الآخرة، فما استجلب النعم، ودفعت النقم بمثله.4- دلّت هذه الدعوة على المبالغة في سؤال اللَّه تعالى مجانبة الظالمين، كما دلّ قوله: (مع)، ولم يقل (من) دلالة على شدّة المباعدة؛ فإن السؤال ألاّ يكون معهم آكد في توكيد اللفظ والمعنى، ألاّ يكون منهم من باب أولى. واللَّه تعالى أعلم.
    [HR][/HR]([1]) سورة الأعراف، الآية: 47.

    ([2]) المواهب الربانية، ص 37.

    ([3]) تفسير أبي السعود، 2/ 496.

    ([4]) المواهب الربانية، ص 38.

    ([5]) سورة الأنفال، الآية: 25.





  2. #2

    الصورة الرمزية Moroboshi Dai

    تاريخ التسجيل
    Oct 2017
    المـشـــاركــات
    3,485
    الــــدولــــــــة
    تونس
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: لنكون أكبر موسوعة (( أذكار . أحاديث . أدعية ))



    ]رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[([1]).هذه الدعوة المباركة من دعاء أبوينا عليهما السلام، فهي الدعوات العظيمة المهمة لما حوته من عظيم المقاصد، والمدلولات الجليلة في كيفية التوبة والأوبة، من الذنوب والمعاصي، فذكرها ربنا ؛لتكون لنا نبراساً وهدياً مستقيماً، نستهلّ به دعاءنا في حياتنا الدنيا.المفردات: (الربّ): هو المربّي، والمدبّر، والمُصلح، والسيّد، والمالك، والمنعم([2]).الظلم: ((وضع الشيء في غير محلّه المختصّ به، إمّا بنقصان أو زيادة، أو بعدول عن وقته، أو مكانه، والظلم يقال في مجاوزة الحدّ، ويستعمل في الذنب الكبير، وفي الذنب الصغير))([3])، ويطلق الظلم على الشرك؛ لأنه أعظم الظلم، وأقبحه، قال تعالى مبيِّناً لوصايا لقمان لابنه: ]يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[([4]).المغفرة: هي ستر الذنب، والتجاوز عنه، مأخوذة من (المغفر): الذي يستر به المقاتل رأسه، ويتقي به السهام وغيرها، فالمغفر جامع للستر والوقاية([5]).الشرح: ((هذا الخبر الذي أخبر اللَّه U عن أبينا آدم من قيله الذي لقَّاه اللَّه تعالى إياه، فقال تائباً إليه من خطيئته تعريف منه جلّ وعلا ذكره جميع المخاطبين بكتابة كيفية التوبة إليه من الذنوب... وأن خلاصهم مما هم عليه مقيمون من الضلالة، نظير خلاص أبيهم آدم من خطيئته، فقالا لربهما: يا ربنا فعلنا بأنفسنا من الإساءة إليها بمعصيتك، وخلاف أمرك، وبطاعتنا عدوك فيما لم يكن لنا أن نطيعه فيه به بعقوبتك إيَّانا عليه، (وَتَرْحَمْنَا): بتعطّفك علينا، وتركك أخذنا به : ]لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[: لنكوننّ من الهالكين([6])، استدلّ بالآية أن الصغائر يعاقب عليها مع اجتناب الكبائر إن لم تغفر([7])، فغفر اللَّه لهما ذلك: ]وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى[([8])، وهذه سنّة اللَّه تعالى التي لا تتغير في الصادقين المسرعين في توبتهم إليه بالعفو، والتجاوز، والصفح، وإن كان الذنب عظيماً.قال ابن كثير رحمه اللَّه: ((وهذا اعتراف، ورجوع، وإنابة، وتذلل، وخضوع، واستكانة، وافتقار إليه تعالى، وهذا السرّ ما سرى في أحد من ذرّيته إلا كانت عاقبته إلى خير في دنياه وأخراه))([9]).((فمن أشبه آدم بالاعتراف وسؤال المغفرة والندم، والإقلاع، إذا صدرت منه الذنوب، اجتباه ربّه وهداه، ومن أشبه إبليس إذا صدر منه الذنب، لا يزال يزداد من المعاصي؛ فإنه لا يزداد من اللَّه تعالى إلاّ بُعداً))([10]).وفي تقديم طلب المغفرة على الرحمة دلالة دقيقة على أن الرحمة لا تنال إلا بالمغفرة، وهذا التعبير ظاهر في أغلب سياقات الدعاء في القرآن([11]).الفوائد المستنبطة من الدعاء:1- إن تقديم الاعتراف بالخطأ، وظلم النفس قبل طلب المغفرة هو أرجى في قبول المغفرة والإجابة.2- أهميّة التوسّل بربوبية اللَّه تعالى حال الدعاء، كما في تصدير دعائهم بـ(ربّنا) الذي يدلّ على التربية، والعناية، والإصلاح، ومن ذلك إجابة دعائهم.3- جمع هذا الدعاء المبارك ((أربعة أنواع من التوسّل:الأول: التوسّل بالربوبية (ربنا).الثاني: التوسّل بحال العبد: (ظلمنا أنفسنا).الثالث: تفويض الأمر إلى اللَّه جلّ وعلا: ]وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا[.الرابع: ذكر حال العبد إذا لم تحصل له مغفرة اللَّه ورحمته: ]لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[))([12]).4- ((منّة اللَّه تعالى على آدم بقبول التوبة، فيكون في ذلك منّتان: الأولى: التوفيق للتوبة، والثانية: قبول التوبة))([13])، وهذه منه عامّة لكل من يتوب إلى اللَّه تعالى، فينبغي للعبد أن يشكر ربه إن وفّقه للتوبة.5- تضمّنت هذه الدعوة أخلص شروط التوبة النّصوح، وهي: ترك الذنب، والندم عليه، والعزيمة مستقبلاً على عدم العودة إليه.6- هذه الدعوة من أفضل الصيغ في طلب المغفرة؛ لأن ربّنا علّمها أبا البشر، وجُعِلت قرآناً يُتلى إلى قيام الساعة.7- من كمال الدعاء أن يجمع الداعي حال دعائه بين الرغبة والرهبة والتوبة: ]وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[.8- من حُسن الدعاء وأدبه أن يكون بصيغة التعريض المتضمّنة للطلب.9- إنّ مطلب المغفرة، والرحمة من أهمّ المطالب.10- يُستحبّ للدّاعي أن يذكر سبب الدعوة التي يدعو بها:]وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[.11- فيها بيان أن الذنب ينبغي أن يُستعظم، وإن كان صغيراً؛ فإنه في حقّ العظيم عظيم.12- إنّ الدعاء ملجأ جميع الأنبياء والمرسلين، وأنه لاغنى لأحد عنه من الخلق أجمعين.
    [HR][/HR]([1]) سورة الأعراف، الآية: 23.

    ([2]) النهاية لابن الأثير، 2/ 179.

    ([3]) مفردات القرآن للراغب الأصفهاني، ص 537.

    ([4]) سورة لقمان، الآية: 13.

    ([5]) انظر: مقاييس اللغة لابن فارس مادة (غفر)، 4/ 385، لسان العرب لابن منظور، 4/ 323، وانظر أيضاً: تفسير سورة آل عمران للعلامة ابن عثيمين رحمه الله، 1/ 192.

    ([6]) جامع البيان (تفسير الطبري)، 3/ 427.

    ([7]) تفسير أبي السعود، 2/ 486.

    ([8]) سورة طه، الآيتان: 121- 122.

    ([9]) البداية والنهاية، 1/ 184.

    ([10]) تفسير ابن سعدي، 3/ 13.

    ([11]) انظر: الدعاء في القرآن الكريم، ص 67.

    ([12]) تفسير سورة البقرة، ابن عثيمين، 1/ 135.

    ([13]) المصدر السابق.





