الليل , أجل إنه الليل .. وقتي المفضل للتسكع وحدي , ورغم أنها كانت ليلة حالكة السواد إلى أن ذلك لم يمنعني من ممارسة عادتي اليومية . خرجت من منزلي وأغلقت الباب خلفي , تنهدت بقوة ثم التفت خلفي بسرعة بعد أن سمعت صوت فحط سيارة ما .
أخذت أحدق إلى ذلك الشاب الممد , الذي لم أرى سوى قدميه من شدة الزحام , حيث تجمع الناس ليروا ما حدث , أنا فقط أخذت أحدق من بعيد إليهم وإلى ذلك الرجل الذي ترك سيارته مسرعاً ليلقي نظرة فيطمئن قلبه .. ورغم أنه صُدم للتو إلى أنه لم يُصب بأي أذى .. اعتدل في جلسته وأطرق برأسه على قدميه مطوقاً إياها .
أثيرت دهشتي للغاية , بدأ الزحام ينفك شيئاً فشيئاً بعد أن اطمئن الناس إلى أنه بخير , كان ذو شعر فضي لامع , ورغم أنه ليس لي غاية منه , إلى أن ذلك الشعور جذبني نحوه وبشده , وكأني أعرفه وأنا لم أره من قبل .
رفع رأسه في هدوء بالغ ثم نظر إلي حيث كنت أقف أمامه مباشرة ولكن بعيداً عنه , وما إن رآني حتى شحب وجهه وبدأت حدقة عينيه في الاهتزاز وعينيه في الاتساع , وكأنه خائف مني , أجل هذا ما أخبرتني به تلك العيون , ورغم أنه هو من كان يخيفني لخوفه مني , وذلك اللون ..
لون العيون ذاك , كانت عيون حمراء مرعبة , ولماذا أخفته ؟ هذا ما كان يدفعني للرجفة وأن ترتجف قدماي بتلك القوة , لم أخف هكذا من قبل .
استمر الوضع لدقائق , بل كانت على قلبي كالساعات أو السنين حيثُ أني تجمدت في مكاني , تغير مجرى الأحداث فجأة .. حيث أغمض عينيه في هدوء متغلباً على خوفه , أحكم قبضة يديه وهو يقطب حاجبيه وينظر إلي بحده , كان يرتدي قميصاً قطنياً أبيض اللون بنصف أكمام , معطف أسود طويل وصل إلى ركبتيه , وينطال جينز قُطع من عند الركبتين كآخر صيحة ..
وسط انشغالي برجفة قلبي المجهولة وتحديقي إليه ومحاولة تقدير عمره , إذا به ينقض عليَّ بكل قوته , وبكلتا يديه يحكم قبضته على عنقي في قوة مجزاً على أسنانه وكأنه ينتقم من شيء ما , لم أتمالك نفسي لكني لم أصرخ , قد أبت نفسي ذلك . وكأن المارة تسمروا متحولين إلى أصنام ليس إلا , احتبست أنفاسي وكدت أموت في يدي هذا الأخرق .
~
فتحت عيناي مفزوعاً , التفتُ إلى ما حولي في رعب , أجل إنها غرفتي , أنا في سريري , أنا أهذي , فأنا مصاب بالحمى , التقطت قطعة القطن المبللة التي كانت على جبيني لتخفض حرارتي قليلاً , فقد وقعت أثر انتفاضي .. دخلت عليّ أمي بالحليب والدواء , قاست لي الحرارة ثم ارتسمت البسمة على شفتيها
" لقد بدأت في تماثل الشفاء , انخفضت حرارتك قليلاً "
" أجل أرجوا أن ينتهي هذياني " كانت جملة متمنية بحق
" إذا كنت تشعر بخير ؛ لديك زائر بالأسفل "
أومأت لها ثم بدلت ملابسي و أنا أظن أنه صديقي الحميم , طويت الدرج مسرعاً تعلو وجهي بسمة الشوق .. يالها من مفاجأة , فتى مطرق برأسه إلى الأرض , تلك الملابس , لون الشعر ذاك , وأول ما بدر إلى ذهني أني أهذي مجدداً , لكن لشيء ما أكملت خطواتي ببطء وجلست مقابلاً له , لم أتفوه بشيء لحمته يعصر قدميه بيديه ويرفع رأسه في ذلك الخوف المميت , هذا ما أخبرتني به تلك العينان , صريحتان تخبراني بالحقيقة , لون العيون ذلك ..
