ذكرى عيد ملون أراه بـ الأبيض والأسود
لم أستطع النوم ليلاً... بما أنني قد نمت عصراً حتى موعد الإفطار... وهذا لم يكن في الحسبان أبداً... تناولنا الإفطار... دون علم منا بأنه سيكون آخر إفطار لنا في رمضان هذا العام... وشيئاً فشيئاً... انتشرت رائحة الحيرة في المنزل... فهل نذهب للتراويح أم لا؟ فإن كان العيد غداً... فلا حاجة لذلك... وإن لم يكن... فأبواب المسجد مفتوحة على مصراعيها... ولكن في النهاية... فضلنا الذهاب... فإن كان العيد غداً فـ" عيدكم مبارك "... وإن لم يكن فصلاتنا خير لنا... في الواقع... أنا بقيت في المنزل مع أخي الصغير... وفوق كاهلي كم كبير من الأعمال المنزلية لأنجزها... إن مجرد التفكير في الكلمتين " أعمال منزلية " يجعل الانزعاج والملل والغضب يدبون في جسدي... ولكن ماذا أفعل؟ فغداً عيد... أعني أنه من المتوقع أن يكون كذلك... وهذا ما هو الأمر المفترض أن أفعله... مما كدر مزاجي...
ذهبوا جميعهم... وبدأت العمل... وبعد انتهائي تقريباً... أي بعد 45 دقيقة من العمل المستمر... عادوا... وهذا أمر غير عادي... ففي العادة يأتون بعد ساعة تقريباً... إذن... لابد أن يكون العيد غداً!!! في الواقع... لا أدري لماذا شعرت بأن العيد بلا طعم هذا العام... كالعام الماضي... أو ربما أسوأ... أممممم... أمر محير جداً... ولكني أظن أنه كلما كبرنا في السن فقدنا طعم العيد الحلو... والسبب... الله أعلم به...
لا يهم... ليلاً... ظللت مستيقظة... كان من المفترض أن أنام في الساعة 1:30 ولكني لم أستطع لأني وكما ذكرت نمت عصراً... مما قضى على كل تعبي ونعاسي... نهضت من فراشي في 2:25 تقريباً... قاصدة الصالة لمشاهدة التلفاز... وكانت أختي قد سبقتني إلى هناك... بتنا نشاهد التلفاز حتى 3:35 تقريباً ثم أغلقته بعدما ذهبت أختي... فموعد أذان الفجر قد اقترب... وكان علينا أن نتهيأ للصلاة... إلاّ أنه كان هنالك زمن كاف لكي أكمل القليل من سورة البقرة... إذ بدأت بالعكس هذا العام محاولة ختم القرآن الكريم تلاوة... فكثيراً ما كنت أقرأ سورة البقرة ثم آل عمران ثم النساء وأتوقف بسبب طول تلك السور... لذا... كانت بالنسبة إليّ آخر سورة طويلة في القرآن... كنت في الليلة الماضية قد قرأت منها حتى وصلت إلى آيات جعلتني على بعد 100 آية قريباً من إنهاء السورة...
كانت جدتي قد خططت للذهاب إلى المسجد مشياً على الأقدام قبل صلاة الفجر حتى تضمن مكاناً في الصفة الأولى... لذا كنت معها فيما كانت تفعل... لأنه في العام الماضي كان مصلى النساء ممتلئ كثيراً... ومن جاءت قبل صلاة العيد بربع ساعة... لم تجد لها مكاناً حتى للجلوس!!!
المهم... ارتديت أنا وجدتي عباءاتنا وتوضأنا... في الواقع... أنا لم أرد أن أذهب إلى المسجد مشياً... فالمسافة ليست قريبة نسبياً –بالنسبة إليّ أنا- فتأكدت من أمي... ولكنها قالت لي بأننا جميعنا سنذهب قبل صلاة الفجر إن شاء الله... ظللت أقرأ في سورة البقرة عندما كنت في المنزل... وفي السيارة... إلى أن وصلنا أنا وأمي وأبي إلى المسجد... كنت أرجو أن أستطيع أن أكمل سورة البقرة في المسجد قبل صلاة العيد... أما سورة الفاتحة... فلقد كنت أفضل أن أقرأها بعد الصلاة... وكما يقولون " مسك الختام "...