  3. #3

    الصورة الرمزية Moroboshi Dai

    تاريخ التسجيل
    Oct 2017
    المـشـــاركــات
    3,485
    الــــدولــــــــة
    تونس
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: لنكون أكبر موسوعة (( أذكار . أحاديث . أدعية ))



    1- ]رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ[([1]).سبحانك: اسم مصدر منصوب على المفعولية المطلقة، وأصله من التنزيه والإبعاد عن السوء([2]).الأبرار: جمع بر، والبرّ هو: التوسّع في فعل الخير([3]).والخزي: الذلّ والهوان([4]).هذه الدعوات الجليلة من أهل الإيمان، ينبغي للعبد أن يقف رويداً عندها بالتأمل والتدبر بما حوته من عظيم المنافع في مسائل الإيمان والمعاد.فقد جاء عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنّه قال لأمّنا الصدّيقة بنت الصدّيق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r، قَالَ: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِيِ قَالَ: (يَا عَائِشَةُ، ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي)، قُلْتُ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَك، وَأُحِبُّ مَا يَسُرُّك، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، قَالَتْ: وَكَانَ جَالِسًا، فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى، فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غُفِرَ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟ لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا))([5]). إنه موقف عظيم للنبي ، ينبغي للعبد أن يتأمّل جيّداً في هذا الخلق العظيم العجيب في أقطار السموات والأرض، وما يسمو به ذلك من المعارف، والإيمان، والحبّ، والتعظيم، والذكر الكثير للّه ربّ العالمين.قال تعالى: ]إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ[([6]).أي: ((هذه في ارتفاعها واتساعها، وهذه في انخفاضها وكثافتها، وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات، وثوابت، وبحار، وجبال، وقفار، وأشجار، ونبات، وزروع، وثمار.]وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ[: أي تعاقبهما، وتعارضهما الطول والقصر، فتارة يطول هذا، وتارة يقصر هذا، ثمّ يعتدلان.]لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [ أي: العقول التامّة الذكيّة التي تدرك الأشياء بحقائقها على جليّاتها))([7]).ثم وصف أصحاب العقول السليمة بقوله تعالى: ]الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ[ أي: يذكرون اللَّه في كلّ أحوالهم، وأوقاتهم سرَّاً وعلانية.]وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ[: يتأمّلون في عظيم خلقه، وبديع صنعه، فدلّ هذا على أنّ التفكّر في خلق السموات والأرض من صفات أولياء اللَّه تعالى؛ لأنهم إذا تفكّروا بها، وتدبروا في خلقها العجيب، أثمر لهم برد اليقين، وقوّة التسليم بأن اللَّه تعالى خلق هذه الأجرام بالحق الذي يسمو منه الحكم الباهرة، فقالوا: ]رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا[، أي: لم تخلقه عبثاً لكمال حكمتك، وسعة علمك.]سُبْحَانَكَ[: من ((التسبيح، وهو التنزيه، والإبعاد عن السوء، والذي ينزه اللَّه تعالى عنه شيئان: (النقص)، (ومماثلة المخلوقات)))([8])، أي: ننزهك عن كل نقص وعيب، ومن ذلك أن تخلق شيئاً عبثاً لا حكمة فيه، فإن خلقك وفعلك كامل من كل الوجوه، لكمال حكمتك وحمدك وجلالك، وهذا يدلّ على حسن توسّلهم حال دعائهم.]فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[: قدّموا التنزيه المتضمّن لكل كمال قبل السؤال لشدّة رجائهم في الوقاية من هذا المهلك الرهيب، توسّلوا إليه تعالى أن يبعد عنهم أشدّ الشرّ وأعظمه، ثم بيّنوا علة سؤالهم: ]رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[: أي من أدخلته النار فقد أهنته، وأخزيته أمام الجميع في المحشر، وهذا الخزي العظيم الذي لا نصير لهم في هذا اليوم العظيم، ذكروا هذا الكلام في سياق الأخبار متضمناً لسؤالهم اللَّه تعالى الوقاية من النار.]رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا[: أي داعياً يدعو إلى الإيمان، وهو الرسول محمد ، وقيل: المنادي هو كتاب اللَّه تعالى، وكلاهما صحيح ومتعيّن: ((وهذا صريح في الإيمان بالرسول والمرسل))([9])؛ لأن ((عامّة ألفاظ القرآن تدلّ على معنيين فأكثر))([10]).]أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا[: في هذا إخبار منهم بمنَّة اللَّه عليهم بالإيمان، فقدَّموا هذا التوسّل ليكون وسيلة إلى الغاية العظيمة المرجوَّة عندهم من المغفرة والنجاة في الدار الآخرة.]رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا[: أي بسبب إيماننا اغفر لنا ذنوبنا، وهذا من حسن توسّلهم إلى اللَّه تعالى، حيث توسّلوا للَّه بأفضل أعمالهم، وهو إيمانهم به تعالى، والإيمان به يعني: الإيمان:1- بوجوده.2- وربوبيته.3- وألوهيته.4- وأسمائه، وصفاته، وأفعاله.ففي تكرير النداء إظهار لكمال التضرع والخضوع، وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه الداعي من الضراعة والرغبة والرهبة في دعائه إلى مولاه ، فإن ذلك أرجى في الإجابة والقبول.]رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا[: الذنوب طلبوا مغفرتها، والسيئات طلبوا تكفيرها؛ لأن الذنوب هي: الكبائر، والسيئات هي الصغائر([11]).]وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا[: طلبوا المغفرة من صغائر الذنوب، بعد أن سألوا المغفرة لكبار ذنوبهم، يدلّ على بسطهم في دعائهم لهذا المطلب الجليل، وقد بيّنا أهمية البسط في الدعاء سابقاً.]وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ[: طلبوا الوفاة مع الأبرار وجملتهم، فتضمن هذا الدعاء سؤال اللَّه التوفيق لفعل الخير، وترك الشرّ، الذي به يكون العبد من الأبرار.]رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ[: وفي تكرير النداء بربوبية اللَّه تعالى إظهاراً لكثرة تضرعهم، وإلحاحهم المؤمّل منه الإجابة والقبول، وهذا يدل على كمال إيمانهم، وعبوديتهم لربهم جلّ وعلا.سألوا اللَّه تبارك وتعالى أن ينجز لهم ما وعدهم به على ألسنة الرسل من النصر والتمكين في الأرض، والفوز برضوان اللَّه تعالى، وجنانه في دار الآخرة، ثم أكّدوا ذلك متوسّلين أنّه لا يخلف الميعاد؛ لكمال صدقه في قوله ووعده، وكمال قدرته جلّ وعلا، كما قال: ]فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ[([12])، وقال عزّ من قائل: ]وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا[([13])، ]وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا[([14])؛ لأن إخلاف الوعد إما أن يكون لكذب الواعد، وإما أن يكون لعجز الواعد، وكلا الأمرين منتفيين عن اللَّه جلّ وعلا([15]).ثم بيّن I من سننه القويمة التي لا تتغيّر ولا تتبدّل، كما قال عزّ شأنه: ]فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا[([16])، أنه يجيب من دعاه، ولاذ ببابه، وبجنابه العظيم.]فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ[ الآيات... أكّد I بالإجابة السريعة (كما دلّت الفاء)، والعظيمة بحصول مطلوبهم، كما دلّ على ذلك حرف (الفاء)، و(السين)، و(التاء) الذي يفيد المبالغة، والتأكيد([17]).((وقوله: (ربهم)، ولم يقل اللَّه: (لأنهم كانوا يدعون بقولهم: ]رَبَّنَا[، فالموقع هنا يقتضي الربوبية، وهي هنا ربوبية خاصة؛ لأن ربوبيته تعالى تنقسم إلى قسمين: عامّة وخاصّة، وقد اجتمع القسمان في قوله تعالى: ]قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ[، ((ومقتضى الربوبية العامّة مطلق التصرف، ومقتضى الربوبية الخاصّة النصر، والتأييد، و[الحفظ]))([18]).وهذه الآيات البيّنات المشتملة على حسن الدعوات التي دعا بها أُلو الألباب تحث العبد على الاجتهاد في الإكثار من الدعاء بها بتضرّعٍ وتذلّلٍ، ومما يدلّ على أهميتها ما ثبت عن النبي r: أنه كان يقرؤها إذا قام من الليل([19]).تضمّنت هذه الدعوات الكثير من الفوائد المهمّة والجليلة:1- الحث على التأمّل في خلق السموات والأرض؛ لأنّ اللَّه تعالى ذكر فيهما آيات.2- إنّ التأمّل في خلق اللَّه تعالى يثمر حسن العبادة: من الذكر، والتضرّع، والدّعاء، وزيادة الإيمان.3- ((فضيلة إدامة ذكر اللَّه U على كل حال، وأنه من لوازم العقل ومقتضياته.4- انتفاء الباطل في خلق اللَّه تعالى نصّاً مطلقاً، وإذا انتفى الباطل ثبت الحقّ في مقابله.5- إثبات ما أثبته أهل السنة: أن الصفات المنفية لا يُراد بها مجرد النفي، وإنما يُراد بها النفي مع إثبات كمال الضدّ.6- تنزيه اللَّه جلّ وعلا عن كلّ عيبٍ ونقصٍ.7- إنّ صفوة الخلق محتاجون إلى الدعاء من الوقاية من النار.8- إثبات التوسّل في الدّعاء بصفات اللَّه تعالى، من قوله: ]فَقِنَا[؛ لأنهم بنوا ]فَقِنَا[ على قولهم: ]سُبْحَانَكَ فَقِنَا[ يعني أننا نتوسل إلى اللَّه بتَنَزُّهِهِ عن النقص أن يقينا من النار))([20]).9- إن الدّعاء كما يكون بصيغة الطلب، يكون كذلك بصيغة الخبر المتضمّن للطلب: ]رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَه[ أي: لا تخزنا فتدخلنا النار.10- إن سؤال اللَّه تعالى في مطالب الدِّين والدار الآخرة هي أفضل المطالب، وأعلى المراتب في الدعاء.11- فضيلة البسط في الدعاء على الاختصار؛ لأنه مقام عبودية، فكلما كثّره وطوّله العبد ازداد عبودية، وقربةً، وشوقاً إلى اللَّه تعالى؛ ولأنه يدلّ على الإلحاح الذي هو من موجبات الإجابة، فكل هذه الأسباب وغيرها تجعل الدعاء أكثر استجابة وقربة إلى اللَّه تعالى.12- يحسن بالداعي أن يذكر بعض منن وآلاء اللَّه تعالى عليه حال دعائه لقوله: ]أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا[.13- ((إنّ ذكر الإنسان لعمله الصالح لا يحبطه، لقوله: ]أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا[.14- جواز التوسل في الدعاء بالأعمال الصالحة؛ لقوله ﴿فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا عطفاً على قولهم: ]رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا[))([21]).15- أهمية التوسل إلى اللَّه بأسمائه كما في تكرارهم في توسلهم لهذا الاسم الجليل ((الرب)).16- وكذلك التوسّل إليه تعالى بصفاته، كما في قوله: (فَقِنَا)، وكذلك بصدق وعده : ]مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ[، وهما صفتان فعليتان.17- من حسن الدعاء ذكر علّة السؤال؛ لقوله: ]إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ[، وكقوله: ]إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ[ أي: ما سألناك أن تعطينا إلا لأنك لا تخلف الميعاد.18- إن كثرة الثناء مع التوسّلات الجليلة بين يدي الدعاء من أعظم أسباب الإجابة، وسرعة إعطاء المطلوب، كما يظهر في ثنائهم وتوسلاتهم، وما أفاد قوله تعالى: ]سُبْحَانَكَ[.19- مشروعية التوسّل إلى اللَّه بصفاته المنفية كما في : ]إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ[ ، وقوله: ﴿أَنِّي لَا أُضِيعُ، فيتوسل بها كما يتوسل بصفات الإثبات.20- فيه ظهور كمال أسماء اللَّه تعالى وصفاته ... من سعة الكرم، والفضل، والعلم، والسمع، والإجابة، والقدرة، وكثرة المتعلقات، والآثار لهذه الأسماء والصفات في الخلق، وهذا من أعظم آثار وثمرات الأسماء والصفات في الخلق والكون.
    [HR][/HR]([1]) سورة آل عمران، الآيات: 191-194.

