ما أجمل أن يحقق الانسان أمانيه و طموحاته, خاصة عندما يتصدى لكل الصعاب التي تعترضه في طريقه و يتعلم منها ..
هكذا هي منذ أن قدمت الى مدرستنا في ذلك اليوم.. رأيتها فتاة رقيقة هادئة تحب الجلوس بهدوء.. جذبتني اليها لا بما ذكرت ولكن برقة ملامحها و حلاوة ابتسامتها.. تعمدت أن ابتعد عنها؛ لأن في اعتقادي أنها فتاة منعزلة و أنا بطبعي فتاة اجتماعية لا أحب العزلة اطلاقا.. لكنها ما زالت تشدني اليها و أحببتها شيئا فشيئا بدون أن أشعر الى أن اقتربت منها بجلوسي خلف مقعدها!!
انتبهت لذلك.. بدأتني بالسؤال عن نفسي و أهلي..الخ و أنا بدوري بادلتها الأسئلة.. كانت فتاة تظهر ملامح الاخاء و المحبة في عباراتها.. بدأت ألازمها, أصبحت هي صديقتي.. الى أن اكتشفت الحقيقة.. كانت مسكينة تعاني من ظروف أسرية قاهرة.. فأبوها تخلى عن أمها و تركها معلقة ولا يرسل لهم أي مبلغ من المال رغم علمه بحالتهم .. كانت هي أكبر أخوتها الخمسة.. تدرس في الصباح و تعمل في المساء في أحد مشاغل الخياطة؛ لتؤمن لأفراد أسرتها لقمة العيش.. و تضمن تكاليف علاج أمها المريضة.. كان جميع الأقارب نسوهم و ان تذكروهم فهو بالسؤال ليس الا.. كانت كلما تكلمت عن أهلها و حالتهم ذرفت الدموع أما أنا فكنت أحاول أن أصرف عنه الموضوع و أخفف عنها..
كنت أتمنى لو أني أملك مبلغا كبيرا من المال لكنت قد ساعدتها به, و لكن أنا أيضا على قدر حالتي.. كان هناك ثمة شيء لمحته فيها ألا و هو اجتهادها و ذكائها, كانت تعد من المتفوقات في صفنا.. سألتها ذات مرة: كيف تستطيعين التوفيق بين المدرسة و عملك؟ أجابتني بأنها تأخذ بالأسباب و تتوكل على رب الأسباب, كان هذا جوابها بكل وضوح و اختصار..
ومرت الأيام و اذا بنا نقف على أبواب الامتحانات النهائية.. كنت دائما أكرر عليها النصائح و الخطط لتحقيق الدرجات العالية و لكنها كانت لا تعمل بها , و كنت أقول في نفسي ربما لها أهدافها و خططها المرسومة من فبلها فتركتها على راحتها..
و دخلنا الامتحانات و خرجنا منها و انتظرنا بفارغ الصبر النتائج.. الى أن ظهرت لتعلن الناجح و غيره.. و اذا بي أراها مسرعت نحوي و وجهها قد انفتح على ابتسامة عريضة لتخبرني بنجاحها و ححصولها على درجة عالية..
فرحت لها من كل أعماق قلبي و احتضنتها فاذا بها تبكي.. سألتها عن سبب بكائها و قد حققت كل هذا النجاح.. فأجابتني أنها دموع فرح بأن ربي قد وفقها و ساعدها ثم ودعتني بعد ذلك و أخبرتني انها ستنتقل الى بيت خالها الذي عرض عليهم ذلك لعدم قدرتهم على دفع ايجار المنزل.. احتتضنتها مرة أخرى وهذه المرة اذا بي أنا من يبكي حزنا على فراق انسانةعظيمة استطاعت بكل عزيمة تحقيق ما تريد.
الشكر موصول من الآن لكل من قرأ قصتي.. و دمتم في حفظ الله.
المفضلات