وقفات لا بد منها
الوقفة الخامسة
شؤم الذنوب والمعاصي
قال بعض السلف :المعاصي سلسلة في عنق العاصي,لا يفكه منها إلا الاستغفار والتوبة .
وقال بعضهم :أرقهم قلبا أقلهم ذنوبا .
وقال بعضهم :ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة.
وقال بعضهم :من علامة من غرق في الذنوب أن لا ينشرح صدره لقيام الليل وصيام النهار.
وقيل لبعضهم :لا نستطيع قيام الليل. قال :أبعدتكم الذنوب.
وقال سفيان الثوري: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أصبته.
وقال بعضهم :إذا أجمع العبد على ترك الذنوب ,أتته الأمداد من الله عز وجل من كل جانب.
قال ابن الجوزي :أين من كان في سرور وغبطة ,أين من بسط اليد في بسيط البسطة ,جسروا على المعاصي فانقلبت على الجيم نقطة,بينما هم في الخطأ خطا إليهم صاحب الشرطة ,هذا دأب الزمان إن صفا فلحظه.
القارئ لقصص التائبين في عنبر الحياة -الإعدام سابقا- يقف على حقيقة الشرع الحنيف أتم بيان ,وهي شؤم الذنوب والمعاصي,فمن وقع في قتل أمه وأبيه عياذا بالله من ذلك,لا بد أنه وقع قبل ذلك في معاصي كثير دون هذه المعصية ,أسلمته معصية إلى معصية حتى وقع في هذه الورطة العظيمة..
وقديما قال السلف : المعاصي بريد الكفر
أي رسوله :وذلك أن العبد إذا أكثر من معصية الله دخل في طاعة الشيطان فيبعده ويمينه ويضله ويغويه ولا يرضى منه دون الكفر ما استطاع إلى ذلك سبيلا ,فمن أكثر من معصية الله تصير المعاصي هيئات راسخات ,حتى يفعل المعاصي ولا يجد لذة في فعلها ,ولكنه يخاف من الألم عند فراقها .
كما قال بعضهم :
وكأس شربت على لذة ,, وأخرى تداويت منها بها
وقال آخر :
فكانت دوائي وهي دائي بعينه ..كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
فالمعاصي يولد بعضها بعضها ,كما أن الطاعات يولد بعضها بعض.
فإذا تكاسل عن معصية الله نزلت عليه الشياطين ,تؤزه إليها أزها ,وتزعجه إليها إزعاجا.
كما قال تعالى : "أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا"
فوقوع هؤلاء الشباب في هذه الجرائم الخطيرة,والفواحش العظيمة كان بسبب ذنوب أخرى,أضاعت عليهم دنياهم,وصاروا في السجون وهي مقابر الأحياء,وينتظرون في كل صباح أن يعلق في رقابهم حبل المشنقة ,وكادت هذه الجرائم أن تضيع عليهم آخرتهم ,لولا توفيق الله لهم للتوبة والإنابة ,والاجتهاد في الطاعات.
وقد عظم الله حرمة دماء المسلمبن وأموالهم وأعراضهم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم : "إن دماؤكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يوكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.." -رواه مسلم-
وقال أيضا: "كل المسلم على المسلم حرام ,دمه وماله وعرضه" -رواه البخاري-
وقال أيضا: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما" -رواه البخاري-
وكان ابن عباس -رضى الله عنهما -ينظر إلى الكعبة ويقول :إن الله حرمك وعظمك وشرفك والمؤمن أعظم
حرمة عند الله منك.
وسد النبي -صلى الله عليه وسلم- : (الذرائع إلى هذا الذنب العظيم وهو سفك دم المسلم بغير حق فنهى عن بيع السلاح في الفتنة ,ونهى أن يشير المسلم إلى أخيه بحديدة ,خشية أن ينزغ الشيطان يده فيقع في حفرة من النار.
وأمر من يمشي بين المسلمين يحمل سهما أن يأخذ بنصالها خشية أن تصيب مسلما)
وأعظم الذنوب بعد الشرك بالله قتل المسلم بغير حق ..قال تعالى : "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مؤمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا"
ثم قال عز وجل : "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا "
فإذا كان هذا جزاء من قتل مؤمنا ليس له عليه حق إلا الأخوة الإيمانية فكيف بمن قتل أحق الناس ببره,وأعظم الناس عليه حقا بعد الله ورسوله..
وكأني بهؤلاء الذين وقعوا في هذه الذنوب العظيمة بعد أن شرح الله قلوبهم بالإيمان ,وأحياها ببراهين القرآن كلما تذكروا جرائمهم تتقطع قلوبهم,والله أسأل أن يغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم,ويتجاوز عن سيئاتهم,وإن كانت عظيمة فرحمة الله أوسع ,وأسأله تعالى أن يجنبنا وإخواننا المسلمين طرق الغواية والشياطين فإنها طرق مشئومة,ليس فيها إلا النكد ,والغم,والخراب,والدمار,والبوار في الدنيا,والعذاب الدائم في الآخرة.
المفضلات