    ([2]) تفسير سورة آل عمران لابن عثيمين، 2/ 543.

    ([3]) مفردات القرآن، مادة (بر).

    ([4]) المصدر نفسه، مادة (خزي).

    ([5]) رواه ابن حبان في صحيحه، 2/ 386، برقم 620، وقال عنه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 1/ 106، برقم 68،:((إسناده جيد)).

    ([6]) سورة آل عمران، الآيتان: 190- 191.

    ([7]) تفسير ابن كثير، 1/ 559.

    ([8]) تفسير آل عمران للعلامة ابن عثيمين رحمه الله، 2/ 543- 548).

    ([9]) الضوء المنير على التفسير للصالحي، 2/ 160.

    ([10]) مجموع الفتاوى، 15/ 11.

    ([11]) تفسير آل عمران للعلامة ابن عثيمين رحمه الله، 2/ 555.

    ([12]) سورة إبراهيم، الآية: 47.

    ([13]) سورة النساء، الآية: 122.

    ([14]) سورة الأنعام، الآية: 115.

    ([15]) تفسير آل عمران، لابن عثيمين، 2/ 565.

    ([16]) سورة فاطر، الآية: 43.

    ([17]) تفسير الطاهر بن عاشور، 3/ 202.

    ([18]) تفسير آل عمران لابن عثيمين، 2/ 568.

    ([19]) أخرج الإمام البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: ﴿إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ... أنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ((بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ r مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً، ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ قَعَدَ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ، فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ)). ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 191 (763).

    ([20]) تفسير سورة آل عمران للعلامة ابن عثيمين، 2/ 544- 551، و2/ 557.

    ([21]) المصدر السابق نفسه.





  4. #4

    الصورة الرمزية Moroboshi Dai

    تاريخ التسجيل
    Oct 2017
    المـشـــاركــات
    3,485
    الــــدولــــــــة
    تونس
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: لنكون أكبر موسوعة (( أذكار . أحاديث . أدعية ))



    1- ]ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[([1]).المفردات: ((السّرف: تجاوز الحدّ في كل فعل يفعله الإنسان))([2]).فالإسراف: ((مجاوزة الحدّ، ومجاوزة الحدّ هي إما في غلو، وإما في تقصير))([3]).ما زلنا نقتطف من معين كتاب ربنا المبارك من جميل المباني، ودقائق المعاني، كلمات يستعذب بها الفؤاد، وتطيب الألسن، دعوات تتدفق منها الرحمات، والبركات، والخيرات.يُبيِّن لنا ربّنا من جميل الإشادة بالمؤمنين الصادقين الصابرين من أتباع الأنبياء والرسل، في الصبر، والثبات، والقوة، في مواضع المحن، وشديد البلاء، حثّاً لنا على الاقتداء بفعلهم ودعائهم، قال تعالى: ]وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّه وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ[([4])، فما أصابهم الوهن والجزع، ولا الضعف لصلابتهم في الدين، وقوة يقينهم، فما كان لهم من القول في هذه الشدة إلاّ التضرّع إليه بالدعاء: ]وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا[([5])، أي استر، وتجاوز عن صغار سيئاتنا، سألوا اللَّه تعالى المغفرة، وهم في أشدّ البلاء: ]وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا[، أي وكذلك كبائر ذنوبنا، وإنما أضافوا إلى أنفسهم بهذا السؤال مع أن الظاهر أنهم برآء من التفريط في جنب اللَّه U هضماً لأنفسهم، واستقصاراً لهممهم([6])، وهذا من كمال العبودية للَّه ربّ العالمين.علموا أنّ الذنوب والإسراف فيها أعظم أسباب الخذلان والخسران، وأنّ التّخلّي عنها من أعظم أسباب النصر، فسألوا ربّهم المغفرة من كل الذنوب، وهذه هي صفات المتقين، فهم في رجاء وخوف، حتى وهم على أسنّة الشدائد والمصائب؛ لكون أكبر همّهم هو التّوجّه إلى اللَّه تعالى بأهمّ المطالب الدنيوية والأخروية، وهي:1- المغفرة للذنوب.2- وتثبيت الأقدام في مواضع الزّلل.3- والنّصر والظّفر على أعداء اللَّه تعالى.قوله: ]وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا[: أي قوِّ قلوبنا على جهادهم؛ لتثبت أقدامنا فلا ننهزم، والأقدام إنما تثبت عند ثبوت قوّة القلب واليقين، والعبد محتاج إلى اللَّه أن يثبّت قدمه في ثلاث مواطن: ((أن يثبته في مواطن القتال إذ لو لم يثبته اللَّه لفرّ، وأن يثبته اللَّه عند الشبهات؛ إذ لو لم يثبته اللَّه لزاغ، وأن يثبته اللَّه عند الشهوات، إذ لو لم يثبته اللَّه لهلك))([7]).]وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[: أي اجعل النصر لنا عليهم، فنكون الغالبين، وهم المخذولين، فإنّ النصر لا يستجلب إلاّ منك عزَّ شأنك.وفي طلبهم النصر مع كثرتهم المفرطة كما دلّ عليها لفظة (كأيّن) ([8]) في الآيات السابقة إيذاناً بأنّهم لا ينظرون إلى كثرتهم، ولا يُعوِّلون عليها، بل يسندون ثباتهم إلى اللَّه تعالى، مع كمال يقينهم بأنّ النّصر من اللَّه جلّ في علاه([9])، فلمّا جمعوا من عظيم الخصال في عصيب الحال، من الصبر، وترك الوهن، والضعف، والاستكانة، وطلب المغفرة والتوبة، وحسن الأدب في الخضوع بالدعاء، والاستنصار باللَّه تعالى وحده، أجابهم بحسن الثواب جزاءً وفاقاً، فقال عزّ من قائل: ]فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[([10])، ثواب الدنيا: النّصر، والغنيمة، والتمكين في الأرض، وحسن ثواب الآخرة: هو النعيم الأبدي في روضات الجنّات، وتخصيص ثواب الآخرة بالحسن لتفضيله ومزيّته على كل ثواب ﴿واللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ: الذين أحسنوا العمل، والقول، والفعل، فنالوا أفضل المحابّ، ومحبته تعالى هي صفة فعليَّة من صفاته العليَّة التي تليق به الفوائد:1- ((أنّ الإنسان مفتقر إلى اللَّه تعالى غاية الافتقار.2- ينبغي للإنسان أن يدعو اللَّه تعالى بهذا الدعاء، لا سيّما عند ملاقاة الكفار، حتى ينتصر عليهم.3- أن الإنسان لا يخلو من الإسراف على نفسه: إمّا في غلو، وإمّا في تقصير))([11])، فينبغي له الإكثار من هذا الدعاء؛ لأنه مناسب لحاله.4- أنّ البسط في الدعاء أفضل من اختصاره؛ فإنهم لو قالوا: (اغفر لنا) لكفى المعنى، ولكن بسطوا في الدعاء في قولهم: (اغفر لنا)، أي للصغائر: (إسرافنا) للكبائر؛ لأن الدعاء مقام عظيم في العبودية، فكلما أكثر العبد منه، وبالغ فيه، زادت عبوديته لربّه تعالى، وهذا منتهى العبادات والمقامات.5- أنّ الذنوب سبب للخذلان والهوان؛ ولهذا سألوا اللَّه تعالى إزالتها.6- أنّ الدعاء من أعظم الأسباب لحصول المرغوب، ودفع المكروه؛ لقوله: (فآتاهم)، فرتّب الثواب على الدعاء بـ(الفاء) التي تفيد التعقيب، والترتيب، والسبب.7- ينبغي للعبد ألاّ يتّكل على الأسباب ذاتها، بل على خالقها وموجدها،: ((فهم على كثرتهم لم ينظروا إلى كثرتهم، ولا يعوّلون عليها، بل يسندون ثباتهم ونصرهم إلى اللَّه تعالى))([12]).
    [HR][/HR]([1]) سورة آل عمران، الآية: 147.

