إنَّ موقف المسلم الداعية لا يتحدّد بطلب التعاون مع غير المسلم فحسب
ولكنه يتحدّد - وهو داعية - بأن يبلّغ رسالة الله إلى الناس كافّة ويتعهّدهم
عليها كما أمره الله _سبحانه وتعالى_ في الكتاب والسنَّة، ويبني علاقاته
وهو داعية على أساس الدعوة والبلاغ والتعهّد، ليوفي بالعهد والأمانة
والعبادة التي خَلَقه الله للوفاء بها. ومن خلال ذلك ينشأ التعاون على
أساس من شرع الله الذي فصّل ذلك.
كيف يمكن للداعية المسلم أن يدعو إلى الإصلاح على أساس الإسلام
ثم يدعو الفئات التي تحارب الإسلام أو لا تؤمن به لتتعاون
معه على نصرة الإسلام ومنهاجه في الإصلاح؟! لماذا هذا التناقض الواضح؟!
لقد مضى على العمل الإسلامي زمن غير قصير
ولاقى من الفشل الشيء الكثير، حتى توافرت لديه تجارب كثيرة
لو وقف عندها ودرسها ودرس الأخطاء التي وقع فيها
ووضع منهجاً عملياً لمعالجة هذه الأخطاء، لو فعل ذلك لاستقام له الدرب
وخلص من التناقضات، وكان أقرب للتقوى.
هذا ينادي إلى الإصلاح الإنساني المصري
وذلك ينادي إلى الإصلاح الأردني وآخر في بلد آخر
على مناهج تحمل التناقض فيما بينها، فلماذا لا تكون الدعوة كما يريدها
الإسلام دعوة إلى إصلاح الإنسان على منهج يصلح لكل إنسان
لكل وطنيّة وقوميّة. فالمشكلات واحدةٌ والحلول متضاربة.
ونحار بين اضطراب المصطلحات وتناقضها فيما بينها من ناحية
وفيما بينها وبين الإسلام من ناحية أخرى.
فإذا كان كل داعية يؤكِّد تمسّكه بدستور بلاده
وبالنظام الجمهوري والديمقراطي والبرلماني
فأين النظام الإسلامي؟! أليس للإسلام نظام للإصلاح والحكم؟! فما هو أيها الدعاة؟!
كلما طلع مصطلح أو فكر من الغرب هَرعْنا إليه واحتضنَّاه
لنثبت أنه من الإسلام والإسلام منه براء.
ألم نجعل الاشتراكية من الإسلام، ولما جاءت الديمقراطية
بدَّلنا وجعلناها من الإسلام، وانتشر الدعاة
المسلمون في الأرض يدعون إلى الديمقراطية، ولما ظهرت الحداثة تسابقت
الأقلام لنثبت أن الحداثة عربيّة
أو إسلاميّة، ولما جاءت العلمانية وامتدت في ديار
المسلمين لم يتردّد بعض الدعاة المسلمين في
مؤتمر إسلامي عام أن يعلنوا أنَّ العلمانية مساوية للإسلام
في مقصودها،وأن يقول داعية:
لا نملك إلا أن نندمج مع النسيج الثقافي والديني في ذلك المجتمع الغربي!
عجباً كل العجب! أليس هذا نوعاً من إعلان الإفلاس والهوان؟!
نسرع ونهرول لتقليد الغرب في اللباس والطعام والشراب، وفي الفكر والأدب
والشعر، وفي حفلات الرقص، وإطلاق حريّة المرأة على أسس
علمانيّة ديمقراطيّة فاقعة في لونها، ولم ننشط مثل هذا
النشاط في بناء العلوم التطبيقية والصناعة والسلاح
وسائر أسباب القوّة! نقلّد الغرب في كلِّ شيء
إلا في النافع من ميادين الحياة، حتى كأنَّ الإبداع عندنا
هو التقليد ثم التقليد!
فلا عجب بعد ذلك أن نجد من يقول:
"إنَّ الإصلاح الشامل لا يتحقّق إلا من خلال الديمقراطية
التي نؤمن بها ونلتزم بأصولها، وندعو الأحزاب والقوى السياسية
الأخرى إلى تأييدها كميثاق وطني "!
فلا بدّ أن نسأل الداعية المسلم أين الإسلام؟! ولا بدَّ أن نذكّر الداعية المسلم
بأنَّ أصول الديمقراطية التي يلتزمها هي الوثنيّة اليونانيّة
ولا بدَّ أن نتساءل أليس هذا الصوت وهذه التعبيرات هي التي يدعو إليها بوش؟!
