بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
المُوتِر يعترف : كنت قبل مدة ( احسبوها بالشهور ) قد فكرت في كتابة هذا الموضوع .. إلا أنه طال علي الأمد فنسيت أن أكتبه ( <<< حقًّا : لا تعليق !!! ) .. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي فتحت فيه موضوعًا في المكتبة الإسلامية به بعض الكلام عن عطف الوالدة .. وكانت كاتبته هي الأخت : دلوعة صحبتها .. فتذكرت حينها أن أكتب هذا الموضوع ( !!! ) ..
وقد يقول قائل : طيب .. وماذا عملت لك الأخت : دلوعة صحبتها .. هي لم تكتبه لتذكرك .. فيكون جوابي حينها :
إنـــه مجـــرد اعـــتراف !!! ..
بسم الله الرحمن الرحيم
التوحيـــد .. فـبر الوالدين .. لمـــاذا ؟!!
الحمد لله رب العالمين .. رازقهم ومربيهم إلى يوم الدين .. وصلى وسلم على رحمته للإنس والجن أجمعين .. ومنقذهم من الظلام إلى النور المبين .. والحق اليقين .. ومن وحول النكران إلى جنان العرفان .. وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الحساب والبيان .. وبعد :
كلنا نعرف تمام المعرفة أن الله – سبحانه وتعالى – ثنَّى على الأمر بتوحيده بالأمر ببر الوالدين .. وكلنا – كذلك – درسنا ولُقِّنَّا أن ذلك ما كان إلا للتنويه والتنبيه إلى حق الوالدين وواجبات الأبناء العظيمة تجاههما ..
ولكن .. أما حان الوقت لنفسر – أو على الأقل " نحاول " أن نفسر - : لِمَ بالذات بر الوالدين هو الذي اختاره ربنا من بين كل الحقوق والأوامر التي من الممكن أن تحل محل بر الوالدين ؟!! .. فكل فعل وقضاء من الله – تعالى – كما نعلم لا يخرج عن حكمة بليغة وغاية سمية ..
وفي الحقيقة لا أظن أننا قادرون على تفسير ذلك حقًّا إلا بعد أن نسبح في خيالنا بعض اللحيظات .. فنتخيل :
أن امرأً من الناس استطاع – ولو كان هذا محال في عالم الواقع – أن يخترع إنسانًا آليًّا ينمو كنمو الإنسان .. ويشعر بمشاعر كمشاعر الإنسان .. وينفعل كانفعال الإنسان .. وهذا المرء قد استخلص من دماغه عصارة جهده وخلاصة تعبه ليخترع هذا الإنسان .. وقد علق فيه أمله .. ووضع فيه جزءًا من وجدانه ارتباطًا به ..
فكيف يكون ذاك المرء المخترِع لذاك المخترَع ؟!! ..
ألا يكون حانيًا .. عاطفًا .. مشفقًا – خاصة وهذا الإنسان الآلي في بدايته لا يقدر على قيام بعمل .. ولا أداء لمهمة .. ولا يستغني بحال عن مخترِعه - ؟!! .. بلى !!! ..
فيا أخي وأختي في الله :أمَا رأيت أن ربك الرحيم – الذي أمسك عنده تسعة وتسعين رحمة .. وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة – هو الذي خلقك ضعيفًا .. ورباك فقيرًا .. واعتنى بك محتاجًا .. ورزقك من حيث لا تحتسب .. فكم تمنيت من نعمة فأعطاكها .. وكم أحببت من هبة فحباكها .. وكم كان لك من أمر عسير فيسره .. وكم كان عليك من أمر شديد فخففه .. وكم ... وكم ... وكم من امرئ قد رأى من لطف ربه ورحمته وعظيم عطائه وواسع نعمته ما ألجم لسانه وأذرف دمعه واستفاض عبرته – وكل امرئ أعلم بذلك من غيره - ؟!! ..
أخي وأختي : أما رأيت أن ذَينَك الوالدين كان لهما حظٌّ مما ذكرتُ – وإن قل عما لله – سبحانه - منه - ؟!! .. ألم تخرجكَ أمك من رحمها .. وأعطتك من وقتها .. ووهبتك من حنانها وعطفها وعظيم حبِّها ؟!! .. وألم يَجُد والدك عليك بالحب وليدًا .. وبالإعجاب صغيرًا .. وبالمجاراة وبطيب الصحبة طفلاً ؟!! ..
أحبائي في الله : إن ربنا – عز وجل وعلا في عليائه – ما ذكر بر هذين الوالدَين بعد توحيده إلا لأنه وهبهما من الصفات والخصال ما جعلهما مثالَين مصغرَين نستدل بهما على عظيم رحمة الله – تعالى – بعباده .. وكريم فضله عليهم .. فإذا أردت أن ترى كيف هو ربك بالنسبة لك : انظر إلى والديك .. كيف هما بالنسبة لك .. وكيف هما يشعران نحوك .. فسترى عند ذلك صورة مصغرة عما عند الله - عز وجل - لك - يا أيها الإنسان !!! - ..
إخوتي وأخواتي : أعود وأستأذن حضراتكم في سباحة تأملية أخرى !!! ..
هل تذكر ذلك المخترِع الذي تخيلناه سابقًا ؟؟؟ .. تُرى لو أن ذلك الإنسان الآلي الذي اخترعه أصبح عندما كبر واستغنى عنه – أصبح يسبه ويشتمه ويسفهه ويعصيه ويعقه .. ماذا تظنه فاعل .. وبماذا تراه يحس ؟!! .. إنه بكل تأكيد يتحسر ويتقطع فؤاده على أيام كان فيها هذا الآليُّ محتاجًا له .. عندما كان هذا المخترِع هو الذي يغذيه وينميه في كنفه وضمن رعايته وتحت ناظريه ..
فهذه شفقة ذاك المخترِع على ذلك المخترَع العاق .. فكيف ترى شفقة الوالدين على أبنائهما العاقين ؟!! .. بل كيف ترى شفقة الباري – سبحانه وتبارك اسمه – على مخلوقاته الضعيفة الكافرة الجاحدة هذه ؟!! ..
لا إله إلا أنت – سبحانك - .. إنا كنا من الظالمين !!! ..
اللهم ارزقنا بر والدِينا ورضاهم .. وارزقهم برنا وإرضاءنا .. اللهم يسر لنا برهم .. وأبعد عنهم عقوقنا .. واجعلنا خير أبناء لهم .. واجعلهم خير والدِين لنا .. إنك سميع مجيب .. رحيم قريب .. غفور كريم ..
هذا والله – سبحانه – أعلم .. وصلى الله – تعالى – على عبده ورسوله وخليله .. حبيبنا وقدوتنا وقرة أعيننا : محمد بن عبد الله .. وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين – إلى يوم الدين ..
والحمد لك يا ربنا دومًا .. وأبدًا !!! ..
ggggggggg
المفضلات