    ([2]) المفردات، مادة (سرف).

    ([3]) تفسير سورة آل عمران للعلامة ابن عثيمين رحمه الله، 2/ 265.

    ([4]) سورة آل عمران، الآية: 146.

    ([5]) سورة آل عمران، الآية: 147.

    ([6]) القرطبي، 2/ 580، وروح المعاني، 3/ 131.

    ([7]) تفسير سورة آل عمران، لابن عثيمين، 2/ 266.

    ([8]) (كأيّن): التي تفيد الكثرة.

    ([9]) روح المعاني، 3/ 131- 132.

    ([10]) سورة آل عمران، الآية 148.

    ([11]) تفسير آل عمران، 2/ 267.

    ([12]) روح المعاني، 3/ 131.





  5. #5

    الصورة الرمزية Moroboshi Dai

    تاريخ التسجيل
    Oct 2017
    المـشـــاركــات
    3,485
    الــــدولــــــــة
    تونس
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: لنكون أكبر موسوعة (( أذكار . أحاديث . أدعية ))



    1- ]رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ[([1]).‏هذه إحدى دعوات زكريا التي قصّها اللَّه تعالى في كتابه .‏لما رأى زكريا أنّ اللَّه يرزق مريم فاكهة الشتاء في الصيف، ‏وفاكهة الصيف في الشتاء، ‏طمع حينئذٍ في الولد، ‏وكان شيخاً كبيراً قد وهن العظم منه، واشتعل الرأس شيباً، وكانت امرأته مع ذلك كبيرة وعقيماً، لكنه لكمال إيمانه، وحسن ظنه بربه بكمال قدرته تعالى، ونفوذ مشيئته وحكمته، أقبل على الدعاء من غير تأخير، كما أفاد قوله تعالى: ]هنالك[ .‏سأل ربه، وناداه نداء خفياً، كما في قوله تعالى في سورة مريم: ]إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا[ ([2])، فقوله: ]رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ[([3]): جاء الطلب بلفظ الهبة؛ لأنّ الهبة إحسان محض، ليس في مقابله شيء، وهو يناسب ما لا دخل فيه للوالد؛ لكبر سنّه، ولا للوالدة؛ لكونها عاقراً لا تلد، فكأنه قال: أعطني من غير وسط معتاد))([4])؛ لأنه لم ينظر إلى الأسباب والمسببات بظروفها العادية؛ ‏بل نظر إلى خالقها، وموجدها، ومكونها، ‏وهذا هو الإيمان الصادق الخالص للَّه تعالى، وعلى حسن ظن العبد بربه ينال من كراماته، وسحب فضائله التي لا تحدّ ولا تعدّ .‏وقوله: ]مِن لَّدُنْكَ[: أي من عندك، إضافة العندية إلى اللَّه تعالى ليكون أبلغ وأعظم؛ لأنّ هديّة الكريم عظيمة وجليلة تليق بمقام العظيم الكريم .]ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً[: في تقييد الذرية بالطيّبة إشارة مهمّة أنّ العبد لا يسأل اللَّه تعالى الذرية فقط، فلابدّ أن يقيّدها بالصلاح والطيب التي يُرجى منها الخير في الدنيا والآخرة، فالذُّرِّيَّة الطيّبة، ‏هي الطيّبة ((في أقوالها، وأفعالها، وكذلك في أجسامها، فهي تتناول الطيب الحسّيّ، والطيِّب المعنوي))([5]).‏قوله: ]إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ[([6]): تعليل للسؤال: أي إني ما التجأت إليك، وسألتك إلا لأنك مجيب الدعاء، غير مخيّب للرجاء، وختم الدعاء بأحسن ختام من التوسل بأسمائه تعالى الحسنى، وصفاته العُلا التي تناسب الدعاء، فجاءته البشارة العاجلة عقيب السؤال، كما أفاد ذلك حرف التعقيب (الفاء) في قوله: ]فَنَادَتْهُ الْـمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْـمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِـحِينَ[([7]).الفوائد:تضمّنت هذه الدعوة المباركة فوائد، وحِكَماً، منها([8]):1- ((إنّ جميع الخلق مفتقرون إلى اللَّه U، حتى الأنبياء لايستغنون عن دعاء اللَّه تعالى في كل أحوالهم، دلّ على ذلك قوله تعالى: ]دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ[ ))([9]).2- إن من أعظم التوسل إلى اللَّه U بالدعاء هو ((اسم (الربّ)؛ لقوله: (ربّه)، ولم يقل (اللَّه)؛ ولهذا أكثر الأدعية مصدرة بـ(الربّ)؛ لأنّ إجابة الداعي من مقتضى ‏الربوبية؛ ‏فلهذا يتوسل الداعي دائماً باسم (الرب)، قال النبي ((يمدّ يديه إلى السماء: يا ربّ، يا ربّ))([10]).([11]).3- إنه لاينبغي للإنسان أن يسأل مطلق الذرية؛ لأنّ الذريّة قد يكونون نكداً وفتنة، وإنّما يسأل الذريّة الطيّبة))([12]).4- إنّ حُسن الظنّ من حسن العبادة، وأنه تعالى يجازي عبده، ويعطيه على قدر حسن الظنّ به، ‏دلّ عليه قوله تعالى : ]هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ[، حيث أقبل على الدعاء مباشرة لحسن ظنّه بربه تعالى، ‏كما جاء في الحديث القدسي عن ربّ العزّة والجلال: ((أنا عند ظنّ عبدي بي، ‏وأنا معه إذا دعاني))([13]).5- إنّ من تمنى أمراً عظيماً، ‏أو رأى شيئاً جليلاً يتمناه، أن يقبل على الدعاء في لحظته، ولايؤخره، دل عليه قوله تعالى : ]هُنَالِكَ دَعَا[ ففي((تقديم الظرف للإيذان بأنه أقبل على الدعاء من غير تأخير))([14]).6- ((إنه ينبغي للإنسان أن يفعل الأسباب التي تكون بها ذريته طيبة، ‏ومنها الدعاء؛ ‏دعاء اللَّه تعالى، ‏وهومن أكبرالأسباب))([15]).‏7- فيه دلالة على أن الدعاء يردّ القضاء، وذلك أن من الأسباب العادية، ‏أن العقيم والعجوز لاتلد، ‏فلمّا دعا اللَّه تعالى أن يرزقه الولد، جاءت البشرى مباشرة، كما أفاد قوله تعالى : ]فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ[([16]) عقب دعائه مباشرة، دلّ على ذلك بـ((الفاء السببية))، والتي تفيد التعقيب والترتيب بدون مهلة .8- ((إثبات سمع اللَّه ، وكرم اللَّه تعالى، وقدرته، وجه ذلك : أنه يسمع الدعاء، ويجيب من دعاه، وقادرعلى الإجابة))([17]).9 - أهمية التوسل بأسماء اللَّه المضافة (إنك سميع الدعاء)، وأنها من أعظم الوسائل إلى إجابة الدعاء، حيث اختارهrدون غيره من الأسماء.10- إنه كما يُتوسل إليه تعالى بأسمائه، كذلك يُتوسل إليه جل وعلا بأفعاله، فقوله: ]هَبْ لِي[ ، توسّل بصفة الهبة، ‏وهي صفة فعلية، وهي مشتقة من اسمه (الوهّاب).11- أن في ذكر هذه القصة العجيبة، وما تضمنته من دعوة جليلة ((حتى لا ييأس أحد ‏من فضل اللَّه تعالى ورحمته، ولايقنط من فضله تعالى وتقدّس))([18]).12- يستحب الإسرار بالدعاء، ‏دلّ عليه قوله تعالى: ]إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا[([19]).13- استحباب الخضوع في الدعاء، ‏وإظهار الذُّلِّ، والمسكنة، والضعف؛ لقوله تعالى : ] ‏وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا[([20]).14- أنّ من أحبّ الوسائل إلى اللَّه تعالى التوسل إليه بضعف الداعي، وعجزه، وفقره إلى اللَّه تعالى؛ ‏لأنه يدلّ على التبري من الحول والقوة، ‏وتعلّق القلب بحول اللَّه، وقوته؛ لقوله تعالى: ]رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا[([21]).15- أنَّ الشكوى إلى اللَّه تعالى لاتنافي ا‏لصبر، وإ‏نما هي من كمال العبودية للَّه تعالى.16- يُستحبّ التوسّل إلى اللَّه تعالى بنعمه، وعوائده الجميلة السابقة عليه؛ ‏لقوله ‏تعالى: ]وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا((أي لم أشقَ يا ربّ بدعائك؛ ‏لأنك لم تخيّب دعائي؛ بل كنت تجيب دعوتي، وتقضي حاجتي، فهوتوسّل إليه بما سلف من إجابته وإحسانه طالباً أن يجازيه على عادته التي عوّده من قضاء حوائجه، وإجابته إلى ما سأله))([22]). لهذا يستحسن للداعي أن يستحضر نعم اللَّه تعالى عليه، وأنوع إحسانه بين يدي دعائه.17-ينبغي للداعي أن يكون جُلُّ دعائه في مطالب الدين؛ لقوله تعالى : ]وَإِنِّي خِفْتُ الْـمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي[([23])، ‏أي : ((وإني خفت من يتولى على بني إسرائيل من بعد موتي، ألاّ يقوموا بدينك حق القيام، ‏ولا يدعوا عبادك إليك))([24]).18- أنّ فعل الخيرات والمسارعة إليها من أعظم أسباب الإجابة، ‏دلّ عليه قوله تعالى: ]فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ[ بسبب ]إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ[([25])، علّل جلّ وعلا بإجابته لدعائه، ووهبه إياه يحيى، وإصلاح له زوجه بـ((إن)) التي هي من حروف التعليل، وكذلك التأكيد([26])،أي استجبنا لهم بسبب مسارعتهم إلى القربات والطاعات، ((ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ‏ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها إلاّ انتهزوا الفرصة فيها))([27]).19- أنّ دعاء اللَّه تبارك وتعالى في حالتي الرغبة والرهبة من أسباب إجابة الدعاء، ‏دلّ عليه في الآية السابقة: ]وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا[.20- أنّ الخشوع من أسباب إجابة الدعاء، ‏كما في قوله تعالى: ]وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ[([28]) بالجملة الاسمية التي تدلّ على الدوام والثبوت،((والخشوع هو: التذلّل، والتضرّع، والخوف اللازم للقلب الذي لايفارقه))([29]).
    [HR][/HR]([1]) سورة آل عمران، الآية: 38.