" لمــ .. لماذا تحاول قتلي ؟ ألم يكفي أنك قتلته ؟ "
كنت أحس بنبضات قلبه تتسارع , ورغم أن قلبي أنا من كاد يتوقف عن النبض ؛ على أثر تلك الكلمات المرتجفة , ورغم أن عيني كادت تُقتلع من مكانها , إلى أن ذلك الشعور الغريب الذي دفعني للنهوض غير مبالٍ , وأتحرك عدة خطوات بعيداً عنه دون أن أسحب ناظري عنه , وأنادي بأعلى صوتي المبحوح
" أمي , اتصلي بالشرطة رجاءً "
لم يلتفت إلي بل ظل مطأطأً في سكون وخوف , كان الصوت الوحيد هو صوت خطوات أمي القلقة , فالحاجة إلى الشرطة ليس شيئاً عادياً , وليس طلباً عادياً أيضاً .
" ماذا هناك ؟؟ "
ما كدت ألتفت لوجودها حتى أحسست بحركة خلفي .. حتى أحسست بحركة خلفي لم أجد بعدها أحداً , لقد اختفى , ظللت أتابع وأناظر ذلك المكان بدهشة , التفت بعدها " لا شيء " بالتأكيد لم تكن الكلمة لتخفي قلقها .. أحسست بيدها تمتد إلى عنقي , فتخرجني من شرودي
" ما هذا بني ؟؟ يا إلهي .. أحاول هذا الشاب قتلك ؟ لهذا طلبت مني الاتصال بالشرطة ؟! "
التفت إلى يساري بسرعة حيث المرآة فأجد آثار أصابع يد على عنقي ... لم أتحمل الصدمة , أغشي علي , أجل ذهبت إلى عالم اللاوعي , هارباً بذلك من خوفي ودهشتي ..
~
جلست ممسكاً تلك البطاقة , آخر ما تبقى من ذلك اليوم , وجدتها حيث كان جالساً بعد نهاية الأمر ..
الاسم : ـــــ , العمر : محدود , المهنة : هارب
حقاً لكم تعجبت مما كُتب فيها , مضت أيام هادئة على ذلك اليوم , تنهدت ووضعتها جانباً ؛ فقد نزلت إلى ذلك الزحام في حفل يوم ميلادي , حيث مُلأ المكان بالأصدقاء والأحباب وكانت ليلة مبهجة وصاخبة , وقد جاء وقت إعطاء الهدايا في النهاية , الجزء المفضل لدي من الحفلة , وقفت أمام تلك الطاولة الكبيرة الفارغة لكي أستقبل الهدايا عليها , واحدة بواحدة منهم .
دُهشت وخفت حين رأيت ذلك الشاب مرة أخرى , كان يقف في الجهة المقابلة لي , وضع هدية غُلفت بغلاف أسود زُين بخطوط فضية لامعة طولية , وشريط أصفر اللون وصغير .. وضعها على حافة الطاولة , كانت عينه تُشع جرأة هذه المرة وليس خوفاً كالمعتاد , ثم دفعها بكلتا يديه لتتحرك وتصل إلى يدي وقد رأى الجميع أنه تصرف فظ منه .
أخذت أحدق بها إلى أن قال " افتحها " بصوت خافت , حينها رمقته بحدة وقلت في سخرية
" فتح الهدايا بعد مغادرة الضيوف "
كرر كلمته مرة أخرى بصوت أعلى قليلاً دون أن يكترث إلى ما قلت , فلم أجد مفراً غير أني أجبت
" إذاً افتحها أنت !! " ودفعتها إليه كما دفعها إلي .
كانت عيناه تخبراني أنه لن يفعل , ولم يفعل بالفعل , كان ما وُجد في تلك الهدية فيما بعد , هو حقيبة بها لا شيء , أجل لا شيء تقريباً .. وهذا ما أذكره من ذلك اليوم ...
في المرة التي رأيته فيها بعد , فعلت ذلك الشيء , فقد رأيته مجدداً , وفي تلك المرة , تصرفت من تلقاء ذاتي وبدون وعي راشد لما أفعل , وقد أحكمت كلتا يدي على عنقه بعد أن باغته , سمعته وهو يلهث آخر أنفاسه وأنا أعصر رقبته بيدي هاتين , لقد قتلته بيدي ولم أعلم من هو ؟ أو لماذا فعلت ذلك ؟ ... لكن عيناه أخبرتني أن كان يعرف منذ البداية , ربما من اللحظة التي رآني فيها , أجل فإنها عيون لا تكذب أبداً .