ولا بدّ أن نذكّر الداعية المسلم بأنَّ الديمقراطية التي يتحدَّث
عنها هي بنت العلمانيّة أو هي العلمانيّة!
وإذا كان ادعاء بعض المسلمين أنهم يريدون الديمقراطية لأن فيها حريةً وعدالةً ومساواةً،
فنسألهم حينئذٍ: أوليس في الإسلام حريّة وعدالة ومساواة؟! ولا شك أنَّ في الإسلام
ذلك كلّه وأكثر منه، ولكنكم فشلتم في تطبيق حريّة الإسلام وعدالته ومساواته
فستفشلون في تطبيقها في ظلِّ الديمقراطية كما فشل أصحابها في تحقيق هذه الزخارف.
إنَّ هذه الشعارات هي زخارف مخدَّرة في الديمقراطية ولكنّها حقائق وأسس في الإسلام!
ويتبع هذه الشعارات قول بعضهم: "يجب الإقرار التام بأنَّ الشعب هو مصدر السلطات جميعها "!
أين الإسلام الذي يحدّد السلطات بشرع من عند الله؟! إنَّ هذا المبدأ هو مبدأ ديمقراطي وثني نادت
به الوثنية اليونانية وامتدَّ منها إلى العلمانية الغربيّة وإلى الديمقراطيّة. ومن هذا المبدأ أجاز الشعب،
وهو مصدر السلطات، الزنا واللواط والخمر وأنواع الفاحشة كلها وكثيراً من أنواع الفتنة والفساد والظلم
الظاهر والمخفي. وكيف ينادي داعية مسلم وهو يعلم أن الشعب في معظمه يجهل الإسلام،
وأن فئات كثيرة فيه تحارب الإسلام، فأي شعب وأيّ سلطات؟!
ولقد نادى كثيرون بحريّة الاعتقاد للناس. إنَّ هذا المطلب لا يمثل مشكلة المسلم أو قضيته.
ذلك لأن حريّة الاعتقاد فطريّة، ولأن الله _سبحانه وتعالى_ يقول: "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ
شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا
بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً" [ الكهف:29].
إنَّ قضيَّة المسلم أن يدعو إلى الإسلام دعوة جليّة واضحة: "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ....."!
فالقضيّة إذن إبلاغ الحق، دين الله، الإسلام. وبعد ذلك فمن آمن فله جزاء ومن كفر فله جزاء آخر.
فليست القضيّة كما هي في الديمقراطية أن نترك الناس يعتقدون كما يشاؤون، يؤمنون أو
يكفرون، دون أن يجدوا من يدعوهم إلى الحقِّ، إلى النجاة من فتنة الدنيا وعذاب الآخرة، ودون
أن يذكرهم بأن لكل موقف جزاء عادل.
فهذه فتنة كبيرة، فالناس كلهم مصيرهم إلى جنّة أو إلى نار، والداعية المسلم مسؤول أن يدعو
ليخرج الناسَ من الظلمات إلى النور، وينقذهم من عذاب الآخرة الذي هو حق أكيد في شرع الله
لمن لم يؤمن، ولكنّها قضيّة متروكة في الديمقراطية والعلمانيّة! ولقد بعث الله الأمة المسلمة لتكون
خير أمة أخرجت للناس، لأنها تدعو وتبلِّغ رسالة الله وتتعهّدهم وتنقذ الناس!
ويتكرر بين الناس مصطلح: "الأديان السماوية التوحيدية"! وهذا مصطلح متناقض
بعيد التناقض، فالله _سبحانه وتعالى_ لا إله إلا هو، ما كان ليرسل لعباده أدياناً مختلفة يتصارعون عليها،
ثم يحاسبهم يوم القيامة! إن وحدانية الله _سبحانه وتعالى_ وعدالته ورحمته بعباده تأبى ذلك. فالله أرسل
لعباده رسلاً يبلّغون ديناً واحداً، ديناً سماوياً توحيدياً واحداً هو الإسلام: إنه دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى
وسائر الأنبياء والمرسلين _عليهم السلام_ جميعاً
كما نصَّ على ذلك كتاب الله،وخُتِموا بمحمد _صلى الله عليه وسلم_:
"إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ
مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ" [آل عمران: 19].
المفضلات