    ([2]) سورة مريم، الآية: 3.

    ([3]) سورة آل عمران، الآية: 38.

    ([4]) تفسير الألوسي، 3/ 232.

    ([5]) تفسير آل عمران للعلامة محمد بن عثيمين، 1/232 ‏.

    ([6]) سورة آل عمران، الآية : 38.

    ([7]) سورة آل عمران، الآية : 39.

    ([8]) استنبطت الفوائد من هذه الدعوة في هذه السورة، وفي سورة مريم ، وفي سورة الأنبياء .

    ([9]) تفسير آل عمران للعلامة ابن عثيمين رحمه الله، 1/ 236.

    ([10]) صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، برقم 1015.

    ([11]) تفسير آل عمران، 1/ 236.

    ([12]) المرجع السابق، 1/ 238.

    ([13]) البخاري، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: ]وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ[، برقم 7405، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى، برقم 2675, ومسند أحمد واللفظ له، 15/ 466، برقم 9749.

    ([14]) روح المعاني، 3/ 231.

    ([15]) تفسير آل عمران، للعلامة ابن عثيمين، 1/ 238.

    ([16]) سورة آل عمران، الآية: 39.

    ([17]) تفسير سورة آل عمران، للعلامة ابن عثيمين، 1/ 239.

    ([18]) البداية والنهاية، 2/ 395.

    ([19]) سورة مريم، الآية: 3.

    ([20]) سورة مريم، الآية: 4.

    ([21]) انظر: تفسير ابن سعدي، ص 569، وتيسير اللطيف المنان، ص 132.

    ([22]) بدائع الفوائد، 3/ 504.

    ([23]) سورة مريم، الآية: 5.

    ([24]) تفسير ابن سعدي، ص 564.

    ([25]) سورة الأنبياء، الآية: 90.

    ([26]) انظر بتوسع: القياس في القرآن الكريم والسنة والنبوية، ص 361.

    ([27]) ابن سعدي، ص 615.

    ([28]) سورة الأنبياء، الاية : 90.

    ([29]) تفسير ابن كثير، ص 1046.





  6. #6

    الصورة الرمزية Moroboshi Dai

    تاريخ التسجيل
    Oct 2017
    المـشـــاركــات
    3,485
    الــــدولــــــــة
    تونس
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: لنكون أكبر موسوعة (( أذكار . أحاديث . أدعية ))



    1- ]رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[([1]).‏هذه الدعوة المباركة من دعوات أهل العلم والإيمان، سطّرها لنا ربنا في كتابه دعواتٍ تُتلى إلى يوم القيامة،‏دلالة جلية على أهميتها.‏فبعد أن ذكر اللَّه حُبَّ الناس الشهوات من النساء والبنين وغيرها من ملذات الدنيا، وإيثار بعضهم لهذه الدار على الآخرة، أعقب بذكر الدار الحقيقية التي لا يفنى نعيمها ولا ينفد، التي أعدها لأصحاب النفوس الزكيَّة، الذي كان من جليل أعمالهم وأقوالهم : ]يقولون ربنا إننا آمنا[: جاء بصيغة المضارع (يقولون) الذي يدلّ على الاستمرارية والتجدد في سؤالهم، وتضرّعهم بهذه الدعوات .]ربّنا إننا آمنا[: توسّلوا إلى اللَّه تعالى بربوبيته التي من مقتضاها الإجابة والعناية، وذلك أن ربوبية اللَّه تبارك وتعالى ربوبيتان: عامة: لجميع الخلائق بالرزق، والتدبير والإصلاح، وخاصة: لأوليائه التي تقتضي الحفظ، والعناية، والإجابة، وإصلاح أحوالهم وشؤونهم في دينهم ودنياهم، فهم توسّلوا بهذه الربوبية العليّة التي من مقتضاها إجابة دعائهم.]إنَّنا آمنَّا[: أكدوا إيمانهم بـ((إنَّ)) المؤكدة، دلالة على قوة إيمانهم، وصفاء توحيدهم من كل أدران الشرك والشك، أي آمنّا بك وبكتابك وبرسولك، وبكل ما جاء منك، قدموا توسلهم بإيمانهم باللَّه قبل سؤالهم؛ لأنه من أعظم الوسائل التي يحبها اللَّه ، أن يتوسّل العبد إلى ربّه تعالى بما منَّ عليه من الإيمان، والأعمال الصالحة، إلى تكميل نعم اللَّه تعالى عليه، بحصول الثواب الكامل، واندفاع العقاب))([2]).‏وقوله: ]فاغفر لنا[: ((الفاء هنا للسببية، أي بسبب إيماننا فاغفر لنا؛ لأن الإيمان لا شك أنه وسيلة للمغفرة، وكلما قوي الإيمان قويت أسباب المغفرة، والمغفرة : مأخوذة من الغفر، ‏وهو الستر والوقاية .‏ومنه (المِغْفَر) الذي يلبسه المقاتل في رأسه ليستر الرأس، ويقيه السهام، فمغفرة الذنوب : سترها في الناس، والعفو عن عقوبتها))([3]).‏وقوله: ((ذنوبنا)): ا‏لمراد ‏كل الذنوب من الصغائر والكبائر.و‏قوله: ]وقنا عذاب النار[: أ‏ي اجعل بيننا وبين النار وقاية تجنبنا هذا ا‏لشر الأليم.تضمنت هذه الدعوة: التوفيق إلى الأعمال، والأقوال، والأخلاق التي تقي عذاب النار، والفوز بدار القرار.الفوائد:1- ((من صفات المؤمنين إعلانهم الإيمان باللَّه تبارك وتعالى.2- أنّ من صفات المتقين عدم الإعجاب بالنفس، وأنّهم مقصرون لطلبهم المغفرة من اللَّه تعالى .3- جوا‏ز ا‏لتوسل بالإيمان ]ربّنا إنّنا آمّنّا[))([4]).4- أهمية البسط في الدعاء، فإنّ ((سؤال المغفرة يغني عن سؤال الوقاية من النار، إلا أنه في باب الدعاء ينبغي البسط لأربعة أسباب :أ- ا‏لسبب الأول: أن يستحضرالإنسان جميع ما يدعو به بأنواعه.ب- أنّ الدعاء مخاطبة للَّه ، ‏وكلّما تبسّط الإنسان مع اللَّه في المخاطبة كان ‏ذلك أشوق،‏وأحبّ إليه مما لودعا على سبيل الاختصار.جـ- أنه كلما ازداد دعاء ازداد قربة إلى اللَّه.د- أنه كلما ا‏زدا‏د دعاء كان فيه إظهار لافتقار الإنسان إلى ربه U))([5]).5- أهمية التوسل بالعمل الصالح في الدعاء، وأنّ من أعظم أنواعه على الإطلاق التوسل بإيمان العبد بربه تعالى .6 - ينبغي للداعي أن يحرص في أدعيته على سؤال المغفرة، ‏والوقاية من النار، فمن تحصَّل بهذين المطلوبين فاز في الدنيا والآخرة.7- أنه كلما أكثر العبد في التوسل كان أرجى في قبول دعوته، فقد توسلوا بوسيلتين:أ- بأسمائه تعالى الحسنى ﴿رَبَّنَا.ب- بالعمل الصالح ﴿إِنَّنَا آمَنَّا .
    [HR][/HR]([1]) سورة آل عمران، الآية: 16.