وصلنا إلى المسجد والأذان... عندما دخلنا إلى المصلى... لم يكن هناك أحد غير ثلاثة نساء... اثنتان طاعنتان في السن أعرفهما وتعرفانني... وامرأة أخرى من الهند...ثم صلينا... وحملت كتاب ربي ثم بدأت أقرأ... كنت أقراءة... أقرأ وأقرأ آملة أن أكمل السورة... وبعدم تسرع في التلاوة... وعندما وصلت إلى آخر آية كانت النساء قد ازددن...
{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }... أحسست برغبة في البكاء... فرحاً... وكنت أدعو ربي راجية أن يتقبل كل جزء قرأته... كل حزب قرأته... كل سورة قرأتها... كل آية قرأتها... كل كلمة قرأتها... وكل حرف نطقته... كنت أدعوه من كل قلبي... فهذه هي المرة الأولى في حياتي كلها التي أختم فيها القرآن تلاوة... والحمد لله أنني استطعت أن أكمل السورة قبل الصلاة... وقبل أن نردد العبارة تلك التي لها أثر في قلبي... عبارة عنت ومازالت تعني لي الكثير " الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله... الله أكبر الله أكبر ولله الحمد " كنت أرددها قاصدة كل حرف فيها... وعند 5:46 أقيمت الصلاة...
كنت أتمنى ألاّ تحضر أي امرأة ابنها الصغير... ففي العام الماضي بكت طفلة طوال الصلاة... أما في العام الذي قبله فجرى الأمر ذاته تقريبا... حسناً... أمنيتي لم تتحقق تماماً... ففي الخلف... وبين النساء الواقفات اللاّئي لم يجدن مكاناً... كان هنالك طفل صغير... كان يبكي ويصمت... ولكن الحمد لله علة كل حال... بعد الصلاة... ارتفعت أصوات النساء قليلاً يباركن لبعضهن البعض العيد المبارك...ولكن الإمام بعدها كان قد خطب خطبة بسيطة وموجزة عن العيد وجماله... وبعدها... ارتفعت الأصوات هنا وهناك " عيدكم مبارك ... كل عام وانتم بخير... عيد سعيد " كم أحببت ذلك المنظر... ذلك المنظر الذي تصافح النساء بعضهن البعض قائلات تلك العبارات... مع أن الواحدة منهن لا تعرف الأخرى!!! ما أجمل ذلك المنظر...
خرجنا من المصلى فإذا بالكثافة السكانية عالية !!! وكل يصافح الآخر... منظر رائع... ساحر... ولكن كان وما يزال هنالك ألا وهو أن هنالك رجال لم يجدوا مكاناً للصلاة داخل المسجد فبسطوا بعض الجرائد والأوراق ليصلوا عيها... ولكنها كانت قد خربت منظر الشارع... فـ 60% تقريباً كانوا لم يرموا ما صلوا عليه في المكان المخصص له... منظر أكسب الشارع لمسة شوهته بعدما كان في أبهى حلة...
المهم... صعدنا إلى السيارة وباركنا لبعضنا البعض العيد... ثم باشرت في قراءة سورة الفاتحة... وكم كانت سعادتي غامرة... مما دفعني لأن أقول " باركوا لي " فبارك الجميع لي ثم سألوا عن السبب... فأخبرتهم بأنني ختمت القرآن تلاوة... يا له من شعور لا يوصف...
إن كل شيء سعيد... بإمكاني رؤية ذلك بوضوح... فالشمس باردة... جعلت غرفتي ذهبية حرفياً... والنسيم يهب علينا... والخلق من حولي في حبور وسعادة... إلاّ أن العيد ملون بكل ما فيه من مشاعر... ولكن لا أدري لماذا أراه بالأبيض والأسود!!!
حرر: اليوم 20\9\2009
1\شوال\1430
الساعة: 7:27 صباحاً
في امان الله
المفضلات