[عيـــون لا تـكذب]


مذكرات : جيــن كازويا


الصفحة : [0]

.::!::.

بقــــلم : آلوني ( نانا-سان)

كيــفكــم وأخباركـــمـ ؟! .. إن شاء الله تمــاآمـ ..

أتمنى يكــون عجبكم الهبل الي فوق , في الواقع اممم .. كنت فكرت شوية في تجربة الغموض

وجاتني بهذه الطريقة , لكن صراحة ما حسيت أنها جذابة أو غامضة بالشكل المناسب

عشان كذا راح تكون مجموعــة من القصص وبنفس الشكل إن شاء الله

محاولة لإحباكا لغموض وهذه التقنية <- صارت تقنية ..

بتقمص شخصية ( الإسم الذي ورد في النهاية ) وكأنها مذكرات ..

<<< مع إصرار من أختــي إني أشرحلكم هذه النقطة XD

أتمنى أعرف آرائكم , ونقدكم .. ولكم مني أرق تحيـــة ~

الإنتقـــــاد جســــر النجــــاآح ..

في أمــــان الله

جانا ~

جيده لكن تفتقد إلى قليل من التكتيك
واصلي ~

غموض رائع وقصة أروع كلمات فصحى متقنة

قصة مشوقة كما لو أنني أعيش مع القصة

لك {ي} مستقب {ل} زاهر




{إذا قصرت يدك عن المكافأة فليصل لسانك بالشكر}

شكراا

asmaa**
يب هذه النقطة أعرفها
شكرا!

dek2on

الحمد لله أن هذا الشيء واصل .. كنت الي أحاول أسويه وأنا أكتب
ألف شكر لك ع الرد والمرور وإبداء رأيك ..
الله ولي التوفيق

في امـــان الله

وعليكم السلام ورحمة الله نانا..

قصاصة أخرى من دفترك، جميلة كما سبقتها من قصاصات..

لكن كانت تحتاج لمزيد تفاصيل فمثلاً لم أجد سبباً منطقياً لقتل الفتى.

صحيح أننا نخاف ما نجهل، لكن أن نقتل ما نجهل لمجرد الجهل أمر غريب قليلاً..

ربما لو أَظهرت ِ بعض الحقائق _ على لسان كاتب المُذكرات بالطبع _ لكان أكثر تكاملاً..

راقتني صور عدة كتعبير " أجل ذهبت إلى عالم اللاوعي , هارباً بذلك من خوفي ودهشتي .. "

ويبدو أننا سنغير مثل من الحب ما قتل إلي.. " من العين ما قتل " !

سلمت الأنامل عزيزتي، والمعذرة منك ِ نالك ِ من شري جانب..

أتوقف عند هذا القدر..

~ MissCloud ~