    ([2]) تفسير ابن سعدي، 1/ 363.

    ([3]) تفسير آل عمران للعلامة ابن عثيمين، 1/ 108.

    ([4]) المصدر السابق، 1/ 116.

    ([5]) تفسير سورة آل عمران لابن عثيمين، 1/ 116.





  7. #7

    الصورة الرمزية Moroboshi Dai

    تاريخ التسجيل
    Oct 2017
    المـشـــاركــات
    3,485
    الــــدولــــــــة
    تونس
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: لنكون أكبر موسوعة (( أذكار . أحاديث . أدعية ))



    1- ]رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ[([1]).المفردات:لا تزغ: الزيغ: الميل عن الاستقامة والانحراف عن الحق، ومنه زاغت الشمس أي مالت وانحرفت([2]).الوهاب: اسم من أسماء اللَّه تعالى الحسنى: من صيغ المبالغة مبالغة على وزن فعّال، والهبة هي: ((العطية الخالية عن الأعواض والأغراض))([3]).الشرح: ما زلنا نقتطف من جميل أدعية المؤمنين في كتاب ربنا الحكيم، ذكرها اللَّه تعالى ثناءً على أهلها، وتأسياً لنا في ملازمة الدعاء بها، والعمل في مضامينها، وذكر لنا دعوات أخرى في غاية الأهمية من هذا المعين المبارك لأناس قرن اللَّه شهادتهم بشهادته، وأثنى عليهم في مواضع كثيرة من الذكر الحكيم، قال اللَّه تعالى: ]شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ[([4]).فهم ورثة الأنبياء، ونعم الميراث العظيم، هم العلماء، وصفهم تعالى بكمال الوصف الثابت، وبالأساس الراسخ.قال تعالى: ]وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ[ ([5])، فهم أصحاب العقول السليمة، والمفاهيم المستقيمة.فبعد أن عطر بالوصف والثناء عليهم بخلوص الإيمان واليقين في قلوبهم، فأثمر لهم من عظيم المعارف والهمم، آمنوا بالكتاب كله: محكمه، ومتشابهه؛ لأنه جاء من ربهم الحكيم الخبير، ذكر لنا فواح هذا العطر النافع والناصح؛ لنتأمل من هذا الروض الجميل في أهم مقاصد الدين، حتى نستن بهم عملاً وقولاً.فقالوا: ]رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا[ صدروا دعاءهم بربوبيته تعالى التي هي أفضل وأعلى الغايات، وهو استقامة القلوب على ما يحبه اللَّه تعالى ويرضاه، والثبات على ذلك : فقالوا : يا ربنا، ويا مدبر أمورنا، لا تُمِل قلوبنا بعد الهدى الذي أنعمت به علينا، توسلوا بسابق إحسانه وإنعامه بعد التوسل بربوبيته دلالة على أهمية مطلبهم لربهم، وأنهم في تضرع كبير لهذا المطلب المهم، لا كالذين أزاغ اللَّه قلوبهم من اتباع المتشابه في القرآن ابتغاء الفتنة، فهم ضلوا وأضلوا، والعياذ باللَّه، أما العلماء فقد اهتدوا وهدوا .‏فتضمّن هذا المطلب الجليل سؤال اللَّه تعالى الثبات على الدين القويم، والصراط المستقيم الذي عليه النجاة في يوم الدين، ولا يكون ذلك إلا بالتوفيق من اللَّه تعالى رب العالمين .‏لهذا كان أكثر دعاء نبي الرحمة : ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ))([6])، وجاء عنه ((اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ))([7]).]وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً [: ومن جميل تضرعهم وتوسلهم سألوا اللَّه تعالى بلفظ الهبة إشارة إلى أن ذلك منه تعالى تفضل محض دون شائبة وجوب عليه I ([8]).وسألوا ربهم ]رَحْمَةً[ بالتنوين والتنكير دلالة على التفخيم والتعظيم([9])، أي رحمة عظيمة واسعة شاملة التي تقتضي حصول نور الإيمان والتوحيد والمعرفة في القلب، وحصول الطاعة في الجوارح والأركان.‏فالرحمة من آثارها التوفيق، والدوام على الهدى في الدنيا، والنعيم الأبدي في الآخرة؛ ولهذا كثرة الأدعية في كتاب اللَّه لهذا المطلب الجليل .]‏مِنْ لَدُنْكَ[: جُعلت الرحمة من عنده؛ لأن تيسير الأسباب، وتكوين الهيئات منه جل وعلا تفضلاً وتكرماً، وفيها معاني التعظيم والإجلال للَّه تعالى، وهذا من حسن دعائهم، وأدبهم مع ربهم U التي ملأت قلوبهم حباً وتعظيماً له
    ]إنَّكَ أنْتَ الوَهَّابُ[ عللوا طلبهم، وأكَّدوه بخصوصية الهبة المطلقة الكاملة للَّه تعالى، التي لايعدّها عادٌّ، ولا يحدّها حادّ، إيماناً منهم بكمال صفاته تعالى، ومن جملتها هباته تعالى؛ لأن هبات الناس بالنسبة لما أفاض اللَّه تعالى من الخيرات شيء لا يُعبأ به.‏لذلك قالوا: ]رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ[ ((حيث استحضروا عند طلب الرحمة أحوج ما يكونون إليه، وهو يوم تكون الرحمة سبباً للفوز الأبدي، ‏فأعقبوا بذكر هذا اليوم دعاءهم على سبيل الإيجاز، ‏كأنهم قالوا : وهب لنا من لدنك رحمة، وخاصة يوم تجمع الناس))([10]).((توسَّلوا إلى ربهم بالإيمان ومنة اللَّه تعالى به، من الوسائل المطلوبة، فيكون هذا من تمام دعائهم))([11]).‏وفيه إقرار منهم بكمال صفاته الفعلية؛ لذلك قالوا : ]رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ[.تضمنت هذه الدعوات المباركات كثيراً من المنافع والفوائد :1- أن العلم باللَّه تعالى هو أشرف العلوم على الإطلاق .2- ((أن الرسوخ في العلم هو قدر زائد على مجرد العلم، فإن الراسخ في العلم يقتضي أن يكون عالماً محققاً))([12]).3- أن سؤال اللَّه تعالى الثبات على الإيمان هو أعظم مقاصد الشارع المطلوبة.4- ينبغي للعبد أن يستحضر دوماً نعم اللَّه تعالى عليه، وخاصة نعمة الدين.5- كما أن التوسل إلى اللَّه تعالى بأسمائه وصفاته، كذلك يتوسل إليه بصفاته المنفية عنه تعالى ]إنَّ اللَّه لاَ يُخْلِفُ المِيعَادَ[ . وهذا النفي يتضمّن صفات الكمال، ومنها كمال صدقه وقدرته جلَّ وعَلا .6- ((أهمية التوسل إلى اللَّه تعالى بنعمه ]بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا[.7- ((إنّ الإنسان لا يملك قلبه؛ لأنه بين إصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبه كيف يشاء، ‏فيسأل اللَّه ألاَّ يزغه)).8- ((أن التخلية تكون قبل التحلية، يعني يُفرغ المكان من الشوائب والأذى، ثم يطهر، دلَّ عليه قوله: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا) ثم قال: ]وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً[.9- أن العطاء يكون على قدر المعطي؛ لقوله تعالى: (وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً)، هذا من باب التوسل بحال المدعو، ومن باب التوسل بصفات اللَّه U))([13]).10- أن كل الخلق لا غنى لهم عن دعاء ربهم في جلب المنافع، ودفع المضار.‏فبعد هذا الوصف الجميل لهم، يجدر بالعبد السالك إلى طريق اللَّه المستقيم أن يحرص على هذه الكلمات اليافعات، والدعوات المباركات، ويستحضر هذه المعاني، والمطالب العالية .
    [HR][/HR]([1]) سورة آل عمران، الآية: 8.

    ([2]) مفردات ألفاظ القرآن للراغب، ص 387.

    ([3]) لسان العرب، 1/ 803.

    ([4]) سورة آل عمران، الآية: 18.

    ([5]) سورة آل عمران، الآية: 7.

    ([6]) سنن الترمذي، كتاب القدر عن رسول الله r، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن، برقم 2140، وسنن النسائي الكبرى، كتاب صفة الصلاة، باب الاستغفار بعد التسليم، برقم 7690، ومسند الإمام أحمد، برقم 12207، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2140.

    ([7]) صحيح مسلم، كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف يشاء، برقم 2654.

    ([8]) روح المعاني، 3/ 146.

    ([9]) روح المعاني للألوسي، 3/ 147.

    ([10]) التحرير والتنوير لابن عاشور، 3/ 169.

    ([11]) المواهب الربانية، ص 127.

    ([12]) تفسير ابن سعدي، ص 127.

    ([13]) تفسير آل عمران، لابن عثيمين رحمه الله، 1/ 55-56، بتصرف يسير.





  8. #8

    الصورة الرمزية Moroboshi Dai

    تاريخ التسجيل
    Oct 2017
    المـشـــاركــات
    3,485
    الــــدولــــــــة
    تونس
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: لنكون أكبر موسوعة (( أذكار . أحاديث . أدعية ))



    1- ]رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[([1]).
    ‏بيّن اللَّه جلّ في علاه في كتابه (الذكر الحكيم) دعوات لأهل الهمم القليلة، وأصحاب الحظوظ الدنيوية يسألون حظ الدنيا فقط: ]فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ[([2]).
    ‏ثم ثنّى ـ بأصحاب الهمم العالية الذين يسألون خيري الدنيا‏ والآخرة، ‏وذكر سبحانه هذه الدعوة في سياق الثناء والتبجيل في كتابه الكريم تعليماً لنا في التأسي والعمل بالتنزيل بملازمتها مع فهم معانيها ومضامينها، وما حوته من جوامع الكلم الطيب، مع ‏قلّة المباني، وعظيم المعاني.
    فقدموا توسلهم بأجمل الأسامي والصفات: (ربنا): نداء فيه إقرار بالربوبية ‏العامة للَّه تعالى المستلزمة لتوحيده في الألوهية، فجمعوا بين أنواع التوحيد التزاماً وتضمناً، وهم يستحضرون كذلك ربوبيته الخاصة لخيار خلقه الذين رباهم بلطفه، وأصلح لهم دينهم ودنياهم، فأخرجهم من الظلمات إلى النور، ‏وهذا متضمن لافتقارهم إلى ربهم، وأنهم لا يقدرون على تربية نفوسهم من كل وجه، فليس لهم غير ربهم يتولاهم، ويصلح أمورهم))([3]).
    ‏لهذا ينبغي للداعي أن يستحضر هذه المعاني الجميلة من ربوبيته تعالى العامة لكل الخلق، وربوبيته الخاصة، فإن ذلك يوجب للعبد الخشوع والخضوع، وتذوق حلاوة المناجاة، والدعاء التي لا يعادلها أي شيء من المحبوبات .
    ]آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً[: سؤال من خير الدنيا كله بأوجز لفظ وعبارة، فجمعت هذه الدعوة كل خير يتمناه العبد، ((فإنّ الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي، من عافية، ودارٍ رحبةٍ، وزوجةٍ حسنةٍ، ‏ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هنيءٍ، وثناء جميل، إلى غير ذلك))([4]).
    ]وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً[: أما ((الحسنة في الآخرة فلا شك أنها الجنة؛ لأن من لم ينلها يومئذٍ فقد حُرم جميع الحسنات))([5])، فهي أعلى حسنة، ويدخل في حسنات الآخرة كذلك: ((الأمن من الفزع الأكبر في العرصات، وتيسير الحساب))([6])، وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة.
    ]وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[: ((وهذا يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا، من اجتناب المحارم والآثام، وترك الشبهات والحرام))([7])، وتتضمن هذه الوقاية أيضاً ((ألاّ يدخل النار بمعاصيه، ثم تخرجه الشفاعة))([8])، ثم بين ـ علو درجتهم، وبعد منزلتهم في الفضل، كما دلّ على ذلك اسم الإشارة (أولئك) ]‏أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ[([9]).
    ‏ولما كان هذا الدعاء المبارك الجامع لكل معاني الدعاء من أمر الدنيا والآخرة، كان أكثر أدعيته كما أخبر بذلك أنس أنه قال: كان أكثر دعاء النبي ([10 ]).
    ‏واقتدى بذلك أنس ، فكان لا يدعه في أي دعاء يدعو به([11])، وقد طلب منه بعض أصحابه أن يدعو لهم، فدعا لهم بهذه الدعوة المباركة، ثم قال: ((إذا آتاكم اللَّه ذلك فقد آتاكم الخير كله))([12]).
    ‏تضمنت هذه الدعوة جملاً من الفوائد، منها:
    1- يحسن بالداعي أن يجمع في دعائه خيري الدنيا والآخرة.
    2- ينبغي لكل داعٍ أن يكون جُلَّ دعائه ونصيبه الأكبر في أمورالآخرة، فجاء في هذا الدعاء سؤال أمرين عظيمين من أمور الآخرة: وأمرٍ واحدٍ من أمور الدنيا ]وَفِي الآخِرَةْ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[.
    3- أهمية التوسل بصفاته تعالى الفعلية (قنا)؛ لقول اللَّه، وتأسيّاً برسولنا
    4- ينبغي للداعي أن يكون من أصحاب الهمم العالية.
    5- ((أن الإنسان لا يذم إذا طلب حسنة الدنيا مع حسنة الآخرة.
    6- أن كل إنسان محتاج إلى حسنات الدنيا والآخرة)).
    7- من حُسن الدعاء أن يجمع في مطالبه بين الرغبة: ]آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً[، والرهبة: ]قِنَا عَذَابَ النَّارِ[. حتى يكون العبد بين الخوف والرجاء.
    8- أهمية الأدعية في كتاب اللَّه تعالى، ‏فهي كافية وشافية من جميع المطالب التي يتمناها العبد في دينه، ‏ودنياه، وآخرته.
    فعلى العبد ملازمة هذه الدعوة اتباعاً.

    [HR][/HR]([1]) سورة البقرة، الآية: 201.

    ([2]) سورة البقرة، الآية: 200.

    ([3]) المواهب الربانية للعلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي، ص 124.

    ([4]) تفسير ابن كثير، 1/ 343.

    ([5]) ابن جرير الطبري، 1/ 553.

    ([6]) ابن كثير، 1/ 342.

    ([7]) المصدر السابق.

    ([8]) تفسير القرطبي، 1/ 786.

    ([9]) سورة البقرة، الآية: 202.

    ([10]) انظر: صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب قول النبي r: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة)، 8/ 83، برقم 6398، ومسلم، كتاب العلم، باب فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، 4/ 2070، برقم 2690.

    ([11]) صحيح مسلم، كتاب العلم، باب فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، 4/ 2070، برقم 2690.

    ([12]) فتح الباري، 11/ 229.





  9. #9

    الصورة الرمزية Moroboshi Dai

    تاريخ التسجيل
    Oct 2017
    المـشـــاركــات
    3,485
    الــــدولــــــــة
    تونس
    الــجـــــنــــــس
    ذكر
    الـتـــقـــــيـيــم:

    افتراضي رد: لنكون أكبر موسوعة (( أذكار . أحاديث . أدعية ))


    1- ]رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[([1]).2- ]وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[([2]).هذه أولى الدعوات التي ذكرها المؤلف حفظه اللَّه تعالى من دعوات إبراهيم إمام الحنفاء، وقدوة الموحدين، وخليل الرحمن، الذي وصفه ربنا ﻷ بأنه الجامع لخصال الخير كلّها: ]إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ ([3]).فهذه الدعوة المباركة جمعت عدة مطالب عظيمة لا غنى عنها للعبد في أمور دينه ودنياه.أولها: سؤال اللَّه تعالى القبول في الأعمال، والأقوال، ‏فقال وابنه إسماعيل عليهما السلام: ]رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[([4]).وقوله: ((و(يرفع): فعل مضارع، والمضارع للحاضر، أو للمستقبل، ورفع البيت ماضٍ؛ لكنه يعبَّر بالمضارع عن الماضي على حكاية الحال، كأن إبراهيم يرفع الآن، يعني: ذكِّرهم بهذه الحال التي كأنها الآن مشاهدة أمامهم))([5]).ففيه تنبيه للعبد أن يستحضر هذه المعاني وكأنها أمامه، ‏من جليل الأعمال من رفع القواعد، وكذلك دعاؤهما، ‏حتى يتأسى العبد بهذه المقاصد والمطالب الجليلة من إخلاص العمل للَّه تعالى، وما يحمل الدعاء في طياته من جميل المعاني من الخوف، والرجاء، ‏والرغبة، والرهبة.]رَبَّنَا[: ((ربّ)) منادى حذفت منه (يا) النداء، وأصله: يا ربنا، حذفت ((يا)) النداء للبداءة بالمدعو المنادى، وهو اللَّه جلّ شأنه، أي كلّ واحد يقول بلسانه: ]رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا[([6]).فقد جاء في صحيح البخاري ((... ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لِأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي، فَجَاءَ فَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ يُصْلِحُ نَبْلًا لَهُ، فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا، قَالَ: أَطِعْ رَبَّكَ، قَالَ: إِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ، قَالَ: إِذَنْ أَفْعَلَ، أَوْ كَمَا قَالَ، قَالَ: فَقَامَا فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَيَقُولَانِ: ]رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[([7]).انظر يا عبد اللَّه، وتأمّل في شأنهما: يقومان بأجلّ الأعمال وأرفعها بإذنٍ من ربهما تعالى، وهما يسألان ]رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا[، فتأمّل كيف كان حالهما من الخوف والرجاء ألاّ يتقبل عملهما، فإذا كان هذا حال إمام الحنفاء، وقدوة الموحدين، ‏فكيف بحالنا وتقصيرنا؟.فعن وهيب بن الورد أنه قرأ: ]وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا[، ثم يبكي ويقول: يا خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يتقبل منك؟))([8]). وهذا كما حكى اللَّه تعالى عن حال المؤمنينَ الخُلَّص في قوله تعالى: ]وَالَّذينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا[([9])، أي يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات: ]وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ[([10])، أي: خائفة ألاّ يتقبل منهم، كما جاء في الحديث أن عائشة رَضْيَ اللَّهُ عنْهَا سألت رسول ‏اللَّه r عن هذه الآية: ((أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ، وَيُصَلُّونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، ]أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ[([11])، والتعرض لوصف الربوبية في دعائهم؛ لأن إجابة الدعاء من شأن الربوبية وخصائصها لما فيها من معاني التربية والإصلاح والتدبير، وقولهما: ]تَقَبَّلْ مِنَّا[: ((القبول: أخذ الشيء والرضا به، فتقبّل اللَّه سبحانه للعمل أن يتلقّاه بالرضى فيرضى عن فاعله، وإذا رضي اللَّه تعالى عن فاعله، فلا بدّ أن يثيبه الثواب الذي وعده إيّاه))([12]): وقولهما: ]إنَّكَ أنْتَ ‏السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[ تعليل لطلب القبول، ومزيد استدعاء للإجابة.والسميع والعليم اسمان للَّه تعالى من أسمائه الحسنى يدلاّن على صفة السمع والعلم، أي: أنت السميع لأقوالنا التي من جملتها دعاؤنا العليم بما في ضمائر نفوسنا من ‏الإذعان لك، والطاعة في القول والعمل، ولا يخفى عليك شيء في قلوبنا.((وقصر صفتي السمع والعلم عليه تعالى لإظهار اختصاص دعائهما به تعالى، وانقطاع رجائهما عمّا سواه بالكلية))([13]).((ولمّا كان العبد مهما كان، لابدّ أن يعتريه التقصير ويحتاج إلى التوبة قالا: ]وَتُبْ عَلَيْنَا[، قالاه هضماً لأنفسهما، وتعليماً للذرّية بعدهما أن يلازموا هذا الطلب، والمقصد الجليل))([14]).‏وقولهما: ]إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[: هذه الجملة كسابقتها تعليل لطلب القبول، ومزيد استدعاء للإجابة.التواب: أي أنك كثير التوبة على عبادك، فهو يقبل التوبة من عبده كلما تكررت التوبة منه إلى ما لانهاية.الرحيم: أي ذو الرحمة الشاملة للمؤمنين يوم القيامة، وهذا الاسم: يخصّ به المؤمنين يوم القيامة، أما الرحمن فهي رحمته تبارك وتعالى الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا مؤمنهم وكافرهم، إنسهم وجنهم.الفوائد: ‏تضمنت هاتان الآيتان الكثير من الفوائد الجليلة منها:1- أهمية القبول حيث إن مدار الأعمال الصالحة عليه، وذلك يقوم على الإخلاص للَّه تعالى، والاتباع لما جاء به الشرع المطهر.2- دلّت الآية: أنّ على العبد ملازمة سؤال اللَّه قبول أعماله بعد أدائه لها، ومنها الدعاء، فقد كان هذا من هدي المصطفى : فإنه كان يستغفر ثلاثاً بعد الصلاة، وكان يقول بعد صلاة الصبح: ((اللّهمَّ إنّي أسألك علماً نافعاً، ‏ورزقاً طيباً، وعملاً مُتقبّلاً))([15])، وكان يقول : ((ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي))([16])، وكان يستعيذ من عمل لا يُرفع: ((اللّهمّ إنّي أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن عمل لا يُرفع))([17])، وغير ذلك.3- ينبغي للعبد أن يكون في حال عبادته لربه ودعائه، ‏خائفاً راجياً، كجناحي الطائر، فلا يغلّب الخوف، فيقع في القنوط، ولا يغلب الرجاء، ‏فيقع في الغرور، والأمن من مكر اللَّه تعالى.4- التوسّل إلى اللَّه تعالى بأسمائه وصفاته ما يناسب المطلوب والسؤال؛ فإن (السميع) مناسب في سماع دعائهما، و(العليم) مناسب للعلم بنياتهما، وصدق تضرعهما، وكذلك (التواب الرحيم)..5- ملازمة التواضع والإخبات للَّه تعالى في حال القيام بطاعته ولو بأجلّ العبادات والمقامات.6- أن الدعاء ملجأ ومقصد كل الأنبياء والمرسلين، ‏وأن العبد لا غنى له عنه في كل أحواله الشرعية والدنيوية.7- طرد الإعجاب بالنفس، وعدم الإدلال على اللَّه تعالى بما قام من العمل، فإنّ ذلك مفسد للعمل.8- أهمية سؤال اللَّه تبارك وتعالى الثبات على الإسلام، ((وهو يشمل على الاستسلام للَّه تعالى ظاهراً أو باطناً([18]).9- ((أنه ينبغي للإنسان أن يشمل ذريته في الدعاء، ‏لأنّ الذرية الصالحة من آثار الإنسان الصالحة؛ لقوله تعالى: ]وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ[.10- ((شدة افتقار الإنسان إلى ربه تعالى؛ حيث كرر كلمة ((ربنا))، وأنه بحاجة إلى ربوبيته اللَّه تعالى الخاصة التي تقتضي عناية خاصة))([19]).
    [HR][/HR]([1]) سورة البقرة، الآية: 127.

    ([2]) سورة البقرة، الآية: 128.

    ([3]) سورة النحل، الآية: 120.

    ([4]) سورة البقرة، الآية: 127.

    ([5]) تفسير سورة البقرة للعلامة ابن عثيمين رحمه الله، 2/ 57.

    ([6]) المصدر السابق.

    ([7]) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (يزفّون)، 4 / 145، برقم 3365.

    ([8]) تفسير ابن كثير، 1/ 254.

    ([9]) سورة المؤمنون، الآية: 60.

    ([10]) سورة المؤمنون، الآية: 60.

    ([11]) سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله r، باب ومن سورة المؤمنون،
    5/ 327، برقم 3175، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/ 79، برقم 2537، وسلسلة الأحاديث الصحيحة، 1/ 304، برقم 162.


    ([12]) تفسير سورة البقرة للعلامة ابن عثيمين، 2/ 58.

    ([13]) تفسير أبي السعود، 1/ 161.

    ([14]) تفسير ابن سعدي، 1/ 2.

    ([15]) انظر شرح هذا الدعاء في الدعاء رقم:102.

    ([16]) انظر شرح هذا الدعاء في الدعاء رقم: 73.

    ([17]) انظر شرح هذا الدعاء في الدعاء رقم: 139.

    ([18]) تفسير سورة البقرة، لابن عثيمين، 2/ 64.

    ([19]) تفسير سورة البقرة للعلامة ابن عثيمين، 2/ 64.






المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Loading...